“ينبغي تأهيل جميع الأئمة في سويسرا”
تأهيل الأئمة والخطباء المسلمين في سويسرا، ومُمارسة سيطرة الدولة على المساجد المنتشرة في البلاد: هذا هو العلاج الأنسب لمحاربة التطرف الديني حسب رأي مصطفى محمدي إمام مسجد تؤمه الجالية الألبانية في بَرن، الذي يُحاول منذ سنوات التصدي لظاهرة الأصولية الدينية.
لا يزال صوت الإمام مصطفى محمدي مشحوناً بالعواطف، ولكنه يُدلي بتصريحاته بقناعة لا تتزعزع. “أخشى من إنتشار أجواء الخوف وعدم الثقة على نطاق أوسع في المستقبل القريب”، كما يقول إمام مسجد برن ذي الجذور الصربية المعروف بتشجيعه للإسلام المعتدل، بعد مضي أسبوع على الهجمات الدموية التي شهدتها باريس (نشرت swissinfo.ch تفاصيلها سابقاً).وكان الشيخ محمدي قد اختير مؤخراً بصفته “رجل العام” لسنة 2014 من قبل أسبوعية “سونتاغس تسايتونغ” الناطقة بالألمانية، “لنضاله من أجل التعايش السلمي للمجتمعات”. ويدعو محمدي الذي عُرِفَ بمعارضته للتطرف، إلى إسلام معتدل يتكيّف مع القيم الغربية دون تنازلات.
swissinfo.ch: كان رد فعلك قوياً في وسائل الإعلام السويسرية بعد الهجمات الدموية في باريس. هل كان ذلك مهما لك كشخص مسلم؟
مصطفى محمدي: لم يكن هناك من بديلٍ عن رَد فعل كهذا، فما حدث كان عملاً بربرياً غير إنساني. هل كان ينبغي المُماطلة وشَبْك الأذرع في مواجهة عمل كهذا؟ يجب أن ينتفض المسلمون ضد مثل هذه الأعمال، وأن يكونوا في مقدمة الصفوف للتعبير عن سخطهم. هذه الأعمال تتنافى مع كل مبادئ ومعايير وقواعد عقيدتنا. وبدلاً من شجبهم للأصولية، ما يزال العديد من المسلمين صامتاً، أو أنهم يُخفون رأيهم الحقيقي وراء الكلمات المُنَمقة. ينبغي التوقف عن ذلك.
swissinfo.ch: ما هو الدور الذي يمكن أن يضطلع به الأئمة مع الشباب الواقعين تحت تأثير الأصولية الدينية؟
مصطفى محمدي: يلعب الأئمة دوراً مركزياً داخل الجالية المسلمة وفي عملية إندماج المؤمنين في المجتمع. وينبغي أن تصبح أصواتهم أكثر توافقاً مع الواقع، وأن تكون أكثر تقدمية وموضوعية. لا يمكنهم أن يكتفوا بالقول أن المسلمين لا علاقة لهم بهذه الهجمات.
إن الشباب الذين يُعانون من صعوبات هم الأكثر استعداداً للإنجذاب إلى الأيديولوجيات المتخلفة. ويقع على عاتقنا ممارسة تأثير إيجابي عليهم، بغية إفشال الرؤية الجهادية الحاضرة بقوة على شبكة الإنترنت ومواقع الشبكات الإجتماعية.
وهناك أمرٌ مهم ينبغي التأكيد عليه: لقد هاجرنا نحن المسلمين إلى أوروبا الغربية للعثور على حياة أفضل قبل كل شيء. نحن نريد السلام، وآفاقا أفضل، وفرصا في الحياة الاجتماعية والمهنية، وهذه هي أولوياتنا، وعلى الإمام نقل هذه الرسالة ووضعها في الصدارة.
swissinfo.ch: هل يمكن تطبيق ذلك من خلال تأهيل الأئمة في سويسرا؟
مصطفى محمدي: حتمأ. فبعد الآن، ليس بإمكاننا تقبُّل تدريب الأئمة في الخارج ومن ثَمّ استيرادهم إلى سويسرا. يجب تأهيل جميع الأئمة في سويسرا. وينبغي أن ينفذ ذلك من خلال المسار الأكاديمي، مثلما هو الحال بالنسبة للمسيحية. هناك سوف يكونون أمام تأهيل يستند على العقل، وهذا الأمر بالغ الأهمية في عالمنا اليوم.
لا بد أن يمارس الأئمة دينهم ومعتقداتهم على نحو يتوافق مع القيم السويسرية، أي الديمقراطية، والحرية، وسيادة القانون. هذه القيم يجب أن تحتل الأولوية دائماً، وبدون استثناء.
لقد شاركتُ شخصياً في فريق العمل الذي يسعى إلى إنشاء “المركز السويسري للإسلام والمجتمع” في جامعة فرايبورغ (انظر الحاشية)، وهو ما سيكون بمثابة نقطة الإنطلاق في بلدنا.
تُواجه مسألة تدريس الإسلام كموضوع أكاديمي مقاومةً من بعض الأطراف. وفي شهر سبتمبر من عام 2014، شكك أكثر من نصف أعضاء البرلمان المحلي في كانتون فريبورغ بإنشاء “المركز السويسري للإسلام والمجتمع” في كلية اللاهوت التابعة لجامعة المدينة. ولكن نتيجة التصويت افتقرت إلى 4 أصوات كانت مطلوبة للحصول على الأغلبية المؤهِلة لِمَنع إنجاز هذه المشروع.
من المتوقع أن يتخذ فرع حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) في كانتون فريبورغ قرارا بشأن إطلاق مبادرة شعبية ضد إنشاء هذا المركز قبل نهاية شهر يناير 2015.
يُفتَرض أن يقدم هذا المركز للأئمة المسلمين المعارف المتعلقة بالسياسة والقانون والتاريخ السويسري. هانز يورغ شميد، مدير المركز صرح لـ swissinfo.ch، أنه “من الطبيعي جداً أن تخلق مثل هذه العملية شعوراً من عدم الثقة”، ويضيف: “لذا فإن التواصل الواضح والصريح يحمل أهمية خاصة لتجنب الخَلط.”.
وكان افتتاح المركز مقرراً أصلاً في أواخر عام 2014، لكن “رئاسة الجامعة ربما كانت متفائلة أكثر من اللازم بعض الشيء، لأن التحضيرات تحتاج الى وقت”، كما يقول شميد الذي يضيف مستدركا “لكننا لم نغير شيئاً في المشروع الأصلي. ونحن على قناعة بأن دَمج الإسلام في الجامعة في إطار دقيق متعدد التخصصات هو ميزة لسويسرا”.
swissinfo.ch: ولكن هناك مخاوف في صفوف السكان من وصول من يُلقّبون بـ “وعّاظ الكراهية” إلى الجامعات السويسرية هكذا. كما يتم التشكيك حالياً في مشروع فريبورغ من خلال استفتاء محتمل..
مصطفى محمدي: نحن نتفهم إمكانية ظهور مُعارضين في أوساط السكان والسياسة في بلد ديمقراطي، ولكني أتساءل هنا: “إذا كنتم غير موافقين، فما هي البدائل التي تقترحونها؟ أين ينبغي تدريب الأئمة إذن؟ إن المسلمين في سويسرا أمرٌ واقع. وبعد المسيحية، يشكل الإسلام ثاني أكبر طائفة دينية في البلاد. نحن نسعى إلى بناء مستقبل مشترك وليس إلى مواجهة بين الأديان.
swissinfo.ch: لكن لا يتشاطر جميع الأئمة في سويسرا وجهة نظركم الليبرالية هذه..
مصطفى محمدي: من الصعب جداً تقدير ذلك، وهنا تكمن المشكلة بالضبط.، ذلك أن الجاليات المسلمة المختلفة في سويسرا سيئة التنظيم، ولا تتحدث بصوت واحد. وباستطاعة قلة من الأشخاص أن يقرروا تأسيس جمعية، أو إفتتاح مسجد واستدعاء أحد الأئمة. وهكذا سيكون بمقدور أي شخص نشر رسالته باسم الإسلام. وهذا الإفتقار إلى الرقابة يُشكل خطراً على حريتنا وديمقراطيتنا.
في المستقبل، ينبغي أن لا يُسمح لأي إمام بالوَعْظ دون موافقة السلطات المعنية. وأرجو فهمي بالشكل الصحيح هنا: إن حرية العقيدة مكفولة في سويسرا، ولا يمكن للدولة فَرْض معتقد معين على أحد الأشخاص. ولكن، ومن أجل أمن وإستقرار البلاد، فإن من حق السلطات أن تتدخل في تنظيم الجاليات الدينية الموجودة على أراضيها. ونحن المسلمين بحاجة إلى مساعدة السويسريين في ذلك.
swissinfo.ch: هذا يتطلب الكثير من الصبر..
مصطفى محمدي: هذا صحيح. إن للمسلمين (المقيمين في سويسرا) جذورهم في دول وقارات مختلفة جداً، ناهيك عمن اعتنقوا الإسلام من الأوروبيين. وهم لا يحملون بالضرورة نفس الرؤية والفلسفة عن الإسلام. لذا، فإن وجود مرجع أعلى للإسلام في سويسرا هو أكثر أهمية من أي وقت مضى.
swissinfo.ch: سوف يتطلَّب ذلك إعترافاً رسمياً وتمويلاً حكومياً للإسلام
مصطفى محمدي: ليس بالضرورة. قد يكون ذلك في مرحلة ثانية أو ثالثة.. لكن الأمر يقتصر في المرحلة الأولى على التعرف الأفضل على ما يحدث في المساجد: مَنْ الذي يتولى إدارتها، ومَنْ هو الإمام الذي يخطب هناك، وإل أيّ إسلام يدعو، وما إلى ذلك.
ومن المهم أيضاً في الأماكن العامة تعزيز الأصوات المُعتدلة للإسلام، التي تدعو الى التعايش ولا تتعامل بالإستفزازات. ولحسن الحظ، تراجع تأثير مجلس الشورى الإسلامي بسويسرا رابط خارجي(وهي منظمة انبثقت عن تيار من السلفيين السنة وتسببت في إثارة الكثير من الجدل في سويسرا) الذي يترأسه نيكولا [عبد الله] بلانكو في الآونة الأخيرة، ونحن سعداء لذلك.
يُعتبر سمير الجلاصي رضوان، إمام أحد مساجد مدينة لوغانو في كانتون تيتشينو (الناطق بالإيطالية جنوب سويسرا)، واحداً من أكثر الخطباء المسلمين الحاصلين على تكوين علمي وأكاديمي في أوروبا. وفضلاً عن كونه محامي، فهو عالم دين وحاصل على دبلوم كوسيط بين الثقافات، كما يحمل شهادة الماجستير في مجال الإتصال المتعدد الثقافات. وهذه بعض المقتطفات التي وردت أثناء مقابلة أجرتها معه swissinfo.ch:
“يتيح لي الإتصال مع مؤسسة أكاديمية فهماً أفضل لعملي في الممارسة العملية. وبشكل عام، يتلقى الأئمة تعليماً دينياً جيداً في أوطانهم، ولكن سوف يتحتم عليهم توسيع هذه المدارك من خلال مناهج دراسية حول الإسلام والحوار مع المجتمع.
إن تدريب الأئمة لا يأتي بالفائدة للجالية المسلمة فَحَسْب، ولكن للمجتمع بأسره. إن الإمام يمثل شخصية مهمة، وهو يلعب دوراً رئيسياً لجهة اندماج المسلمين في المجتمع. نحن نقوم بعمل هائل لمنع الشباب من الإنحراف عن الطريق القويم، ولكن هذا العمل ليس مرئياً، كما أنه لا يلقى الإعتراف الكافي. ومن المهم أن تعمل البلديات والمسؤولون عن الإندماج بشكل أوثق مع الأئمة والمؤسسات الإسلامية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.