مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لوكارنو 2009.. اليابان والصين تختطفان الأضواء من العرب

Keystone

ككل عام، يفاجئ مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي، الذي تنظم دورته الثانية والستين من 5 إلى 15 أغسطس ، جمهوره بأعمال سينمائية جديدة، وبخيارات مبتكرة تعانق عوالم ثقافية متعددة.

وخلال ندوة صحفية عقدتها في برن يوم الأربعاء 15 يوليو الجاري، أعلنت إدارة المهرجان عن جملة من هذه المفاجآت، ووعدت بأن تكون دورة هذا العام “استثنائية” بأتم معنى الكلمة.

وكل من تتبع الدورات السابقة، يعرف أن المهرجان السينمائي في عرف لوكارنو هو كما يقول فريديريك ميير، مديره الفني: “مزيج من كل فن، يحرص القائمون عليه، منذ 62 سنة، على اقتناص كل خبرة جديدة، ورصد كل توجه حديث، وعرض أفضل الأعمال السينمائية الدولية، وتوفير ظروف مواتية لنشأة مشروعات جديدة”.

ويخوض مهرجان لوكارنو في هذه الدورة مغامرة فريدة في عالم المهرجانات تهدف إلى تمكين الجمهور الغربي من إعادة اكتشاف عالم سينما الكارتون اليابانية، منذ ظهورها وحتى اليوم، مع إيلاء عناية خاصة إلى تأثير هذه السينما على المخيّلة الغربية خلال العقود الثلاث الأخيرة.

قضايا هامة ومتنوعة

هذا الحضور الدولي لن يتوقّف عند حدود اليابان، إذ تشارك في هذه الدورة أعمال من الصين وتايوان، وهونغ كونغ، بالإضافة إلى منغوليا، وكوريا الشمالية، وجنوب إفريقيا.

تعالج هذه الأفلام طويلة كانت أم قصيرة، خيالية أو وثائقية، جملة من القضايا المهمة التي تشغل اليوم الرأي العام الدولي، بدءًا بالجوانب المتعلقة بمسالة النزوح والهجرة. هذه الظاهرة الإنسانية التي عادة ما يجبر عليها الإنسان بسبب الحروب، وغياب الأمن، والفقر، والأمل في الحصول على وضع أفضل، وما يستتبعها من أسئلة حول الهوية وعلاقة الأنا والآخر، في ارتباط بالعولمة وتداخل الصور كما تتداخل التعريفات بين الهوية والجنسية.

قضية الهجرة تحوّلت اليوم إلى خزّان لا ينفذ لأعمال سينمائية تتميّز بالطرافة وحسن الاختيار، وفي هذا السياق، يعرض المهرجان أفلام تروي قصة إيطالي من أصول أرجنتينية، يعود إلى بلده الأصلي بعد طول غياب، وفيلما آخر، حول قصة امرأة صينية مهاجرة في لندن، وعمل آخر حول هولاندي يسافر لاكتشاف أيرلندا. تبادل التجارب والرؤى تحوّل في حد ذاته إلى مادة خصبة لإنتاج السينمائي يتميز بلغة إنسانية مرهفة.

من المحاور الكبرى الأخرى للأعمال التي ستعرض في الدورة الثانية والستين لمهرجان لوكارنو هذه السنة، العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وقد أخذت هذه العلاقة طابعا تراجيديا بفعل الحسابات السياسية والتنافس على المكاسب الاقتصادية، وكنتيجة منطقية للدمار الذي لحق ولا يزال بالطبيعة، تتحدث العديد من الأعمال التي أخذت مكانها في برنامج هذه السنة عن “نهاية العالم”، أو على الأقل “نهاية العالم الذي نعيش فيه نحن البشر”. دمار الكون لم يعد الآن مرهونا بإطلاق قنبلة نووية، كما يعتقد، بل من الأرجح إن حصل أن يكون بسبب التلوّث، ونفاذ مقدّرات البيئة.

حضور قوي لليابان

من المنتظر أن يرافق الاحتفاء بسينما الكارتون اليابانية خلال هذه الدورة عرض 24 فيلما يابانيا طويل، و52 فيلما قصيرا، عدد كبير منها يعرض لأوّل مرة، كما يرافق هذه الأعمال عدد من المخرجين السينمائيين اليابانيين المشهورين، ستتاح لهم الفرصة للحديث إلى الجمهور عن تقنيات هذه السينما، وما أحاط بتاريخها الطويل من أسرار. وعلى هامش هذا المهرجان، ينظم كذلك متحف الفنون السينمائية بتورينو معرضا كبيرا حول هذه السينما بما يمدّد في عمر هذه التظاهرة، إلى ما بعد انتهاء المهرجان.

وعن مبررات اختيار السينما اليابانية ضيف الشرف في لوكارنو هذه الدورة يقول المدير الفني للمهرجان: “أشعر بأننا نمر الآن بمرحلة فاصلة في تاريخ هذه السينما، والأفلام اليابانية حصدت في السنوات الأخيرة العديد من الجوائز الكبرى في مهرجان برلين، ومهرجان البندقية، ناهيك عن التأثير البالغ للسينما اليابانية في السينما الأمريكية، بل إن كثيرا من الأعمال الأمريكية لا تعدو أن تكون إعادة انتاج للسينما اليابانية”.

وبهذا المعنى يعتبر الإحتفاء بسينما الكارتون اليابانية اختيار العصر، ومطلب هذه اللحظة، وبشكل من الأشكال اعتراف من القائمين على مهرجان لوكارنو بإسهام السينما اليابانية، والأثر الذي تركته على الفن السابع في الغرب. والهدف كما يقول السيد ميير: “هو دعوة الجمهور إلى السفر في ثنايا هذه المدرسة السينمائية، وإعادة اكتشاف هذه الثقافة التي نشعر بوجودها، لكننا لا نعرفها بشكل جيّد”.

غياب لافت للسينما العربية

يبدو أن الحظ لم يحالف العرب هذه المرة في لوكارنو، فباستثناء فيلم او اثنين، تسجّل السينما العربية غيابا ملفتا للأنظار، ويقول المدير الفني للمهرجان مبتسما: “إنها من صدف البرنامج هذه السنة، لكن يجب التذكير هنا أن عملان من شمال إفريقيا استدعيا للمشاركة في هذه الدورة لكنهما فضّلا المشاركة في مهرجانات أخرى، لأسباب أظنها سياسية وفنية وعملية”.

وبعد أن ذكّر بوجود عدد قليل من المشاركات العربية تقتصر على شريط لبناني، وآخر كردي عراقي، ينبه المدير الفني إلى أن هذه الدورة تشهد “حضورا قويا للسينما الإيرانية”.

وفي محاولة لتفسير هذا الغياب، يضيف المدير الفني: “لنكن واضحين، الإنتاج السينمائي العربي، خاصة في شمال إفريقيا محدود جدا، وهناك منافسة قوية للمهرجانات الدولية للفوز بالأسبقية في عرض القليل من الأعمال الجيدة، وإذا ما حصلت على عمل، يذهب العمل الثاني إلى الطرف المنافس، في بعض الأحيان تكون المشاركة واسعة مثل دورة 2007، وفي بعض السنوات الأخرى تكون محدودة مثل هذا العام”.

عبد الحفيظ العبدلي – برن – swissinfo.ch

تأسس مهرجان لوكارنو للسينما سنة 1946، وهو بذلك من أقدم المهرجانات السينمائية في العالم، إلى جانب مهرجاني البندقية وكان. وواصل تطوّره عبر العقود والسنين: فضاعف مرات عدة عدد جمهوره، وشغلت أخباره وسائل الإعلام عبر الكرة الأرضية، ولكن رغم هذا الإشعاع والتطوّر، حافظ مهرجان لوكارنو على طابعه وهويته الأولى اللتان تأسستا على تشجيع الإنفتاح والحوار والإمتداد نحو الآخر.لقد لازم هذا المهرجان نزوع جامح إلى اكتشاف المدارس الفنية الحديثة، والطاقات الفنية الصاعدة، لكن مع الحفاظ على خط فني ناظم يحترم هوية المهرجان.

الإنطلاقة كانت مع أولى الأفلام الإيطالية المنتمية إلى الواقعية الحديثة إلى حين العبور إلى الجيل الخامس من المخرجين الصينيين مرورا بمستجدات السينما الفرنسية وسينما أوروبا الشرقية من الستينات وحتى اليوم، وإستطاع المهرجان عبر هذه المراحل افتكاك موقعه على الساحة السينمائية الدولية، وحافظ على الأجيال التي تابعت تطوره من دون ان يفقد شريحة الشباب.

ورغم مرور 62 سنة على انطلاقته، يحافظ هذا المهرجان على خصوصية المهرجانات حديثة النشأة، ولا يزال يشهد نموا وتوسعا مضطرديْن. وربما يرجع هذا الإنفتاح المستمر على المستقبل إلى عامليْن اساسيين: من جهة، لأسباب هيكلية بنيوية يتعلق بكون لوكارنو يعمل بطريقة هي اقرب لفن السيرك منه إلى شيء آخر، إذ عندما يذهب الزائر إلى مدينة لوكارنو، خارج ايام المهرجان، لا يعثر على اي شيء يدل على أنها المدينة التي تحتضن كل سنة ثالث مهرجان دولي للسينما من حيث الشهرة والأهميةن ولكن عندما ياتي موعد المهرجان، ينشا كل شيء من الصفر، فترتب ساحة العروض الكبرى Piazza Grande، وتتحوّل القاعات الرياضية إلى قاعات عروض سينمائية. المهرجان إذن أقرب لعروض السيرك منه إلى المهرجانات السينمائية كما هو متعارف عليها. وهذا معناه أنه ليس هناك اي شيء يرمز إلى الركود والثبات، لا في الأفكار ولا في البنى التحتية.

اما العامل الثاني، فهو ان هذا المهرجان، معروف بجمهوره الشاب، وهذا الإقبال الشبابي يضطر القائمين على حظوظ هذا المهرجان لإعطاء الفرصة للأعمال الناشئة التي هي في بداية الطريق، بنفس القدر من الاهمية والمساحة التي تمنح للأعمال الفنية الشهيرة والكبرى.

لكن هذا النجاح الذي حققه مهرجان لوكارنو لا يجب ان ينسينا انه أيضا يواجه تحديات كبرى في عالم تسود المنافسة فيه عالم الفن على نفس القدر الذي تسود فيه عالم التجارة والسياسة. ومن هذه التحديات ان الاعمال السينمائية القيمة تفضَل ان تكون مشاركاتها الاولى في مهرجانات عريقة مثل مهرجان كان، ومهرجان البندقية، ونقطة الضعف هنا ان سويسرا بلد صغيرة تحيط به بلدان معروفة بتراثها العريق في المجالات الفنية المختلفة.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية