“إننا ندرس الشعراء، ولا نعرف شيئاً عن المعماريين”
بالتزامن مع بينالي البندقية للعمارة، تقيم مؤسسة "بروهلفيتسيا" هذا العام أيضاً صالوناً سويسرياً اختار أن يستكشف هذه المرة العلاقة بين جسم الإنسان والعمارة أو الفضاء المبني، وهو موضوع يبدو مناسبا بعد عام ونيف من التباعد الاجتماعي.
برعاية إيفيلين شتاينر، سيتضمن “الصالون السويسري” الذي يُقام ضمن المعرض الدولي السابع عشر للهندسة المعمارية (أو بينالي أركيتيتّورا)رابط خارجي في البندقية سلسلة من المحاضرات والمناقشات والفعاليات تحت عنوان “مُقابلات أو لقاءات جسدية”. SWI swissinfo.ch التقت شتاينر في ورشتها بمدينة زيورخ وأجرت معها الحوار التالي:
SWI swissinfo.ch: يُقام صالونكم متأخراً عاماً كاملاً بسبب الجائحة الصحية التي نجمت عن انتشار فيروس كورونا. ويبدو عنوان “مقابلات جسدية” اليوم وكأنه دعوة..
إيفيلين شتاينر: إن العنوان قد يُفهم اليوم بصورة تثير الجدل شيئاً ما، حيث كان اللقاء خارج حدود المنزل لمدة طويلة غير مسموح به أو على الأقل مقيداً. لكن الوقت قد حان لتغيير هذا الوضع. وواجب العمارة أن تخلق فضاءات، تسمح باللقاء حتى في أوقات الأزمات الصحية، بل وتشجع عليها.
ما هي اللقاءات التي يدور حولها صالونكم؟
تتضافر الكثير من المجالات والأفرع العلمية مع العمارة من أجل التعرف على العلاقات المتنوعة بين المكان والجسم البشري.
وفي الافتتاح سيكتسب الجمهور بعض الخبرات الخاصة بالجسد: ففي أحد العروض سوف تتفاعل ثلاث مُجسّمات خشبية من إبداع الفنانة السويسرية كاتارينا أنا فيزررابط خارجي، مع الجمهور، إذ أن هذه المجسمات تتحرك كما لو كانت كائنات حية. ويصاحبها غناء لمقاطع من أوبرا جرى تلحينها مؤخراً، والتي تتناول مقتبسات من نظرية العمارة وتاريخها.
بهذه المجموعة من المصادر التاريخية توضحين أن الجسد البشري كان دائماً يمثل أحد موضوعات العمارة. فلماذا ينبغي علينا اليوم مناقشة هذه العلاقة من جديد من خلال إعادة طرحك لها؟
يتزايد اهتمام العلوم الإنسانية منذ خمسين عاماً بالجسد البشري. وتكمُنُ الأسباب وراء ذلك في هذه التدخلات المُطَّرِدَة في الجسم البشري، مثلاً في إطار الطب التناسلي، أو الحد من القدرات الجسمانية من خلال تقنيات الحاسوب في مجال الذكاء الاصطناعي.
أما الدراسات الجنسانية فإنها تناقش الجسم البشري فيما يتعلق بالهوية. ويدور مثل هذا الجدل أيضاً في الهندسة المعمارية، ولكن على نطاق ضيق. إلا أن ربط العمارة بهذه المجالات وغيرها يفتح الباب أمام توليفات جريئة يمكنها تقديم مفاجآت.
ولدت إيفيلين شتاينر عام 1981، وهي معمارية ومؤرخة فنية وأمينة معارض. وبعد انتهائها من دراسة الهندسة المعمارية في زيورخ وبيونس آيرس، عملت في العديد من مكاتب العمارة بروما، وبرشلونة وزيورخ. وفي عام 2012 حصلت على درجة الماجستير في تاريخ الفن من جامعة برن.
أشرفت على العديد من المعارض المعمارية، مثل “آريستيد أنتوناس. بروتوكولات من أثينا” (2015)، “فيلم بنائي. العمارة السويسرية في صور متحركة” (2016)، والنسخة السويسرية من معرض “السيدة المعمارية. حول مائة عام من دخول المرأة مجال الهندسة المعمارية” (2020).
هل لديك مثال على ذلك؟
فلنأخذ مثلاً العمارة وما بعد الإنسانية. ففي بؤرة هذا الاتجاه الفلسفي يقف التغيير المادي والنفسي للجسم البشري عن طريق إضافات تكنولوجية، مثل الشرائح المزروعة على سبيل المثال.
فكيف يُمكن استثمار هذه الإنجازات الحديثة في مجال الطب والعلوم العصبية لتصبح ذات جدوى في الإدراك والتخطيط المعماري؟ كيف ستبدو الفضاءات أو الهياكل الحضرية للسكان “المُعدّلين”؟
إنك تتحدثين عن الإنسان وكأنه “سايبورغ”، هذا الكائن الميكانيكي المعروف في أفلام الخيال العلمي. ولكن ألا يعد السايبورغ في “البيت الذكي” هو المسكن نفسه؟
إن “المساكن الذكية” المرتبطة بالشبكة العنكبوتية أو ما يُعرف بـ “البيئات المدركة” تنشئ علاقة فريدة مع ساكنيها. ولكن حتى بدون تزويدها بالتكنولوجيا الرقمية، فإن المباني ليست أشياء صمَّاء، بل هي ذوات تتحدث إلينا، وتدخل معنا في حوار.
فهي عامة وخاصة. وتشكل الذاكرة الجمعية، وفي ذات الوقت تطبع سيرتك الذاتية وتُكَوِّن شخصيتك. وعلى الرغم من حضور العمارة بقوة كجزء لا يتجزأ من حياتنا، إلا أنها ليست جزءً من مناهجنا التعليمية. فنحن ندرس الشعراء، لكننا لا نعرف شيئاً عن المعماريين.
إن القواعد والمعايير المعمارية – والتي هي موضوع صالون نوفمبر المقبل – تعكس بعض القيم. فهل للجدل الاجتماعي الحالي حول موضوع الهوية أثر على العمارة؟
في سويسرا، لا زلنا نُعتبر متأخرين في هذا المضمار. وأذكر هنا على سبيل المثال عملية تطويع المباني لذوي الاحتياجات الجسدية الخاصة.
فالمعمار متثاقل ويتفاعل مع الأحداث الاجتماعية أبطأ مما يحدث في الفن. فهو على سبيل المثال لا يزال مُصمّماً لنموذج الأسرة المكونة من أربعة أفراد، على الرغم من نشوء أشكال أخرى من التعايش منذ زمن.
هل الأمر حقاً كذلك؟ فلقد افتتح في زيورخ هذا العام مبنى لاقى قبولاً واسعاً، وهو ذلك المسمى بـ “مصلحة الجمارك”، حيث يُمكن للجماعات تحقيق حلمها الخاص بالحياة المشتركة معمارياً فيما يعرف بـ “السكن المفتوحرابط خارجي“، والذي يتميّز بالوحدات الداخلية القابلة للتحريك.
لكن مبنى “مصلحة الجمارك” لا يزال يعتبر فريداً من نوعه على مستوى سويسرا. فلا نكاد نرى مثل هذه المشروعات خارج المناطق الحضرية.
هل “العلاقات المائعة” هي إذن الإجابة؟ إننا نعرف تعبير “مائع” في إطار الهويات غير محددة الثنائية. فما هو معناها بالنسبة للعمارة؟
بالنسبة لي، فإنها تتمثل في تلك الغرف التي تتيح الاستخدام في أغراض متعددة، بدون تحديدها. وسوف نتناول هذا الموضوع بالنقاش في الصالون مع جويل ساندرسرابط خارجي. حيث شارك هذا المعماري من أبناء مدينة نيويورك قبل ذلك في الجدل حول “اللاجنسيين” وكتب العديد من المقالات حول الهويات غير الثنائية والعمارة. كما قام في آخر مشروعاته بتطبيق مبدأ عدم التحديد أو الميوعة على غرف المتحف وحاول جعلها أكثر تكامليةً.
في سياق متصل، وفي بينالي “كيف سنعيش معاً؟رابط خارجي” يتساءل هاشم سركيس عن الإجابات المكانية للكيفية التي سنتعايش بها كأفراد في جماعات أكبر، بهدف مواجهة تحديات عالمية. ويتناول الفصل الأول الذي يحمل عنوان “بين كائنات مختلفة” مسألة الجسد البشري الخاص بكل فرد. فهل يبدأ هنا حل المشكلات؟
نعم، أعتقد أن على كل فرد البدء بنفسه. من أنا؟ ما هي علاقتي بالأجساد الأخرى، الغريبة بل والمريضة أحياناً؟ وإذا فكرنا في العمارة المشتملة، فعلينا مراعاة الهويات وأشكال الحياة المختلفة، وكذلك إمكانات الأجساد المعدلة طبياً والأجساد ذات الإضافات التكنولوجية.
ختاماً، سوف تتناولون موضوع الأجساد المعدلة في صالون نوفمبر. فما هي العمارة “المكافحة للشيخوخة”؟
يعود هذا المبدأ إلى مادلين جينس وشوساكو آراكاوا. حيث قاما في عام 2008 ببناء “بيت إطالة العمررابط خارجي” في نيويورك؛ إذ يعتمد هذا المبنى على خلق علاقة صعبة مع ساكنيه.
فهو يفتقد إلى وجود حوائط داخلية، كما أن الأرضية ليست ممهدة. إنه إذن يتحدى ساكنيه طيلة الوقت وبهذا يُؤخر – بحسب اعتقاد الثنائي الفني الأمريكي – عملية الشيخوخة.
- صالون سبتمبر “أرواح مقربة”
من 23 إلى 25 سبتمبر 2021
- صالون أكتوبر “حقائق”
من 21 إلى 23 أكتوبر 2021
- صالون نوفمبر “تعديلات”
من 18 إلى 20 نوفمبر 2021
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.