مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“إدلب تشهد أكبر موجة نزوح عرفتها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية”

رغم سرقة فيروس كورونا المستجد للأضواء خلال الأسبوع الماضي، خصصت الصحف السويسرية بعض فضاءاتها لمستجدات الشؤون العربية، وقد اخترنا لعرض هذا الأسبوع الوضع الإنساني الصعب في إدلب السورية، والأموال المهرّبة من لبنان إلى المصارف السويسرية، واستعادة حسني مبارك لحريته مع إعلان وفاته. 

PLACEHOLDER​​​​​​​

الحرب في إدلب

تحت عنوان “إدلب، الحرب حتى الحدود القصوى”، كتبت الصحفية الفرنسية الشابة إديث بوفييه مقالا نشرته صحيفة “لوتون” السويسرية يوم الجمعة 28 فبراير الجاريرابط خارجي، حول الأوضاع الانسانية الصعبة حاليا في إدلب السورية، حيث تغرق هذه المقاطعة الواقعة في شمال غرب البلاد في أزمة إنسانية كارثية على نحو متزايد. وتستند الكاتبة في تقييمها إلى مصادر الأمم المتحدة التي تقول إن هذه المنطقة تشهد أكبر موجة من النزوح عرفتها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية. 

الشهادات على هذا الوضع المتردي لن تتأخّر، تكتب الصحفية: “يوم الثلاثاء الماضي (25 فبراير 2020)، انتهزت الطائرات الروسية انقشاع السحب من السماء، ووضوح الرؤية، لتقصف ثماني مدارس ابتدائية ومدرستيْ حضانة. أغلبها تقع داخل مدينة إدلب. وتعكس العديد من الشهادات التي تم جمعها عبر الهاتف من المدنيين المحنة الشديدة التي يمرون بها”. 

يقول يوسف القصر، مدرّس في إحدى مدارس إدلب وعضو في شبكة حراس، نقلا عن المقال: “بمجرد سماع الطائرات، ألغينا الدروس، … نحن نعيش في خوف كل الوقت، ومن المستحيل مواصلة التدريس في هذه الأجواء”. حسناء، بنت ثماني سنوات، التلميذة بنفس المدرسة، تقول هي الأخرى: “بمجرد سماع أزيز الطائرات، لا أريد أن أغادر منزلي لأنني أخشى أن تقتل عائلتي أثناء غيابي”. وينقل المقال أيضا عن منظمة إنقاذ الطفولة تأكيدها على أن “نصف المدنيين الفارين من القتال هم أطفال، يُجبرون على النزوح كل يوم ويغرقون في الفقر”. 

وبعد أن يعدد المقال الجرائم التي ارتكبتها قوات النظام السوري والقوات الروسية والمليشيات التابعة لهما منذ شهر ديسمبر الماضي وحتى اليوم، وكيف يستهدفون المرافق الصحية في المنطقة، وفق مصادر موثوقة من الأمم المتحدة (تدمير 60 مرفقا صحيا وقتل 300 مدني خلال شهريْن فقط)، يخلص التقرير إلى أن إمكانيات علاج المرضى والمصابين في إدلب باتت محدودة جدا.

وتنقل الصحيفة السويسرية عن الطبيب محمّد أبراش، الذي يدير واحد من آخر المستشفيات في المدينة: “أصبحت ظروف العمل أكثر خطورة، بل مستحيلة، ونحن خائفون من استهدافنا في أي لحظة. ولا يزال بإمكاننا علاج حالات الطوارئ والعمليات الحيوية فقط. أما المرضى الذين حالاتهم حرجة جدا، فيتم نقلهم إلى الجهة الأخرى من الحدود مع تركيا”.

الأموال المنهوبة في لبنان

“الثوار في لبنان يشيرون بأصابع الاتهام إلى البنوك السويسرية”، كان هذا عنوان مقال نشرته صحيفة “24 ساعة” السويسرية يوم الخميس 27 فبراير الجاريرابط خارجي. التقرير الذي كتبه الصحفي المختص في الشؤون الاقتصادية بيير- ألكسندر سالييه، أشار إلى أنه منذ انطلاق الثورة الشعبية في لبنان ضد الفساد، تم تحويل أكثر من 2.3 مليار دولار إلى المصارف السويسرية. وأن بيروت اتصلت ببرن للمساعدة في التحقيق حول هذه الأصول المهربة. 

وتحظى هذه القضية بأهمية كبيرة خاصة في الظرف الحالي الذي يمر به بلد الأرز. فقبل أسبوع فقط، يشير التقرير “كانت السفارة السويسرية في بيروت لا تزال محاطة بالمتظاهرين، الذين كانوا يرفعون لافتات تطالب بارجاع الأموال المسروقة”. 

التقرير يذكر أيضا أنه “منذ نهاية شهر ديسمبر الماضي، تداولت الصحف المحلية في لبنان أسماء أزيد من 20 شخصية سياسية يُقال إنهم قاموا بتهريب ثرواتهم إلى خارج البلاد وبالتحديد إلى حسابات مصرفية سرية في سويسرا”.  

ويُتّهم هؤلاء أيضا “بأنهم نجحوا في التحايل على القيود المصرفية التي أمرت بها السلطات النقدية في الأسابيع التي تلت انطلاق انتفاضة 17 أكتوبر، كحظر سحب أكثر من ألف دولار”. 

وتزايدت الضغوط الشعبية لاحقا إلى الحد الذي أجبر المدعي العالم اللبناني على طلب “مساعدة قانونية” من سويسرا بشأن عمليات تهريب الأصول المشبوهة، كما طالب محافظ مصرف لبنان المركزي، من لجنة الرقابة المصرفية المحلية وكذلك لجنة مكافحة غسيل الأموال في البلاد بالتحقيق حول هذه التدفقات المالية المشبوهة.

في المقابل، طالبت السلطات القضائية السويسرية من لبنان معلومات إضافية حول هذا الملف الحساس. ويقول صاحب المقال “بالفعل أكّد مكتب العدل الفدرالي أنه تلقى “خطابا دوليا” في 10 يناير 2020 من السلطات اللبنانية، وأن سويسرا طالبت بمعلومات إضافية ضرورية لدراسة الطلب اللبناني والرد عليه”. ووفقا لمصدر لبناني جيد الاطلاع على هذا الملف، يضيف صاحب المقال “يقوم المدعي العام اللبناني حاليا بالتحقيقات اللازمة، قبل الرد على الطلب السويسري”. 

ويجدر الإشارة إلى ان المبلغ المذكور أعلاه (2.3 مليار دولار)، هو الرقم الذي أعلنت عنه الجهات الرسمية، في حين تشير مصادر أخرى موثوقة ومستقلة، وفقا للمقال، إلى أن قيمة الأصول التي تم تهريبها من لبنان فقط بين شهري أغسطس ونوفمبر 2019 قد تصل إلى 10 مليارات دولار. 

“الفرعون المخلوع يموت كرجل حر”

أفردت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغرابط خارجي مساحة كبيرة لتغطية وفاة الرئيس المصري المخلوع السابق حسني مبارك وقالت إنه نجح في تحقيق أمنيته في الموت على أرض مصر. وأوضحت الصحيفة أن الديكتاتور السابق لم “يسمح له فقط بالموت في وطنه، ولكن سُمح للرجل البالغ من العمر 91 عامًا بالموت في فراشه خارج أسوار السجن. ولم يكن هذا بالطبع من المتوقع بعد الإطاحة به إثر الانتفاضة الشعبية في فبراير 2011.

وأشارت الصحيفة إلى أن “موت مبارك بهذه الطريقة ليست بالأمر البديهي، إذا ما قارنا مصيره بمصير نظرائه “فعلى سبيل المثال، اُضطر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي إلى الفرار إلى المملكة العربية السعودية بعد الإطاحة به في يناير 2011، حيث تُوفي هناك في سبتمبر الماضي. والأسوأ من ذلك مصير الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي جره المتمردون من قناة الصرف الصحي خارج مدينة سرت بعد أشهر قليلة من سقوط مبارك ومقتله في ظل ظروف غامضة.

سلم مبارك من هذا المصير وكذلك من المنفى، لكن الرئيس، الذي كان يطلق عليه في كثير من الأحيان اسم فرعون، انتهى به المطاف في السجن. وعلى الرغم من أن الضابط السابق في سلاح الجو سلم من التعذيب في السجون سيئة السمعة، التي عانى فيها الكثير من الإخوان المسلمين وغيرهم من السجناء السياسيين تحت حكمه، فقد تردت صحة الرئيس السابق، الذي كان تقدم في العمر وتم نقله حتى قبل بدء محاكمته إلى المستشفى العسكري. وفي يونيو 2012، حُكم عليه بالسجن مدى الحياة لتورطه في مقتل أكثر من 800 متظاهر خلال ثورة يناير. وحُكم عليه فيما بعد بالسجن لمدة 36 شهرًا بتهمة الفساد والاختلاس. ومع ذلك، لم يكن على رئيس الدولة السابق قضاء عقوبة السجن المؤبد، لأنه تم إلغاء الحكم في مارس 2017.

في ذلك الوقت، كانت مرحلة الديمقراطية التي عاشتها مصر جزءاً من التاريخ، فبعد مرور عام على انتخاب المرشح الإسلامي محمد مرسي رئيسًا في أول انتخابات حرة في مصر في يونيو 2012، قام الجيش المصري بانقلاب عسكري وقمع الاحتجاجات بوحشية. ومع تولي عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم، وصل ضابط آخر إلى السلطة واستعاد الجيش السيطرة الكاملة على البلاد. وبينما انهار خلفه الرئيس المصري محمد مرسي في المحكمة في يونيو 2019 وتوفي بعد ذلك بوقت قصير في المستشفى، تمكن مبارك من قضاء سنواته الأخيرة في فيلته في حي مصر الجديدة بالقاهرة.

وأضافت الصحيفة أن “السنوات الأخيرة من حكم مبارك كانت فترة من الجمود السياسي والشلل ولا سيما مع اعتلال صحته وأصبحت حالته الصحية قضية رأي عام في عام 2003 عندما انهار خلال ظهور علني، ليضطر بعدها إلى إجراء العديد من العمليات في ألمانيا. لكن أجهزة الدولة المصرية فضلت الاستمرار في الدعاية للحفاظ على صورة ضابط الطيران”.

وتطرقت الصحيفة إلى نشأة مبارك في مدينة كفر مليحة، مسقط رأسه، حيث عُرف حسني مبارك، المولود عام 1928، منذ صباه بقدرته على ضبط النفس. وعندما كان شابًا، التحق مبارك بالجيش وتدرب كطيار. وبين عامي 1959 و1961، أكمل مبارك تدريبات إضافية في الاتحاد السوفياتي، حيث تعلم اللغة الروسية وتحدثها بطلاقة.

اعترف زعيم مصر الحديثة، عبد الناصر، بمهارة مبارك اللوجستية وحبه للنظام في وقت مبكر ونقله في عام 1967 لرئاسة أكاديمية الطيران المصرية. بعد هزيمة مصر في حرب الأيام الستة ضد إسرائيل عام 1967، أعاد مبارك بناء القوات الجوية. وقام بهذا العمل بشكل جيد لدرجة أن خليفة ناصر، أنور السادات، عينه قائدا للقوات الجوية في عام 1972 ونائبا للرئيس في عام 1975. واكتسب مبارك مكانة أكبر عندما خطط للهجوم المفاجئ على القوات الإسرائيلية على قناة السويس في حرب 1973 ضد إسرائيل كقائد لسلاح الجو وقاد عملية إعادة شبه جزيرة سيناء. بعد الحرب، أصبحت مصر أول دولة عربية تصنع السلام مع إسرائيل في عام 1979. لم يغفر الإسلاميون المتطرفون للسادات تطبيعه مع إسرائيل واغتالوه خلال عرض عسكري في عام 1981، ليتولى مبارك بعدها الرئاسة.

كنائب للرئيس، كان مبارك في إسرائيل ولعب دوراً هاماً في إبرام معاهدة السلام مع الدولة اليهودية. بعد وصوله سدة الحكم ، اتُهم بأنه قريب من إسرائيل، لكن مبارك التزم دائمًا بالاتفاق وحاول الموازنة بين إسرائيل والفلسطينيين وكان مقتنعا بضرورة التبادل الاقتصادي مع إسرائيل.

في المقابل ، تلقى مبارك مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية وإنمائية من الولايات المتحدة وشركاء دوليين آخرين، اعتبروه “حاكمًا معتدلًا”. لكن مبارك حكم بلاده بقبضة من حديد، فبعد مقتل السادات، واصل مبارك فرض حالة الطوارئ واستمر في قمع الإسلاميين. بعدها سمح مبارك لجماعة الإخوان المسلمين بالترشح كمستقلين في الانتخابات البرلمانية. 

اتهمه منتقدوه بالاستبداد وإضعاف الدور القيادي لمصر وتشجيع الاستقطاب الاجتماعي والاقتصادي على حساب الفقراء ومحاولة توريث ابنه الحكم وإثراء أسرته بلا أي وازع أو رادع.

ومع قرب نهاية حكمه، اعتمد الرئيس المسن على دائرة من رجال الأعمال المخلصين والحزب الوطني الديمقراطي وطال بطشه إلى جانب الإسلاميين، اليساريين والليبراليين والمدونين المستقلين.

وعندما بدأت قبضته على السلطة تخف مع التقدم في العمر، علت الأصوات المعارضة المطالبة بشكل متزايد بنظام ديمقراطي وعدالة اجتماعية وفرص أفضل للنساء والشباب وانتخابات نزيهة. ومع اندلاع موجة الاحتجاجات في تونس في 2010 ، رأت المعارضة في مصر فرصتها لتغيير النظام”..

وختمت الصحيفة بالقول “كان مبارك يعرف كيف يتعامل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية وإسرائيل. كانت هذه المهارة هي السبب الرئيسي في طول عمر نظامه. وعندما تخلت عنه الولايات المتحدة والجيش المصري في عام 2011 ، سقط من عرشه بين عشية وضحاها تقريباً. ومن المحتمل أنه لم يتعاف تمامًا من هذا السقوط المفاجئ، لكنه في النهاية شعر بالرضا من السماح له بالموت كرجل حر في مصر”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية