مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نوافذ وزخارف وسلاحف من القاهرة

مُـلصقات معرض "أين أنت؟" على باب معرض تاون هاوس في القاهرة Susanne Schanda

ما يكتَشفه السويسريون من العاملين بالفن في مصر والفنّـانين المصريين في سويسرا وما يُحقِّـقه الطرفان يفتح الأبصار، خاصة ما بين السُكّـان المَحليين. ويتساءل معرض "أين أنت؟" في القاهرة عن وِجهات النظر كما يعرض العادات السكنية وأنماط التفكير المُختلفة.

ويبدو أن الفن غيْـر قادر على إبراز ذاتِه إلا بصعوبة في القاهرة، كما لو أن الازدحام و كثرة الناس والأشياء والنماذج والأصوات وروائح الحياة اليومية، لا تترك مجالاً للمزيد.

وقد اتخذ الزّوجان السويسريان غيدو رايخلين وكارين فيلخلي، اللذان يَعملان تحت اسم “شاليه 5” هذه الوفرة والغزارة في المُعطيات والتراث، كنقطةِ انطلاق لعملهم.

ويُواجه زوار معرض “أين انت؟” في القاهرة حال دخولِهِم المعرض، بجسمٍ جداري بمستوى سطح النَظر مُـكوّن من عارضة (قضيب) مُـستعرضة، حمراء اللون، تنطلق منها إلى الأمام هياكل معدنية سوداء حادّة مُتّـجهة بقوة نحو المُشاهِد.

وعند افتتاح المعرض، سأل غيدو رايخلين الزوار القادمين من القاهرة عمّا إذا كانوا قد تعرَّفوا على هذه “الكتلة”، غير أن أحدا من الموجودين لم يَدَّع رؤيتها من قَبل، حتى شرح لهم رايخلين أن هذه نسخة واقعية مطابقة للأصل لزينةٍ موجودٍة فوق مدخلٍ لمحلٍ شهيرٍ لبيع الكُـتب في شارع شريف وسط القاهرة.

أين أنت؟

يُبرِز معرض “أين أنت؟” في القاهرة أعمالاً لفنانين سويسريين، كانوا قد عملوا في القاهرة لعدّة أشهر، كما يُظهِـر أعمالاً لفنانين عرب من مصر ولبنان والأردن، من الذين عاشوا فترة طويلة في سويسرا وبدعم من بروهلفتسيا أحياناً.

الفنانون من سويسرا هُـم كل من: دافيدي كاسكيو وغيدو رايخلين وكارين فالخلي ومايا غوسبرتي ودانييلا كايزر وسان كيلر وناديا سولاري وإنغريد فيلدي وموريس غاجاردو ومارغو تسانّي وكريستوف أورتَللي وألفريد تسيمَّرلين.

أمّا الفنانون العرب فهم كل من: زياد بيطار ونايلة داباجي وباسكال هاشم (لبنان) وعلاء يونس (الأردن) ومن مصر، شارك كل من باسم مجدي وهيثم نوار وهاني راشد وأحمد الصاوي.

وقد تم اختيار وترجمة الأعمال من “الأمينة”، بيات إنجل التي تعيش في العاصمة السويسرية برن.

افتحوا عيونكم

ورداً على معلومات رايخلين، عَلَّق أحد الزوار بِحيرة: “أنا أذهب إلى هذه المكتبة مرّة في الشهر على الأقل، لكنّي لم ألاحظ هيكلاً مثل هذا”. وأضاف رايخلين: “لقد أنزلنا هذا الجسم الواقع بمستوى النظر وأخرجناه من سِـياق الحياة اليومية، لِنَضَعه في صالة العرض، وهو التغير الوحيد الذي طرأ على الوضع الحقيقي”.

وقد جاء رايخلين برفقة كارين فيلخلي في أول زيارة إلى القاهرة في عام 2006، حيث وفّـرَت منظمة “بروهلفيتسيا” (وهي مؤسسة ثقافية سويسرية مسؤولة عن التمثيل الثقافي لسويسرا في الخارج والحوار الثقافي بين أجزاء البلاد المختلفة وتشجيع الفنون في السياق الوطني) للزوجيْـن القادميْـن من زيورخ، شقّـة صغيرة للسّـكن والعمل لمدة ثلاثة أشهر، ومنذ ذلك الحين، تكرّرت زياراتهم إلى القاهرة مرّات عدّة واستمرّوا في عملهم الفنِّـي.

ويضيف رايخلين: “أصبحت الزّخرفة منذ فترة طويلة، الموضوع الرئيسي للفن الذي نُـمارسه. وهنا في القاهرة، حيث نجِـد الزخارف الثنائية والثلاثية الأبعاد في كل ناصيةِ طريق، قُـمنا بالتعامل معها واختراعها من جديد، كما وفَّـرنا في الوقت نفسه مَنظوراً جديداً للسُكان المَحليِّـين عن مدينتهم الخاصة”.

وقد عُرِضَت أعمال الزّوجين الفنانين “شاليه 5” والمُـستوحاة من مدينة القاهرة في معرض “الحلم والواقع” في مركز باول كلي في العاصمة السويسرية برن، كذلك أقِـيم هناك معرض لهذين الفنّانيْـن في “بيت الفن” في كانتون أوري، والذي حَمَلَ تسمية “في ظِـل الأهرامات”.

رنين المدينة

وقد تعاملت الفنانة مايا غوسبرتي، القادمة من العاصمة السويسرية أيضاً، مع الحيز الحضاري الموجود في العاصمة المصرية. وتُعرَض لهذه الفنانة حالياً مجموعة من الصور في متحف “دار الخوذة” Helmhaus في كانتون زيورخ.

وقد قامت هذه الفنانة بتصوير فيلم بعنوان”C.Scapes” ،قامت فيه باستكشاف جوانب مِـعمارية واجتماعية في الأماكن العامة في القاهرة، مع كل ما فيها من إمكانات وتناقضات وحدود. وقد ظهر هذا الفيلم للوجود بعد عدّة زيارات امتدّت عاميْـن، قامت بها غوسبرتيو إلى العاصمة المصرية.

ومن خلال التصوير من على أسطُـح المنازل أو من خلال نوافذ واجهات الشُّـقق الخاصة ومع أحاديث ومعلومات استقتها من السكان والمُـقيمين حول العلاقة بينهما وبين الفضاء العام ترافقها ألحان موسيقى الفنان ومهندس الصوت المصري محمود رفعت، حقّـق فيلم”C.Scapes” سِـحراً وجاذِبيةً، تفوق المرئي والمسموع.

وقد عكست وسائل الإعلام المحلية المصرية هذه الصورة أيضاً، حيث كتبت صحيفة المصري اليوم مُعلِّـقة: “تَعطي غوسبرتيو عملها مستوى من التّـجريد، يُـتيح للجمهور أن يحدِّد علاقته بنفسه مع المرئي والمسموع. وبين الصور والحكايات، يأتي خَـيال المُـشاهد ليُـكَوِّن رُؤيته الخاصة للأماكن العامة”.

ثقوب في النظريات

أمّا الفنان المصري بسّـام مجدي والذي درس في كانتون بازل في عام 2002، فيتبع نهجاً مختلفاً تماماً، ويقول هذا الفنان الذي يعيش ويعمل اليوم ُمتنقِّـلاً بين سويسرا ومصر بصورة استفزازية: “ليس للمكان الذي أعيش فيه أي تأثير على أعمالي”.

ولا يعني الفنان ما يقوله بهذا الأسلوب المُتطَّرف. فمن المؤكّـد بأن للبيئة تأثيراً مستمراً وغير مباشر على حياته وعمله، لكن ما يعنيه هو أن عمله لا يتضمّـن أو يعكِـس أي نتيجة مَلموسة لذلك.

ويشرح مجدي بالتحديد حول الثقوب في النظريات العلمية: “لا تتعامل أعمالي مع سويسرا ولا مع مصر، ولكن مع الفضاء خارج مواقع محدّدة، وهي تدور حول فضاء وهْـمي بين الخيال والواقع”.

وفي فيلم الفيديو الذي قام بتصويره، لا يأخذ مجدي أقل من الكوْن بمُجمله للتركيز عليه: “الحفرة الكبيرة، التي لا نعرف عنها إلا القليل”. ويطرح الفنان الأسئلة والشكوك وسوء الفهْـم والتفسيرات السخيفة، لِـما لا يمكن تفسيره، ويقوم بتوليدها باختصار في لوحة تمثِّـل الكرة الأرضية بشكلٍ مضغوط تحملها سُـلحفاة محمولة بِدورها من قِـبَل سلحفاة أخرى وهَـلُـمّ جرّا، وتحمل هذه اللوحة عنوان: “سلاحِـف على طول الطريق”.

لدى المؤسسة الثقافية السويسرية بروهلفيتسيا مكتب في القاهرة منذ عام 1988، ويهدِف إلى تقديم الفن السويسري إلى العالم العربي والتعريف به. والمؤسسة صاحبة الريادة في دعم برنامج “فنان مُـقيم”، بالإضافة إلى دعم وتنشيط التّـبادل الثقافي بين سويسرا ودول المنطقة.

ويقدِّم مكتب بروهلفيتسيا استوديوهات إلى الفنانين السويسريين في القاهرة وينظر في نفس الوقت إلى طلبات الفنانين المصريين الذين يُرشِّـحون أنفسهم للحُـصول على “إقامة عمل” في أحد استوديوهات الفن في سويسرا.

ويدير مؤتمر المدن السويسرية للشؤون الثقافية (KSK)، والتي تنتمي إليها 17 مدينة سويسرية منذ عام 1991، ثلاثة استوديوهات للعمل والسكن في القاهرة.

في كثير من الأحيان، تعمل هذه الإقامات وزيارات العمل الأخّاذة والفريدة من نوعها، كمُحَفّـز لمواجهة طويلة مع المكان الجديد بدايةً، ثم تؤدّي إلى زياراتٍ مُتكرّرة وتعاونٍ مع الفنانين المحليِّـين.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية