مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الحفر خلسة والتهريب زادا بعد 25 يناير .. وجهود الإسترداد مستمرة”

عمال مصريون يتعاملون مع قطعة أثرية تعود إلى العصر الفرعوني مباشرة بعد استعادتها من نيويورك إلى القاهرة يوم الأحد 7 يوليو 2002. وهذه القطعة سُرقت من موقع سكاره الأثري بمصر قبل 12 عاما، لكن عثر عليها لاحقا إلى جانب أربع قطع أخرى بحوزة فريديريك شولتز، الذي أدين بنهب الآثار المصرية. Keystone

أوضح علي أحمد علي، الخبير في مجال الآثار أن وزارة الآثار المصرية تبذل جهودًا كبيرة لاسترداد القطع الأثرية التي نَهبها تجار مافيا الآثار، وهربوها خارج البلاد، لعرضها للبيع في صالات المزادات التي تنتشر في كبريات دول العالم؛ مشيرًا إلى أنه "رغم نجاحنا في استرداد قرابة 5 آلاف قطعة، إلا أننا على يقين بأن هناك أضعاف هذا الرقم لا تزال خارج البلاد".

وفي حوار خاص أجرته معه “swissinfo.ch” في القاهرة، قال مدير عام الآثار المستردة بوزارة الآثار المصرية: “لا شك ان تهريب الآثار المسجلة للخارج مشكلة، وإعادتها يحتاج لوقت وجهد وإنفاق، لكننا في النهاية ننجح في استعادتها لكونها مسجلة ويصعب بيعها في المزادات، غير أن المشكلة الكبرى التي تواجهنا تكمن في الآثار المهربة نتيجة الحفر خلسة”؛ كاشفًا عن أن “عمليات الحفر خلسة زادت بشكل ملحوظ بعد ثورة 25 يناير 2011، وفي ظل حالة الإنفلات الأمني التي شهدتها البلاد”.

يأتي هذا الحوار في سياق إعلان متحف الفنون الجميلة في برن، عن قراره بالموافقة على قبول مجموعة الأعمال الفنية المثيرة للجدل، والتي كانت مخبأة بعيدًا عن الأنظار، حتى وقت قريب، من قِبَل كورنيليوس غورليت، إبن أحد تجار الأعمال الفنية المتعاونين مع النظام النازي، والذي أوصى والده بتسليم هذه الأعمال إلى المتحف بعد وفاته في شهر مايو 2014. مزيد من التفاصيل في نص الحوار.

swissinfo.ch: في البداية، متى أنشئت هذه الإدارة؟ ولماذا؟

علي أحمد: هذه الإدارة أنشئت عام 2002، بهدف متابعة وحصر واسترداد الآثار المصرية التى خرجت بطريق غير مشروعة، وتُعرض للبيع في صالات المزادات الموجودة بالخارج، والتي تتجاوز 30 صالة. ويرجع سبب إنشائها إلى أن مصر شهدت عمليات نهب واسعه خلال فترات الإحتلال الأجنبي للبلاد، ولم تكن فكرة تسجيل الآثار موجودة؛ وقد نجحت الإدارة منذ إنشائها فى استرداد حوالي 5 آلاف قطعة.

swissinfo.ch: هل تأثر ملف الآثار المنهوبة والمهربة من مصر بثورة الخامس والعشرين من يناير 2011؟

علي أحمد: بالتأكيد؛ فهذه المشكلة وإن كانت ليست جديدة؛ لكنها زادت بشكل ملحوظ بعد ثورة 25 يناير 2011، ويكفي أن تعلم أن هناك نحو أربعة آلاف قطعة أثرية مسجلة فُقدت منذ ثورة يناير، تم استرداد نحو 1200 فقط منها. والحقيقة أنه لا توجد صعوبة في استرداد القطع المُهربة طالما أنها مسجلة، حيث لا يمكن بيعها علنًا، المشكلة في القطع غير المسجلة، والتي نتجت من الحفر خلسة، وتم تهريبها للخارج، حيث تقوم مافيا الآثار بعملية غسيل لهذه الآثار المسروقة.

swissinfo.ch: هل يوجد في مصر قانون يُجرّم بيع الآثار المصرية؟ وما هي أبرز عيوبه؟

علي أحمد: نعم، يُوجد القانون رقم (117) لسنة 1983، الذى يُحرّم بيع الآثار المصرية، لكن مشكلته تتمثل في أنه يعتبر أن الإتجار فى الآثار جُنحة وليس جناية، فضلاً عن أن من عيوبه أنه يسمح لحائزى الآثار عن طريق الميراث باستمرار حيازتهم لها، وربما كان هذا من أسباب الإخفاق فى استرداد بعض القطع المهربة خارج البلاد..

المزيد

المزيد

متحف في برن يقبل “الهدية” المثيرة للجدل

تم نشر هذا المحتوى على أعلن متحف الفنون الجميلة في برن عن قراره بقبول مجموعة الأعمال الفنية المثيرة للجدل التي كانت مخبأة بعيدا عن الأنظار حتى وقت قريب من قبل كورنيليوس غورليت، إبن أحد تجار الأعمال الفنية المتعاونين مع النظام النازي.

طالع المزيدمتحف في برن يقبل “الهدية” المثيرة للجدل

swissinfo.ch: ما هي أهم الصعوبات التي تُواجهكم في مشوار استرداد الآثار المنهوبة؟

علي أحمد: من أهم الصعوبات القوانين الأوروبية، فعندما نشك في بعض القطع المعروضة، ونخاطب الدولة التي يُقام بها المعرض لتوافينا بصور مستندات الملكية، التي تُثبت حيازة العارضين لتلك القطع المعروضة فإنها ترفض، وتطلب منا أن نقدّم نحن ما يُثبت أن هذه القطع خرجت من مصر؛ وهو بلا شك أمر صعبٌ للغاية، بل مستحيل، لأنهم يتعاملون وفقًا لقاعدة “حيازة المنقول سند الملكية”!

أما المشكلة الأخرى التي تُواجهنا في مصر فهي “الحفر خلسة”، حيث يتم تهريب الكثير من القطع الأثرية التي حصل عليها بعض التجار بطريق الحفر خلسة، وهي طريق غير قانوينة، وعندما تُعرض هذه القطع – غير المسجلة – في صالات المزادات العالمية يصعُب علينا أن نثبت ملكيتها، ومن ثم فإن مسألة إعادتها تصبح شبه مستحيلة.

swissinfo.ch: ما هي أهم النجاحات التي تحققت في هذا الملف؟ وما أشهر القطع التي تم استردادها؟

علي أحمد: في 30 ديسمبر 2013، تم استرداد الجزء العلوي من تمثال من المتحف المصري، سُرق بالتحديد يوم 28 يناير 2011، أو ما سمي إعلاميًا بجمعة الغضب. وفي يوم 21 أكتوبر 2014، تم استرداد 16 قطعة، بيتها قطعة واحدة من جنوب إفريقيا، والـ15 قطعة الأخرى من لندن؛ بينها 5 قطع مسروقة من مخازن الآثار، ومن الأقصر، عقب ثورة 25 يناير، وهي قطع مسجلة ومُبلّغٌ عنها، وقد كان هناك تزوير لوثائق ملكيتها، حيث سجل مدعي ملكيتها، على موقع الصالة، أنها آلت إليه بالميراث عن جده الذي كان يعيش بمصر عام 1940، علمًا بأن هذه القطع تم اكتشافها عام 2000 وهي مُسجلة.

ولعل من آخر هذه النجاحات؛ استعادة 233 قطعة أثرية مصرية، هُرّبت فى وقت سابق، وبطرق غير مشروعة إلى الأراضى الفرنسية، حيث تسلم السفير إيهاب بدوى القنصل المصرى بفرنسا، هذه القطع، مساء الخميس 27 نوفمبر 2014، في مؤتمر صحفى عُقد بمقر السفارة المصرية بباريس. وكان قد تم التحفظ عليها منذ عام 2010، ورفعنا دعوى بشأنها في فرنسا، وقد انتهت القضية وحُكِم فيها لصالحنا، وستصل القطع إلى مصر خلال أيام.

swissinfo.ch: إلى أي مدى تتعاون سويسرا مع الحكومة المصرية في هذا الشأن؟

علي أحمد: هناك تعاون مثمر من الجانب السويسري معنا في هذا الملف، خاصة منذ توقيع الإتفاقية الثنائية لحِـماية التراث الثقافي بين البلدين، في 14 أبريل 2010، وقد ساعدتنا هذه الإتفاقية في استعادة حوالي 300 قِـطعة أثرية كانت قد هُـرِّبت إلى سويسرا، بعدما تمّ العـثور عليها خلال عمليات حفـر غيـر مشروعة. وهناك حوالي 45 قطعة أثرية سيتم استردادها من سويسرا في منتصف العام المقبل.

