مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مهرجان لوكارنو في دورته الخامسة والسبعين.. رصيد الماضي وآفاق المستقبل

صورة جوية للساحة الكبرى وسط مدينة لوكارنو
بياتزا غراندي (أو الساحة الكبرى)، المكان الفريد المُخصص لعرض الأفلام في الهواء الطلق في وسط مدينة لوكارنو. هذا العام، تم تحويل كشك العرض القديم إلى مساحة مخصّصة للواقع الافتراضي يُمكن لها استيعاب ما يصل إلى ثمانية زوار في وقت واحد، مع برنامج مزدوج مجاني يتضمن ستة أعمال تتيح إمكانية خوض تجربة الانغماس (immersion) في الصباح (من العاشرة صباحًا إلى الثانية بعد الظهر) وفي المساء (من الخامسة مساءً إلى منتصف الليل). Prisma By Dukas Presseagentur Gmbh / Alamy Stock Photo

تستعد التظاهرة السينمائية الأكثر شهرة في سويسرا لتنظيم دورتها الخامسة والسبعين، متابعة لرحلة عبر الزمن والتاريخ تميزت بمزيج فريد من الترفيه السينمائي والتجريب وتنوع المذاهب الابداعية.

على مدار الأعوام ومع اختلاف الأجيال التي مارست صناعة الأفلام، تغيّر مهرجان لوكارنو السينمائي مُنتبها لتبدّل الأزمنة، ولكنه لم يفقد مُبرر وجوده، أي الاحتفال الكبير بالسينما، بمزيجها الفريد من الماضي والحاضر والمستقبل. أما هذا العام – الذي يحتفل فيه المهرجان بتنظيم دورته الخامسة والسبعين – فليس استثناءً.

هناك الكثير مما يُحتفى به في هذه المدينة الصغيرة الخلابة الواقعة على أطراف بحيرة ماجوري، في كانتون تيتشينو الناطق باللغة الإيطالية. فهي أول دورة كاملة له منذ عام 2019 وبداية جائحة كوفيد – 19. وقد عاد مُخرجو الأفلام وصنّاع السينما وهواة الفن السابع من وراء البحار، كما أن الفنادق محجوزة بالكامل وجميع المواقع استأنفت العمل.

المزيد
صورة بالأبيض والأسود لواجهة فندق شهير في مدينة لوكارنو

المزيد

في داخل فندق “غراند أوتيل” الموقع الأصلي لمهرجان لوكارنو

تم نشر هذا المحتوى على بعد أن أغلق أبوابه نهائياً ليَدخُل في سُباتٍ عميقٍ منذ خمسة عشر عاماً، استقبَلَنا فندق “غراند أوتيل” في رحلة قصيرة عبر الزَمن للعودة إلى فترة البدايات.

طالع المزيدفي داخل فندق “غراند أوتيل” الموقع الأصلي لمهرجان لوكارنو

هذا الصيف، يقدم البرنامج مجموعة واسعة من الأفلام التي أشرف على انتقائها بذكاء جيونا أ. ناتزارو، المدير الفني للمهرجان، تاركا بصمته المميزة والحيوية التي اشتهر بها ناقدًا ومُبرمجًا للأفلام قبل أن يتولى مقاليد مهرجان لوكارنو العام الماضي. ووفاء لروح لوكارنو، تبقى الأولوية لعشق السينما على حساب الأعمال الرائجة في سوق الأفلام.

فرادة لوكارنو

ناتزارو ليس شخصية طارئة على لوكارنو، بل كانت علاقته حميمية للغاية مع التظاهرة، حيث واظب على حضور فعاليات المهرجان منذ عام 1994. في ذلك العام، تم عرض شريط Pulp Fiction على الشاشة العملاقة في الساحة الكبرى (بياتزا غراندي) في الهواء الطلق بحضور مخرجه كوينتين تارانتينو، في أعقاب انتصاره المذهل في مدينة كان – لم يكن أحد يعرف تارانتينو من قبل، ولا يُمكن لأحد أن يتجنّب معرفته بعد ذلك.

