“المطلوب اليوم في اليمن هو صُنع سلام مُستدام وإنهاء الإجراءات الإنقلابية”
حذّّرت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية مرّات عديدة من استمرار الأوضاع الكارثية التي تهدّد الشعب اليمني جرّاء استمرار الحرب الأهلية والأعمال العدائية بين الاطراف المتصارعة، وبادرت سويسرا والسويد إلى عقد مؤتمر للدول المانحة في جنيف يوم الثلاثاء 25 أبريل الجاري لتغطية جزءً من الإحتياجات الإنسانية لهذا الشعب الذي تتهدّده المجاعة.
في جنيف أيضا، سبق للسيدة توكّل كرمان، الناشطة اليمينة والحقوقية المتحصّلة على جائزة نوبل للسلام أن شدّدت في كلمة ألقتها خلال الأمسية التي خصَّصها مهرجان الفيلم والمُنتدى الدولي لحقوق الإنسان بجنيفرابط خارجي خلال دورته الأخيرة للأوضاع في اليمن على أن المطلوب اليوم في بلدها هو صُنع سلام مُستدام وإنهاء الإجراءات الإنقلابية والعودة إلى ما سَبَق أن توافق عليه اليمنيون قبل الانقلاب. كما ناشدت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية ومجموعة العشرة والدول العربية بتقديم مساعدات شاملة وعاجلة لإنقاذ ملايين اليَمَنيين الذين يتهددهم خطر المجاعة اليوم.
وتوكّل كرمان هي أوّل سيدة يَمَنية وخامس شخصية عربية تفوز بجائزة نوبل للسلام. ملامِحها بشوشة والإبتسامة لا تفارق محياها كما تبدو شديدة التواضع. ولكن عندما يتطرق الموضوع إلى الحرب في اليمن، يصدَح صوت توكل كرمانرابط خارجي التي قد تختلف الآراء حولها، وتخرج كلماتها قوية وواثقة. وفي الوقت الذي تدين فيه الصحفية والناشطة الحقوقية الضربات الجوية لقوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية التي تصيب المواقع المدنية، إلّا أنها تطالب وسائل الإعلام في الوقت نفسه بالنظر إلى أسباب هذه العمليات العسكرية، وإلى الجرائم المُرتَكَبة من قبل الحوثيين وأنصار على عبد الله صالح، الذين تُحَمِّلهم مسؤولية الحرب القائمة اليوم وكل ما حَلَّ في اليمن من دمار وخراب.
توكّل كرمان
ناشطة حقوقية وصحفية يمنية. وُلدت في عام 1979 في محافظة تَعز جنوب اليمن.
حاصلة على بكالوريوس تجارة من جامعة العلوم والتكنلوجيا في صنعاء في عام 1999، كما تحمل شهادة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة صنعاء.
عُرفت بمناهضة انتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي والإداري في اليمن، ومطالبتها الصارمة بالإصلاحات السياسية منذ وقت مبكر. كما كان لمنظمة “صحافيات بلا حدود” التي أسستها في عام 2005 دوراً كبيراً في الدفاع عن الحريات الإعلامية ومناهضة السياسات القمعية في اليمن. وهي قيادية بارزة في ثورة 11 فبراير 2011 الشبابية الشعبية السلمية، حيث كانت في طليعة الثوار الذين طالبوا بإسقاط نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
في عام 2011، وبعمر 32 عاماً فقط، مُنِحَت جائزة نوبل للسلام [بالتقاسم مع الرئيسة الليبيرية إلين جونسون سيرليف والناشطة الليبيرية ليما غوبوي] “تقديرا لنضالها السلمي من أجل سلامة النساء وحَقِّهِن في المشاركة الكاملة في أعمال بَناء السلام في اليمن”، لتكون بذلك أول سيدة عربية وثاني سيدة مسلمة وخامس شخصية عربية تفوز بهذه الجائزة حتى الآن.
تطرقت من خلال عملها الإعلامي – سواء كأفلام وثائقية أو مقالات – للعديد من الظواهر التي تؤرق شرائح واسعة من اليمنيين، كالانتحار والمشاركة السياسية للمرأة، وزواج القاصرات وتهريب الأطفال، وانتهاك حقوق الإنسان.
swissinfo.ch: مع حلول الذكرى السادسة لثورة 11 فبراير 2011، ما الذي تحقق من أحلام الشباب الثائرين الذين كانوا يملؤون الساحات، وأين تقف اليمن اليوم؟
توكل كرمان: كان حلم الشباب هو تحقيق الحرية والحياة الكريمة في دولة تحترم حقوق الانسان وتكفَلها وتَضمَن تَمَتع الجميع بها بعد أن ضاقوا ذرعاً بدولة الفساد والرشاوي والإستبداد والفشل. لا شك ان ما تحقق قليل مُقارنة بأحلامنا، وحتى هذا القليل لم يَسلَم من العبث والتآمر. وليس هذا الانقلاب الدموي وما سببه من حرب واقتتال، إلّا محاولة لإجهاض حلم الشباب في التغيير وبناء دولة ديمقراطية تتسم بالرشد والعدالة.
لقد استطاعت ثورة 11 فبراير ازاحة المخلوع صالح عن السلطة، وأفقدته شرعيته، وهو يقاتلنا الآن ويقاتل المستقبل مثل زعيم عصابة. رغم ذلك، بوسعي المُراهنة على المُستقبل الذي سيكون أجمل وأفضل بفعل حلمنا الذي لن يُقهَر وكفاحنا المُستمر.
لقد خلقت الثورة روح الكفاح من أجل التغيير لدى الشباب اليمني، وهذا بذاته أحد أهم انجازات الثورة، وهو كفيل باستمرار الفعل الثوري حتى نحقق جميع أحلامنا في بناء دولة ديمقراطية عَصرية تحترم الحقوق والحريات. لقد خرج الشباب من أجل يَمَن جمهوري حقيقي خال من الفساد والتوريث. وفي إعتقادي، لن يكون بمقدور أحد تجاوز هذه الحلم في المستقبل.
الوضع في اليمن اليوم مُعَقَّد جدا؛ فهناك انقلاب دموي قامت به ميليشيا الحوثي المُسلحة المُتحالفة مع المخلوع علي صالح والمَدعومة من ملالي ايران. وقد أسفر هذا الإنقلاب عن مقاومة داخلية واسعة وحربٍ وتَدَخُلٍ خارجي تَمَثل بالتحالف العربي المَسنود عالمياً بقرارات دولية.
swissinfo.ch: في تقريرها العالمي 2017 الخاص بالمراجعة السنوية لحقوق الإنسان، وثقت منظمة “هيومن رايتس واتش” العديد من الانتهاكات التي ارتكبتها أطراف النزاع الرئيسية في اليمن. بصفتك توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، كيف تتعاملين مع خروقات كهذه؟ وهل قُمتِ بإثارة هذا الموضوع مع مسؤولين أمميين أو دوليين أو مع الحكومات المَعنية؟
توكل كرمان: إن موقفي من انتهاكات حقوق الانسان ثابت ومبدئي لايتغير باختلاف الاطراف أو الزمان أو المكان، وأنا أدين جميع حالات إنتهاك حقوق الإنسان في اليمن بشكل واضح ومُعلَن. وقد دعوت على الدوام ولا أزال الى احترام القانون الانساني وتجنيب المدنيين ويلات الحرب والنزاع.
لكن الأمر لايتوقف عند حدود الادانة ثم الانصراف دون الوقوف على السبب والنتيجة، وَوَضع المُقترحات والحلول. فالحرب في اليمن جاءت نتيجة انقلاب ميليشاوي على سلطة انتقالية توافقية، وعلى حوار وطني شارك فيه الجميع، وتَمَخَّظ عن مسودة دستور جديد كان من المُفترض ان يُجري الاستفتاء عليه بعد أشهر قليلة، ومن ثَمَّ إجراء الإنتخابات المختلفة بالإستناد على هذه الدستور.
لكن هذا الانقلاب أسقط الدولة اليمنية وكل ما سَبَق التوافق عليه، وأدخل البلاد في مقاومة داخلية واسعة وحرب وتدخل عربي، مما جرَّ البلاد إلى كوارث لاحَصْرَ لها.
المطلوب إذن ليس التركيز على قصف التحالف العربي فقط ونسيان الانقلاب الميليشاوي وغزوه للمدن وما خلَّفه ولايزال يُخلفه من انتهاكات لا حَصْر لها. لكن المطلوب هو صُنع سلام مُستدام يقوم على ايقاف الحرب بالتزامن مع انهاء الاجراءات الانقلابية.
swissinfo.ch: هل استفاد شعب اليمن بشكل عام ونساؤه بوجه خاص من حصول ناشطة من بناته على هذه الجائزة المرموقة؟
توكل كرمان: هذه الجائزة استحقها الشعب اليمني برُمَّته اعترافاً بكفاحه وسلمية ثورته، كما جاءَت كتقديرٍ لكفاح المرأة اليمنية ونضالها. وبرأيي، مُنِحَت نوبل لجميع شباب الربيع العربي تثميناً لكفاحهم و نضالهم من أجل الحرية، وكنتُ من تسلَّمَها بالنيابة عنهم.
سوف أواصل كفاحي من أجل جميع هؤلاء ومَعَهم، وفي سبيل القضايا المُشتركة التي أشعلنا ثورات الربيع العربي من أجلها، وسأمضي في الكفاح من أجل يَمَنٍ ديمقراطي ينْعَم بالحقوق وتسوده الحريات. لقد منحتنتي هذه الجائزة إلتزاماً اضافياً لكي أواصل هذا الدرب، كما مثلت مصدر الهام للمرأة اليمنية والعربية والشباب بشكل عام لأن يخوضوا ذات الكفاح الذي خضته ودعوت له واستمريت به.
swissinfo.ch: ما هو الدور الذي تلعبه المرأة اليمنية اليوم في ظل هذه الأوضاع الإنسانية الصعبة؟ وماهي أخطر الآثار الاجتماعية والسياسية للنزاعات المسلحة في اليمن على الفتيات والمرأة عموما؟
توكل كرمان: لقد لعبت المرأة اليمنية دوراً أساسياً في ثورة فبراير، وكان لمشاركتها أثراً بالغاً في إسقاط نظام صالح، وفي تصحيح صورة اليمن التي تم تشويهها من قِبَلِهِ أمام العالم. كذلك شاركت المرأة بفعالية في أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل وكتابة دستور الدولة الاتحادي.
بيد أنَّ مُعاناة المرأة والأعباء المُلقاة على عاتقها زادت اليوم في ظل هذه الأوضاع الإنسانية الصعبة، نتيجة غياب شريكها الرجل عن المنزل اختياراً أو قسراً، أو بسبب عَجزِه عن الإيفاء بواجباته تجاه أسرته.
لقد سمحت الحرب بتشديد قبضة الميليشيات على تفاصيل الحياة العامة، مما أدّى إلى تراجع مشاركة المرأة في المجال العام، وإضعاف المُكتسبات التي حصلت عليها من قَبْل. لكني وبشكل عام واثقة من قدرة المرأة اليمنية على تجاوز هذه الحالة، وعبور هذه المرحلة بكل إقتدار بمشاركة أخيها الرجل.
swissinfo.ch: نرى اليوم تحالفاً هشاً بين العديد من الفصائل المسلحة المختلفة في اليمن – بينها حتى أنصار الشريعة والقاعدة – والتي لا يَجمعها سوى قتال الحوثيين وأنصار علي عبد الله صالح. كيف ستتعامل هذه الفصائل مع بعضها البعض بعد أن تهدأ طبول الحرب؟
توكل كرمان: إلى حَد الآن، لا تستهدف العمليات التي تقوم بها تنظيمات أنصار الشريعة والقاعدة سوى الحكومة الشرعية والرئيس هادي. عندما كان الرئيس هادي في صنعاء كان هناك عمليات للقاعدة في صنعاء، وعندما انتقل إلى عدن، انتقلت عمليات القاعدة إلى عدن، وهذا ليس من قبيل الصدفة في إعتقادي.
عندما تنتهي الحرب، سوف تكتشفين ويكتشف العالم بِرُمَّتِه الحَجم الحقيقي للقاعدة وأنصار الشريعة. هناك تضخيم مبالغ فيه، وهناك استغلال لاسم القاعدة في عمليات يقوم بها نظام المخلوع ضد خصومه.
يمكنني القول ان كلا من القاعدة وميليشيات الحوثي هي أدوات بيد علي صالح للانقلاب على العملية الانتقالية. فهؤلاء إذن هم الشركاء في الهدف كما يجمعهم مُحرك واحد.
swissinfo.ch:ألا ترَين أن اليمن قد لا يرى السلام الفعلي لسنوات مُقبِلة حتى مع توصل الأطراف الرئيسية المُتنازِعة حالياً إلى اتفاق سلام؟
توكل كرمان: ينبغي التوصل الى اتفاق سلام مُستدام يمنع عودة القتال مُجدداً. ومن أجل ذلك، يجب إنهاء الإجراءات الإنقلابية والعودة الى ما سبق أن إتفق عليه اليمنيون في العملية الانتقالية قبل الانقلاب عليها، ثم الاستفتاء على مسودة الدستور وإجراء الانتخابات المُختلفة بناءً عليه.
كما يجب أن تصبح الدولة المُمَثلة بالسلطة الإنتقالية للرئيس هادي وحكومته صاحبة الحق الحَصري في إمتلاك السلاح ومزاولة السيادة على كامل التراب الوطني. وهذا يقتضي تسليم كافة الميليشيا والجماعات المسلحة لأسلحتها وتحولها إلى أحزاب سياسية تشارك في العملية السياسية عَبر الإنتخابات ودون اللجوء للعنف. فضلاً عن ذلك، يجب العمل على تحقيق عدالة انتقالية، فلا سلام دون عدالة ترتكز على جَبر الضرر وتعويض الضحايا، ومُحاكمة القادة والمتورطين في ارتكاب الجرائم والمجازر، واتخاذ كافة الاجراءات الكفيلة بعدم تكرار الجرائم.
swissinfo.ch: كيف ترين الموقف السياسي السويسري من الحرب ضد اليمن؟ وهل من رسالة توجهينها للحكومة السويسرية بهذا الشأن؟
الموقف العالمي من الانقلاب واضح، فجميع دول العالم لا تعترف إلّا بالرئيس هادي وحكومته المدعومة بقرارت دولية رَفَضَت هذا الانقلاب وأدانته ودَعَت الى التراجُع عنه. ولا يختلف موقف الحكومة السويسرية عن الموقف العالمي، وهو يُعارض استخدام القوة والقهر للاستيلاء على مؤسسات الدولة وغزو المُدُن وفَرْض السيطرة بالقوة كما فعلت ميليشيا الحوثي.
وحسب توقعاتي، تريد سويسرا وقف هذه الحرب والتوجه لبناء سلام مُستدام ينتهي باستئناف العملية السياسية، ونَزْع سلاح الميليشيات. وأرى أن بإمكان الحكومة السويسرية دَعم اليمن من خلال مساعدتها في تجميد أرصدة علي عبد الله صالح وأقاربه ومساعديه، وإعادة تلك الاموال التي استولوا عليها بطرق غير مشروعة للسلطة الشرعية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.