جنيف تصوت على قانون علماني مثير للجدل
وتقول كاست: “إذا تم قبول هذا القانون، فسأضطر إلى التخلص من خمس نساء يرتدين الحجاب، لا سيما وأن البلديّات قد قامت بتعيينهن وتعلم علما تاما بأنهن يرتدين الحجاب وتضيف: “إنهن نساء يساعدن الأطفال في المدرسة أو يعتنين بهم بعد الدروس. فماذا سأقول للأهالي إذا حدث ذلك؟ “
سيقرر المواطنون في جنيف يوم الأحد 10 فبراير 2019، ما إذا كانوا سيدعمون أم لا، قانوناً جديداً مثيراً للجدل يهدف إلى تحسين تنظيم العلاقات بين الدين والدولة، مع إعادة التأكيد على مبدأ العلمانية في الكانتون. ويقول المعارضون لهذا القانون الذي سيفرض حظراً على الرموز الدينية الظاهرة، إن التغييرات المخطط لها تذهب بالأمور بعيدا جداً، وإنها تستهدف النساء المسلمات.
تعتبر جنيف بوتقة عالمية، حيث 40% من سكانها هم من أصل أجنبي. ومع العلم بأن كانتون جنيف الذي ينتمي إليه جان كالڤان، المصلح البروتستانتي، يشار إليه أحياناً باسم روما البروتستانتية، إلا أن الزمن قد تغيّر، وأصبحت لجنيف أيضاً بنية دينية متنوعة. في عام 2016، اعتبر 35 % من سكانها أنفسهم من الروم الكاثوليك، في حين اعتبر 10% أنفسهم من البروتستانت و6 % قالوا إنهم من المسلمين. وبالإجمال، هناك وجود لـ 400 جماعة دينية، وفي نفس الوقت، 38% من المواطنين يعتبرون أنفسهم بلا ديانة.
وخلال السنوات الخمس الماضية، كان الصراع على أشده بين المسؤولين والسياسيين المحليين من أجل الاتفاق على قانون جديد للعلمانية يقف وراءه الوزير بيير موداي، الذي يقول المؤيدون إنه سيقوم بإحياء أحكام قديمة كانت موجودة من قبل.
وفي أبريل الماضي، قام البرلمان المحلي للكانتون بالمصادقة على تشريع جديد، بفضل أغلبية أحزاب وسط اليمين. لكن المعارضين، بمن فيهم اليسار المتطرف، والخضر، والحركات النسائية، والنقابات، والمسلمون، مستاؤون من التغييرات التي طرأت. وفي العام الماضي، قام هؤلاء بجمع حوالي 8000 توقيع لفرض تصويت على مستوى الكانتونرابط خارجي، على هذه القضية. والجدير بالذكر أيضاً أن اثنين من الطعون القانونية ما زالا معلقين بانتظار البت فيهما.
وتشير الانتقادات إلى أن القانون تعسفي وغير ضروري، وأنه يمنح المسؤولين الحكوميين سلطات واسعة، إضافة إلى أنه ينتهك حقوق الإنسان، ولا سيما المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسانرابط خارجي ، التي تنص على أن لكل شخص الحق في حرية الفكر والضمير والدين.
دعم من الكنيسة
وأوضح مؤيدو القانون الجديد – وبشكل رئيسي أحزاب اليمين ووسط اليمين، وحكومة جنيف – إن الإطار القانوني الجديد قد طال انتظاره؛ فهو إطار عملي، ومن شأنه أن يُسهم في توضيح المبادئ التي أقرّها الدستور لحماية حرية الضمير والمعتقد، ولحماية غير المؤمنين.
يقول البرلماني فرانسوا لانس، وهو من الحزب الديمقراطي المسيحي (يمين وسط): ” في جنيف، نحن في بيئة 35 % من سكانها لا يتبع ديناً معيناً كما أن هناك 400 جماعة دينية مختلفة تعيش جنبا إلى جنب. ولذا فنحن بحاجة إلى إطار قانوني للإشراف على الأمور والمساعدة في حالات مثل السجون أو المستشفيات “.
وفي جنيف، اجتمع ممثلو الطوائف الدينية الرئيسية الثلاث – الكنيسة البروتستانتية والكنيسة الكاثوليكية الرومانية والكنيسة الكاثوليكية القديمة – للتعبير عن دعمهم للقانون، على الرغم من اعتقادهم أن تدابير فرض الحياد الديني على موظفي الخدمة المدنية المحلية تذهب بالأمور بعيداً جداً.
وفي بيان صحفي مشترك قلّ نظيره صدر في يناير، رفض ممثلو الطوائف حجج المعارضين للقانون، معتبرين أن هؤلاء “أثبتوا عدم قدرتهم على استيعاب حجم الظاهرة الدينية ومخاطرها العالقة في غياب إطار تنظيمي لها”.
وقال باسكال ديستيو، نائب الأسقفية في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، إن الأمر ليس تصويتاً متعلقاً بالحجاب بل “هو قانون حول إطار العلمانية في جنيف للحفاظ على السلام الديني في السنوات القليلة المقبلة”.
الإسلاموفوبيا أو معاداة الإسلام
إن المعارضين لهذا القانون ليسوا راضين على وجه الخصوص عن التعديل الذي أدخل في اللحظة الأخيرة، والذي يحظر على السياسيين المنتخبين وموظفي الحكومة المحلية للكانتون الذين يعملون في الخدمة العامة، ارتداء رموز دينية ظاهرة. ويقول بعض النقاد إن القانون معادٍ للإسلام، لأنه يستهدف بشكل غير مباشر النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب.
أما سابين تيجمونانرابط خارجي، عضوة المجلس البلدي الأخضر في ميرين – وهي حالياً المنتخبة الرسمية الوحيدة في جنيف التي ترتدي الحجاب- فتقول: “الناس يعرفونني وأنا بهذا الشكل”. وتوضح أنها لم تواجه أية مشاكل كمنتخبة رسمية أو أثناء عملها كممرضة. “السلام الديني موجود في جنيف، لكن هذا القانون يضر به.” بحسب قولها.
ويعتبر الناقدون أنه لا حاجة إلى قانون شامل، حيث أن قطاعات محددة مثل قطاع التعليم، يتم تنظيمها فعلياً بشكل صحيح. فالمعلمون في جنيف يخضعون لقانون الكانتونات الذي يحظر الرموز الدينية الظاهرة في المدرسة.
كارول آن كاست، وهي مسؤولة محلية من مقاطعة أوني، تشعر هي أيضاً بالقلق حيال الأثار السلبية المحتملة لهذا القانون على العمال، وخاصة على النساء المسلمات منهم.
الضريبة الدينية والتجمْعات العامة
وثمة مجال آخر للنزاع وهو مسألة فرض ضريبة دينية طوعية، والتي تذهب تقليدياً لحساب الكنائس المسيحية الثلاث الرئيسية في جنيف. فبموجب القانون الجديد، سيتم تقاسم هذه الأموال مع الطوائف الدينية الأخرى، على أن تخضع هذه الأموال لشروط صارمة مثل تقديم مراجعة سنوية خارجية للحسابات المالية وتقديم لائحة بأسماء جميع المانحين – الدول والشركات والهيئات العامة والأفراد – سواء كانوا في سويسرا أو خارجها.
وأخيراً، فإن القانون الجديد سيحظر التجمعات الدينية في الأماكن العامة، إلا في حال حصول المنظمين لهذه التجمّعات على تصريح رسمي.
وقد تقدمت الطائفة الإنجيلية في جنيف، باستئناف ضد هذا الإجراء أمام محكمة الكانتون. كما تقدم حزب الخضر بدعوى قضائية منفصلة ضد الحظر المفروض على المسؤولين المنتخبين الذين يرتدون الرموز الدينية. وسيتم متابعة هذه الدعاوى إذا تم تمرير القانون في صناديق الاقتراع يوم الأحد المقبل.
سويسرا والعلمانية
تضمن المادة 8 (“المساواة أمام القانون”) و15 (“حرية الدين والضمير”) من الدستور الفدرالي للفدرالية السويسريةرابط خارجي حرية المعتقدات الفردية. وينص الدستور على أنه “لا يجوز إجبار أي شخص على الانضمام أو الانتماء إلى جماعة دينية، أو المشاركة في عمل ديني أو اتباع تعاليم دينية”.
وقد تم فصل الكنائس والدولة على المستوى الفدرالي منذ عام 1848. ومع ذلك، فإن المادة 72 (“الكنيسة والدولة”) من الدستور تقول: “إن تنظيم العلاقة بين الكنيسة والدولة يقع على عاتق الكانتونات”.
وفي حين تعترف بعض الكانتونات رسمياً ببعض الكنائس (الكاثوليكية، الإصلاح السويسري، الكاثوليكية القديمة واليهودية)، فإن كانتون جنيف وكانتون نيوشاتل، المتأثرين إلى حد كبير بفرنسا، علمانيان.
وفي فرنسا،رابط خارجي تستند العلمانية إلى ثلاثة مبادئ وقيم: حرية الضمير وحرية التعبير عن قناعات المرء في حدود احترام النظام العام؛ الفصل بين المؤسسات العامة والمنظمات الدينية، والمساواة أمام القانون بغض النظر عن المعتقدات أو القناعات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.