لكن المهرجان خلّف لدى ناتزارو انطباعًا أعمق، ذلك أن “أول فيلمين رأيتهما في الساحة الكبرى كانا Speed (السرعة) و”زیر درختان زیتون” أي “عبر أشجار الزيتون”، كما يقول، ملخصًا فرادة لوكارنو. فمن ناحية، فيلم حركة “أكشن” أمريكي نموذجي؛ ومن ناحية أخرى، دراما إيرانية ذاتية الانعكاس.

هذا التجاور بين النماذج المتباعدة يُشكل جزءا من الحمض النووي لمهرجان لوكارنو. بدوره، يروي كارلو شاتريان، أحد أسلاف ناتزارو والمدير الفني الحالي لمهرجان برلين السينمائي، قصة مماثلة عندما حضر المهرجان لأول مرة في أواخر تسعينيات القرن الماضي: “يمكنك مشاهدة العرض الاستعادي لأعمال مخرج سينمائي رائد مثل جوناس ميكاس، ثم متابعة شريط “هناك شيء ما عن ماري” في بياتزا غراندي”.

التحق الناقدان والمبرمجان بفريق المهرجان خلال فترة إشراف فريديريك مير، المدير الحالي لخزينة الأفلام السويسرية. بدأ ناتزارو المولود في زيورخ عمله كوسيط ومترجم لوفود الأفلام التي تتحدث اللغة الألمانية أو اللهجة الألمانية السويسرية، ولكن سرعان ما بدأ في التعامل شخصيًا مع المؤلفين والمخرجين من جميع أنحاء العالم. 

رجل يُشير باصبعه إلى صورة فهد، الشعار المميز لمهرجان لوكارنو
جيونا أز ناتزارو، المدير الفني لمهرجان لوكارنو. Keystone / Davide Agosta

هذا العام، تشمل قائمة الضيوف المميزين المخرج اليوناني كوستا غافراس، سيّد السينما السياسية (ولكن ليس فقط)؛ ولوري أندرسن، سيدة فن الوسائط المتعددة؛ والممثل الأمريكي مات ديلون، الذي “يمثل أفضل فكرة عن السينما الأمريكية التي ولدت في السبعينيات والذي يحتفي بشجاعة الخيارات غير التقليدية”، على حد تعبير ناتزارو.

بصفته خبيرًا محترمًا في أفلام الحركة ومن أشد المعجبين بما يُعرف بـ “أفلام من فئة بي” (أي أفلام تجارية منخفضة الميزانية)، دعا ناتزارو أيضًا المنتج المستقل جايسون بلوم، الذي تتمثل قناعته في عدم إنفاق أكثر من خمسة ملايين دولار على فيلم ( 10 ملايين إذا كان الأمر يتعلق بتكملة). وغالبًا ما يوصف بلوم بأنه “روجر كورمان المعاصر”، رائد أفلام الرعب ذات الميزانيات الصغيرة، واشتهر بسلسلة أفلامه Purge، التي يتخيّل من خلالها أمريكا التي تلعب فيها النخب الثرية دورًا قذرًا للتخلص من الفقراء (تم إصدار الجزء الثالث من السلسلة، بعنوان “الانتخابات”، في صيف عام 2016، أي قبل أشهر فقط من المواجهة الانتخابية بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب).

ترحال عبر الزمن

العرض السويسري الأول لفيلم الرسوم المتحركة “ممنوع على الكلاب والايطاليين” الذي استُقبل بحفاوة في مهرجان آنسي (فرنسا) لأفلام الرسوم المتحركة في يونيو الماضي، سيُعطي إشارة الانطلاق للبرنامج الرسمي. فاستنادًا إلى تاريخ عائلة المخرج آلان أوغيتّو، يدور الشريط في شكل محادثة خيالية بين المخرج – الذي يستخدم تقنية إيقاف الحركة – (وهي تقنية تحريك الرسوم والصور عن طريق التلاعب بها لتظهر وكأنها تتحرك ذاتيًا)، وجدته الراحلة بخصوص زوجها الإيطالي الذي هاجر إلى فرنسا لأسباب تتعلق بالعمل.

في الأيام الأولى من المهرجان، يُمكن للمرء تلمّس الحوار الدائر بين الماضي والحاضر. إذ تقدم تظاهرة “ما قبل المهرجان” عرضًا خاصًا لفيلم “براعم متكسرة” (1919) للمخرج الأمريكي ديفيد غريفيث، وهو فيلم كلاسيكي صامت، يُعرض بمرافقة موسيقية حية. وفي الوقت نفسه، تعرض الشاشة العملاقة لبياتزا غراندي فيلم الحركة (أكشن) “Bullet train” (أو القطار الفائق السرعة) المُرتقب بشدة من بطولة براد بيت وآرون تايلور جونسون.

محتويات خارجية
محتويات خارجية

بالعودة إلى المستقبل، يُمثل برنامج يُخصّص للواقع الافتراضي، أحد الابتكارات الرئيسية منذ استلام ناتزارو لإدارة المهرجان.

ويُمكن للراغبين الاستفادة مجانا من هذا البرنامج – الذي ينظم بالاشتراك مع مهرجان جنيف السينمائي الدولي – داخل مكان خاص – وهو كشك العرض الأصلي للأفلام في بياتزا غراندي – الذي تم تحويله إلى مساحة واقع افتراضي يُمكن أن تستوعب ما يصل إلى ثمانية زوار في وقت واحد.

ومن الإضافات الأخرى التي لاقت الترحيب بعد بدء تنفيذها العام الماضي توسيع قسم “فهود الغد” (Pardi di domani) المخصّص للأفلام القصيرة، مع إضافة جزء تنافسي ثالث لا يكون مُخصّصا للمخرجين الشبان الذين لم يقوموا بعدُ بإنجاز مشروعهم الطويل الأول (كما هو الحال مع المسابقتيْن الأخرتيْن)، ولكن للمخرجين المعروفين الذين يستمرون في إنجاز أفلام قصيرة بعد بلوغهم قمة الشهرة والنجاح. أحد هؤلاء المخرجين هو صديق قديم للمهرجان، المؤلف الإيطالي ماركو بيلّوكيو، الذي فاز بإحدى الجوائز الكبرى في عام 1965 عن فيلمه الأول “قبضات في الجيب” (Fists in the pocket).

وبالفعل، سمحت الجائزة لبيلّوكيو بالارتقاء السريع إلى أعلى مراتب السينما الإيطالية ومنحته الاعتراف الدولي، بل إن شريط “قبضات في الجيب” يُعتبر أحد الأفلام الأكثر عرضا في المهرجان (خمس مرات اعتبارًا من عام 2015).

اختار المهرجان الذي بلغ سن الخامسة والسبعين لكنه لا يزال يحتفظ بقلب يتقد حيوية وشبابا، أن يكرّم تاريخ السينما (لاحظ استعادة هذا العام لأعمال دوغلاس سيركرابط خارجي) وأن يعزز المبادرات الموجّهة نحو المستقبل، دون أن يقتصر الأمر على مجال التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، يوفر برنامج “أبواب مفتوحة” (Open Doors) فرص التواصل لمُخرجي الأفلام والسينمائيين القادمين من البلدان التي تفتقر إلى بنية تحتية سينمائية ملائمة، وبعد ثلاث سنوات من التركيز على جنوب شرق آسيا، يبدأ البرنامج هذا العام دورة جديدة مع صانعي الأفلام في أمريكا اللاتينية.

أما الهدف فيتمثل في نهاية المطاف في أن يُصبح لوكارنو أكثر شمولاً وإدماجا من أي وقت مضى، وأن يستمر تواجده كمجموعة حية ونشطة إلى ما بعد هذين الأسبوعين في شهر أغسطس من خلال برمجة فعاليات افتراضية تنظم عبر الوسائط المتعددة على مدار العام وعبر تعزيز التعاون مع مهرجانات شقيقة مرموقة أخرى، مثل البندقية وبرلين.

تحرير: إدواردو سيمانتوب

ترجمة ومعالجة: كمال الضيف

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية