“مقهى فلسطين”.. مبادرة سويسرية من أجل نصرة الشعب الفلسطيني
ينظم "مقهى فلسطين"، وهو منتدىً ثقافي يُـراد له أن يشكِّـل أرضية تحتضِـن لقاءات منتظمة للمهتمِّـين بالقضية الفلسطينية في سويسرا ، ندوات وحوارات وورشات عمل، إضافة إلى نشاطات فنية متنوعة. وتهدف هذه الأنشطة المختلفة إلى التعريف بتاريخ وثقافة وكفاح الشعب الفلسطيني لنيْـل حقوقه وإقامة دولته المستقلة.
يمثّل يوم الأحد الأخير من كل شهر، الموعد المحدّد لنشاط “مجموعة مقهى فلسطين”، التي عادة ما تدعو شخصيات سياسية، وناشطين في مجال حقوق الإنسان، وكتَّـابا وصحفيين سويسريين من ذوي الإطلاع على الأوضاع السياسية والاجتماعية في فلسطين، أو كذلك ضيوفا فلسطينيين، إلى لقاء جمهور من المهتمِّـين، والحوار معهم حول نِـقاط ذات علاقة بالوضع الفلسطيني وتطوّراته.
يبدأ النشاط عادة في مطعم “تزيرينغن” في الساعة الثانية عشرة ظهرا بتقديم المأكولات الفلسطينية، ثم التحضير للندوة في ظل حديث جانبي وتبادل الآراء من قبل المشاركين إلى أن ينطلق النشاط الرئيسي على الساعة السادسة مساء، وفي البداية يعرض المحاضر موضوع النقاش، ثم يفتح الباب لاحقا للحوار، وإبداء الرأي.
تحقق الحلم
.ولِـدَت المبادرة إثر فِـكرة تَـقدَّم بها خمسة أعضاء من الجمعية السويسرية الفلسطينية، كانت تبدو لهم كحُـلم صعْـب المنال، لمعرفتهم بصعوبة تحقيق مثل هذه الفِـكرة لنُـصرة فلسطين في دولة أوروبية. ثم بدأت الخطوات العملية بالبحث عن مكان، ليكون منبرا لهذه المبادرة ومقرَّ تحضير لفعالياتها.
وجاءت الموافقة من مطعم ومقهى تزيرينغن للمشاركة في هذا النشاط، حيث بدأت الفعالية الأولى في شهر مارس 2010، وشارك في اللقاء الأول دانيال فيشر، عضو مجلس النواب السويسري عن حزب الخضر ورئيس الجمعية السويسرية الفلسطينية، وجيري موللر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب السويسري، اللذان طرحا وجهتَـي نظريْـهما في قضية الصِّـراع العربي الإسرائيلي، وتطرَّقا إلى جانب من تحرّكاتهما السياسية في هذا المجال، وانطباعاتهما الشخصية من خلال إطِّـلاعهما على الأوضاع في فلسطين، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، ثم فُـتِـح باب النقاش والاستفسارات أمام الحضور.
جلسات متتالية
عقِـب هذا النشاط الأول، وعلى مدار أربع لقاءات، استعرض فراس عبد الهادي، الناشط الفلسطيني والمقيم بسويسرا، تاريخ القضية الفلسطينية ومراحلها المفصلية. وبعدها، نظمت المجموعة نشاطا اجتماعيا، شارك فيه إلى جانب أعضاء مجموعة مقهى فلسطين، جمهور من المهتمِّـين والمتابعين .
احتضن هذا النشاط أيضا لقاءً استضاف ناشطتيْـن سويسريتيْـن ألقيتا محاضرة تطرقَـتا من خلالها إلى المُـعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في مدينة الخليل بالضفة الغربية وقد رصدتا هذه المعاناة خلال عملهما لفترة طويلة مع بعض المؤسسات الإنسانية في المدينة. أما جلسة شهر نوفمبر الماضي فقد خُـصِّـصت لمناقشة وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين يعانون من ضغوط متعدِّدة تكاد تشلّ حركة الحياة في المخيمات الموّزعة على مناطق مختلفة من لبنان. ومن المنتظر ان يشهد شهر ديسمبر، تنظيم محاضرة عامة يطرح فيها للنقاش موقف الكنيسة الأوروبية من القضية الفلسطينية. كما ستحتضن مدينة زيورخ قريبا معرضا فنيا تحت عنوان “النكبة”.
وخلال حديث إلى swissinfo.ch أوضح السيد هاوسرمان، أحد المنظمين والناشطين في المجموعة أن “الشيء المهمّ، هو الاستمرارية والانتظام في النشاطات. فعدد المهتمِّـين في تزايُـد واضح، ويأتينا باستمرار أناس يسألوننا ماذا يمكن أن نفعل هنا في سويسرا من أجل فلسطين، فنقوم بتوجيههم وطرح بعض الأفكار عليهم. وهدفنا الأساسي، هو الوصول إلى أكبر عدد من الناس”.
كذلك تنظم هذه المجموعة وقفة تضامنية أسبوعية في مركز مدينة زيورخ، تُرفع خلالها يافِـطات كتِـب عليها “فلسطين حرة” ، وعن هذا النشاط يضيف هاوسرمان: “غالبا ما يمر بنا سياح، يُـبدي البعض منهم إعجابه بما نقوم به من دعم لفلسطين، ولكن أحيانا يصادفنا سياح إسرائيليون فيبدون استهجانا وامتعاضا”.
توسّع النشاط
لئن بدأت هذه الفكرة بخمسة أشخاص فقط سهروا على بلورتها، وتنفيذها، فإن هذا النشاط يشرف عليه اليوم خمسة عشر ناشطا يفكِّـرون ويخطِّـطون ويقسمون المهامّ الكثيرة فيما بينهم، يقدّمون جهدهم، ووقتهم بشكل تطوّعي لا هدف لهم سوى إنجاح هذا العمل، الذي بات يجتذِب شيئا فشيئا حضورا جيِّـدا ومتنوعا.
وبعد هذه البداية الناجحة في زيورخ، لم تعد المناطق الأخرى بعيدة عن هذه النشاطات، كما صرّح السيد فراس عبد الهادي، راعي الفكرة منذ ولادتها عام 2009 الذي يقول: “منذ شرعنا في هذا العمل في شهر مارس الماضي، جاءتنا الكثير من المراسلات والاستفسارات من كانتونات أخرى في سويسرا ومن خارج سويسرا يرغبون بتأسيس منتديات مماثلة، ونحن نساعدهم في ذلك. وقد بدأ نشاط مقهى فلسطين في فريبورغ بنجاح. وقريبا، نشهده في العاصمة برن”.
ولسائل أن يسأل: هل يمكن لنشاطات مثل هذه، رغم حضور بعض الوجوه السياسية اليسارية في الغالب أن تغيّر مجرى واتجاه السياسة السويسرية، المتَّـجهة دائما نحو اليمين؟ وعن هذا السؤال يجيب كل من هاوسرمان وعبد الهادي بالقول: “إن أنشطتنا وعملنا، هو رسالة من الجماهير إلى الجماهير، كما أن ازدياد إطلاع الناس ومعرفتهم، سيزيد حتما من دعمهم والتزامهم، ولذلك، فالعمل قائم على توسيع النشاط باستمرار لكسب المزيد من المُـساندين ونشر فكرة مقهى فلسطين في العالم”.
تأسست الجمعية السويسرية – الفلسطينية عام 1976 كمنظمة سياسية مستقلة غير رِبحية، هدفها توطيد العلاقات مع الشعب الفلسطيني وتوضيح الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية الفلسطينية للشعب السويسري ومكافحة العنصرية، وهي جمعية تساند الشعب الفلسطيني في الدِّفاع عن حقوقه المشروعة والمُـعترف بها من قِـبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة، كحق العودة والحق في تقرير المصير والحق في إقامة دولة مستقلة قابلة للحياة. وهي حقوق تعتَـبِـر المنظمة تحقيقها شرْطا لإحلال السلام العادل والدائم في المنطقة.
يرأس الجمعية السويسرية – الفلسطينية دانييل فيشر، عضو البرلمان عن حزب الخُـضر منذ عام 2003 ويُـؤخذ عليه أنه يهتمّ ببعض القضايا على حساب المبادئ الأساسية لحزبه. فهو كما ينتقده البعض، لا يعتني بشؤون البيئة والمناخ قدْر ما يهتمّ بقضايا اللجوء وقانون الأجانب وبالسياسة الخارجية، ويُـعتبَـر من السياسيين القلائل الذين يُـدينون علناً السياسات الإسرائيلية ضدّ الفلسطينيين.
وتسعى الجمعية لتوسيع وتعميق المساندة للفلسطينيين من خلال تنظيم الندوات والمؤتمرات، بالإضافة إلى المسيرات والاعتصامات المنتظمة. وقد نظمت مؤخرا مع مجموعة من المؤسسات حمْـلة ضدّ زيارة وزير الدفاع السويسري لنظيره الإسرائيلي، حيث اعتبرت الجمعية هذه الزيارة تتناقض مع المبادئ والالتزامات السويسرية فيما يتعلق بإحلال السلام العادل في الشرق الأوسط، حسب الشرعية الدولية، بل اعتبرتها دعْـما للاحتلال الإسرائيلي وتغاضِـيا عن تجاوزات المسؤولين الإسرائيليين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.