مصير مركز “رايتشوليه” بأيدي الناخبين
تثير "مدرسة الفروسية" في برن منذ عقدين من الزمن جدلا لا يكاد يتوقف، حيث يقول المعارضون إنها منطقة خارج إطار القانون، فيما يُصر المؤيدون على أنها جوهرة ثقافية، وفي السادس والعشرين من شهر سبتمبر 2010، سيقرر الناخبون في كانتون برن، مرة أخرى، مصير هذا المركز الذي يُدار بشكل مستقل.
ما أن تصل القطارات القادمة من جهة الشرق، وتتقدم ببطء نحو محطة السكة الحديدية الرئيسية في العاصمة الفدرالية برن، حتى تستولي مدرسة الفروسية، التي تشتهر باسم رايتهالي Reithalle وتقع على بعد عشرات الأمتار إلى أسفل خط السكة الحديدية، على أنظار الركاب بمشهدها الحضري المتميّز.
تغطي الرسومات والكتابة جدران مبناه المهيب، الذي لا يزال محتفظا بطرازه الخشبي وأبراجه الصغيرة، وشاهدا على حقبة زمنية ماضية، ويظهر على واجهته شعار الدب التقليدي بلسانه الممدود ومكتوب تحته “1897”، مما يُذكّر بعهد عريق لمضمار سباق الخيل في مدينة برن.
في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وعقب الخروج التدريجي للمستخدمين الأصليين للمكان، استولت عليه في بادئ الأمر مجموعة من الشبان الباحثين عن مقر للثقافة البديلة على إثر موجة الشغب الشبابية العنيفة التي شهدتها مدينة زيورخ في صيف عام 1980، ثم قامت السلطات في عام 1982 بإجلائهم عنها، لكن أعيد احتلالها في وقت لاحق من عام 1987، وتمّ تحويلها كلية إلى واحد من أهم المراكز الحرة في سويسرا.
خامس استفتاء
غير أن عجائب العاصمة السويسرية لا تنقضي، فعلى مدى 23 عاما من وجود هذا المركز البديل، صوّت الناخبون من أهالي برن أربع مرات بخصوص مصيره، ثم إنهم سيُدعون من جديد يوم 26 سبتمبر 2010 للتصويت مرة أخرى لإبداء رأيهم بشأن المبادرة الشعبية التي أطلقها حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) والتي تدعو إلى إغلاق المقر، حيث يرى أصحاب المبادرة بأن مدرسة الفروسية قد أصبحت وكرا خارج القانون للبلطجية ولتجار المخدرات.
الحامل لراية النضال من أجل إغلاق المكان هو رئيس شبيبة حزب الشعب إريك ج هيس، ابن الـ29 عاما الذي يعود أصله إلى منطقة إيمنتال، وهو صاحب اهتمامات ثقافية، موسيقية وتراثية، كجوقة جبال الألب، والأكورديون الشفيتسي واستعراضات حملَة الأعلام.
ومن وجهة نظره ونظر أنصار المبادرة الشعبية، ينبغي أن تباع مدرسة الفروسية لمن يدفع أكثر ثمنا، ومن دون تقييد استغلالها بغرض محدد، وبطبيعة الحال لا يضيرهم أن تتحول إلى بركة سباحة أو إلى مركز تجاري أو إلى مكاتب.
التوترات المحلية
ومن جانبه، يدعم الفرع المحلي للحزب الليبرالي الراديكالي المبادرة، معتبرا نادي الفروسية بمثابة بؤرة تجمّع للأشخاص المثيرين للفوضى والعنف، بينما يرى ريتو ناوزي، رئيس قسم الأمن في مدينة برن، من الحزب الديمقراطي المسيحي، أنه لا تُوجد أسباب تدعو للقلق، وقال في تصريح صحفي: “إن زمان استخدام المتظاهرين العنيفين للمكان قد ولّى منذ أكثر من عامين”، إضافة إلى أن العلاقة بين شرطة برن والقائمين على إدارة المقر “قد تحسنت في السنوات الأخيرة”، حسب تصريحات توم لوشر، عضو الفريق الإعلامي لنادي الفروسية.
ووفقا لماركو جيوني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جنيف، فإن معظم التوترات التي تدور حول المراكز الحرة غالبا ما تكون مؤقتة وترتبط بأوضاع سياسية محلية، “فعلى سبيل المثال، أثار التشدد من جانب السلطات في جنيف توترات حقيقية مع المجموعات التي تحتل المساكن المهجورة ومع الذين يؤسسون لتجمعات بديلة”، على حد قوله.
بشكل عام، مرّت معظم المراكز الحرة التي تُدار بشكل مستقل خلال الثلاثين سنة الماضية بعملية إضفاء الطابع المؤسسي عليها، وتبعا لذلك “أصبحت المخاوف ذات علاقة بالمسائل الإدارية وبعيدة عن التعبئة السياسية”، وفق قول جونيي.
وفي هذا الصدد، ضرب توم لوشر مثالا بالحل المعقّد جدا والذي تم اعتماده في مركز برن: “في حين أنه، قبل عشرين عاما في مدرسة الفروسية، كان كل شخص يتحرك كما يشاء ويعمل ما يحلو له”.
المتعاطون للمخدرات
جونيي ذكّر أيضا أنه حصل تحشيد سياسي في الماضي القريب ضمن إطار هذه المراكز “على إثر ظهور حركة العدالة العالمية في أواخر التسعينات الماضية”، قادت في النصف الأول من بداية الألفية الثالثة إلى مظاهرات مناهضة للمنتدى الإقتصادي العالمي في برن، وانتهت بفوضى منظمة في منطقة “مدرسة الفروسية” الشهيرة بـ “رايتهالي”.
وفي الواقع، ليست الأنشطة السياسية وحدها ما يثير الجدل بشأن تلك المراكز، وإنما هناك من يتهمها بأنها أماكن لتجارة وتعاطي المخدرات، وقد تسبب موت أحد بائعي المخدرات أمام مقر مدرسة الفروسية في شهر أغسطس 2008، بردة فعل كبيرة على مستوى العاصمة الفدرالية.
في ذلك الوقت، تجمّع العشرات من متعاطي الهيروين في ساحة المركز، مما عكس صورة سيئة عن المؤسسة، حسب قول توم لوشر: “لقد تأذينا كثيرا من قرارات مجلس المدينة الذي أطرد المدمنين من مركز المدينة”، على حد قول المتحدث باسم مركز برن للفروسية.
ومن ثم، عبر الحوار المتواصل مع متعاطي المخدرات ووضع اليد على الساحة العامة التي تقع أمام “رايتهالي”، لاسيما بعد افتتاح المقهى وتنظيم عدّة حفلات، أمكن وضع حد للتوتر، وذلك باعتراف السلطات.
زيارات سياحية
في الوقت الحاضر، من غير المتوقع أن تتمكن المبادرة الشعبية التي أطلقها ويروج لها حزب الشعب السويسري من اجتياز اختبار صناديق الإقتراع يوم 26 سبتمبر القادم في المدينة التي تديرها منذ نحو عشرين عاما غالبية يسارية ممثلة بتحالف الطيف السياسي الأحمر والأخضر. ويقول لوشر: “إن مدرسة الفروسية هي مركز ترفيهي حظي باحترام أجيال من أبناء برن”.
وفي انتظار موعد الإستفتاء، تمّ تنظيم عدة زيارات سياحية، بهدف توعية الرأي العام بالعروض الثقافية المختلفة – سينما ومسرح ومكتبة – التي يقدمها المركز، ومن ضمنها “فراون روم Frauenraum”، وهي عبارة عن قاعة للحفلات الموسيقية تُدار حصريا من قبل نساء، وكذلك، “داش ستوك Dachstock” وهي قاعة مخصصة للحفلات الموسيقية، تعدّت شهرتها حدود العاصمة الفدرالية.
المراكز “الحرة” التي “تُدار بشكل مستقل”
تم إنشاء معظم المراكز الحرة في سويسرا خلال حقبة الثمانينات، وذلك في أعقاب الإنتفاضة التي قامت بها شريحة من الشباب السويسري ضد المؤسسة الثقافية البرجوازية في ذلك الوقت.
في صيف عام 1980، اندلعت المظاهرات الأكثر عنفا، في زيورخ، بين الشرطة والشبان الذين كانوا يطالبون بمركز يديرونه بشكل مستقل، مما شكّل نقطة تحول في المسار الثقافي بالمدينة، وفي 25 أكتوبر 1980، تم افتتاح “روت فابريك” (أو المصنع الأحمر)، كأول مركز ثقافي يتمتع بإدارة حرة في المدينة الواقعة على ضفاف نهر ليمات.
بأثر هذا التحول الذي حصل في زيورخ، تمّ افتتاح مراكز تُدار بشكل مستقل وبنفس تحرري في مدن أخرى في سويسرا، كان من بينها مقر نادي الفروسية “رايتشوليه” في برن.
تم تشييد مقر “مدرسة الفروسية” في عام 1897، لكنه تحوّل في وقت لاحق إلى مخازن، وبقي كذلك حتى عام 1980، ثم تمّ الاستيلاء عليه من قبل الشباب التحرريين واستخدامه كمركز يُدار بشكل مستقل ما بين عامي 1981 و 1982، وذلك قبل أن تقوم السلطات المحلية بإجلائهم عنه.
في عام 1987، تمّ احتلال “رايتشوليه” مرّة أخرى، ومنذ ذلك الوقت وهي تُستخدم كمركز ثقافي تحرري، يضم حاليا سينما ومسرح ومطبعة وورشة نجارة ومكتبة ومطعم ومقاهي وقاعات للحفلات الموسيقية، بالإضافة إلى قاعة متعددة الأغراض.
إضافة إلى ذلك، يُعتبر المكان مركز تجمّع رئيسي للشباب المتمرد من أقصى اليسار، وينظر إليه معارضوه على أنه لا يفرق بتاتا عن الحركة المناهضة للفاشية التي تمارس أعمال عنف على هامش بعض المظاهرات في العاصمة برن.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.