في الرابع عشر من أبريل عام 2010، تم التوقيع في القاهرة، على اتفاقية ثنائية لحِـماية التراث الثقافي بين مصر وسويسرا، من خلال التّـعاون بين البلدين في مجال مكافحة تهريب الآثار. وقد وقّـع الاتفاقية عن الجانب المصرى زاهى حواس، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار حينها، وعن الجانب السويسري، دومينيك فورغلر، السفير السويسرى السابق بالقاهرة. وفيما يلي بعض المقتطفات من مواد الاتفاقية:

مادة (1) تهدف هذه الاتفاقية إلى تحديد سبل التعاون لمنع استيراد ونقل القطع الأثرية التي خرجت من أراضي أحد الطرفين بطرق غير مشروعة ودخلت إلى أراضى الطرف الأخر، وكذلك العمل على استعادة هذه القطع، وطرق حماية هذه الآثار والمحافظة عليها لحين إعادتها لموطنها الأصلي.

مادة (2) تطبق هذه الاتفاقية على القطع التي صنفها الطرفان كقطع أثرية وفقاً للقوانين المحلية فى كل من البلدين والمشار إليها في ملحق هذه الاتفاقية.

بالنسبة للآثار غير المدرجة بملحق هذه الاتفاقية فيسري عليها أحكام بنود اتفاقية التعاون القضائي في المجال الجنائى الموقعة بين المجلس الفيدرالي السويسري وحكومة جمهورية مصر العربية فى السابع من أكتوبر سنة 200.

مادة (3) يحظر استيراد أو نقل أي أثر تم تصديره من أراضي أي من الطرفين بطريقة غير مشروعة.

مادة (4)
1. يجوز لأي من طرفي الاتفاقية إقامة دعوى ضد الطرف الآخر لاستعادة أية قطعة أثرية دخلت أراضي الطرف الآخر إذا كانت قد خرجت من موطنها الأصلي بطرق غير مشروعة.
2. يجوز إقامة الدعوى أمام المحاكم المختصة الموجودة بالمنطقة التى بها الأثر الذي تم خروجه من موطنه الأصلي بطريقة غير مشروعة.
3. تُحدد الشروط الأساسية اللازمة لإقامة الدعوى طبقاً للقانون المحلى فى داخل أراضي طرف الاتفاقية الذي يتواجد فيها الأثر المراد استعادته.
4. يجب على الطرف الذى أقام الدعوى إثبات أن الأثر ينتمي لأحد التصنيفات المسجلة في ملحق هذه الاتفاقية وأنه دخل أراضي الطرف الآخر بطرق غير مشروعة بعد دخول هذه الاتفاقية حيز النفاذ.
5. تخضع دعاوى استرداد القطع الأثرية التي يقيمها أحد طرفي الاتفاقية لمهلة قانونية لا تزيد عن عام واحد تبدأ من اللحظة التي تتوصل فيها السلطات المختصة بالطرف المقيم للدعوى ( والمشار إليها في المادة 11 من هذه الاتفاقية ) إلى مكان والحائز الحالي للأثر موضوع الدعوى.

swissinfo.ch: ما هي الدول التي تعاونت أو أبدت تعاونًا ملحوظًا مع مصر لاسترداد آثارها المنهوبة؟

علي أحمد: بداية أود أن أوضّح أنه قد أصبح لدينا شك في معظم القطع الأثرية التي تُعرض في صالات المزادات الشهيرة، والمنتشرة في كبريات الدول، والتي تتجاوز 30 صالة، ولدينا في الإدارة العامة للآثار المستردة، قائمة بأسماء القطع المُسجّلة المفقودة، والتي يتم عرضها في تلك المزادات، ونقوم بتتبع هذه المزادات، من خلال مواقعها على شبكة الإنترنت، ونفحص القطع المعروضة، ونرجع إلى سجلاتنا، فإذا كانت هناك قطع مصرية بين المعروضات، ومعنا المستندات الدالة على ملكيتها، نخاطب على الفور الدولة الموجود بها المعرض، ونرسل لهم طلبًا بوقف البيع، مرفقًا به صور مستندات الملكية.

أما عن أكثر الدول المتعاونة مع مصر في هذا الملف، فهما: سويسرا وأستراليا، وقد أشرنا في السؤال السابق إلى جهود سويسرا. أما أستراليا فإنها تطلب من العارضين تقديم مستندات الملكية قبل العرض، لأنها تعلم جيدًا أن هناك مافيا للآثار في بعض الدول الأوروبية تستخرج شهادات ملكية مزورة لبعض القطع المسروقة، ليتسنى عرضها في صالات المزادات، ولقطع الطريق أمام الدولة المالك الحقيقي لها، والتي لا تملك سندات ملكية لها، لكونها ناتج عمليات الحفر خلسة.

swissinfo.ch: ما هي أبرز الإتفاقات التي أبرمتموها في هذا الملف؟ ومع أي دول؟

علي أحمد: وزارة الآثار وقعت مع ديبرا لير، رئيسة التحالف الدولي لحماية الآثار المصرية، الذي تدعمه جامعة جورج واشنطن، مذكرة تفاهم لمقاومة الإتجار غير المشروع في الآثار المصرية المنقولة من مصر في الأسواق الدولية، وتوفير الدعم اللازم لاسترداد الآثار، بما فيها القطع المهربة غير المسجلة، والتي نتجت من أعمال الحفر خلسة. وفي أول يونيو 2013، أعلنت عن “مشروع توأمة” مع الاتحاد الأوروبي، لوقف تهريب الآثار واسترداد القطع المسروقة، من خلال إنشاء إدارة متخصصة في القاهرة، وإنشاء مثيلاتها في دول الاتحاد الأوروبي.

وفي 23 أبريل 2014م، تقدمت الوزارة بطلب للخارجية الأمريكية لفرض قيود على استيراد الآثار المصرية، وفي يونيو من العام نفسه نُظمت جلسة استماع بمقر الخارجية الأمريكية بواشنطن، ووافقت اللجنة الاستشارية الأمريكية للممتلكات الثقافية على المذكرة بالإجماع على طلب مصر، ورفعت توصياتها للخارجية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتوقيع الاتفاقية. ويُنتظر أن تُوقع في يناير 2015. وستكون خطوة لتوقيع اتفاقيات دولية مشابهة مع دول أخرى.

swissinfo.ch: ما هي أهمية التوقيع على مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة في ظل وجود اتفاقية اليونسكو لعام 1970؟

علي أحمد: مصر تسعى لعقد إتفاقيات مع أغلب الدول، خاصة غير الموقعة على إتفاقية اليونسكو، والتى تُجرم الإتجار بالممتلكات الثقافية؛ فلو أن قانون الدولة التى تُعرض فيها آثارُنا للبيع لا يُجرّم عملية البيع، فستكون هناك صعوبة فى استرداد هذه القطع، خاصة إذا لم يكن لدينا أوراق تسجيل لها، لكونها تم تهريبها خلال فترة ما قبل التسجيل، وهو ما يجعلنا حريصين على توقيع تلك الإتفاقية مع كافة الدول.

أما عن مذكرة التفاهم المنتظر توقيعها بين مصر والولايات المتحدة، فهي ليست بديلاً عن إتفاقية اليونسكو، لكونها تركز على إلزام سلطات الجمارك الأمريكية باتخاذ إجراءات مشددة لتحرى الدقة، عن أصل القطع الأثرية، حال دخولها للأراضى الأمريكية، فضلاً عن أن اتفاقية اليونسكو تضم بنداً يسمح للموقعين عليها بإبرام اتفاقيات ثنائية، لحماية التراث الثقافى والأثرى فى حالة وجود تهديد له.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية