10 أعوام مرت على اعتقال هانيبال القذافي في جنيف..
اقترن هذا الأسبوع ببداية العطلة الصيفية في سويسرا، واتسم بتراجع مُلفت لتغطية الأحداث والتطورات في العالم العربي من طرف الصحف السويسرية مع استثناء وحيد تمثل في تسليط صحيفتين تصدران بالفرنسية في مدينتي جنيف ولوزان الضوء مُجددا على بعض خلفيات الأزمة الدبلوماسية الإستثنائية التي هزّت العلاقات بين برن وطرابلس في أعقاب إيقاف أحد أبناء العقيد معمر القذافي في جنيف قبل عشرة أعوام بالضبط.
في عددها الصادر يوم الخميس 5 يوليو الجاري، خصّصت صحيفتا “تريبون دو جنيف” و”24 ساعة” صفحتين كاملتين للحديث مجددا عن بعض خفايا ما عُرف بـ “قضية هانيبال القذافي” التي تحل ذكراها العاشرة في الخامس عشر من هذا الشهر بعد أن تسنّى لهما الإطلاع على كل أوراق ملف التحقيقات.
فيدالي مينديشينو الذي أعد التحقيق ذكّر بأهم أطوار الأزمة التي نشبت بين البلدين من لحظة إيقاف شرطة جنيف لهانيبال القذافي وزوجته ألين (اللبنانية الأصل) في فندق الرئيس ويلسون الفاخر في جنيف يوم 15 يوليو 2008 على إثر شكوى من طرف خادميْن (رجل مغربي “ك” وامرأة تونسية “أ”) كانا يعملان لديهما من تعرضهما للضرب والتعنيف وسوء المعاملة.
بالإضافة إلى استعادة مسلسل الأحداث ومختلف محطات الأزمة التي هزت العلاقات بين البلدين بقوة (انظر التفاصيل في ملفنا الخاص الذي يشتمل على كُل ما نشرته swissinfo.ch على مدى عامين ونيف بشأن الأزمة)، نقلت الصحيفتان بعض المعلومات الجديدة التي استقتها من بعض الشهود والفاعلين الذين أعادت الإتصال بهم أو من وثائق التحقيق في القضية التي تمكنت أخيرا من الوصول إليها، وفيما يلي مختارات منها:
رشيد حمداني، أحد الرهينتين السويسريين (يقيم في كانتون فُو ومن أصل تونسي):
“لديّ ذكريات أليمة جدا تتزاحم في رأسي. أحتاج إلى وقت أطول لهضم المُعاناة الطويلة والظلم الشديد الذي أحسست به”.
من شهادة “أ”، الخادمة التونسية لدى هانيبال وزوجته واصفة مُعاناتها للمحققين:
“لم أكن أنام أكثر من ساعتين أو ثلاثة في الليلة الواحدة، ألين تعتبرني أمة وتضربني كل يوم بدون مبرر (مشيرة إلى جروحها فوق ذراع وفي عين وعلى ثدييها)، لقد ضربتني بمعلاق ثياب تكسّر عليّ. أما هانيبال فقد وجّه لي لكمة على وجهي”.
مقتطفات من أوراق القضية
يوم السبت 12 يوليو، رغب هانيبال القذافي في الذهاب إلى الإحتفال الصاخب المعروف بـ “Lake Parade” (أو موكب البحيرة)، فيما قررت ألين اغتنام الفرصة للتسوق قبل وضع مولودها المرتقب خلال شهر يوليو في مصحة خاصة في جنيف مصرة على اصطحاب “أ” معها، لكن فرانسوا ميمبري، محامي الخادمة التونسية صرح للجريدة أن “موكلتي تعللت بجروحها وباحتمال إثارة بعض الشكوك لدى المارة” لكي تبقى في الفندق. وبهذه “الحيلة” هكذا تمكنت من الإتصال بأعوان الدرك بفضل مساعدة إحدى العاملات في الفندق.
بعد أن تقدم الخادمان رسميا بالشكوى لدى الشرطة القضائية يوم 14 يوليو، تم إعلام إيف بيرتوسا، نائب المدعي العام لكانتون جنيف الذي قام بالتثبت من تمتع هانيبال القذافي بالحصانة الدبلوماسية أم لا. هنا، أوردت الصحيفتان مقتطفا من نص الرسالة الألكترونية التي بعث بها السفير أمادايو بيريز، رئيس البعثة السويسرية لدى الأمم المتحدة في جنيف آنذاك جاء فيه ما يلي:
“نظرا للإنعكاسات السياسية التي ستترتب بالتأكيد عن عملية الإيقاف هذه على العلاقات الثنائية بين البلدين، يُرجى التكرم بالإيعاز إلى ضباط الشرطة باتخاذ جميع الإحتياطات اللازمة أثناء هذا التدخل”.
في منتصف نهار يوم 15 يوليو، تحول عشرون شرطيا إلى الطابق الثالث من الفندق حيث حاول حارسان شخصيان لهانيبال التصدي لهم لكن بدون جدوى. إثر ذلك قام أحد العاملين في الفندق بفتح الجناح رقم 345 وتم إخراج هانيبال منه مُقيّد اليدين. أما زوجته فقد تم نقلها على متن سيارة إسعاف إلى المستشفيات الجامعية لجنيف حيث ظلت هناك تحت الحراسة وجرى استنطاقها من طرف الشرطة في قسم الولادات.
في تصريحاته أمام قاضي التحقيق، اتهم هانيبال الخادميْن الشاكييْن بمحاولة ابتزازه ماليا وندد بما أسماه “مسرحيتهما”، وقال: “أعتقد أن “أ” هي التي جرحت نفسها (…) لقد سُرقت مني 2000 فرنك وساعة يدوية، وأنا أشتبه في “ك”…”
بعد الإستجوابات والمواجهات مع الخادمين تم توجيه نفس التهم إلى الزوجين وهي “الإيذاء البدني والتهديد والإكراه”. وبعد أن قضى هانيبال ليلتين في الإيقاف داخل إحدى زنزانات قصر العدالة في جنيف، تم الإفراج عن الزوجين بعد ظهر يوم 17 يوليو إثر قيام عائشة القذافي (التي قدمت على الفور من باريس) بدفع فدية بقيمة 300 ألف فرنك بالنسبة لألين و200 ألف فرنك لهانيبال.
كالمي – ري: “تدخل الإتحاد الأوروبي كان حاسما”
في تصريح للصحيفتيْن، أوضحت ميشلين كالمي – ري، وزيرة الخارجية في تلك الفترة، أن مفتاح النجاح في حلحلة القضية تمثل في تدخل طرف ثالث متمثلا بالإتحاد الأوروبي وقالت: “إن ما أدى إلى الإفراج عن الرهينتين هو قيام سويسرا باتخاذ إجراءات تحُدّ من منح تأشيرات دخول إلى سويسرا لسلسلة من المواطنين الليبيين رفيعي المستوى. وبما أن سويسرا شريكة في معاهدة شنغن، فإن هذه الإجراءات مسّت حرية تنقل هؤلاء المواطنين (الليبيين) في فضاء شنغن. السلطات الليبية ردت بإغلاق ليبيا بوجه مواطني البلدان الأعضاء في فضاء شنغن وهو ما فتح الباب بوجه تدخل الإتحاد الأوروبي من أجل حل النزاع. ففي المواجهة بين سويسرا وليبيا، كان ميزان القوى يميل لفائدة ليبيا نظرا للحذر الذي كانت تتصرف به سويسرا ولمحدودية مجال المناورة التفاوضي، نظرا لأن حياة الرهينتين كانت بالفعل على المحك. وبعد انخراط الإتحاد الأوروبي في السعي لحل النزاع من أجل الحفاظ على مصالحه التجارية في ليبيا، عاد ميزان القوة للتعادل، ما سمح بخروج الرهينتين بعد عام ونصف على إيقافهم في طرابلس”.
المزيد
“في أزمتها مع ليبيا.. لم يكن بإمكان سويسرا استخدام نفس الوسائل!”
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.