أمريكا لا زالت عاجزة عن لعب دور “الوسيط النزيه”
رغم أن مشروع القرار الذي طرحه الفلسطينيون على مجلس الأمن في آخر شهر ديسمبر 2014 بهدف إنهاء الاحتلال الإسرائيلي أخفق في تأمين الأصوات اللازمة لضمان إقراره، إلا أنه نجح إلى حد بعيد في الكشف عن الإزدواجية الأمريكية فيما يتعلق بعملية السلام، بل أظهر بما لا يدع مجالا للشك أن واشنطن لا زالت عاجزة عن لعب دور الوسيط النزيه لأنها لم تتوقف لحظة واحدة عن تبني مواقف منحازة دائما للطرف الإسرائيلي.
لم تكتف الولايات المتحدة برفض مشروع قرار لم يخرج في صلبه عن الأهداف الأمريكية المُعلنة وضرورة إنهاء الصراع وإقامة دولة فلسطينية مستقلة من خلال مفاوضات مع إسرائيل بحلول نهاية عام 2017، بل أمعنت في صياغة بيانات مطابقة للمواقف الإسرائيلية مثل تصريح جيف راثكي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكيةرابط خارجي الذي اعتبر أن “القرار الفلسطيني غير بنّاء ويُغفل المطالب الأمنية المشروعة لإسرائيل ويفرض مواعيد إجبارية للتوصل إلى اتفاق سلام وانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية”.
وعندما نفذت السلطة الفلسطينية تهديدها بتقديم طلبات انضمام فلسطين للمنظمات الدولية وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية إذا أخفق مجلس الأمن في تبني المشروع الفلسطيني، سارعت المتحدثة باسم الخارجية جين ساكي إلى الإعلان عن رفض الولايات المتحدة للتحرك الفلسطيني وعلقت على تصريح الأمين العام للأمم المتحدة بقبول تسلم طلبات فلسطين وأنها قد تنضم لعضوية المحكمة الجنائية الدولية بحلول شهر أبريل القادم بقولها: “إن فلسطين ليست دولة وبالتالي لا يحق لها الإنضمام لمنظمات الأمم المتحدة ومنها المحكمة الجنائية الدولية، ولذلك ستعارض واشنطن تلك الخطوة باعتبارها خطأ فنيا”.
أفعال أمريكية تتناقض مع الأقوال
في رده على سؤال طرحته عليه swissinfo.ch بشأن الموقف الأمريكي من الفلسطينيين، أجاب الدكتور جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكيرابط خارجي قائلا: “من الواضح أن الولايات المتحدة خالفت بأفعالها كل تعهداتها المعلنة في الإلتزام بالقانون الدولي و بالعمل للتوصل إلى اتفاق سلام يُنهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتمثل هذا في ثلاث مناسبات:
أولا: عندما وافق ممثلو 126 دولة في اجتماع دعت إليه سويسرا بالإجماع على إعلان يؤكد انطباق اتفاقية جنيف الرابعة فيما يتعلق بحماية المدنيين في زمن الحرب على الأراضي الخاضعة للإحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، كانت الولايات المتحدة من بين الدول القليلة التي امتنعت عن الحضور، بل مارست شهورا من الضغط على الحكومة السويسرية لإلغاء الإجتماع.
ثانيا: عندما تبنّت الجامعة العربية تقديم مشروع القرار الخاص بإنهاء الإحتلال الإسرائيلي إلى مجلس الأمن، لم تدخر الولايات المتحدة جهدا في محاولة إقناع الدول العربية بعدم طرح القرار وعندما لم تستجب الدول العربية سارعت لحشد الأصوات المعارضة له وصوتت ضده باعتباره “غير متوازن”.
ثالثا: عندما قدم الفلسطينيون طلبات الإنضمام إلى اتفاقيات دولية أهمها اتفاق روما الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية رابط خارجيوقبلها الأمين العام للأمم المتحدة شككت واشنطن في صحة الإجراءات ولوح أعضاء الكونغرس بوقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية فيما حجبت إسرائيل حصيلة الضرائب ولم تسلمها للسلطة الفلسطينية.”
ويخلص الدكتور جيمس زغبي إلى أن الممارسات الأمريكية الأخيرة “تثبت بما لا يدع مجالا للشك عجز الولايات المتحدة عن القيام بدور الوسيط النزيه في عملية السلام، وترسيخ عدم التوازن في القوة بين طرفي الصراع لصالح قوة الاحتلال بل واستخدام النفوذ الأمريكي لحماية إسرائيل من أي عقاب على انتهاك حقوق الفلسطينيين وعدم احترام اتفاقية جنيف الرابعة”، على حد قوله.
إسرائيل تضغط على القوى الخارجية لقطع التمويل عن المحكمة الجنائية الدولية
القدس (رويترز) – قال مسؤولون يوم الأحد 18 يناير 2015 إن إسرائيل تضغط على الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية لقطع التمويل عن المحكمة ردا على فتح تحقيق بشأن جرائم حرب يحتمل أن تكون ارتكبت في الأراضي الفلسطينية.
وقال مُدّعون من المحكمة الجنائية الدولية إنهم سيحققون “بمنتهى الاستقلال والموضوعية” في أمر جرائم ربما وقعت منذ 13 يونيو من العام الماضي. وسيتيح هذا للمحكمة أن تحقق في أمر الحرب التي دارت بين إسرائيل ونشطاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة بين يوليو وأغسطس2014 وقتل خلالها أكثر من 2100 فلسطيني و70 إسرائيليا.
وجاء القرار بعد أن طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحصول على عضوية المحكمة – والتي ستسري في الأول من أبريل 2015 – في ظل توقف محادثات السلام وفي ظل معارضة شديدة من إسرائيل والولايات المتحدة.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إن إسرائيل – التي لا تتمتع هي والولايات المتحدة بعضوية المحكمة – تأمل في تقليص التمويل للمحكمة المؤلفة من 122 دولة عضوا بما يتماشى مع حجم اقتصادات هذه الدول. وقال لراديو إسرائيل “سنطلب من أصدقائنا في كندا وأستراليا وألمانيا أن يتوقفوا ببساطة عن تمويلها”.
ورحبت حماس التي تصنفها إسرائيل والغرب منظمة إرهابية يوم السبت 17 يناير بتحقيق المحكمة الجنائية الدولية وقالت إنها على استعداد لتقديم أي مواد فيما يتصل بشكاوى ضد إسرائيل.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 يناير 2015)
مواقف واشنطن لا تعكس الرأي العام الأمريكي
الملفت في هذا السياق هو أن الإنحياز الأمريكي الفاضح إلى الطرف الإسرائيلي لا يعكس ما تريده أغلبية الشعب الأمريكي حسب أحدث استطلاع للرأي العام في الولايات المتحدة أجراه الدكتور شبلي تلحمي أستاذ دراسات السلام بجامعة ميريلاند الذي قال لـ swissinfo.ch: “أظهر الإستطلاع أن نسبة تصل إلى 64 في المائة من الأمريكيين تفضل ألا تنحاز الولايات المتحدة لأي من طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأعربت نسبة تزيد عن 70 في المائة من الأمريكيين عن تفضيلهم لحل الدولة الديمقراطية التي يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون بحقوق متساوية واحترام لحقوق الإنسان وليس الدولة اليهودية إذا ما استحال الوصول إلى حل الدولتين.”
الإستطلاع أظهر كما يقول البروفيسور تلحمي أن 66 في المائة من الأمريكيين يعتقدون بأن استمرار العنف في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفر حافزا قويا لحشد التأييد لتنظيم “الدولة الإسلامية” من أجل مجابهة إسرائيل ومساندة الولايات المتحدة لها، كما أظهر الإستطلاع أن غالبية الأمريكيين يشعرون بأن التنظيم المتطرف يشكل أكبر تهديد للأمن القومي الأمريكي.
تتوقف آراء الأمريكيين فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بشكل كبير على الإنتماءات الحزبية الدكتور شبلي تلحمي، أستاذ دراسات السلام بجامعة ميريلاند
وفي معرض تفسيره لأسباب الإنحياز الأمريكي للطرف الإسرائيلي، يقول البروفيسور تلحمي: “تتوقف آراء الأمريكيين فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل كبير على الإنتماءات الحزبية. فبينما تريد أغلبية هائلة من الديمقراطيين والمستقلين ألا تنحاز الولايات المتحدة لأي من طرفي الصراع أظهر الإستطلاع أن أغلبية الجمهوريين تريد أن تنحاز الولايات المتحدة إلى الطرف الإسرائيلي. ويعود ذلك إلى أن الجمهوريين من ذوي الإتجاهات الدينية اليمينية يرون أن مساندة إسرائيل واجب ديني وليس مجرد وجهة نظر سياسية”. وبالتالي يمكن توقع زيادة الإنحياز الأمريكي لإسرائيل فيما تبقى لإدارة أوباما بالنظر إلى سيطرة الجمهوريين اعتبارا من الشهر الحالي (يناير 2015) على مجلسي الشيوخ والنواب.
الخيارات المتبقية
على صعيد آخر، يرى بعض خبراء شؤون الشرق الأوسط أنه لو أحسن المراقبون للموقف الأمريكي الظن بالنوايا الأمريكية، فقد تكون إدارة أوباما تراهن على احتمال أن يفوز إئتلاف يقوده حزب العمل بالإنتخابات الإسرائيلية في مارس القادم ويبعد عن المسرح السياسي زعامة ناتانياهو غير الراغبة في الدخول في مفاوضات جدية حول حل الدولتين ولذلك عارضت تسرع الفلسطينيين بطرح مشروع القرار على مجلس الأمن وهو ما وصفه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بإجراء قد يُنظر إليه على أنه محاولة للتأثير في سير الإنتخابات الإسرائيلية.
أما السيد أوري نير، المتحدث باسم منظمة “أمريكيون من أجل السلام الآن”رابط خارجي في واشنطن فقال لـ swissinfo.ch: “المشكلة في الموقف الأمريكي هو أنه أخفق في إدراك وجود خلل رهيب في توازن قوى الطرفين! فالطرف الفلسطيني لا يملك الكثير من الأوراق ويجد نفسه في الموقف الأضعف ولذلك يجد نفسه مضطرا مع تعنت ناتانياهو وعجز إدارة أوباما للجوء للمجتمع الدولي كوسيلة للضغط على أمل إجبار إسرائيل على قبول ما لا تريد قبوله”.
وفي معرض التدليل على ذلك، يقول السيد نير: “إن واشنطن تخشى من أن يُتيح انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية للفلسطينيين طلب تقديم مسؤولين إسرائيليين للمحكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاج الفلسطينيين نهجا أكثر جسارة على الصعيد الدولي”.
من جهته، يرى السيد خليل جهشان، المدير التنفيذي للمركز العربي في واشنطن رابط خارجيوالرئيس السابق للوبي العربي الأمريكي أن بوسع الفلسطينيين العودة إلى طرح مشروع قرار إنهاء الإحتلال الإسرائيلي الذي يضع مُحددات منضبطة للمفاوضات، ويقول: “مع تناوب العضوية في مجلس الأمن هذا الشهر انضمت للعضوية دول جديدة مثل ماليزيا وفنزويلا وإسبانيا لتحل محل دول وقفت مع الولايات المتحدة ضد القرار مثل استراليا ولوكسمبورغ ورواندا وكوريا الجنوبية. وقد تُغيّر عضوية تلك الدول المساندة لحقوق الشعب الفلسطيني من فرص التصويت لصالح مشروع القرار أو دفع الولايات المتحدة إلى استخدام حق الفيتو مما سيُسقط آخر أوراق التوت عن عورات الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية”، على حد قوله.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.