“ثم يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي تجاهل الدولة تماماً”
بينما تجاهد الديمقراطيات الراسخة على مستوى العالم في كيفية التعامل مع إمكانات وتحديات الإنترنت، فإن الأدوات الرقمية تعتبر جزءً من الحياة الديمقراطية اليومية في تايوان. فيما يلي حوار swissinfo.ch مع أودري تانغ، وزيرة الرقمنة بتايوان.
منقطعة عن التعليم، وقرصانة حاسوبية، وأول وزيرة متحولة جنسياً على مستوى العالم: هذه هي أودري تانغ. وبصفتها وزيرة للرقمنة، فإنها تحمل على عاتقها تحويل تايوان إلى ديمقراطية رقمية نموذجية. فعلى أقصى تقدير منذ أن تمكنت هذه الدولة الجزرية الصغيرة من السيطرة على جائحة فيروس كورونا باقتدار وبصورة لا مثيل لها في أي دولة أخرى، أصبحت تانغ متواجدة في جميع وسائل الإعلام العالمية.
إنها لا تعمل للحكومة، بل مع الحكومة، على حد قولها. وهي لا ترأس وزارة كبيرة ذات ميزانية وموظفين، بل ترى نفسها حلقة اتصال بين الحكومة والناخبين وبينها وبين الناشطين من كلا الجنسين.
جدير بالذكر أن الصين لا تزال تعتبر هذه الدولة ذات الـ 23 مليون نسمة، جزءً من الأراضي الصينية، كما كانت من قبل. وهناك عدد قليل من الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان ـ ليس من بينهم سويسرا. وتحت هذا الضغط تحولت تايوان إلى ديمقراطية نموذجية: وفي أحدث تصنيف للديمقراطيات أجرته مجلة “ذا إيكونوميست” جاءت تايوان في مرتبة سابقة لسويسرا بقليل. وتلعب الأنماط المبتكرة للمشاركة الإلكترونية دوراً هاماً في هذا الشأن.
سلسلة SWI swissinfo.ch الخاصة بحرية التعبير #freedomofexpression
من حيث المبدأ، يجب أن يكون كل شيء واضحًا تمامًا. تنص المادة 19 من كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) وميثاق الأمم المتحدة الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) على أن “لكل فرد الحق في حرية التعبير. يشمل هذا الحق حرية البحث عن المعلومات والأفكار بجميع أنواعها وتلقيها ونقلها، بغض النظر عن الحدود، سواء شفهيًا أو كتابيًا أو مطبوعًا أو في شكل فني أو من خلال أي وسائط أخرى يختارها”. في أوروبا، تؤكد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (1950) على حرية التعبير كحق مُلزم قانونًا (المادة 10). أما سويسرا فتكرس هذه الحرية الأساسية في المادة 16 من دستورها لعام 1999.
لكن في الممارسة العملية، لا يزال هناك الكثير من الجدل ومن الأمور المُتنازع عليها. فالعديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم لا تحمي الحق في حرية التعبير ولكنها تقوضه بشكل متزايد. وفي أجزاء أخرى من العالم، يُلوّح أفرادٌ وجماعات بمصطلح “حرية التعبير” لتبرير خطاب الكراهية والتمييز. ولكن بالرغم من كونها حقًا كونيا، إلا أن حرية التعبير ليست حقًا مطلقًا. لذلك فإن التأكد من ذلك وتطبيقه يظل دائما أشبه شيء بالسّير على حبل مشدود.
في سلسلة SWI swissinfo.ch الجديدة، نتناول هذه الجوانب المختلفة، والتحديات، والآراء، والتطورات المتعلقة بحرية التعبير، في كلّ من سويسرا وحول العالم. نحن نوفر منصة للمواطنين للتعبير عن أنفسهم بشأن هذه القضية، وتقديم التحليلات من قبل علماء مشهورين وإبراز التطورات محليًا وعالميًا. وبطبيعة الحال، فإن القراء مدعُوّون للانضمام إلى المحاورة في وقت لاحق من هذا الربيع لإبلاغ آرائهم وإسماع أصواتهم.
swissinfo.ch: في وقتنا الحالي لا ينظر لوسائل التواصل الاجتماعي على أنها مكسب للديمقراطية. بل إننا نتحدث عن مشكلات مثل خطاب الكراهية أو الأخبار المفبركة. فما هي وجهة نظركم من تايوان، هل ترون الأمر بنفس هذا التشاؤم؟
أودري تانغ: إنني لا أفكر كثيراً بمعايير التفاؤل والتشاؤم. بل إنني أفكر بمعيار البنية التحتية الداعمة للمجتمع ولمؤسسات المجتمع المدني، على عكس البنية التحتية المضادة للمجتمع، والموجهة نحو الاقتصاد الخاص.
أما وسائل التواصل الاجتماعي، فسواء كانت مضادة للمجتمع أو داعمة له، فيمكنها أن تظل اجتماعية. تماماً مثل أماكن اللقاء داخل مبنى بلدية، أو في نقاش عام داخل منتزه، أو في محيط أكاديمي، حيث يمكن اللقاء والحديث في السياسة بصورة منظمة. فكلها بنى تحتية عامة.
بل إنه يمكن الحديث في السياسة حتى داخل حانة تتصف بالضوضاء، أو في ملهى ليلي، حيث يضطر المتواجدون للصراخ، كي تُسمع أصواتهم، ومع وجود المشروبات التي تؤدي إلى الإدمان، ووجود حراس خاصين، وهكذا. إن مثل هذا الحديث قد يكون أيضاً في السياسة، لكنه قد يكون غير مفيد للمجتمع.
وكما هو الحال في هذه الفضاءات الحسية، فإن لدينا في الفضاء الرقمي أيضاً إعدادات مختلفة للبنية التحية الاجتماعية. وفي تايوان قامت “حركة زهرة دوار الشمس” بوضع البنية التحتية لتواصلنا، بصورة كثيراً ما تسمى بـ “التطبيق العابر”.
بهذا يمكننا برمجة الفضاءات الرقمية بأنفسنا، حينما تنشأ حاجة للتواصل. فنحن لا نتكيف مع ذلك الجانب غير الاجتماعي لوسائل التواصل الاجتماعي. بل يمكننا تصميم التفاعل بصورة تتماشى مع رغبات المشاركين. وهذا هو الواقع في تايوان منذ مدة طويلة، تمتد إلى 25 عاماً.
إذا ما عدنا لهذه الصورة الخاصة بالملهى الليلي أو المنتزه العام: فداخل أي منتزه عام هناك حاجة إلى بعض الخطوط العامة، التي تحدد كيفية السلوك.
أودري تانغ: إن مبنى البلدية، ليس كأي مبنى آخر، أليس كذلك؟ فمبنى البلدية عبارة عن نظام من القواعد، تتعلق بكيفية الكلام والاستماع بالتبادل. وهذا القواعد ذات أهمية كبرى. فالفكرة التايوانية عن الديمقراطية بصفتها نمط من التكنولوجيا تستوعب هذه القواعد بصورة جيدة جداً. بمعنى أن الأشخاص لا يتظاهرون فقط من منطلق الاحتجاج، حينما يعتقدون أن هناك خلل في العملية الديمقراطية القائمة.
بل إنهم يتظاهرون كي يبينوا أن الأمور يمكن أن تسير بصورة أفضل، تماماً كما يتاح لنا تجربة العديد من التخطيطات الحاسوبية أو التصميمات المختلفة للمنتزهات العامة.
إنني أود أن أؤكد على ما قيل في القرن الماضي مراراً وتكراراً: “لابد من أن يكون المرء متعلماً ليتمكن من المشاركة الديمقراطية.” واليوم نقول: “لابد أن تكون لديك كفاءة لتتمكن من المشاركة في الديمقراطية الرقمية.”
إن الفارق بين الكفاءة والتعليم يتمثل في أن التعليم يتعلق بالتلقي. أما بالنسبة للكفاءة فإن الأمر يتعلق بالمشاركة في التصميم.
كيف يمكن تحقيق مثل هذه الكفاءة؟
أودري تانغ: بدلاً من أن نقول لشخص حديث السن: “يجب أن تصبح راشداً، كي تشارك في الديمقراطية”، فإننا نقول: “لا، استمروا وأطلقوا مبادرات المواطنين الخاصة بكم.” فأكثر من ربع مبادرات المواطنين هي منصات ديمقراطية، قد أطلقها شباب دون سن الثامنة عشرة، والتي كانت ذات فاعلية عالية جداً، مثل منع الشفاطات البلاستيكية في مشروبنا الوطني، شاي الفقاعات.
ولكن الشيء الهام هو التعلم طوال الحياة، والتضامن بين الأجيال، والإرشاد المتبادل، والتأكد من أن الشباب صغير السن يمكنه تحديد الأجندة، حتى يشعروا بأنهم معنيون بالديمقراطية، حتى قبل أن يصبحوا راشدين.
المزيد
الاحتجاجات ضد كورونا في سويسرا: نظريات مؤامرة وحقوق سياسية
ما الذي يحتاجه الأمر حتى لا تصبح وسائل التواصل الاجتماعي التجارية مضادة للمجتمع؟
أودري تانغ: إذا أبدت استعداداً للتعامل بصورة تفيد المجتمع، فإن الكثير من بناها التحتية القائمة قد تصبح إيجابية. أما إذا لم تكن تعمل بصورة مفيدة للمجتمع، فإن عليها أن تعلم أن هذا يواجه في تايوان بعقوبات اجتماعية.
وإن كان لدى الناس بدورهم تصور واضح عما يعتبرونه قاعدة، فإن الشركات الإعلامية متعددة الجنسيات التي تنتهك القواعد، سوف تواجه صعوبات جمة في تحقيق النجاح.
فإذا ما غابت القواعد الاجتماعية الراسخة في مجتمع ما، مثلاً في مجال الشفافية الخاصة بتمويل الحملات الانتخابية، فإن وسائل التواصل الاجتماعي يمكنها بطبيعة الحال تجاهل الدولة هكذا بكل بساطة.
وفي تايوان قامت منظمات المجتمع المدني باحتلال البرلمان حرفياً وطالبت بالشفافية. لقد تجولت حرفياً في مصلحة الرقابة الوطنية للمحاسبات، وأخرجت نسخاً من تقرير نفقات المعركة الانتخابية، ثم قامت بنقل بياناتها عن طريق التعرف البصري للرموز لتصبح بيانات يمكن للحواسيب قراءتها.
وهذه الشفافية المتطرفة التي حصلنا عليها بعد معركة طاحنة، والتي تتعلق بالتمويل السياسي للحملات الانتخابية، قد تحولت إلى قاعدة. لهذا لا يستطيع فيسبوك رفض المطالبة المجتمعية، بتحويل الإعلانات السياسية إلى بيانات علنية متاحة في توقيتها الحقيقي. أما التدخل أو التمويل الأجنبي فهو ممنوع، مثلما هو الحال في تمويل الحملات الانتخابية.
إذن، فإننا لم ندرج قانون خاص بهذا الشأن. بل إن الأمر يستند فقط إلى العقوبات الاجتماعية.
إذا نظرنا إلى مجال مواجهة الأخبار المفبركة، فإنكم تراهنون على شعار “الدعابة تتجاوز الشائعة”: وهناك برنامج حاسوبي يساعد في التعرف على الأخبار المضللة في شبكات التواصل الاجتماعي. إذن فحتى قبل أن تنتشر مثل هذه الأخبار، فإنكم في تايوان توجهون لها رسالتكم الخاصة، والتي تقوم بنشر الخبر الصحيح بطريقة مرحة. والهدف من ذلك هو أن تنتشر الأخبار المضحكة أسرع من انتشار الأخبار المضللة. فضلاً عن ذلك فإنكم تقومون بتكليف من يقوم بمراقبة الأخبار. فهل فهمنا الأمر بصورة صحيحة؟
أودري تانغ: نعم، فمن بين من يراقب الأخبار هناك العديد من التلاميذ والتلميذات. وهذا هو جزء من الكفاءة.
هل هناك أدوات مشابهة، لمواجهة الكراهية في الإنترنت؟
أودري تانغ: يمكن للأشخاص وضع علامة مميزة على المحتويات، كي تتعرف عليها “آلية مكافحة الجائحة المعلوماتية” مثل “منصة لاين”.
فإذا ما وضعت علامة مميزة، فإن اللوحة المعلوماتية على منصة لاين توضح الخبر المتداول، بدون أن تقول إنه خبر مضلل، أو نوع من الغش، أو خطاب كراهية، أو أي شيء آخر. بصورة غاية في الحيادية، وكأن هذه الأخبار سوف تنتشر.
وقد يكون بعض من تلك الأخبار صادقة، وربما نكون قد وجدنا بذلك طريقاً، لتغليف الصحافة الأفضل، بغلاف يحبه الناس (تضحك).
وللإيضاح، فإن ما ينتشر، ليس بالضرورة أن يكون ساماً. أما إذا كان كذلك، فإن التعرف المبكر عليه، يؤدي إلى أن يصبح أثر الدعابة أفضل من أثر الشائعة ـ فالدعابة تتجاوز الشائعة. أما إذا ما انتظرنا ليلة واحدة، فإن الناس سيقومون بالفعل بربط هذا المنتج الثقافي المنتشر بالذاكرة طويلة المدى.
أما إذا ما قمنا في الفترة ذاتها ـ لنقل مثلاً خلال عدة ساعات ـ بنشر إجابة كوميدية، تبعث الناس على مشاركتها مع أصدقائهم، بدون أي نوع من الانتقام أو التمييز أو الثأر، فإن شعور الناس سيكون أفضل. فالمفتاح يكمن إذن في التفاعل المبكر. وأفضل الخطط لا تنجح، إذا ما اضطرت للانتظار لعدة أيام.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.