تصاعد الجدل حول مجموعة بوهرلي المعروضة في متحف الفنون بزيورخ
«إنها إهانة لضحايا الممتلكات المنهوبة المُحتملين»! عرض مجموعة بوهرلي في متحف الفنون بزيورخ يُثير غضب وحنق أعضاء سابقين في لجنة بيرجييه.
تثير مجموعة بوهرلي المعروضة في متحف الفنون بزيورخ جدلاً واسعاً. وتعتبرها لجنة بيرجييه، التي تضم مؤرخين مستقلين، إهانة للضحايا الذين تعرّضوا للنهب من طرف النظام النازي.
في شهر أكتوبر 2021، افتتح متحف الفنون بزيورخ جناحاً جديداً لاستقبال حوالي مئتي لوحة فنية تمت استعارتها من مجموعة إيميل جورج بوهرلي. وكان هذا الصناعي قد جمع ثروة من بيع الأسلحة إلى ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وقام باقتناء أعمال فنية منهوبة من قبل النازيين واستفاد في نشاطه الاقتصادي من العمالة القسرية.
وكان قرار عرض مجموعة بوهرلي الفنية ـ بما في ذلك بعض اللوحات التي يُعتَرَض على ملكيتها ـ قد تعرّض لهجوم واسع في وسائل الإعلام وفي كتاب إيريك كيلير الجديد «المتحف الملوث» (Das kontaminierte Museum).
اليوم، وبعد مرور حوالي عشرين عاماً على نشر نتائج تحقيقاتهم حول الدور الذي لعبته سويسرا خلال الحرب العالمية الثانية، يُدين أعضاء سابقون في “لجنة بيرجيهرابط خارجي” أيضاً عرض هذه المجموعة الفنية. ويُطرح من جديد السؤال لمعرفة ما إذا كانت سويسرا قد فعلت كل ما بوسعها لتجاوز تواطؤها مع النازية أم لا.
وكان قد تمَّ إنشاء لجنة بيرجيه في عام 1996 رداً على الاستنكار الدولي بشأن رؤوس أموال اليهود المُودعة في الحسابات المصرفية السويسرية وبسبب دور البلاد غير المدروس في تمويل ألمانيا النازية.
«الوضع الراهن في زيورخ هو إهانة للضحايا المحتملين»، بحسب ما قال أعضاء سابقون في لجنة بيرجيه، في بيان صحفي نُشر يوم 7 نوفمبر الجاري، ومن بينهم ساول فريدلاندر، الأستاذ الفخري في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وهارولد جيمس، أستاذ التاريخ في جامعة برنستون.
البيان الصحفي تقدم بثلاث طلبات. فمدينة وكانتون زيورخ مُطالَبان بإجراء تقييم مستقل لعمليات البحث التي أجرتها مؤسسة بوهرلي حتى الآن حول أصول هذه الأعمال الفنية. ويجب على متحف الفنون بزيورخ تكليف خبراء مستقلين لمراجعة الوثائق الخاصة بمجموعة بوهرلي التي يقوم بعرضها. وأخيراً، يتعين على الحكومة الفدرالية إنشاء هيئة مستقلة تعمل كوسيط بين مقدمي الشكاوى، وجامعي الأعمال الفنية والمتاحف للتوصل إلى حل عادل ومُنصِف.
في نفس السياق، يتساءل الأعضاء السابقون في اللجنة بالقول: «لماذا لا يُوجد لدى سويسرا، كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، كيان مستقل يسعى لإيجاد حل عادل ومُنصِف لجميع الأطراف عندما تكون هناك قضايا متعلقة بالمُلكية؟».
من جهتها، تعتبر كورين ماوخ، عُمدة مدينة زيورخ، الموقف الذي اتخذه الأعضاء السابقين في اللجنة بمثابة «مساهمة مهمة في نقاش جوهري». وصرَّحت بأنَّ المدينة ستبحث عن طرق لضمان تقييم مستقل لعمليات البحث التي تجريها مؤسسة بوهرلي حول أصول التُّحف والأعمال الفنية الموجودة لديها. أما المطلب الثالث، أي إنشاء هيئة وطنية لتقييم الشكاوى، فهو يحتاج إلى «إجراء مهم على المستوى الفدرالي» حسبما أشارت.
سويسرا.. تلميذ غير نجيب!
كانت سويسرا، إلى جانب أكثر من أربعين دولة أخرى، قد وافقت في عام 1998على مبادئ واشنطن (غير المُلزمة) بشأن الأعمال الفنية المُصادَرَة من قبل النازيين. وبموجب هذه المبادئ، وافقت الحكومات على تشجيع المتاحف للبحث عن أصول الأعمال الفنية والتُّحف، ومعرفة تلك التي استولى عليها النازيون والبحث عن «حلول عادلة ومُنصِفة» مع المالكين الأصليين وورثتهم.
كما أنها اتفقت على إنشاء «آليات جديدة لتسوية الخلافات تسمح بحل المشاكل المتعلقة بحقوق الملكية». ومنذ ذلك الحين، قامت خمسُ دول، وهي ألمانيا والنمسا وفرنسا وهولندا والمملكة المتحدة، بإنشاء لجان مستقلة للبت في الشكاوى. إلا أنَّ سويسرا، التي كانت نقطة عبور للتحف المنهوبة من طرف النازيين قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، لم تحذ حذوها.
بدوره، يؤكد بينو فيدمر، رئيس قسم المتاحف والمجموعات الفنية في المكتب الفدرالي للثقافة، قائلاً: «في سويسرا، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الحالات الفردية الخلافية في هذا المجال. ويقع إيجاد حل عادل ومُنصف على عاتق الأشخاص المتورطين، وفقاً لمبادئ واشنطن». وأضاف بينو فيدمر: «إذا ازداد عدد القضايا الخلافية، فيُمكن إعادة النظر في تحكيم لجنة خارجية».
مثال غورليت
أبرمت بعض المتاحف السويسرية اتفاقيات مع عائلات هواة جمع اللوحات والأعمال والتحف الفنية الذين تمَّ نهب ممتلكاتهم الفنية من قبل النازيين أو أُجبروا على بيعها. وبالفعل، قام متحف الفن في برن، الذي ورث مجموعة كورنيليوس غورليت الفنية المثيرة للجدل، بإعادة العديد من الأعمال والتحف الفنية إلى ورثة مالكيها الأصليين.
من ناحيته، وافق متحف الفن في بازل في عام 2020 على دفع تعويض لورثة كورت غلاسر، مدير المتاحف الشهير والناقد الفني اليهودي الذي باع مجموعته الفنية قبل فراره من ألمانيا النازية. ويُعتبر هذا تحولا عن الموقف الذي اتخذه في عام 2008: عندما رفض المتحف طلب الورثة، مُدَّعياً أنه كان قد حصل على التحف الفنية بحسن نية وبأسعار السوق.
وفقاً لتوماس بومبيرجيه، وهو مؤرخٌ ومؤلفٌ لكتاب جديد عن مجموعة بوهرلي الفنية («الكتاب الأسود لبوهرلي»)، فقد كان من الممكن الحسم في دعوى كورت غلاسر وغيرها بسرعة أكبر عن طريق لجنة مُحايدة. وقال بومبيرجيه مُعرباً عن استيائه: «من المخجل عدم تشكيل أية لجنة ـ إنه فشل ذريع. لكنني لا أعتقد أنَّ الأوان قد فات. ربما سيُعطي هذا النقاش الزخم اللازم».
ويشير توماس ساندكوهلر، أستاذ التاريخ في جامعة هومبولدت في برلين والعضو السابق في لجنة بيرجييه والموقع على الإعلان، إلى أنَّ غياب هيئة مستقلة مُكلَّفة بتقييم النزاعات «يجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للأطراف المُتقدمة بالشكاوى. إذ أنه ليس لديها أيّ مكان تلجأ إليه».
على سبيل المثال، طالب خوان كارلوس إيمدن للمرة الأولى قبل أكثر من عشر سنوات بلوحة «حقل شقائق النعمان بالقرب من فيتوي» للفنان كلود مونيه، والتي تعود إلى عام 1880 والموجودة ضمن مجموعة بوهرلي. ويؤكد أنَّ والده، هانس إيريخ إيمدن، باعها بسبب الاضطهادات النازية. وكان هانس إيريخ إيمدن ابناً لأحد أقطاب المتاجر اليهودية الألمانية التي استولى النازيون على ممتلكاتها في ألمانيا بعد هجرته إلى سويسرا.
غير أنَّ مؤسسة إيميل جورج بوهرليرابط خارجي ترفض طلب خوان كارلوس إيمدن، مؤكدة أنَّ البيع لم يتم بالإكراه. ولا جدوى من رفع دعوى قضائية وذلك بسبب تجاوز فترة التقادم والعقبات التقنية الأخرى في قضايا النزاعات المتعلقة بالملكية والتي تعود إلى عدة عقود. وبالتالي، فليس لدى خوان كارلوس إيمدن أي وسيلة للحصول على حكم قضائي مستقل.
وتعليقاً على ذلك، يقول خوان كارلوس إيمدن، الذي يعيش حاليا في تشيلي: «لا أفهم كيف يستطيع الأشخاص الذين يُديرون ممتلكات تاجر أسلحة أن يحكموا إن كانت عائلتي قد باعت هذه اللوحة بالإكراه أم لا».
وثائق مفقودة
في السياق، يبدو أن الأعضاء السابقين في لجنة بيرجيه غاضبون للغاية لأنَّ عائلة بوهرلي روت أكاذيب في ذلك الحين. وكانت الحكومة السويسرية قد منحت اللجنة في النصف الثاني من التسعينيات صلاحيات موسعة تسمح لها بالوصول إلى السجلات الخاصة وسجلات الشركات في إطار تحقيقاتها عن الذهب والأموال والممتلكات الثقافية التي ربما تمَّ الحصول عليها بطريقة غير شرعية.
ولكن، حينما طلب أعضاء اللجنة من عائلة بوهرلي الإطلاع على سجلاتها، كان جوابها بحسب أعضاء اللجنة هو التالي: «لم يعد لدينا أيّ ملف يُمكن أن نضعه تحت تصرفكم». إلا أنه اتضح أنَّ هناك سجلات فيها معلومات مكتملة تتعارض مع هذه التصريحات.
وقام المؤرخ السويسري جورج كرايس، وهو عضو سابق في لجنة بيرجييه، بزيارة أحد أفراد عائلة بوهرلي الذي أكد له أنه لا يُوجد أي ملف باستثناء علبة صغيرة من البطاقات. وبهذا الصدد يقول جورج كرايس: «أذكر أنني تساءلت إن كان عليَّ أن أطلب من الشرطة أو من المدعي العام إجراء تفتيش، ولكنني قلت لنفسي، لو كانت هناك ملفات، لا بد أنهم كانوا سيخفونها في جميع الأحوال».
يشير لوكاس غلور، مدير مؤسسة بوهرلي، إلى أنَّ هذه الأحداث قد حصلت قبل توليه منصبه وبالتالي يرفض التعليق عليها. وفضلاً عن ذلك، يذكر أنَّ المؤسسة قد نشرت على موقعها في الانترنت نتائج البحث بشأن أصل التحف الفنية الموجودة لديها وأنَّ السجلات مُتاحة حالياً للمحققين المستقلين في متحف الفنون بزيورخ. ويضيف قائلاً: «ليس هناك ما يمنع القيام بأبحاث أكثر دقة من وجهة نظر مجموعة إيميل بوهرلي».
يُشار إلى أن آخر تطور شهدته هذه القضية جدّ يوم الأحد 14 نوفمبر الجاري، حيث أعلن لوكاس غلور عن استقالته من رئاسة مؤسسة بوهرلي نهاية هذا العام، بل هدد في مقابلةرابط خارجي نشرتها صحيفة أسبوعية ناطقة بالألمانية، حتى بسحب اللوحات مرة أخرى من متحف الفنون بزيورخ.
تؤيد مؤسسة مجموعة إيميل بوهرلي إجراء تقييم مستقل لأبحاثها حول مصدر اللوحات والتحف الفنية المعروضة منذ وقت قصير في متحف الفنون بزيورخ. وبهذا هي تتجاوب بشكل إيجابي مع مدينة وكانتون زيورخ اللذين تقدَّما بهذا الطلب يوم الأربعاء 10 نوفمبر 2021.
تُعتَبَر مجموعة إيميل جورج بوهرلي (1890 ـ 1956) «واحدة من المجموعات الفنية الخاصة الأفضل توثيقاً في العالم» وفقاً لما كتبت مؤسسة مجموعة إيميل بوهرلي يوم الخميس 11 نوفمبر الجاري. وهي توافق على «إجراء تقييم مستقل لأعمال البحث التي قامت بها خلال عشرين عاماً».
وهي توضح بأنَّ المؤسسة «على يقين بأنها قامت بالكشف عن أصل التحف الفنية على أكمل وجه». وقد قامت بإجراء عمليات البحث هذه أخصائية معروفة عملت في هذا المجال في العديد من المتاحف المعروفة «بأهميتها الدولية».
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.