مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا تدعم ملاذات اجتماعية وثقافية في الداخل الليبي

أطفال ونساء من مدينة تاورغاء بليبيا في مخيم للمرحّلين الداخليين بضواحي العاصمة طرابلس
خلال السنوات الخمس الماضية، ساهمت سويسرا في حل بعض الوضعيات لكن إشكالية المُهجّرين الداخليين لا زالت قائمة في عدة مناطق ليبية. (صورة من الأرشيف: نساء وأطفال من تاورغاء الواقعة جنوب مصراته في مخيم للاجئين أقيم في ضواحي العاصمة طرابلس سنة 2012 إثر اضطرارهم لمغادرة بيوتهم في أعقاب سقوط نظام القذافي). Keystone

على الرغم من اضطراب حبل الأمن في ليبيا وما سبَبهُ من صعوبة التواصل مع النخب وجمعيات المجتمع المدني، قطعت سويسرا خطوات مهمة خلال السنوات الماضية في دعم ملاذات اجتماعية وثقافية في الداخل الليبي، عززت من قدرات النشطاء وحالت دون تهميش دورهم في مجتمعاتهم، وأتاحت لهم فرص التحاور مع بعضهم البعض في قضايا مصيرية.

من تلك المبادرات، “منتدى الخبراء الليبيين للتعاون الإنمائي”، وهو عبارة عن منصة تجمع طيفا واسعا من الخبراء الليبيين والدوليين، بُغية مناقشة وتشخيص الأولويات التي من شأنها ان تؤثر في سير دواليب الدولة، وآفاق إعادة البناء وتحقيق النقلة المطلوبة في ليبيا بعد نهاية الصراع. الأمم المتحدة هي من أنشأ تلك المنصة، وقد سُجّلت في ليبيا باعتبارها منظمة غير حكومية. وينطلق دعم سويسرا للمنصة، بحسب مصادر رسمية، من الأمل بفتح الآفاق لتعزيز الحوار والتعاون بين جميع الفاعلين في الساحة الليبية.

لا تراجُع

مع توالي الأزمات السياسية، وخاصة الحرب الأهلية التي اندلعت في 2014 بين ميليشيات “فجر ليبيا” المدعومة من جماعات أصولية في مصراتة وطرابلس (غرب) و”عملية الكرامة” التي يتزعمها الماريشال المثير للجدل خليفة حفتر (شرق)، بدا أن الدعم السويسري لجهود المجتمع المدني الليبي تراجع بشكل واضح. غير أن كارول فالتي Carole Wälti الناطقة باسم وزارة الخارجية السويسرية في برن نفت أن يكون الدعم المُخصّص لليبيا قد تراجع في السنوات الأخيرة. 

وردا على سؤال طرحته عليها swissinfo.ch، أكدت فالتي أنه “على الرغم من صعوبات المرحلة الراهنة، لم تُخفف سويسرا من التزاماتها تجاه ليبيا في إطار استراتيجتها لمنطقة شمال أفريقيا التي أطلقتها في 2011″، تزامنا مع اندلاع ثورات “الربيع العربي”. ومضت فالتي شارحة أنه “على العكس، عززت سويسرا منذ 2014 التزاماتها في مجال دعم الحوار وتسوية النزاعات وكذلك التزاماتها في المجال الإنساني”.

تفصيلا لتلك الفكرة، أوضحت الناطقة باسم الخارجية السويسرية أن برن تعمل – في إطار التشجيع على الحوار وتسوية النزاعات – من أجل إدماج أكبر عدد مُمكن من الفاعلين الليبيين في مختلف الجهود الرامية لتحقيق السلام، ومن أجل ضمان إشراكهم فيها. كما تقود سويسرا مسارا يرمي لإشعار المجموعة الدولية بالمُخرجات المتوقعة من تدخلها في ليبيا، ولاسيما للحيلولة دون أن ينجرَ عن تلك المساعدة إشعالُ مزيد من النزاعات أو النفخ في صراعات أخرى.

ظواهر اجتماعية جديدة

شارك الخبير الدكتور دارم البصام، كبير المستشارين لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في إنشاء “منتدى الخبراء الليبيين للتعاون الإنمائي”، وهو أشبه ما يكون بـ “مجموعة تفكير” (أو ثينك تانك) أحدثتها الأمم المتحدة بدعم من سويسرا. وكان الدكتور البصام أحد منشطي المنتدى والمساهمين في تأليف التقارير التي وضعها.

يعتقد الخبير العراقي الأصل أن من بين الظواهر الإجتماعية التي تتبلور في أعقاب الثورات، عمليتان تتزامنان وتتفاعلان من خلال أنماط من الصراع المُعلن أو الخفي، أولاهما الصراع بين القوى الإجتماعية حول إعادة توزيع الأصول والموارد، وثانيهما الصراع حول إعادة توزيع القوة وتوازناتها الموروثة من مرحلة ما قبل الثورة.

في الحالة الليبية على سبيل المثال، والتي كرس فيها نظام الحكم خلال العقود الأربعة الماضية هيمنة معايير المؤسسات غير النظامية (القبلية بالدرجة الأساس)، نلاحظ أن نظم المُساءلة تتخذ شكلا فريدا. فالنخبة السياسية (اللجان الشعبية كما تدعى) لا يتم محاسبتها من قبل المواطن عن مدى التزامها بقواعد الشفافية في عملية توظيف الموارد واستغلالها، بقدر ما يتم الحكم عليها من خلال ما تقدمه من مردود في شكل هبات ومنافع مادية للجماعات المحلية، متغاضية بذلك عن حجم الفساد الكبير الذي تحمله ممارسات تلك النخب، إذ تعتبره مبررا في إطار منظور الحكم الأبوي. 

إنقاذ 1300 مهاجر

في خطٍ مواز، يُلاحظ أن سويسرا ماضية في التزامها بالدفاع عن حقوق الانسان واحترام القانون الدولي الإنساني حيث أثمرت جهودها في هذا المجال تشبيكا بين المدافعين عن حقوق الانسان وتعزيزا لقدراتهم. وفي هذا السياق، أفادت فالتي أن برن تُشدد في المجال الانساني على ضمان كل إجراءات الحماية للأشخاص ذوي الوضع الهش، بمن فيهم طالبي الهجرة واللجوء. وبفضل تلك الجهود أمكن إنقاذ 1300 مهاجر تم توجيههم إلى أقسام الحماية المحلية والدولية، فيما تحصل 660 مهاجرا غير نظامي على نصائح قانونية، وحصل 2500 مهاجرا آخرين مسجونين على مساعدات تمثلت بمواد غير غذائية ومنتوجات صحية.

في المقابل، لا يسعى السويسريون – كعادتهم – إلى إحاطة أعمالهم بحركة دعائية على ما يبدو، إذ مرَروا قسما من دعمهم الإنساني عبر دعم خطط المنظمات الأممية، وفي مقدمتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي تقدم إسعافات عاجلة لضحايا النزاع في ليبيا، وتدعم المستشفيات بالأدوية والأجهزة الطبية، وهكذا تحصل 69000 شخص من المُهجّرين على إسعافات عاجلة في سبها (جنوب) ومصراتة وطرابلس (غرب) وبنغازي (شرق) وسرت (وسط).

من جهة أخرى، تدعم سويسرا مشروعا مُخصّصا لتقديم الدعم للمهاجرين غير النظاميين وإعادتهم طوعا إلى بلدانهم الأصلية، وهي أساسا بلدان منطقة الساحل والصحراء. وقد أتاح هذا المشروع لأكثر من 700 مُهاجر العودة إلى أوطانهم. وفي نفس السياق، تساهم سويسرا في دعم قدرات حراس السواحل الليبيين على القيام بعمليات الإنقاذ في البحر.

أربعة عشر بلدية

بالاضافة إلى “منتدى الخبراء الليبيين للتعاون الإنمائي” الذي بعثته الأمم المتحدة، تشجّع سويسرا جميع المبادرات الرامية لتكريس الحوار وتأمين مشاركة الليبيين في رسم مستقبل بلدهم، انطلاقا من القناعة بأن كل تلك المبادرات تصُبُ في الإتجاه الصحيح الذي يُحقق الإستقرار لليبيا. وتدعم سويسرا أيضا المبادرات الأهلية وفعاليات المجتمع المدني، وهو ما تمت ترجمته في الدعم المُقدم لأربعة عشر بلدية ليبية من أجل تعزيز قدراتها على تكريس الحوار والتعاون.

بالنظر لأهمية البُعد القبلي في بلد مازالت الإنتماءات العشائرية تلعب فيه دورا حاسما أحيانا، لم يتردد السويسريون في تقديم الدعم لمبادرات الحوار التي تتم على الصعيدين الجهوي والمحلي، والتي تشمل القوى القبلية. ومن ضمن هذا التوجّه، تولي ليبيا أهمية خاصة لتشجيع مشاركة المرأة في جهود السلام. وفي هذا الصدد، أكدت كارول فالتي لـ swissinfo.ch، أن “تلك المشاركة تُعتبر أولوية لسويسرا”. 

وكانت برن قد جمعت في شهر أكتوبر من سنة 2015 أكثر من أربعين سيدة ليبية من مناطق ومشارب سياسية مختلفة في مؤتمر من أجل وضع تشخيص مُوحّد للمعوقات التي تعرقل السلم في البلاد والجهود المطلوب بذلها لتذليل تلك العقبات. ومن أهم المسائل التي تسعى سويسرا لإشراك النساء فيها التوعية بخطورة وجود أسلحة خفيفة بين المدنيين وخطورة استخدامها أيضا.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية