مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بوابةٌ لمواجهة الانطباعات الغربية وإظهارٌ للتنوع السينمائي العربي

رجال ونساء يقفون فوق منصة أمام الجمهور
صورة التقطت لدى افتتاح فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربي في زيورخ مساء 15 نوفمبر 2018. من اليسار إلى اليمين: فيليب كون، عايدة الحسني، الأمير أباظة، أليكس بيتسترا، سامي قفطان، جود سعيد، ميرفت عمر، ومديرة قاعة "فيلمبوديوم" للعروض السينمائية في مدينة زيورخ. Cyrill Kraehenbuehl

افتتح نائب مدير دائرة الثقافة في مدينة زيورخ «فيليب كون» مساء الخامس عشر من نوفمبر فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الأفلام العربية الدولي في زيورخ؛ وذلك بحضور القنصل المصري في بَرْن محمد فودة ورئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي الأمير أباظة والفنان العراقي الكبير سامي قفطان والمخرج السوري جود سعيد والمخرج الهولندي المنحدر من أب تونسي أليكس بيتسترا والمديرة الفنية لمهرجان الإسكندرية ميرفت عمر، وعددٍ كبير من المهتمين بالثقافة العربية.

ملامح وأرقام من المهرجان 

بالإضافة إلى مصر والعراق شاركت في المهرجان سبعة بلدان عربية هي: لبنان 8 أفلام، تونس 6، الجزائر 2، الأردن 2، المغرب 1، سوريا 1، وفلسطين 1 بالإضافة إلى فيلم باللغة الفرنسية لمخرجته المغربية مليكة زيري.

بلغ مجموع الأفلام المشاركة 34 فيلمًا؛ 18 فيلمًا طويلا بينها 5 أفلام وثائقية و 16 فلمًا قصيراً بينها فيلم وثائقي وآخر متحرك.

لضمان أعلى مستوى من الفهم والتفاهم استجابت الدكتورة علا عادل، وكيلة كلية الألسن في جامعة عين شمس والمترجمة الفورية لدى الرئاسة المصرية، لدعوة إدارة المهرجان فحضرت خصيصًا من القاهرة لتقوم بدور الترجمة، وقد شكرتها إدارة المهرجان في حفل الافتتاح على تلبية الدعوة.

بلغ عدد الزوار في الأيام الخمسة الأولى أكثر من 1500 زائر، بزيادة 300 زائر عن الدورة السابقة.

جرى الافتتاح في صالة سينما Filmpodium ودامت الفعاليات خمسة أيام على أن تستمر العروض في زيورخ ومدن سويسرية أخرى حتى السادس عشر من شهر ديسمبر الجاري. زار المهرجان فيما بعد السفير التونسي في سويسرا مراد بورحلة وشارك في  أيامه اللاحقة كل من المخرج المصري أحمد عامر والمخرجة اللبنانية إليان الراهب والمخرجة الأردنية وداد شافاكوج وتخلَّفَ عن الحضور المخرج المصري محمود كامل لأسبابٍ صحية.

نائب مدير دائرة الثقافة في مدينة زيورخ «فيليب كُون» قال في كلمة الإفتتاح: «إن المهرجان أصبح تقليداً راسخًا وبات يتمتع باهتمامٍ متزايد من الجمهور.» واعتبر أن الفيلم «وسيلة تتيح لنا الفرصة لإلقاء نظرة على واقع وحياة الآخرين والتعرف على عوالم أخرى دون عناء السفر.» لكنه أشار إلى «أن الإنتاج السينمائي العربي غير مُدرج على برامج دور العرض العادية، فمنذ 2010 حتى اليوم لم يُعرض في سويسرا سوى 30 فيلمًا عربيًّا، بينما عُرض 1200 فيلم أمريكي في الفترة نفسها.»

وقال: «إن الصورة المتداولة لدينا عن العالم العربي متأثرةٌ كثيراً بما تقدمه نشرات الأخبار المرئية التي تخلق إنطباعاتٍ سريعة تنبثق غالبًا من نظرةٍ غربية.» ورأى أن «المهرجان يواجه هذه الانطباعات ويفتح أمامنا بوابة على العالم العربي، كما يُظهر لنا التنوع المثير للإعجاب الذي تقدمه السينما العربية.» ودعا «كُون» الجميع إلى تبادل نشط للآراء «يتجاوز كل الحدود الثقافية.»

فيلم الافتتاح كان بعنوان «إلى آخر الزمان» للمخرجة الجزائرية ياسمين شويخ؛ باكورة أفلامها الروائية بعد فيلمين قصيرين، وهو «مزيج فريد من الدراما الفلسفية حول اكتشاف الذات والكوميديا الرومانسية غريبة الأطوار والسخرية السياسية»؛ المديرة الفنية لمهرجان الإسكندرية ميرفت عمر قالت عن الفيلم بأنه «حالة خاصة في منتهى الشاعرية وقمّة في التميّز.»

من الأعمال المميزة التي عُرضت يوم الافتتاح أيضًا فيلم «رجل وثلاثة أيام» للمخرج السوري جود سعيد الذي «استخدم عناصر سريالية للتعبير عن مدى العبثية والوحشية التي بلغتها الحرب في سوريا».

رجل وامرأة جالسان على حافتي سرير
لقطة من شريط «إلى آخر الزمان» للمخرجة الجزائرية ياسمين شويخ الذي عُرض مساء 26 نوفمبر 2018 في حفل الإفتتاح. iaffz

اِحتفاء بالسينما المصرية والعراقية

إلى جانب المشاركات العربية الأخرى كرّس المهرجان دورته الحالية للاحتفاء بالسينما المصرية والسينما العراقية فشاركت مصر بستة أفلام؛ ثلاثةٌ منها روائية طويلة هي: «يوم للستات» من إخراج كاملة أبو ذكري و«بلاش تبوسني» للمخرج أحمد عامر و«خارج الخدمة» للمخرج محمود كامل؛ وفيلم رابع تسجيلي طويل بعنوان «أمل» للمخرج محمد صيام، وفلمان قصيران هما: «مرشِدير» للمخرجة نهى عادل و«هوس العمق» للمخرج أسامة العبد.

وشارك العراق بستة أفلام أيضًا؛ إثنان منها طويلان هما: «زمان؛ رجل القصب» للمخرج عامر علوان و«الرحلة» للمخرج محمد الدراجي؛ وأربعةٌ قصيرة هي «الشيخ نُوَّيل» للمخرج سعد علي عبد الحسين و«مصور بغداد» للمخرج مجد حميد و«كما كان أبي» للمخرج مسلم حبيب و«لغة» (رسوم متحركة) للمخرج مرتضى ﮔـْزار.

في هذا الإطار خصص المهرجان يومه الثالث للسينما العراقية فعرَض فيلم «زمان؛ رجل القصب» الذي يلعب فيه الفنان الكبير سامي قفطان دور البطولة. تأتي أهمية هذا الفيلم كونه صُوّر أثناء الحصار بتقنياتٍ غير متطورة وإمكانيّاتٍ شحيحة أكدت إصرار السينما العراقية على البقاء والاستمرار، كما إنه يطرح قضية الضحايا العراقيين الذين فقدوا حياتهم في الحصار بسبب نقص الدواء. قبل العرض جرى لقاءٌ بين الجمهور وسامي قفطان شرح خلاله الظروف التي جرى فيها التصوير وما تعرض له الفيلم على يد النظام السابق من مصادرةٍ لبعض الأشرطة التي يمكن ملاحظة غيابها خلال العرض.

في المساء انعقدت ندوة شارك فيها إلى جانب قفطان الذي تمتد مسيرته الفنية لـ 57 عامًا، مدير مهرجان الاسكندرية السينمائي الأمير أباظة والمخرجة السويسرية-العراقية عايدة شْلَيبفَر الحسني، المديرة المشاركة لمهرجان الأفلام العربية ورئيسة جمعية الفلم العربي في زيورخ.

رجال ونساء خلال ندوة حوارية
من اليمين إلى اليسار: الحسني، قفطان، أباظة والمترجمة علا عادل خلال الندوة التي نظمها المهرجان يوم 18 نوفمبر 2018 حول السينما العراقية. iaffz

أباظة، الخبير بتاريخ السينما العربية، أكد أهمية السينما العراقية في تاريخ المشهد السينمائي العربي حيث «كان العراق من أوائل الدول العربية التي انتقلت إليها السينما من مصر فشهد عروضًا سينمائية قبل الحرب العالمية الأولى وأُقيم فيه العام 1921 عدد كبير من دور السينما، ولم يأتِ العام 1946 حتى شهدنا إنتاج أول فيلم عراقي ثم مجموعة أفلام عراقية بعضها شارك فيه فنانون مصريون وبعضها أٌنجز بكوادر عراقية فقط.»

الحسني قالت «إن السينما العراقية تشغلها حاليًّا بشكل كبير بعد الدمار الذي تعرضت له خلال الحرب وطال تاريخها، وإنها تعمل جاهدةً مع صنّاع الأفلام العراقيين ليس فقط ليستعيدوا ما فُقد، بل لإعادة بناء السينما العراقية وإحيائها أيضًا»، وعن تجربتها في التمثيل داخل العراق مع سامي قفطان الذي وصفته بـ «أب السينما العراقية» و«تعلَّمتُ منه الكثير» قالت إنها تجربة رائعة على الرغم من انطوائها على خطورة.

في الأثناء عُرض فيلم وثائقي مدته ثلاث دقائق يَظهر فيه قفطان وهو يحمل أشرطة سينمائية محترقة هي جزء من الرُكام الذي خلفه القصف الأمريكي على بغداد في العام 2003، وفي هذا الصدد قال قفطان: «كنت أتمنى أن يحترق بيتي ولا تحترق السينما العراقية»، وعبر عن أمله في إحيائها وعن ثقته بهمة الشباب، خصوصًا الذين مارسوا العمل السينمائي في الخارج وعادوا إلى العراق.

اليوم التالي كان مخصصًا لمصر فعُرضت فيه جميع الأفلام المصرية المشاركة وتخلله في المساء ندوة شارك فيها كل من المخرج أحمد عامر وميرفت عمر المديرة الفنية لمهرجان الاسكندرية السينمائي بحضور رئيس مهرجان الاسكندرية الأمير أباظة.

المؤرخة والباحثة السينمائية في جامعة زيورخ «إيفلين أيشله» التي أدارت معظم الندوات قالت في تقديمها للندوة «إن مصر هي بلد صناعة السينما في العالم العربي ولها تاريخ عريق في هذه الصناعة»، وأضافت عن الأفلام المصرية المشاركة في المهرجان بأنها «بينت لنا أوجهًا مختلفة ومتنوعة ومغايرة لما هو معروف عن الأفلام المصرية.»

الجمهور من جانبه استثمر الفرصة ليطرح أسئلة متنوعة على أحمد عامر وميرفت عمر تناولت مواضيع التمويل والعقبات التي يواجهها الشباب في صناعة الأفلام ومكانة الأفلام القديمة لدى الجمهور وعن دور الكوميديا وتأثيرها في المتلقي.

الأمير أباظة ألقى من مكانه بين الجمهور مداخلة عن أهمية الكوميديا وأثرها الراسخ في السينما؛ وقدم مثالاً على ذلك الممثل الكوميدي المصري من أصل عراقي نجيب الريحاني المُتوفّى في العام 1946 والذي ما زال، وفقًا لأباظة، «من أهم الممثلين في تاريخ السينما العربية على الرغم من أنه لم يمثل سوى ستة أفلام في حياته؛ حيث أختير فلمان من بين أفلامه الستة ليُدرجا في قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية الذي يمثل أربعة آلاف فيلم سينمائي».

رشاد قنواتي، أحد المساهمين في تأسيس جمعية الفيلم العربي في زيورخرابط خارجي قال لـ swissinfo.ch من موقعه كمشاهد: «إن مصر هي أم السينما العربية وحضورها بهذا الثقل يضفي أهمية كبيرة على دورة المهرجان الحالية.» وأضاف: «كان من المفيد الاطلاع على أعمال المخرجين الجدد ونظرتهم إلى الأوضاع الحالية».

وعن فيلم الافتتاح الجزائري قال قنواتي: «على الرغم من دوران معظم أحداثه حول الموت وفي مقبرة، إلا إنه كان مرِحا وناجحًا في إيصال رسالته دون أن يُجهد المُشاهد نفسيًّا» كما أشار قنواتي إلى أن الفيلم التونسي «غدوه حي» للمخرج لطفي عاشور «كان ذا حبكة موفقة في عرض الرؤية الشبابية لإشكاليات ما بعد الثورة».

swissinfo.ch التقت أيضًا رئيسة جمعية الفيلم العربي المخرجة عايدة الحسني وسألتها عمّا يخطه مستوى إهتمام وتفاعل الجمهور السويسري في رسالة الحوار والتفاهم الحضاري التي يحملها المهرجان، فقالت: «منذ الدورة الأولى في العام 2012 استقبل الجمهور السويسري فكرة المهرجان بانفتاح، وكانت تصلنا رسائل الكترونية من مناطق سويسرية عديدة تبدي الاهتمام والسرور. زوارنا اليوم يأتون من مختلف الكانتونات المجاورة، وهذا شيء يؤكد أن المهرجان في تقدم، وأن رسالة الحوار تُقرأ بشكلٍ جيد وتُضاف لها في كل دورة سطورٌ جديدة تدفع التفاهم والتفاعل الحضاري قُدمًا على الرغم من ضعف المشاركة من الجاليات العربية.»

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية