انتخابات في ظلّ مراقبة دوليّة مكثفّة
منذ شهر جويلية الفارط قدمت لتونس وفود رسمية من عديد الدول والمنظمّات الدوليّة، لغاية تأمين مهمّة ملاحظة الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة، وسيتولى هؤلاء مراقبة الحملة الانتخابيّة والمترشّحين ومراكز ومكاتب الاقتراع والإعلان عن النتائج والطعون إلى حدود الإعلان عن النتائج النهائيّة للانتخابات التشريعيّة والانتخابات الرئاسيّة السابقة لأوانها.
كانت swissinfo.ch على عيْن المكان، وقامت برصد عمل كلٍّ من مركز “كارتر” وبعثة الاتّحاد الأوروبي لملاحظة الانتخابات.
بعثة الاتحاد الأوروبي
حلّت بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس منذ الثالث و العشرين من شهر أوت المنقضي وتكوّنت من خبراء في مجال الانتخابات وملاحظين على المدى الطويل وملاحظين آخرين للحملة الانتخابية وملاحظين ليوم الاقتراع، ومن بينهم أيضا حوالي 30 ديبلوماسيا من البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومن سويسرا وكندا إلى جانب بعثة أخرى من أعضاء البرلمان الأوروبي بالنسبة للانتخابات التشريعية.
هذه البعثة كانت شديدة التحفظ، اذ رفضت تمكيننا من التّحدث مع أيٍّ من ملاحظيها الذين يناهز عددهم المائة ملاحظ أوروبي والذين تمّت دعوتهم من طرف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ومن الحكومة التونسية، مكتفية بمدِّنا بتقريرها التي أصدرته عقب الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى و بياناتها الصّحفيّة. وخلال الندوة التي عقدتها، أشار رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي للملاحظين فابيو كاستالدو إلى أنّ “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قامت بالتحضيرات بطريقة ناجعة، وذلك بالرّغم من التقليص في الروزنامة الانتخابية الذي فرضته الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، إلا أن المشاركة الشعبية في تراجع”. وأضاف أنّ ” هذا الدّور الأول يعتبر مرحلة أخرى في بناء الديمقراطية التونسية التي تفرض نفسها كمثال في المنطقة”.
من أهم الملاحظات التي صدرت بتقرير بعثة الاتحاد الأوروبي للملاحظين ما يلي:
– غطت وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة الحملة بطريقة واسعة. وقد استجاب تنظيم أول مناظرات تلفزية في تاريخ البلاد إلى جزء من تطلعات المواطنين في الحصول على المعلومة.
– لم يتم احترام منع الحملات الانتخابية على وسائل الاعلام المسموعة والمرئية غير المرخّص لها. واتسم النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الحملة باللجوء المكثف الى المعلومات المغلوطة. علاوة على ذلك، أدى غياب إطار قانوني ملائم لرصد الحملة على الانترنت إلى نقص في شفافية تمويل الحملات على مواقع التواصل الاجتماعية.
– آلية مراقبة الحسابات البنكية الخاصة بالحملة الانتخابية لا تضمن تكافؤ الفرص بين المترشحين، بحكم أنها آلية بطيئة للغاية. إضافة إلى ذلك، فإن تقليص آجال الطعون التي فرضها التعديل الأخير للقانون الانتخابي بهدف احترام الآجال الدستورية على إثر وفاة الرئيس السبسي، قد يؤثر على الحق في ممارسة طعن فعاّل.
– سجّلت البعثة أنّ السلطات القضائية المعنيّة لم تتّخذ التدابير اللازمة لكافة المترشّحين حتى يتسنى لهم القيام بحملة انتخابية في كنف احترام مبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في القانون التونسي.
وفي بلاغ لها، صدر يوم 03 أكتوبر 2019 جدّدت بعثة الاتحاد الأوروبي لملاحظة الانتخابات بتونس تأكيدها على أهمّية احترام مبدأ تكافؤ الفرص بين المترشّحين للانتخابات الرّئاسيّة ودعت إلى حملة انتخابيّة شفّافة وخالية من التّوتّر ومن المعلومات المغلوطة.
مركز كارتر
أمّا فيما يخصّ مركز “كارتر” فقد تلقّى هو بدوره دعوة واعتمادا رسمييّن من قبل الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات لمراقبة الانتخابات في تونس. في هذا الإطار، نشر مركز كارتر فريقًا مركزيّا من الخبراء في ماي 2019. وفي منتصف جويلية، قام المركز بالتعاون مع المعهد الانتخابي للديمقراطية المستدامة في أفريقيا بنشر 16 ملاحظا على المدى الطّويل. إذ يمثل الفريق المركزي والملاحظون على المدى الطّويل 18 دولة مختلفة.
من جهته، قام مركز كارتر بنشر تقريره عقب الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى، وجاء محمّلا بجملة من الاستنتاجات، من أهمّها:
– الإطار القانوني: يمكن العمل على تطوير بعض جوانب الإطار القانوني للانتخابات، ويشمل ذلك إرساء جداول زمنيّة ثابتة ومناسبة لمختلف مراحل العملية الانتخابية. تخضع الأحكام القانونية التي تضبط الحملة الانتخابية، بما فيها الأحكام المتعلّقة بالإشهار والمعلّقات الدّعائية، لعدد من القيود، ويجد المترشّحون عُسرا في التقيّد بها تقيّدا تامّا، الأمر الذي يشجّع على انتهاكها.
– إدارة الانتخابات: على الرغم من التحدّي المتمثل في وجود مناصب شاغرة داخل الهيئة، لا سّيما في قسم الشؤون القانونية وقسم التدريب، فقد أجرت الهيئة الانتخابات بكفاءة في ظلّ جدول زمني مضغوط. ولكنّها مع ذلك فشلت في إدارة اتصالاتها العامة بطريقة متناسقة، كما أدلى أعضاء مكتبها التنفيذي في بعض الحين بتصريحات متناقضة.
– تقديم الترشحات: قام موظّفو الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات بتطبيق إجراءات تلقي الترشحات بطريقة مهنية في الآجال المحدّدة. تقدّم 97 مترشّحا بملفّاتهم، قبلت منها الهيئة 26 مطلب ترشّح ورفضت منها 71مطلبا شمل بعضها تزكيات مزوّرة. تمّ استجواب بعض المترشحين لاستخدامهم موافقات احتيالية. لم تلتزم الهيئة بالشفافيّة التامّة في الإفصاح عن أسباب رفض المترشّحين. ونشرت الهيئة قائمة المترشّحين النّهائيّة في 31 أوت، أي قبل يومين من بدء الحملة الانتخابيّة.
– مناخ الحملة الانتخابيّة: أفاد الملاحظون على المدى الطويل التّابعون لبعثة مركز كارتر لملاحظة الانتخابات أن المناخ إيجابي ولا يوجد توتر بين أهم الأحزاب السّياسية في مختلف المناطق في البلاد حتّى حين تمّ تنظيم حملات متزامنة في بعض المناطق. كما انّه لم تسجّل أيّة حوادث أمنيّة تذكر. وفي تطوّر غير مسبوق في البلد وفي المنطقة، شارك المترشّحون في مناظرات تلفزيونية مباشرة، شاهدها ما يقارب نصف النّاخبين المسجّلين في البلاد وتم بثّها في المنطقة العربية.
– تمويل الحملة: يتمّ توزيع التّمويل العمومي بالتّساوي بين المترشّحين على أساس عدد النّاخبين على المستوى الوطني. على الرغم من التّرفيع في سقف الإنفاق على الحملات الانتخابيّة بعد انتخابات سنة 2014، لا تزال الأطراف المعنيّة بالشأن الانتخابي تعتبره منخفضًا، مما شجّع المترشّحين على تجاوز الحدّ الأقصى للإنفاق وعدم التّصريح عن النّفقات بالكامل.
ولمزيد فهم طريقة عمل الملاحظين الدوليّين، كان لنا لقاء خاصّ مع الملاحظة الدوليّة التّابعة لمركز كارتر، السيّدة “أنيترا جانكافيفا”، من جمهورية لاتفيا.
قالت الملاحظة الدولية “قدمت لتونس منذ الثامن عشر من شهر جويلية المنقضي، مهمتي تتمثل في ملاحظة كل ما يتصل بسير الانتخابات في تونس ـ الرئاسية والتشريعية ـ و تمت دعوتنا من طرف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، عملنا ينتهي مع انتهاء الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية والإعلان عن النتائج النهائية (بعد النظر في الطعون المقدمة).
هدفنا هو تقديم مساهمة إيجابية للمسار الانتخابي دون أن نتدخل في مجرى الانتخابات. فالمواطنون التونسيون هم فقط الذين بإمكانهم تحديد مصداقيّة المسار الانتخابي ومشروعيّته. إذ لا يحقّ لنا نحن كملاحظين الادلاء برأينا حول نتائج الانتخابات”.
العمل الميداني للملاحظين
وعن كيفيّة عملهم أفادتنا أنيترا أنّه: “يوجد 8 فرق ممثلة لل “كارتر سنتر” في هذه المهمة، كل فريق يتكون من: ملاحظيْن، ومساعد ملاحظ وسائق. اذ نقوم بمراقبة عمل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، والمترشّحين، ووسائل الاعلام وكلّ ما له علاقة بسير الانتخابات. في آخر كلّ أسبوع نقدّم تقريرنا لفريق مختصّ، متكوّن من: رئيس ملاحظين مساعد، ومحلّل في المجال الانتخابي، ومحلّل في المجال القانوني، ومحلّل في المجال السياسي، ومحلّل في المجال الإعلامي، ومحلّل للبيانات ومنسّق الملاحظين. هؤلاء الخبراء سيقومون بالنّظر الى مجموعة الملاحظات التي نقدّمها ومن ثمّة تحرير التقرير النهائي وهو عبارة عن تقييم محايد حول كيفيّة سير العمليّة الانتخابيّة بشكل عامّ، إذ يقيّم مركز كارتر العمليّة الانتخابية في تونس في مدى تلائمها مع الدستور التونسي والإطار القانوني الوطني للانتخابات والالتزامات الناشئة عن المعاهدات الدولية ومعايير الانتخابات الدولية. وتتم مهمة ملاحظة الانتخابات للمركز وفقًا لإعلان مبادئ المراقبة الدولية للانتخابات”.
سألنا أنيترا عن عملها خلال يوم الاقتراع، فأجابت قائلة:
“يجب علينا نحن الملاحظين الحضور قبل نصف ساعة من توقيت فتح مكتب الاقتراع والتّثبت من مدى احترام إجراءات فتح المكتب وجاهزيته. ثمّ أثناء عملية الاقتراع يجب علينا التثبت من حمل المتواجدين داخل المكتب لشارات تدل على صفتهم إلى جانب مراحل عملية الانتخاب و التجاوزات التي يمكن أن تحدث ومدى وجود عمليات تزوير في عملية الاقتراع.
اثر عملية الاقتراع نقزم بالتثبّت من توقيت غلق المكاتب ومدى تواصل عملية التصويت بعد غلق مكاتب الاقتراع وكذلك مدى حسن غلق صندوق الاقتراع و احتساب عدد الناخبين المقترعين، و احتساب عدد أوراق الاقتراع التي لم يقع استعمالها و تأمين أوراق الاقتراع التي لم يقع استعمالها.
في مرحلة أخرى، و مع بداية عملية الفرز و إعلان النتائج يجب علينا التثبت من صفة الأشخاص المتواجدين بمكاتب الفرز، و مدى تواجد الملاحظين الدوليين و مدى وجود أشخاص غير مرخص لهم في التواجد، و إن كان هناك أشخاص من غير المكلفين بعملية الفرز. كما أنّه يتعيّن علينا التأكد من عدم وجود حالات منع للملاحظين أو لممثلي القائمات أو للصحفيين أو المعتمدين من متابعة عملية الاقتراع والفرز، عندها يمكننا المرور مباشرة إلى عملية الفرز ومدى سلامة صندوق الاقتراع وحياد المشاركين في عملية الفرز ومدى تطابق عملية الفرز مع القوانين.
أمّا خلال نقل الصناديق إلى مراكز التجميع، يجب علينا متابعة مراحل النقل وعملية تأمينها والتمعّن في عملية جمع النتائج وكيفية التصريح بالنتائج الأولية وشفافيتها”.
وفي نهاية حوارنا مع السيّدة أنيترا، أكّدت لنا أنّ مهمّتها ستتواصل الى حدود انتهاء الانتخابات التشريعية والرئاسية في دورتها الثانية.
في الختام يجدر الإشارة الى أنّ الحضور المكثّف للبعثات الدولية من مراقبين ووسائل الاعلام الأجنبية والديبلوماسيين، يعكس الاهتمام الدولي بالمسار الديمقراطي الذي تشهده تونس، من خلال حرص كل الأطراف الوطنيّة على إنجاح هذه المرحلة الانتخابية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.