مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

متحف الفنون الجديد بزيورخ وموقعه على الساحة الدولية

متحف الفنون بزيورخ، صورة ملتقطة من الجو
Keystone / Christian Beutler

يقف متحف الفنون بمدينة زيورخ على أعتاب منعطف هام: فقد شارف مبنى الملحق الخاص به على الانتهاء، وتجري عملية اختيار الإدارة الجديدة التي ستستلم عملها ابتداءً من 2022 على قدم وساق. فهل سيتمكن متحف الفنون بذلك من التموضع عالمياً في المستقبل؟ أجرى موقع swissinfo.ch الحوار التالي مع بعض من أمناء وأمينات المتاحف الشهيرة في الداخل والخارج حول هذا الموضوع.

ضخم للغاية وبرغم ذلك يبدو لطيفاً ـ إنه مبنى الملحق، الذي قام المعماري الشهير دافيد تشيبرفيلد بتصميمه لـ متحف الفنون بزيورخرابط خارجي. يرتفع المكعب المدمج في ميدان هايمبلاتس في مواجهة مجمع المتاحف التاريخي الذي ازداد اتساعاً على مر الأعوام؛ ومن بين الأعمدة الزخرفية التي تغطي واجهته في تناغم، ومن خلال نوافذه الضيقة والمرتفعة، تتاح الرؤية داخل محراب الفن الجديد.

قاعة بمتحف الفنون بزيورخ
قاعة ملحقة بمتحف الثقافة الفنون بزيورخ. Juliet Haller


يلمع نحاس الباب الخارجي ويبدو وكأنه رمز لما يوعد به المبنى الجديد: فقد تضاعف حجم المعروضات، وانضمت إليه مجموعات من المقتنيات الجديدة والهامة، والتي تعرض على سبيل الإعارة الدائمة، مثل تلك الخاصة بأعمال إميل جورج بورلهرابط خارجي (1890-1956) التي تمثل محور ارتكاز هنا. كذلك أنشأت قاعة احتفالات وصمم برنامج مصاحب وموسع؛ كل هذا من شأنه جعل هذه المؤسسة المجددة واحدة من »أكبر متاحف الفن السويسري وأكثرها ديناميكية«رابط خارجي، ممَا سيعزز شهرتها العالمية.

لقد لبت معارض زيورخ هذا النداء المغري بالفعل: فمن استطاع منهم، أن يتموضع على طول شارع ريمي شتراسه، والذي يقع في مكان مثالي، بين متحف الفنون والبحيرة. حيث قامت نصف دستة معارض بنقل مقراتها خلال العامين الأخيرين إلى هذه المنطقة، أو افتتحت فرعاً جديداً لها هناك، مثل معارض لانغه + بولت أو إيفا بريسنهوبر.

من ألق الانطباعيين

يتطلع متحف الفنون وكذلك الجمهور المتخصص إلى عرض مجموعة إميل بورله. “أخيراً، سوف يتاح لمجموعة بورله فرصة التألق مجدداً”، كما تقول بيس كوريجه، التي عملت لسنوات طويلة كأمينة ومرشدة بمتحف الفنون بزيورخ والتي تترأس اليوم مؤسسة فينسنت فان غوخ في مدينة آرلرابط خارجي الفرنسية. أما ابن مدينة برن فيليب كايزر، المدير السابق في متحف لودفيغ بمدينة كولن الألمانيةرابط خارجي، الذي يعيش حالياً في لوس آنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي أشرف عام 2017 على الجناح السويسري ببينالي مدينة البندقية الإيطاليةرابط خارجي، فيقول: “إنني أتوق بصفة خاصة، لرؤية أعمال كل من سيزان وغوغان”.

مجموعة إميل بروهلر، متحف الفنون بزيورخ
ملحق بمتحف الفنون بزيورخ، قاعة عروض خاصة بمجموعة إميل بوهلر، الطابق الثاني، 2019. David Chipperfield Architects

كانت مجموعة إميل جورج بورله التي تضم أعمالاً فنية فريدة لفنانين من الحقبة الانطباعية تقبع حتى عام 2015 في إحدى الفيلات على أطراف مدينة زيورخ. لكنها الآن سوف تُعرض بصورة مستقلة في مبنى شيبرفيلد، كما هو الحال مع مجموعة ميرتسباخر للفن الحديث والتي وصلت إلى متحف الفنون كذلك مؤخراً. أما مجموعة المقتنيات الخاصةرابط خارجي الأخرى والتي كانت مملوكة لهوبرت لوزر، والتي تتمحور حول فترة الستينيات، فسوف يتم ربطها من البداية بصورة أكبر مع مقتنيات متحف الفنون الأصلية.

وجدير بالذكر أن مجموعات المقتنيات الجديدة والهامة، والتي تعرض على سبيل الإعارة الدائمة، خاصة تلك المعارة من مؤسسة بورله، قد لعبت دوراً هاماً في تاريخ المبنى الجديد: “إن ملحق متحف الفنون يرتكز من البداية على القفزة النوعية الهائلة لتلك المجموعة”، كما يوضح كريستوف بيكر، والذي صاحب التخطيط لهذا المشروع الإنشائي منذ طرح الأفكار الأولى عام 2001. بهذا كان من الممكن إبرام الاتفاق مع مؤسسة بورله عام 2012، بعد الإعلان عن نية مسبقة عام 2006، يعتبر علامة فارقة بالنسبة لمتحف الفنون.

فليب كيزر
فليب كيزر. مرشد ثقافي مستقل، لوس أنجلس. Pro Helvetia / Ennio Leanza

أما بالنسبة للرأي العام، فقد احتدم الجدل مرة أخرى بسبب ارتباط هذه المجموعة بمنتج السلاح وعاشق الفنون بورله، حيث ألقت صفقاته المشبوهة بظلالها على تلك المجموعة. إلا أن الدراسة العلمية حول أصلرابط خارجي هذه الأعمال الفنية قد تقدمت في الأثناء بدرجة كبيرة، بل أنه قد جرى مؤخراً نشر دراسة مستفيضة حول تاريخ المجموعةرابط خارجي. إذن فأهمية هذه المجموعة لتاريخ الفن تظل في ذات الوقت لا خلاف عليها: فمتحف الفنون يضم بذلك بجانب باريس أهم مجموعة لأعمال فناني الحقبة الانطباعية وما بعد الانطباعية على مستوى أوروبا كلها، وهو يكتسب بذلك، وفقاً لتصريحات متحف الفنون نفسه، أهمية عالمية.

راين فولفس: “نقلة نوعية” لزيورخ

في سياق متصل، فقد اتفق العديد من المتحفيين في الداخل والخارج على هذا التوقع. فالسيد راين فولفس، والذي يدير متحف شتيديليك بأمستردام رابط خارجيمنذ نهاية عام 2019، يتوجس من سعي الكثير من المتاحف الأوروبية التي تضم مقتنيات من الطراز الأول للفت الانتباه. إلا أنه يتحدث عن “نقلة نوعية لزيورخ، مقارنة حتى بمدينة بازل”، بتألقها الثقافي والتي كانت زيورخ تبدو باهتة أمامها في السنوات الأخيرة.

فقد كان فولفس يعمل في العصر الذهبي لزيورخ في التسعينيات كمدير تأسيسي لـ متحف ميغرو للفن المعاصررابط خارجي، لذلك فإنه على دراية واسعة بالمشهد المحلي. أما كريسينا فيج، ابنة مدينة زيورخ والمديرة الحالية لـ معرض الفن بمدينة بيليفيلد الألمانيةرابط خارجي، فإنها ترى أن الاهتمام والفضول العالمي بمجموعة بورله وبالمبنى الجديد سوف يكونا هائلين، خاصة في البداية. ولكن: “في نهاية المطاف، من المهم أن يعرف متحف الفنون كيف سيتعامل مع هذه المجموعة على المدى البعيد، فالثبات المستمر قلما يكون ميزة”.

مدارج سلم داخل متحف الفن في زيورخ
على اليسار: متجف الفن في زيورخ ، مبنى ملحق وسلم ، على اليمين: متجف الفن في زيورخ، مبنى ملحق ، مدخل القاعة. Juliet Haller

وهنا يأتي دور القيادة المستقبلية، ذلك أنه من الواضح أن إنجاز “متحف للقرن الواحد والعشرين”، مثلما يسعى الفريق المحيط ببيكر لتحقيقه، لا يمكن الوصول إليه فقط بتوسعة المباني وزيادة المقتنيات. فيوزف هيلفنشتاين، الذي وجد نفسه أمام وضع مشابه حينما تولى إدارة متحف بازل للفنون رابط خارجيعام 2016، يرى أن هذا الأمر ليس نقمة ولا نعمة. “إنه واقع وفقط”، على حد قوله، ويستطرد: “فالأهم كما يبدو لي، ألا يُستهان بالتكاليف المترتبة على كل ذلك. فلقد كانت هذه إحدى المشكلات التي واجهتنا في بازل”. إلا أنه يستشف من مباحثاته مع زميله كريستوف بيكر، أن هذا الموضوع كان جلياً بالنسبة لمتحف الفنون في زيورخ، وهو ما يؤكده مديره الحالي بنفسه.

جانب آخر يطرحه توبيا بيتسولا للنقاش. فمدير متحف الفن بسويسرا الناطقة بالإيطالية بمدينة لوغانورابط خارجي هذا كان يعمل ما بين عامي 1995 و2012 ـ كأمين بمتحف الفنون بزيورخ، أي في ذات الوقت مع السيدة كوريجه. وهو يرى أن الإدارة الجديدة باستكمالها لهذه المؤسسة الموسعة سوف تكمل مشروعاً، يعود التخطيط له إلى عشرين عاماً مضت. وقد رأت جلسة الاستماع الدولية التي أقيمت عام 2001 إمكانية تحقيق “متحف الفنون بزيورخ 2010”. إلا أن العديد من العوامل أدت إلى التأخير، من بينها رفع مؤسسة “آرشيكولتورا” الواقعة بمدينة لوتسرن دعوى استئناف ضد تصريح البناء عام 2013. ولكن الاستمرار في الاعتماد على لائحة التأسيس الأصلية، التي صدرت في وقت ازدهار اقتصادي، يعتبر أمراً مشكوكاً فيه، بحسب تصريحات السيد بيتسولا. “لقد تغير العالم في الأثناء”، يقول مستطرداً، ويرى أن الإدارة الجديدة أمامها تحدٍ جيد يكمن في استجلاء ما يمكن لهذا المتحف القيام به في الوقت الحالي.

لابد من انضمام هذا المتحف لرابطة أكثر شمولاً

كريستينا فيغ
كريستينا فيغ، مدير قاعة العروض الفنية في بيلفيلد. Veit Mette

إن تحديد الهوية يعتبر مهمة محورية للمدير الجديد أو المديرة الجديدة. فهو ـ كما تؤكد الآراء الخارجية التي استطلعناها كذلك ـ أساسي لتحقيق أثر عالمي وكذلك قدراً من الديناميكية والحداثة. أما حديثنا إلى كريستينا فيغ، فقد أوضح أن أهمية متحف بهذا الحجم تكمن في اعتباره وسيلة لاستشعار الحوارات الهامة في الوقت الحالي مِمَّا يجعلنا نضع بصمتنا الخاصة، ولا ننقاد فقط.

بايس كوريغر
بايس كوريغر، مديرة مؤسسة فانسين فان غوخ، أرليس. Gaetan Bally 

لقد كانت هناك فترة، لعب فيها متحف الفنون بزيورخ دوراً بين أطراف تلك الرابطة ـ أي بين المعارض الكبرى مثل ذلك الخاص بالمتحفيّ الحر هارالد سيمان رابط خارجيفي ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، والذي نسف المعايير الفنية مراراً وتكراراً، أو مع معارض السيدة بيس كوريجيه التي كانت تدل على موهبة رصد نابهة للموضوعات السائدة في الفن والعصر. إلا أن مدينة زيورخ فقدت الكثير من “القوة والتألق” في السنوات العشر أو الخمسة عشر الأخيرة، مثلما يعبر عنه فيليب كايزر. “وأمام الإدارة الجديدة نقطة انطلاق جذابة للغاية، تتمثل في أن تعيد تموضعها وفي ذات الوقت أن تُفَعِّل المشهد المحلي من جديد”.

هل هناك فرصة أمام الترشيحات السويسرية؟

جوزيف هيلفنشتاين، مدير متحف الثقافة الفنون في بازل
جوزيف هيلفنشتاين، مدير متحف الثقافة الفنون في بازل. Lucia Hunziker

على أية حال، فقد ألمحت لجنة اختيار الإدارة الجديدة، أنها لا تبحث فقط عن شخصية إدارية، بل كذلك عن شخصية قوية من الناحية التخصصية: فبجانب خمسة من ممثلي الجمعية الفنية بزيورخ (وهي المؤسسة التي تدعم المتحف) وكذلك الفنانة السويسرية بيبيلوتي ريسترابط خارجي، فإن كل من آخيم بورشارت ـ هومه، الأمين العام بقاعة “تيت مودرن اللندنية”رابط خارجي، وفيليب ديمان، مدير متحف شِتدلرابط خارجي، و مجموعة منحوتات ليبيغهاوسرابط خارجي، و صالة شيرن الفنيةرابط خارجي بمدينة فرانكفورت (آم ماين) الألمانية وكذلك شينا فاغشتاف، مديرة برنامج الفن الحديث والمعاصر بـ متحف ميتروبوليتان بنيويوركرابط خارجي قد انضموا كذلك للجنة الاختيار. فصحيح أن الجزء الفني من اللجنة قد أصبح بذلك مائلاً نحو الطابع “الأنجلوساكسوني”، مثلما يسميه راين فولفس، مدير متحف شتديليك؛ إلا أن إمكانية حصول مرشح أو مرشحة من سويسرا على فرصة إزاء هذه التركيبة، تظل أمراً في علم الغيب. ولكن عدم اقتصار لجنة الترشيح على مدراء ومديرات فقط، ولكن ضمها كذلك لمتحفيين لديهم احتكاك يومي بهذه المهنة، فإن هذا الأمر يشير إلى أن القدرات الفنية لأمناء المتاحف تمثل ثقلاً كبيراً كمعيار في الاختيار.

الاستقلال والارتباط بالمحلية

وحتى يقع الاختيار، يحتاج الأمر ـ كما هو الحال كذلك بالنسبة لانتقال المقتنيات الفنية إلى المبنى الجديد ـ إلى قليل من الصبر: لقد كان من المتوقع أن يتخذ القرار في مطلع عام 2021، ولكن بسبب جائحة كورونا وبسبب ما يرتبط بها من قيود على السفر، فإنه يرجح تأجيل هذه العملية. وحتى ذاك الحين يظل المجال مفتوحاً لفرضيات، وأمنيات وآمال. ويرى مدير متحف الفنون بسويسرا الناطقة بالإيطالية، توبياس بيتسولا، أنه من الأهمية بمكان، أن يكون الشخص الذي سيتولى قيادة المتحف في هذه المرحلة الفارقة شخصاً قادراً على التواصل الجيد والشفاف، والفعال.

توبيا بيزولا
توبيا بيزولا، مدير متحف الفنون في سويسرا الإيطالية، بلوغانو. Museo d’arte della Svizzera italiana MASI

أما بيس كوريجيه، فإنها تتمنى “شخصاً قريباً إلى قلب جمهور زيورخ، وأن يحبه بدوره في ذات الوقت، كما يعرف كيف يستفزه بإلحاح”، وتستطرد قائلة: “مع توفر قدر كبير من الثقة في النفس وفي انفتاح المحلية؛ فلا يجب نقل ما عند الآخرين على نطاق صغير، حتى نكتسب تألقاً عالمياً، كما يقال”. وكذلك يؤكد فيليب كايزر على الاستقلال الضروري، والارتباط بالمحلية: “ففي نهاية المطاف يجب أن ينجح الشخص في زيورخ”.

معرض في القاعة المضاءة بمتحف الثقافة بزيورخ
ملحق بمتحف الثقافة بزيورخ، قاعة عرض مجموعات ثقافية، الوضع 2019. David Chipperfield Architects

ويلوح له لأجل مدينة زيورخ شخص جريء، لديه رؤية فنية ومتحفية، بصفات تشابه ما تتخيلها كريستينا فيغ: “شخصية مستقلة وفريدة”. فإذا ما اتفقت لجنة الاختيار على هذه المعايير، فإن زيورخ سوف تتوقع هبوب رياح تغيير، وربما كذلك عصراً ذهبياً متألقاً.

كريستوف بيكر
كريستوف بيكر، مدير متحف الثقافة الفنون بزيورخ. Kunsthaus Zürich, Franca Candrian

الثاني عشر والثالث عشر من ديسمبر 2020: عطلة نهاية أسبوع لمشاهدة مبنى الملحق الجديد

العاشر من إبريل 2021: حفل، تتبعه مناسبات تحضيرية وعروض، وجولات وغيرها في إبريل ومايو 2021

التاسع والعاشر من أكتوبر 2021: الافتتاح الكامل لمتحف الفن الجديد على جانبي ميدان هايمبلاتس.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية