الديمقراطية المُباشرة في الفن السابع: عروضٌ اختبارية وتأثيرٌ متزايد للجمهور
يُعتَبَر "اختبار" فيلم ما قبل صدوره مُمارَسة شائِعة بالفِعل في العديد من البلدان. وفي سويسرا ايضاً، تَبَنّى عددٌ من صانعي الأفلام هذا الإجراء. في أحدث نسخة من مهرجان السينما السويسرية بسولوتورنرابط خارجي الذي دارت فعالياته من 19 وحتى 26 يناير المُنقضي، تم تقديم عروض اختبارية أيضاً. ولكن ما مدى فائدة الجمهور في عملية التحرير النهائي الكامل للفيلم؟ عددٌ من المخرجين يروون تجربتهم لـ swissinfo.ch.
إذا كنت من مُحِبي العلامة التجارية الإعلامية الأمريكية “سكريم” أو الصرخة (Scream بالإنجليزية)، فمن المُرَجَّح أنك ستَميل إلى شخصية ضابط إنفاذ القانون ديوي رايلي، الذي يقوم بدوره الممثل الأمريكي ديفيد آركيت. لكن هذه الشخصية الرئيسية في فريق التمثيل الأصلي في خمسة أفلام، كان من المُفتَرَض أن تموت في نهاية الفيلم الأول.
مع ذلك، راوَدَ المُخرج ويس كرافن حَدَس أثناء تصوير الفيلم، بأن الجماهير سوف تَميل إلى هذه الشخصية، مما دفعه إلى تصوير مَشهد إضافي يَظهر فيه الشرطي على قيد الحياة. وكان من المُقَرَّر استخدام هذا المَشهَد في حالة ورود تعليقات من جمهور عَرض الاختبار ترى ضرورة الإبقاء على هذه الشخصية. وبالنتجية، كان هذا ما حدث بالضبط.
تُعَد هذه واحدة من أشهر القصص المُتعلقة بعروض الاختبار، التي تُعتَبَر ممارسة مُعتادة في صناعة السينما، ولا سيما في هوليوود، والتي يمكن أن تؤدي إلى مُختلف أنواع التغييرات في الحَمض النووي للفيلم. وفي بعض الأحيان تبقى هذه التغييرات بَسيطة، مثل تغيير العنوان أو توقيت إطلاق نُكتة ما.
تم تَبَني هذا التقليد خارج الولايات المتحدة بشكل تدريجي. وفي أحدَث إصدار له هذا العام، أقام مهرجان السينما السويسرية بسولوتورن بدوره وللمرة الأولى جَلسة عَرض اختبارية لقياس رُدود أفعال الجمهور على عنوان قادم لفيلم يُعرض في بَرنامج المهرجان الخاص “تحت المجهر” (Focus) لهذا العام. وهذا البرنامج هو جزءٌ من المهرجان مُخَصَّص لموضوعات أوسَع تعالج قضايا الساعة، ولا تتمحور حول سويسرا بالضرورة. ولم يتم الكَشف عن عنوان الفيلم ولا تاريخ عرضه.
من جانبها، لم تُمنح SWI swissinfo.ch إمكانية حضور العَرض الاختباري، لأن المهرجان نَصَّ على ضرورة أن يَتَكَوَّن الجمهور بأكمله من أشخاص غير مُرتبطين بصناعة السينما. لكن هذا ألهَمَنا فكرة التواصل مع صانعي الأفلام السويسريين للتَعَرُّف على هذه المُمارسة التي بدأت تتوسّع في سويسرا.
التوقيت هو كل شيء
كما أطلعنا أولئك الذين التقينا بهم – وهو ليس مُستغرباً – فإن عروض الاختبار يمكن أن تكون حاسمة بالنسبة لأفلام الكوميديا، لأن التوقيت المُناسب هو كل شيء عندما يتعلق الأمر بإلقاء النُكُات. المنتج والمخرج ألبرتو ميرونيرابط خارجي، الذي يكتب حالياً سيناريو تكملة الفيلم الناجح Frontaliers Disaster (كارثة عمال الحدود) الذي صَدَر في عام 2017، يكشف الاهتمام الكبير الذي يوليه لملاحظات وردود أفعال الجمهور.
“لقد كنت ألجأ إلى العروض الاختبارية دائماً لأفلامي، وفي حالة “كارثة عمّال الحدود” أجرينا اختباراً قبل شَهرٍ من موعد افتتاحه للتَحَقُّق من تَوقيت النُكات ومُستويات الصوت”. وحتى حينذاك، أصدَر ميروني عدَّة نُسخ من الفيلم للجمهور قَبل أن يقتنع أخيراً بالنتيجة.
وكما يوضح: “لقد استمرّ إجراء التعديلات على الفيلم لمدة ثلاثة أسابيع.. وكنت أرسل حزمة سينما رقمية جديدة للعارضين كل بضعة أيام، لأنني كنت أتسلل إلى العروض التجريبة بغية تقييم ردود أفعال المشاهدين. وكان التعديل الخامس هو الأخير”. في الواقع، لم يكن الأخير تماماً، حيث مَرَّ الفيلم بِجلسة دَبلَجة إضافية للعرض المسرحي في إيطاليا، لأن بعض النكات بخصوص المشاهير السويسريين ما كان سيكون لها معنى في إيطاليا.
الضحك بصوت أعلى
كان موضوع الفُكاهة هو الأمر المُهم أيضاً بالنسبة لـ كاتبة السيناريو والمخرجة ناتاشا بيلَّررابط خارجي، التي أمتَعَت جمهور مهرجان لوكارنو في ساحة “بياتزا غراندي” في عام 2019 بفيلمها المميز “لقد ولَّت سنوات الخصوبة” (Die fruchtbaren Jahre sind vorbei)، الذي يتطرق لموضوع سعي المرأة للحَمل قبل بلوغها عامها الخامس والثلاثين. وقد قامت المُخرجة خلال مرحلة ما بعد الإنتاج بِعَرضٍ اختباري أولي لفيلمها – “كانت عملية تحريره قد انتهت بنسبة 80 إلى 90%” كما تقول، وكان الجمهور المشاهد لعرض مؤلفاً بالكامل من أشخاص لم تَلتَقِ بهم مُطلقاً لأنها كانت تأمل بأن “تكون تعليقاتهم مُحايدة”.
عند استرجاعها للتجربة، كانت بيلَّر تتمنى لو أنها أقامت أكثر من عرضٍ اختباري واحد، لأن عَيّنة الجمهور كانت من الصِغَر بحيث لم تساعد كثيراً في تقييم نقاط القوة الكوميدية للفيلم بشكل صحيح. وكما تشير، فأن “الناس يميلون إلى الضحك بصوت أعلى عندما تكون الغرفة مُمتلئة”، وهو ما شَهِدَته مع تسجيلات برنامج “ديفيل” (Deville) الذي يُعرَض في التلفزيون العمومي السويسري الناطق بالألمانية (SRF) في وقت متأخر من مساء الأحد.
عروض مُتعددة
أحد التغييرات الرئيسية التي أجرَتها بيلَّر قَبل العَرض كانت تَخُص عنوان الفيلم، حيث كان عنوانه الأصلي هو Ü30 (“فوق الثلاثين”)، وهو ما أثار ردود فِعل مُتَباينة من جمهور العَرض الإختباري، بالإضافة إلى ملاحظة من الموزع ترى أنه قد يؤدي إلى نفور المشاهدين الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين، وتزيد عن الأربعين عاماً. وتنوي المخرجة السويسرية تكرار هذه التجربة في مشاريعها المستقبلية. وكما كتبت بالبريد الإلكتروني في ردٍ على أسئلتنا:”إذا سَمَحَت الميزانية بذلك، سوف أُنَظِّم أكثر من عَرضٍ واحد، بحضور جمهور أكبر، وفي مُدُن مختلفة”.
في حالة فيلم “آزور” (Azor)، للمخرج وكاتب الأفلام السويسري أندرياس فونتانارابط خارجي الذي تدور أحداثه في الأرجنتين، كانت هناك العديد من العروض الاختبارية خلال مرحلة ما بعد الإنتاج. وبدأت العروض بمجموعة أساسية من “المُختَبِرين”، بما في ذلك المخرج نفسه، والمُحَرِّر، والمنتِجَين السويسرييَن الرئيسييَن والمستشار الفني للفيلم. بعد ذلك، قام هؤلاء تدريجياً بإحضار أشخاص آخرين إلى العروض لا علاقة لهم البَتّة بصناعة السينما. وكما يوضح المخرج: “كان علينا تقييم مدى سهولة فَهم الفيلم، لأن أحداثه مُكثفة للغاية”.
وقد أثبت أحد العروض المُبكرة مدى أهميتها بالنسبة للشخصية الرئيسية في الفيلم. ويقول فونتانا مستذكرا: “لقد عرضنا نُسخة أولية من الفيلم في سينما City Club في بلدة بوييه (Pully) في ضواحي لوزان، كانت مُخصصة للأصدقاء والعائلة، لم يتجاوز الحضور خلالها عشرة أشخاص”.
وكما يضيف: “لقد أدركنا في نهاية هذا العَرض بأننا تَسببنا في إلحاق ضررا بالقائم بدور الشخصية الرئيسية: لقد بدا ضعيفاً ومُضطَهَداً جداً بسبب ما كان يحدث، الأمر الذي جعله مُزعجاً وليس غامضاً. وقد أدى بنا ذلك إلى مُراجعة كل مَشهد له في الفيلم – وهي كثيرة لأنه موجود في جميعها – وإجراء تعديلات عن طريق إزالة ثلث اللقطات الخاصة به، واستخدام لقطات بديلة.
صوت الشعب
يشير فونتانا أيضاً إلى اختلاف رئيسي بين عَرض الفيلم على مشاهدين عاديين وعرضه على زملائه من صانعي الأفلام. وكما يقول: “يميل أفراد الفئة الأخيرة إلى تقديم حلول بالاستناد على أذواقهم ورغباتهم، بينما يقدم الأشخاص من خارج صناعة السينما ملاحظات عامة، تشير إلى الأعراض وليس الأسباب. من ثمَّ كان إصلاح المشكلة متروكاً لنا في النهاية”.
في الختام، يقول كاتب السيناريو، والمخرج، والمصور السينمائي إيلي غرابرابط خارجي إنه كان مُتشككاً بشأن عروض الاختبار، ولا سيما تلك البطاقات التي يُطلب من الجمهور مَلئها، والتي رأى أنها تشبه “النهج الإكلينيكي” بعض الشيء. لكنه في النهاية ثَمَّن ردود الأفعال التي حصل عليها من عرض إختباري محدد لفيلمه “أولغا” (Olga) الذي قُدِّمَ في نسخة شُبه كاملة لِفَصل من طلاب المدارس الثانوية.
“كان لا يزال أمامنا أسبوعين من مرحلة ما بعد الإنتاج، وكنّا كثيراً ما نرجع إلى الاستبيانات. لقد أقرّوا صَحة بعض العناصر التي كُنّا نريد الدفاع عنها [في الفيلم]، وكشفوا عن بعض نقاط الضعف المُتبقية برؤية جديدة. من المُمتِع أيضاً أن نرى كيف يمكن لجمهور الاختبار تحديد شيء ما باعتباره خطأ يجب تعديله أو إزالته تماماً – وهو عنصر مُهم في الفيلم في الواقع – حتى لو لم تَكُنْ قد اكتشفتَ ذلك بعدُ. وقد كان هذا هو الحال مع استخدامنا للقطات أرشيفية، لكننا عَثَرنا على التوازن الصحيح مع استمرارنا في عملية التحرير”.
المزيد
صُنّاع الأفلام السويسريون يخوضون معركة من أجل التمويل
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.