انتخابات آمنة في زمن الجائحة: التصويت بالبريد يزداد شعبية
على الرغم من الاعتراضات يصوت الأمريكيّون والأمريكيّات هذا العام أكثر من أي وقت مضى بواسطة البريد. أزمة كورونا تساعد على ذلك: الذهاب إلى صناديق الاقتراع يشكل مخاطرة؛ والمخرج في كل العالم هو التصويت عن بعد. ذلك ما يشير إليه العرض الذي نقدمه هنا.
من المؤكد اليوم أن عام 2020 سيُسجَّل في التاريخ على أنه عام نشط جداً عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية، وذلك بسبب الجائحة العالمية، أو ربما بالضبط على الرغم منها أيضًا، فلقد اهتزّ ميزان القوى في بلدان عديدة، ما يؤثر على صناديق الاقتراع، كما يؤثر على الشوارع التي شهدت حركات احتجاجية في العديد من البلدان ذات النظم الاستبدادية.
ومن المثير للغاية أن نلاحظ كيف تؤثر القيود التي فرضتها الجائحة على سير الديموقراطيات، وبأي إجراءات يمكن تشجيع المواطنين والمواطنات على المشاركة في عملية تشكيل الرأي وفي الانتخابات والاقتراعات.
من الواضح أن المشاركة التقليدية في المراكز الانتخابية تكون في زمن “التباعد الاجتماعي” و”الحجر المنزلي” أكثر صعوبة من المعتاد، فتطبيق إجراءات الوقاية في غرف الصناديق الضيقة غالبًا ما يكون صعبًا، ومجموعات السكان المعرضة للخطر تفضل البقاء في المنزل.
إذاً كيف تتعامل الدول المختلفة مع هذه التحديات؟ نلقي هنا نظرة على ما يتوفر من إحصاءات وأمثلة محددة وملموسة في هذا السياق.
المشاركة الانتخابية منخفضة، ولكن ليس في كل مكان
يقدم الرسم البياني أدناه نظرة عامة توضح مدى التباين بين المشاركة في الانتخابات الوطنية التي أجريت منذ تفشي الجائحة، وتلك التي أجريت في السنوات السابقة.
في غالبية هذه الانتخابات نلاحظ انخفاضاً في المشاركة عن المعتاد، ولكن ليس في كل مكان على الإطلاق، حيث شهدت بعض البلدان بوضوح مشاركة أعلى من السنوات السابقة، فما الذي أدى إلى ذلك؟
متى وماذا وكيف: أسئلة حاسمة.
حدد المعهد الدولي للديموقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA)، وهي منظمة دولية لتشجيع الديموقراطية مقرها في ستوكهولم، ثلاثة عوامل تساعد على مشاركة انتخابية عالية في ظل الظروف الحالية أيضًا.
- توقيت الاقتراع: ذلك يعلله مثلاً إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع بشكل كبير في سلوفاكيا، وتوغو، وإسرائيل. لقد جرت الانتخابات في هذه البلدان في بداية الوباء تمامًا، عندما لم تكن، أو تكاد لا تكون فيها حالات معروفة من مرض كوفيد-19.
- البيئة السياسية للتصويت: لعب هذا العامل دورًا مهمًّا في انتخابات الجبل الأسود وبولندا. في المرحلة التمهيدية كان شعبا البلدين ينظران للعملية الانتخابية على أنها مهمة جدّاً، وقد جرى في العمليتين تنافس شديد، مما كان له تأثير إيجابي على إقبال الناخبين.
- الإجراء العملي للانتخابات: من المهم جدّاً في حالة الوباء تقليل مخاطر العدوى خلال العملية الانتخابية. في هذا الاطار تعتبر الانتخابات البرلمانية في كوريا الجنوبية، والتي أجريت في أبريل، مثالية. فبينما أجّلت بعض الدول انتخاباتها في هذه المرحلة حققت كوريا الجنوبية مشاركة قياسية عالية.
مثال كوريا الجنوبية
سجلت كوريا الجنوبية هذا النجاح بفضل مزيج من الإجراءات الملموسة. قبل الوباء لم تكن تسمح السلطات الكورية إلاّ لمجموعة محدودة جدًّا بالمشاركة في الانتخابات والاقتراعات بواسطة البريد، وذلك فقط في حال سجّل الشخص اسمه لدى السلطات في وقتٍ مبكر. وقد تم تسهيل الأمر جداً من أجل هذه الانتخابات وجرى توسيع المعايير إلى حدٍّ كبير لتشمل مثلاً المرضى الراقدين في المستشفيات والأشخاص المنعزلين أو في الحجر.
بالإضافة إلى ذلك أتاحت السلطات موعدين إضافيين للتصويت المبكّر وبذلت جهداً لتطبيق تدابير وقائية صارمة في مراكز الاقتراع. ولكي لا يقع الناخبون في ارتباك جرّاء تلك التغييرات أعطت السلطات أهمية كبيرة لسلوك شفاف وتبادل المعلومات مع السكان.
وصحت الحسابات، فقد وصلت المشاركة الانتخابية إلى مستويات قياسية، حيث بلغت 13 نقطة مئوية فوق المعدل الوسطي للعقد الماضي.
مشاركة قياسية في سويسرا أيضًا
في سويسرا أيضًا شارك في الاقتراع العام الأخير الذي جرى في نهاية سبتمبر ما يقارب من 60% من الذين يحق لهم المشاركة في الاستفتاءات. تلك هي خامس أعلى مشاركة تصويت في سويسرا منذ إدخال حق التصويت والاقتراع العام للرجال والنساء قبل خمسين عامًا. وفي ذلك وقد لعبت العوامل الثلاثة التي حددها المعهد الدولي للديموقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA) دوراً في ذلك.
التوقيت: في سبتمبر بدت الجائحة في التصور العام في سويسرا أنها نوعًا ما تحت السيطرة، فعلى الرغم من نداءات التحذير التي أطلقها الخبراء كان الشعب في حالة ارتياح نسبي.
المحتوى والسياق: لأن تصويتات الربيع قد أُلغيت بسبب الجائحة، فقد كان هنالك خمسة مقترحات مطروحة للتصويت؛ البعض منها مثير للجدل بشكل كبير.
التصويت دون خطر العدوى: التصويت بواسطة البريد في سويسرا مقبول ومنتشر بشكل واسع حيث يُقدَّر أنَّ 90% من الأصوات تصل عن طريق الرسائل البريدية. في سبتمبر بلغت النسبة في الكثير من الكانتونات أكثر من 95%. ذلك لأن بعضها نصح صراحةً بالتصويت عبر البريد.
المزيد
كيف تتعامل الدولة الأكثر اقتراعًا في العالم مع التصويت عبر البريد
التصويت بالبريد: بديل مرحّبٌ به ولكنه ليس وسيلةً خارقة
هل تصح المعادلة إذاً: إمكانية أوسع للتصويت بالبريد خلال كورونا تؤدي إلى مشاركة عالية في التصويت؟ نعم ولا في الوقت نفسه.
خارج سويسرا أيضًا، يُسجَّل اتجاه متزايد نحو التصويت بالبريد. على سبيل المثال في ولاية بايرن الألمانية،
فبينما كان باستطاعة الناخبين في الدورة الانتخابية الأولى في مارس أن يختاروا بين الذهاب إلى المراكز الانتخابية وبين التصويت بالبريد، قررت السلطات في الدورة الثانية خلال الجائحة أن تُجرى عملية التصويت كاملةً بالبريد. ونتيجة لذلك، كانت نسبة المشاركة في الاقتراع الثاني تساوي 59.5٪ وهي أعلى بقليل مما كانت عليه في الجولة الأولى حيث بلغت 58.8٪.
في مدينة فيينّا النمساوية تبدو الصورة مختلفة، فعلى الرغم من الإمكانيات الواسعة للتصويت بالبريد كانت نسبة المشاركة في انتخابات الحادي عشر من أكتوبر متدنية بحوالي 10% عما كانت عليه قبل خمس سنوات. ومع ذلك فقد كان الطلب على وثائق التصويت بالبريد مضاعفًا عما كان عليه في العام 2015. لكن في الواقع تشير الأبحاث إلى أن بعض الناخبين والناخبات لم يشاركوا في الانتخاب لأسباب سياسية وليس بسبب الجائحة.
يقول بيتر وولف، الذي يراقب الانتخابات لصالح المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA): “إن القصة الآخذة في البروز هي أنّ التصويت بالبريد، عندما يكون متاحًا، يزداد أهمية ويسجل نمواً كبيراً، وذلك بغض النظر عما إذا كانت المشاركة الانتخابية بالإجمال ترتفع أو تتدنى. هذا بالضبط ما يمكن متابعته يوميًّا في هذه الأيام الأخيرة قبل الانتخابات الأمريكية، فلم يسبق على الإطلاق أن ثابر هذا القدر من الأمريكيين والأمريكيات على التصويت عبر البريد كما يفعلون هذا العام.”
المزيد
نادرا ما يكون التصويت عن طريق البريد سهلا.. لماذا؟
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.