“لابد من إعادة النظر في تشكيلة الحكومة الفدرالية وطريقة انتخابها”
قد يبدو الفشل في انتخاب مرشحة حزب الخضر لعضوية الحكومة الفدرالية وكأنه تجاهل لإرادة الشعب، مع أنه يتماشى تماما مع تاريخ الحكومة السويسرية، بحسب استنتاج المحلّل السياسي نيناد ستويانوفيتش، الذي يرى ضرورة تغيير آلية انتخاب الحكومة.
القصر الفدرالي لم يأت بجديد.. فقد أعاد البرلمان الفدرالي يوم الأربعاء 11 ديسمبر 2019 انتخاب نفس أعضاء الحكومة السبعة. فعلى الرغم من التقدم الواضح لحزب الخضر، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 20 أكتوبر 2019، على حساب الأحزاب التقليدية، إلا أن المؤسسة التشريعية، على حدّ قول نيناد ستويانوفيتشرابط خارجي الأستاذ في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جنيف، آثرت الاستمرار على نفس النهج.
swissinfo.ch: كما كان متوقعا، أعيد انتخاب أعضاء الحكومة الفدرالية جميعهم. هل اكتنفت الانتخابات أية مفاجآت؟
نيناد ستويانوفيتش: ما حدث كان متوقعا من قَبل أن تبدأ الانتخابات، ولو نظرنا إلى العقود الأخيرة، لاستغربنا من حجم الأصوات، غير المتوقع، الذي كان يحصل عليه الوزراء المنتهية ولايتهم، بيد أننا لا نتحدّث عن أرقام مهولة.
swissinfo.ch: مع كون حزب الخضر الفائز الأكبر في الانتخابات الفدرالية التي جرت في أكتوبر الماضي، إلا أن مرشحته للحكومة الفدرالية، ريغولا ريتْس، لم تحصل على أغلبية برلمانية، وبقي الحزب مستبعدا من الحكومة. أليس في هذا تناقض؟
نيناد ستويانوفيتش: بالتأكيد قد تُفسَّر النتيجة على أنها تجاهل للإرادة الشعبية، ولكنه نهج لا يتعارض مع تاريخ التوافق وانتخاب الحكومة السويسرية.
فنحن نعلم تاريخيا بأن ما يصدر عن صناديق الاقتراع لا يترجم، تلقائيًا وفوريًا، على مستوى تشكيل الحكومة الفدرالية، ويكفي أن نتذكر ما حصل مع حزب الشعب السويسري (يمين محافظ)، حيث لم يقرّ البرلمان الفدرالي مقعدا حكوميا ثانيا للحزب إلا بعد سنوات، حين صوّت لصالح كريستوف بلوخر، وبفارق ضئيل في عدد الأصوات.
الحكومة السويسرية الجديدة هي الأقل تمثيلا
أعاد البرلمان، يوم الأربعاء 11 ديسمبر 2019، انتخاب أقل الحكومات تمثيلا للقوة الانتخابية للأحزاب منذ عام 1959 حينما تم اعتماد المعادلة السحرية، وهذا يعني حرمان نحو ثلث المواطنين الذين صوتوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة من أن يكون لحزبهم وزير يمثلهم في التشكيلة الحكومية.
بمعنى آخر، أنه لا يزال مَتَعيّنا على 13,2٪ من الناخبين، أي الذين صوتوا لصالح حزب الخضر، الانتظار لكي يروا أول وزير (ة) فدرالي (ة) ينتمي لحزبهم، وهذه هي المرة الأولى، منذ عام 1959، التي لا يحظى فيها حزب حاصل على أكثر من 10٪ من الأصوات بتمثيل داخل السلطة التنفيذية الفدرالية.
المصدر: وكالة الأنباء السويسرية ATS-Keystone
swissinfo.ch: إينياتسيو كاسّيس، هو الوزير الوحيد المتحدث باللغة الإيطالية في الحكومة الفدرالية، وقد أعيد انتخابه بأقل عدد من الأصوات.. أوَ كأنه يسدد فاتورة الطريقة التي يمارس فيها السياسة والتي غالبا ما كانت موضع نقد؟
نيناد ستويانوفيتش: لكل شيء بداية: ولا يُستغرب أن يحصل وزير فدرالي على عدد قليل من الأصوات عند إعادة انتخابه لأول مرة، ففي عام 1999، حصل باسكال كوشبان، بعد عام من انتخابه، على عدد أصوات أقل من تلك التي حصل عليها إينياتسيو كاسّيس.
ومن ثم، لم تكن نتيجة كاسّيس فقط بسبب التنازع مع الخضر على مقعده، بل إن الوزير يدفع أيضا كلفة قراراته السياسية، وأسلوبه في التعامل الذي لم يعجب تيار اليسار بالدرجة الأولى، كما حصل في قضية (شركة) غلينْكور.
“في سويسرا، يُحسب حساب للأفراد حساب وليس للأحزاب”
swissinfo.ch: يحتفظ اليمين بغالبية في الحكومة السويسرية، بينما تحوّل البرلمان إلى اليسار، فهل يُمكن أن يعيق ذلك السياسة الفدرالية؟
نيناد ستويانوفيتش: لا أعتقد ذلك، ففي سويسرا، بقيت الحكومة على ما كانت عليه، وتحوّل البرلمان نحو اليسار قليلا، ولكن من دون أن تكون لليسار أغلبية، بالنظر إلى الكيفية التي يصوت بها الحزب الديمقراطي المسيحي (وسط)، فالأجدر أن نقول إنه برلمان يمين الوسط، وتبعا للمواضيع تختلف التحالفات داخل البرلمان، فهناك على سبيل المثال تحالف بين الوسط واليمين بخصوص قضية الطائرات المقاتلة، وتحالف غير معتاد بين حزب الشعب السويسري والاشتراكيين بخصوص ميزانية الجيش.
وفي سويسرا، يوجد اعتبار للأشخاص وليس فقط للأحزاب، ففي عهد ديديي بوركالتر، الذي كان أقرب قليلا إلى اليسار من خلفه كاسّيس، كانت الأغلبية في الحكومة الفدرالية تبدو، بشأن بعض المسائل، وكأنها للوسط أو لليسار، في حين كان اليمين يحظى بالأغلبية في البرلمان.
swissinfo.ch: من واقع نتائج الانتخابات البرلمانية والحكومية، هل لا يزال من مبرر لوجود ما يسمى بالمعادلة السحرية، وقد أتاحت لكل من الأحزاب الرئيسية الثلاثة مقعدين حكوميين، وللحزب الرابع مقعدا واحدا فقط؟
نيناد ستويانوفيتش: المعادلة السحرية، كما عرفناها منذ عام 1959، لم تعد موجودة منذ عام 2003، حين خسر الحزب الديمقراطي المسيحي مقعده الثاني، وبانتخاب غي بارمولان في عام 2015، استقر لحزب الشعب السويسري مقعده الثاني، وصارت لدينا معادلة سحرية جديدة، تمكنت اليوم من الصمود أمام هجوم الخضر، ولكن من السابق لأوانه القول بأنها ستستمر مستقبلا.
بيد أن أهم ما في هذه الانتخابات أنها أكدت على ضرورة إعادة النظر في هيكل الحكومة وطريقة انتخابها، فهناك من يقترح تحديد عضوية الحكومة بدورتين تشريعيتين، من أجل إتاحة الفرصة للتغيير، ومن يقترح زيادة عدد الوزراء إلى تسعة، لأن الاقتصار على سبعة مقاعد وزارية لا يسمح بمراعاة نتائج الانتخابات الفدرالية ولا بتمثيل المناطق اللغوية والنساء في السلطة التنفيذية الوطنية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.