الحوار بين الأديان تعثر بسبب “الإختلافات الثقافية”
مرّ الحوار بين الأديان بمراحل متفاوتة الجدية منذ الشروع فيه قبل خمسين عاما عقب انعقاد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني. لكن الحوار مع العالم الإسلامي لازال يُواجه تحديات كبرى بعضها له علاقة بالعقيدة، وآخر بمعضلة الشرق الأوسط، وأخيرا بتخوف مسيحيّي الشرق الأوسط من حكومات ذات توجه إسلامي أفرزتها ثورات الربيع العربي.
يتم الإحتفال هذه السنة بمرور 50 عاما على انطلاق أشغال المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الذي اعتبر حينها بمثابة خطة ترمي إلى تحديث الكنيسة الكاثوليكية وتعزيز انفتاحها على الأديان الأخرى بما في ذلك الدين الإسلامي.
وعلى مدى نصف القرن المنقضي، اتخذ الحوار بين الأديان أشكالا ومسارات مختلفة نستعرض حصيلتها الإيجابية والسلبية فيما يلي في حوار خاص مع الدكتورة كلير آموس، منسقة برنامج حوار الأديان والتعاون في مجلس الكنائس العالمي الذي يوجد مقره في جنيف.
swissinfo.ch: ما هو تقييمكم العام في مجلس الكنائس العالمي عن الحصيلة بعد مرور 50 عاما على اعتماد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني؟
د. كلير آموس: لقد كان ذلك فرصة مهمة للغاية ليس فقط بالنسبة للكنسية الرومانية الكاثوليكية بل لباقي الكنائس الأخرى وللحوار بين الأديان. إذ تعتبر مجموعة فاتيكان II، وثيقة أساسية لحوار بين الأديان وقد استهلت بعبارة لاتينية مفادها “في زماننا”. وقد كانت بمثابة رسم للخطوط العريضة لطريقة عمل جديدة للكنسية الرومانية الكاثوليكية في تعاملها مع باقي الكنائس والأديان.
وبالنظر الى المسار التاريخي، فإن حوار الأديان كان يهدف بالدرجة الأولى الى تسليط الضوء على العلاقة بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والديانة اليهودية. ولكن باعتماد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني تم توسيع الحوار ليشمل الإسلام وباقي المعتقدات غير الإبراهيمية. وكان بمثابة تصريح للكنيسة بفتح حوار مع الآخرين. وليس بمحض الصدفة أن أصبح مجلس الكنائس العالمي، الذي أسس في منتصف أربعينيات القرن الماضي، يتولى مهمته بجدية في نهاية السبعينات أي بعد إصدار مجموعة فاتيكان 2 .
ومع أنه كان هناك حوار من حين لآخر، إلا أنه كانت هناك حواجز للذهاب إلى أبعد، لكن فاتيكان 2 سمح لمجلس الكنائس العالمي بالشروع في خطوة جديدة، وتم في عام 1971 افتتاح قسم حوار الأديان فيه.
هل يمكن القول بأن مجلس الكنائس العالمي أصبح نقطة الإلتقاء بالنسبة لحوار الأديان سواء داخل الأسرة المسيحية أو مع باقي الديانات الأخرى؟
د. كلير آموس: يعتبر مجلس الكنائس العالمي هيئة مهمة لتسهيل الحوار بين المسيحيين وباقي الأديان، وهذا حتى ولو أننا لا نمثل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية (نسبة إلى روما) التي لديها قسم خاص بالحوار بين الأديان خاص بها. لكن لنا مع الفاتيكان بعض المشاريع المشتركة المهمة حول قضايا مثل تغيير الديانة وما إلى ذلك. وحتى في صورة تمسك كل كنيسة ببرامج خاصة بها للحوار بين الأديان، فإن هناك حاجة ماسة لتوحيد نظرة أتباع الديانة المسيحية عند حوارهم مع المسلمين أو اليهود أو البوذيين.
وهل تمكنتم من توحيد رؤية أتباع الكنائس المسيحية بهذا الخصوص؟
د. كلير آموس: يمكن القول أنها رؤية في الطريق نحو التحقيق الفعلي. لم نصل بعد اليوم الى هذا التوحيد، ولكنني أعتقد بأن هناك وعيا لدى جميع المسيحيين بأن الحوار مع الأديان الأخرى مشجع لتوحيد نظرة المسيحيين فيما بينهم.
في إطار هذا الحوار بين الأديان، دارت حوارات مع الإسلام والمسلمين، ومرت بفترات فتور وأخرى مشجعة. أين نحن اليوم من هذا الحوار مع الإسلام؟
د. كلير آموس: لقد أولينا دوما في مجلس الكنائس العالمي اهتماما جديا بالحوار مع الإسلام منذ البداية. وهذا الحوار له عدة أبعاد كما حددته الكنيسة الكاثوليكية: إذ هناك حوار الحياة اليومية كما يجري بين سيدة مسيحية وسيدة مسلمة تصطحبان طفليهما الى المدرسة معا وتتحدثان في مشاغل الحياة. وهناك حوار النشاط الاجتماعي مثل هذا الكتاب عن الإسلام ومرض الإيدز الذي تم إعداده بمشاركة مسيحية ومسلمة. وهناك حوار التبادل الديني وهو ما تعني به عامة الناس حوار الأديان، وهو الحوار الذي يحاول فيه بحاثة وعلماء تعميق الفهم بخفايا ما هو مشابه وما هو متباين بين الأديان. وهناك أخيرا الحوار فيما يطلق عليه التجربة العقائدية وهي التجربة التي يحاول فيها هذا الطرف معرفة حقيقة التجربة العقائدية لدى الطرف الآخر. وهذا ما أجده كمسيحية أكثر إثارة مثل الإستماع الى الآذان وهو ما يذكرني عدة مرات في اليوم بأهمية وعظمة ووجود الخالق.
الحوار مع المسلمين الذي نمارسه في مجلس الكنائس العالمي، يشتمل على كل هذه العناصر. وقد راعينا على سبيل المثال إظهار التعايش القائم في منطقة الشرق الأوسط بين المسلمين والمسيحيين. وقد كان يتولى هذا المنصب قبلي السيد طارق متري الذي يلعب اليوم دورا هاما للحوار بين المسلمين والمسيحيين على مستوى سياسي. وكان مجلس الكنائس العالمي قد أصدر في عام 1992 وثيقة حدد فيها بعض المواضيع العقائدية التي تعرقل فهم كل من المسلمين والمسيحيين لبعضهم البعض.
ومن بين النشاطات المشتركة بين المسلمين والمسيحيين التي تمت أخيرا ، تلك البعثة المشتركة التي شارك فيها مجلس الكنائس العالمي الى جانب ممثلين عن المجمع الملكي الأردني، “أهل البيت” لزيارة نيجيريا ومحاولة حل المشاكل القائمة هناك. وكانت لنا قبل التغيرات التي يعرفها العالم العربي نشاطات مكثفة مع “جمعية الدعوة الإسلامية العالمية” التي كان مقرها في ليبيا.
هل تعتقدين بأن أسس الحوار بين الطرفين متوفرة؟
د. كلير آموس: أعتقد بأن الأسس متوفرة، ولكن ما يحدث من خلاف بين المسلمين والمسيحيين ليس مرده الى العقيدة بل لعوامل ثقافية. وقد لا يتعلق الأمر فقط بمسيحيين غربيين لا يفهمون مسلمين شرقيين، بل هناك أيضا مسيحيون غربيون لا يفهمون مسيحيين شرقيين والعكس صحيح أيضا. وكمجلس كنائس عالمي به أعضاء من كنائس الشرق الأوسط، نجد أنفسنا أكفاء في تزعم هذا الحور بين المسيحيين أنفسهم ومع أتباع الدين الإسلامي.
من المشاكل المستعصية في هذا الحوار عدم توفر الإعتراف المتبادل، أي هل هو حوار بين شركاء يعترف كل منهم بالآخر كشريك كامل الصلاحية؟
د. كلير آموس: هذا هو لبّ المشكلة وليس مشكلة يمكن للمسيحيين وحدهم حلها بل يجب أن تُحل بمشاركة الطرفين. وهي مشكلة دينية في اعتقاد المسلمين لأنه من الصعب بالنسبة لهم اعتبار المسيحيين كشريك متساو في الحوار لأن العقيدة الإسلامية تعتبر الرسول محمد خاتم الأنبياء ومن هذا المنطلق، هو من أتم كل ما نزل من قبل. وهذا ما لا يقبله المسيحيون كتفكير، ويخلق بعض الإختلال في العلاقات. وهو نفس الإختلال الذي عرفناه كمسيحيين في علاقاتنا مع الديانة اليهودية والذي يدفع البعض إلى الإعتقاد بأنه “ما دمنا قد ورثنا عقيدتنا منهم فنحن إذن افضل منهم”، وعلينا أن نعمل جاهدين لتجاوز ذلك.
ولكن المسلمين أيضا يرون أن الجانب المسيحي يتردد في الإعتراف بالدين الإسلامي كدين سماوي، وبالرسول محمد كنبي مبعوث من الله. فهل هناك نية في تجاوز ذلك؟
د. كلير آموس: أعتقد أنها قضية صعبة بالنسبة للمسيحيين. وأعتقد أن ما يجب قوله في هذا الإطار هو أن المسيحيين والمسلمين يعبدون بدون أي شك نفس الإله. وإذا كنتُ من أتباع الديانات السماوية، فعليّ أن أومن بأن هناك إلاها واحدا وهو نفس إلاه المسلمين. وما يعجبني في التقاليد الإسلامية، أسماء الله التسعة والتعسين التي تظهر تعددية صفات الخالق وعظمته. وعن الرسول محمد فإنني شخصيا مستعدة للقول أنه “رسول” وليس “الرسول” (بمعنى أحد الأنبياء وليس خاتم الأنبياء). وهذه إحدى نقاط الخلاف بين المسيحية والإسلام.
لقد تم تسييس هذا الحوار بين الأديان بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، أو تم استغلاله سياسيا من خلال مؤتمرات دينية وسياسية، مما أدى الى إثارة جدل زاد في عرقلة هذا الحوار. كيف تحكمين على ذلك؟
د. كلير آموس: أعتقد أنه يجب أن نكون حذرين إلى أبعد الحدود في اختيار العبارات التي نتلفظ بها عندما نتحدث عن الآخرين وخصوصا عندما نكون شخصية بارزة. (في إشارة الى خطاب البابا بينيدكتوس السادس عشر حول الإسلام في ألمانيا) وهذا ما حدث لرئيس أساقفة بريطانيا عندما كان يجيب على أسئلة صحفي بخصوص الشريعة والقوانين البريطانية واكتفى بالرد بكلمة نعم. وحتى ولو كنا نتفق معه فيما قاله، إلا أنه يمكن القول بأنه بالنظر إلى الأوضاع السائدة حاليا بين الإسلام والمسيحية أصبح كل ما يُقال حساسا للغاية لحد أنه أصبح من الخطير جدا التفوه بأي شيء.
بالإضافة الى الجدل الذي أثير حول خطاب البابا في جامعة ريغنسبيرغ، يبدو أن البابا الحالي أقل اندفاعا بكثير في الحوار بين الأديان وبالأخص مع الإسلام مما كان عليه الأمر في عهد سلفه يوحنا بولس الثاني، هل تشاطرين هذا التقييم؟
د. كلير آموس: أعتقد أنه لا يمكن الحكم كذلك. فقد كان التزام البابا يوحنا بولس الثاني منصبا بالدرجة الأولى في كفاحه ضد الشيوعية، ومن هذا المنطلق كان يرغب في رؤية معتنقي الأديان الأخرى كحلفاء في هذا الكفاح ضد نظام لاديني… ولذا لا يمكن الحكم على الرجلين لأن طبيعة المرحلة التي توليا فيها البابوية كانت مختلفة. لربما أن البابا الحالي له تعلق أكثر بالعالم الكلاسيكي القديم وبالإرث اليوناني والروماني كمنطلق وتمهيد للديانة المسيحية. وما أراد تأكيده في ريغنسبيرغ كان بالدرجة الأولى الإشادة بشكل إيجابي بالإرث الثقافي للفلسفة اليونانية في أوروبا.
ويجب القول بأن الجديد في الفاتيكان، أنه شهد تعيين خبير في الديانة الإسلامية على رأس القسم المهتم بالحوار مع الإسلام، على عكس ما كان عليه الأمر من قبل. كما أن هناك مبادرة هامة قام بها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز لإقامة مركز للحوار بين الأديان والثقافات في فيينا بالنمسا سيرى النور في نهاية شهر نوفمبر 2012. والمهم هو معرفة أن الفاتيكان مُمثل في مجلس إدارة هذه المؤسسة.
من وجهة نظر الدكتورة كلير آموس، منسقة برنامج حوار الأديان بمجلس الكنائس العالمي كلير آموس فإن “الحوار بين المسلمين والمسيحيين مفخخ بسبب أزمة الشرق الأوسط وبالأخص بسبب المشكل الفلسطيني الإسرائيلي. ولو كان لديّ حل لذلك لكنت سعيدة جدا لعرضه. ولكن التعقيد سيستمر في هذا الحوار مادام هذا المشكل قائما ومادام المسلمون وجانب هام من المسيحيين يرون في ذلك قضية ظلم وانعدام عدالة ، وبحكم التسلسل التاريخي قبول المسيحيين لفكرة أن الشعب اليهودي رجالا ونساء شركاء لنا في الإيمان والعقيدة.
القضية الثانية التي أعتقد أنه يجب ان نعمل جاهدين على توضيحها أكثر هي قضية العلاقة بين الدولة والدين، لأن هذه هي القضية التي تكثر بشأنها الخلافات في الفهم بين المسلمين والمسيحيين. قد يكون المسيحيون من جهة قد كونوا فكرة مبسطة عن أن المجتمعات المسلمة تسير وفقا لتعاليم الدين، ولكن في نفس الوقت هناك العديد من المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط بدأوا يشعرون بنوع من القلق بسبب طبيعة الحكومات التي ستتولى مقاليد السلطة في أعقاب ما يسمى بالربيع العربي. وهناك من مسيحيي الشرق الأوسط من أطلقوا عليه عبارة الخريف العربي بالنظر الى هذه العلاقة بين الدولة والدين.
ونفس الشيء يمكن قوله عن نظرة المسلمين للدول الغربية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية إذ يعتبرون أنها مسيرة وفقا للمسيحية، وهذا ما لا ترغب تلك الدول في وصفها به. فعندما تم نشر صور الفيلم المسيء للإسلام اعتبر المسلمون أنه فعل المسيحيين الأمريكيين وليس عمل فرد واحد. وقد يصعب عليهم فهم أن تسيير الدولة في الغرب يختلف وأن هناك فصلا بين الدين والدولة.
ومع أنه وُجد من أدان هذا الفيلم من المسيحيين من أمثال الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، فإن ردود الفعل العنيفة التي قامت بها جماعات في العالم الإسلامي تجعل اتخاذ مثل هذه المواقف أمرا عسيرا نظرا لأن تلك الأعمال تسير في اتجاه تعميق النظرة السلبية السائدة عن المسلمين في الغرب. لذلك يجب العمل على الخروج من هذه الحلقة المفرغة التي تعمق الأفكار المسبقة وتعقد الأمور أكثر فأكثر..”.
إلى جانب مبادرة الملك عبد الله في فيينا (انظر نص الحوار)، من النشاطات الكبرى المتوقعة في مجال الحوار بين الأديان هناك اجتماع متوقع للبرلمان العالمي للأديان، إضافة الى اجتماع مجلس الأديان من أجل السلام اللذان سيعقدان في العام القادم.
كما سيعقد مجلس الكنائس العالمي جمعيته العامة في شهر نوفمبر 2013 في كوريا الجنوبية وسيوجه لحضورها دعوة إلى ممثلي الأديان الأخرى.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.