هل يحتاج السويسريون إلى 10% على الأقل من المساكن الاجتماعية؟
تقترع سويسرا في التاسع من فبراير المقبل حول المبادرة الشعبية التي تحمل عنوان "من أجل شقق أكثر في المتناول". وتجري حالياً معركة ضارية مسبقاً بكل الوسائل حول مقترح المبادرة. فالمؤيدون يرون في المبادرة وسيلة مناسبة لمواجهة "المضاربين في سوق العقارات". أما المعارضون فيتحدثون عن "تأميم حثيث" لسوق الشقق السكنية.
من المعروف أن سويسرا هي “بلد المستأجرين”. فوفقاً للإحصائية التي أعدها المكتب الفدرالي للإحصاءرابط خارجي في نهاية عام 2017، كانت 59 بالمائة من البيوت السويسرية (والتي كانت تعادل 2،2 مليون) بالإيجار. وتختلف النسبة من كانتون لآخر. ففي كانتون فاليه كانت تبلغ نسبة الشقق المستأجرة 39 بالمائة، بينما بلغت في كانتون بازل ـ المدينة 84 بالمائة. وهناك سبب يكمن وراء ذلك التفاوت: ففي الكتل الحضرية الكبرى بسويسرا ترتفع أسعار العقارات بصورة تُمكِّن دائرة صغيرة من السكان فقط من تَمَلُّك شققاً سكنية.
وتمثل الإيجارات أكبر وجوه الإنفاق في ميزانية أية أسرة سويسرية. وقد قدر المكتب الفدرالي للإحصاء متوسط إيجار المساكن السويسرية لعام 2017 بحوالي 1329 فرنكاً، مع مراعاة الأبعاد المختلفة للمساكن المستأجرة. وهنا كذلك تتفاوت القيمة من كانتون لآخر: فنجد أن متوسط الإيجارات في كانتون جورا يبلغ 907 فرنكاً، بينما يصل إلى 1837 فرنكاً في كانتون تسوغ.
وقد ارتفعت الإيجارات في هذه الألفية بصورة مُطَّرِدة، كما يوضح المكتب الفدرالي للإحصاءرابط خارجي. وأتى هذا التطور نتيجة للنمو السكاني وانخفاض سعر الفائدة، والتي شجعت على الاستثمار في المساكن الفاخرة. أما في المراكز الحضرية الكبرى فقد تقلصت مساحة المساكن الاقتصادية بصورة كبيرة، وفي ذات الوقت زادت نسبة الإحلال الطبقي، أي إزاحة فئات سكانية مستقرة لحساب مستأجرين ومُلاك جدد يتمتعون بقدرة مالية أعلى.
في هذا الإطار أطلقت عام 2015 المبادرة الشعبية التي حملت عنوان “من أجل شقق أكثر في المتناولرابط خارجي“، والتي حصلت على توقيع حوالي 105000 من الناخبين في خلال 13 شهراً. ويتطلب استكمال المادة 108رابط خارجي من الدستور الفدرالي (تشجيع بناء وتملك المساكن) تحديد المباديء الآتية:
تعمل الكنفدرالية بالتعاون مع الكانتونات كي تصبح 10 بالمائة من المساكن الجديدة على الأقل ملكاً لها ـ أي ذات نفع عام ـ وذلك في كافة أنحاء سويسرا. فالكانتونات والبلديات ستُمنح حق الشفعة (أي الأولوية) في شراء الأراضي المناسبة بغرض تشجيع الإسكان التعاوني.
ستقوم الكنفدرالية والشركات القريبة منها (مثل السكك الحديدية الفدرالية أو شركة البريد) بمنح الكانتونات والبلديات حق الشفعة في شراء الأراضي التي هي بحوزة الكنفدرالية.
ويجب أن تتأكد الكنفدرالية ألا تؤدي البرامج التي تدفع من الأموال العامة لدعم تجديد وصيانة المساكن إلى خسارة شقق الإيجار رخيصة الثمن.
تضم لجنة مبادرةرابط خارجي “من أجل شقق أكثر في المتناول” ممثلين عن اتحاد مستأجري سويسرا، واتحاد تعاونيات بناء المساكن السويسرية، واتحاد النقابات السويسرية، والحزب الاشتراكي السويسري، وحزب الخضر، وكذلك العديد من الاتحادات والأحزاب الأخرى.
وطبقاً لتصريحات أصحاب المبادرة فإن “نهم المضاربين في حصد الأرباح يؤدي إلى إجبار المستأجرين في سويسرا على دفع إيجارات باهظة”. وقد أسفرت إحدى الدراساترابط خارجي رابط خارجيالتي نشرت عام 2017، والتي اقتبستها كذلك الحكومة الفدرالية في رسالتها التي تليت أمام البرلمان، أن الإيجارات في عقود الإيجار المستهدفة للربح تكون في المتوسط أعلى بكثير من تلك الإيجارات في المساكن التعاونية. وفي عام 2014 بلغ الفارق على مستوى سويسرا بأكملها حوالي 15،4 في المتوسط، بينما وصل في المدن الكبرى إلى 24 بالمائة.
أما التعاونيات، وكذلك المؤسسات الخيرية أو الهيئات الأخرى الخاصة بالبناء التعاوني للمساكن، فإنها لا تهدف عادةً إلى تحقيق أرباح. “إنها تبني بدافع سد الحاجة، لا بدافع الربح”، كما توضح لجنة المبادرة.
فضلاً عن ذلك، فإن أصحاب المبادرة يشيرون إلى أن الدستور الفدرالي ينص بالفعل على بناء المساكن الرخيصة كـ هدف اجتماعيرابط خارجي. حيث تنص المادة 41 حرفياً على ما يلي: “تعمل الكنفدرالية والكانتونات على تمكين الباحثين عن مسكن من إيجاد مسكن مناسب لأنفسهم ولأسرهم بشروط معقولة”. إلا أن أصحاب المبادرة يرون أن ما يتم فعلياً لتحقيق هذا الهدف هو أقل مما ينبغي. فحوالي خمسة بالمائة فقط من سوق العقارات السويسرية يعتبر ذا نفع عام ـ وهذا أقل بكثير من المطلوب.
مُنيت تلك المبادرة برفض الحكومة والأغلبية البرلمانية. فباستثناء الحزب الاشتراكي وحزب الخضر كان هناك تحالف واسع من أحزاب البرلمان الفدرالي التي انضمت إلى لجنةرابط خارجي “لا لمبادرة اتحاد المستأجرين”، كذلك فعل كل من اتحاد حرفييّ سويسرا، واتحاد ملاك المساكن والاتحاد السويسري للاقتصاد العقاري.
أما المعارضون فكانوا يتحدثون عن “عبثية وجمود حصة العشرة بالمائة”، والتي لا تتفق مع الطلب الواقعي. “إن الحصة تتطلب الوفاء بها، حتى وإن لم يكن هناك أي طلب على المساكن التي يتم بناؤها من قِبل مستثمرين يستهدفون النفع العام”، هكذا كانت الحجج التي سيقت. ولأجل الإشراف على تطبيق تلك الحصة والتمسك بالقواعد الجديدة، فلابد من تأسيس جهاز مراقبة بيروقراطي. “بذلك ستصبح تراخيص البناء أكثر تعقيداً، وسوف تتعطل مشروعات البناء”، على حد ما ورد أيضاً.
وأكثر من ذلك. “فحتى تنتهي الكنفدرالية والكانتونات من التباحث حول الكيفية التي ينبغي بها تطبيق جنون حصة العشرة بالمائة، فسوف يسود تشكك كبير، وهو ما سيحول دون إقبال المستثمرين على قطاع البناء”. إذ ستعرقل البيروقراطية الجديدة حركة البناء. وكنتيجة لذلك فسوف يجري بناء عدد قليل من المساكن، أي أن المعروض سيصبح أقل، وهو مما سيدفع بأسعار سوق المساكن الخاصة نحو الارتفاع.
أما اللجنة المعارضة فإنها تتهم المبادرة بالدفع نحو “تأميم سوق المساكن” وهذا لصالح “مستأجريّ التعاونيات المميزين”. كما أن المبادرة تتعارض مع المباديء السويسرية الخاصة بالسوق الحرة. فضلاً عن ذلك يُشَهِّر المعارضون بالتكاليف الإضافية التي تقدرها الحكومة الفدرالية بنحو 120 مليون فرنكاً سنوياً.
إذن فقد رفضت الحكومة الفدرالية المبادرة، لكنها على وعيٍ بأنه رغم حالة الارتياح التي تسود السوق المحلي حالياً، فإنه يظل من العسير على العديد من فئات الشعب الحصول على مسكن مناسب وفي متناول اليد من الناحية المادية.
لذلك فقد قررت الحكومة ربط هذا الرفض بقرض إطاري يبلغ 250 مليون فرنكاً لرفع رأس المال الأساسي لصالح البناء التعاوني. ومن شأن ذلك تمكين البناء التعاوني من الحفاظ على حصته الحالية من السوق والتي تبلغ حوالي أربعة بالمائة لمدة أطول.
وسوف يدخل هذا القرار الفدرالي حيز التنفيذ، إذا ما قوبلت مبادرة “من أجل شقق أكثر في المتناول” بالرفض من قِبل الشعب ومجالس الكانتونات في التاسع من فبراير 2020. حيث وافق البرلمان بالفعل على القرض.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.