أيّ سياسة سويسرية في الشرق الأوسط؟
تُقدّم الوثيقة المؤلفة من خمسين صفحة التي أقرّت رسميا من طرف الحكومة السويسرية، تقريراً مُفصَّلاً عن استراتيجية السياسة الخارجية للكنفدرالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في المقالة (*) التالية، يقدم ماريو كاريرا، المنسق السابق للوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في فلسطين قراءة نقدية لهذه الاستراتيجية.
هي وثيقة رائعة مؤلفة من 50 صفحة هدفها إظهار «التناسق» في سياسة سويسرا الخارجية: فقد وافقت الحكومة السويسرية لتوها على استراتيجية بخصوص منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيارابط خارجي التي تضم: شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية وإيران والشرق الأوسط ـ والتي يقطنها 450 مليون نسمة، والقريبة جداً من أوروبا. وتمَّ تحديد خمس أولويات مهمة فيها: 1) السلام، الأمن وحقوق الإنسان، 2) الهجرة، 3) التنمية المستدامة، 4) الاقتصاد والمال والعلوم، 5) الرقمنة والتقنيات الحديثة.
في مضمونها العام، تذكر الوثيقة الصراعات التاريخية، بين العرب أنفسهم أو بين الأديان في المنطقة، «بالإضافة إلى الصراع في الشرق الأوسط». فبعد عشر سنوات من «الربيع العربي»، تشير الوثيقة إلى أنَّ «النتيجة مُخيّبة للآمال»: «فقد تبددت الآمال بالتجديد السياسي»، كما تُسلط الضوء، وهي مُحقّة في ذلك، على «التحديات الموجودة في كل مكان لتوفير فرص عمل لجيل الشباب».
لا شيء عن روسيا
عندما تتحدّث الوثيقة عن العديد من الممارسات السياسية والأولويات، قلَّما تكون ناقدة، وغالباً ما تكتفي بالتصريحات، بعيداً عن المبادئ العامة. وحينما تذكر «الأطراف الدولية الفاعلة»، تُظهر أنَّ روسيا «تدخلت في النزاعات في كل من سوريا وليبيا كطرف لا غنى عنه»، دون ذكر أي كلمة عن العديد من التدخلات العسكرية الروسية المُدمّرة والكارثية بالنسبة للسكان المدنيين، وبعد عدة صفحات نجدها تشيد بحجم المساعدات الإنسانية السويسرية في سوريا.
فيما يتعلق بالهجرة وحماية الأشخاص المنكوبين، تركز الحكومة السويسرية على الإدارة الفعّالة من قبل دول المنطقة، ومكافحة الهجرة غير النظامية، ولكن دون الإشارة إلى ميثاق الأمم المتحدة العالمي للهجرة، الذي تمت الموافقة عليه في مراكش من قبل حوالي 150 دولة، بما في ذلك دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي لا تزال سويسرا ترفض توقيعه إلى الآن. كما أنَّه لا يوجد أي تنويه إلى التعديلات الجارية على سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي، والتي ستؤثر علينا كدولة عضو في اتفاقية شنغن. من ناحية أخرى، لا نرى أثراً لأي تحليل ناقد للسياسات السويسرية أو الأوروبية «من بعد الربيع العربي»، لا سيما في تونس، حيث يرغب الشباب، الذين ليست لديهم أية رؤية مستقبلية، بتركها بعد عشر سنوات منذ اندلاع الثورة. إنَّ الرغبة في القيام بـ «إصلاحات اقتصادية هيكلية، مع مبدأ الحكم السديد» في شمال أفريقيا هي أمر مُفرح، ولكن كيف؟ ومع أي شركاء؟ مع سويسرا وحدها؟
«تُهمّش استراتيجية الحكومة الفدرالية، بل تتجاهل القانون الدولي والحقيقة على أرض الواقع»
أما بخصوص الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، نلاحظ أنَّ استراتيجية الحكومة السويسرية تُهمّش، بل تتجاهل القانون الدولي والحقيقة على أرض الواقع. ولم يرد ذكر الحصار المفروض على قطاع غزة (التي يسكنها حوالي 2 مليوني نسمة)، مع أنَّ سبعة أشخاص من أصل عشرة يعتمدون (فيها) على المساعدات الإنسانية، وفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر. وهناك إشارة موجزة عن تزايد المستوطنات الإسرائيلية، ولا شيء بخصوص عدم شرعيتها: حيث يزيد عدد المستوطنين اليوم عن 620000 مستوطن، في حين لم يكن عددهم يتجاوز 100000 في أوائل الثمانينات.
وكذلك، لم يرد ذكر أي قرار من قرارات الأمم المتحدة: كالقرار (رقم 2334) الصادر عن مجلس الأمن الدولي في ديسمبر عام 2016، والذي ينص على أنَّ «قيام إسرائيل ببناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية […]، يُشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وعقبة رئيسية أمام تحقيق حل قيام الدولتين (الذي لا زالت سويسرا تدعمه حتى اليوم) وإقامة سلام شامل وعادل ودائم» أو القرار 242 لعام 1967، الذي يدعو إلى «انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة». والأخطر من كل ذلك أيضاً: هو عدم وجود أي ذكر لاتفاقيات جنيف ـ التي تُعدّ جوهر القانون الدولي الإنساني الذي يحمي السكان المدنيين ـ رغم أنَّ سويسرا تُعتبر البلد المُستأمن عليها.
الاستهزاء المُنحاز
تذكر الوثيقة ـ وبشكل عابر ـ أنَّ الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني لم يعد يشغل «مكان الصدارة» نظراً لوجود الصراعات الأخرى في المنطقة، و«التطبيع» الجاري في العلاقات بين اسرائيل وبعض الدول العربية والأفريقية (الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان) يُظهر مدى الاستهزاء المُنحاز في الوقت الذي يتلاشى فيه حل قيام الدولتين، المُطالب به من قبل الجميع، بما في ذلك سويسرا، يوماً بعد يوم أمام أنظارنا بسبب توسيع المستوطنات والسيطرة على الأرض والمياه وحركة التنقل. نحن نتوجه نحو دولة ثنائية القومية (يهودية ـ عربية)، بصيغة «ديمقراطية»، مرفوضة بوضوح من قبل اسرائيل، «الدولة القومية للشعب اليهودي» أو، على الأرجح، دولة «بانتوستان» نسخة الفصل العنصري الذي طالما نُدّد به في جنوب أفريقيا. على سويسرا أن تهتم بالأمر بشكل عاجل، مع الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، دون الاعتماد الكبير على استراتيجيتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2021 ـ 2024.
(*) نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “لوتون”رابط خارجي التي تصدر بالفرنسية في لوزان بتاريخ 12 نوفمبر 2020.
الآراء الواردة في هذا المقال تخص الكاتب وحده ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء swissinfo.ch
سلسلة “وجهات نظر”
تقوم swissinfo.ch بنشر آراء حول مواضيع مختلفة، سواء حول قضايا سويسرية أو مواضيع لها تأثير على سويسرا. يرمي اختيار المقالات إلى تقديم آراء متنوعة بهدف إثراء النقاش حول القضايا المطروحة. إذا كنت ترغب في اقتراح فكرة لمقال رأي، يُرجى إرسال رسالة إلكترونية إلى arabic@swissinfo.ch
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.