ضحايا “كوفيد طويل الأمد” المنسيّون يُكافحون للحصول على المساعدة والاعتراف
منذ شهر مارس 2020، تصدرت جائحة كوفيد-19 اهتمام الجميع. وفي الوقت الذي كان فيه معظم المصابين بالمرض يعانون من أعراض خفيفة شبيهة بأعراض الإنفلونزا العادية ثم يتعافون بسرعة، ظهر مرض آخر نتيجة لهذا الفيروس، لا تكاد الحكومات بل وحتى الأطباء يأخذونه على محمل الجد يسميه البعض بـ "كوفيد طويل الأمد".
كانت أخصائية الاتصالات شانتال برايت مثالاً لقوة الاحتمال الجسدية والعقلية. وحتى وقت قريب، كانت هذه الأم لثلاثة أطفال والبالغة من العمر 52 عاماً، من هواة الرياضة المتحمسين؛ وواظبت على المشاركة في سباقي ماراثون كحد أدنى في السنة.
كان ذلك قبل انتشار جائحة الكوفيد؛ ففي أوائل مارس 2020، وقبل إعلان الإغلاق العام بفترة وجيزة، شاركت برايت في حدث غنائي حضره 800 شخص. وتتذكر هذه الأخيرة قائلة: “بعد ذلك بخمسة أيام، مرضت لفترة قصيرة”.
ما لم تكن شانتال تدركه في ذلك الوقت – وما زالت لا تدركه حتى اليوم على وجه اليقين – هو أنها أصيبت بـفيروس كوفيد-19. ولم تكن تتخيل أنها بهذه الإصابة ستبدأ رحلة معاناة أليمة، ما تزال مستمرة حتى اليوم؛ فلا قدرة لأحد من الأخصائيين على التنبؤ بتحسن حالتها الصحية أو حتى في وجود أمل في تعافيها.
برايت، التي كانت تمارس الجري لعدة كيلومترات بانتظام على ضفاف نهر الآر في برن، أصبحت تشعر بالإنهاك بمجرد صعودها بضع درجات من السلالم، وتتسارع نبضات قلبها عند قيامها بأدنى مجهود. تقول برايت عداءة الماراثون: “المشي هو ما يجعلني أشعر بالتحسن منذ ما يقرب من العام – فلم أعد أشعر بأنني على ما يرام، مثلما كنت أشعر في الماضي”.
المرضى هم من أطلقوا هذا المصطلح
بعد شهرين من تفشي الوباء في أوروبا أي في أوائل شهر مايو، كان بول غارنر، الأستاذ في كلية ليفربول للطب الاستوائي، من أوائل الذين وصفوا أعراض كوفيد طويل الأمد بعد إصابته به؛ حيث شبّه في مدونة لهرابط خارجي، ما يعانيه من تأثيرات طويلة الأمد لهذا المرض “بركوب قطار الملاهي الأفعواني”.
في 8 يناير الجاري، نُشرت أهم دراسة أجريت حتى اليومرابط خارجي عن الكوفيد طويل الأمد في المجلة العلمية “The Lancet”، وجاءت نتائجها مثيرة للقلق. فقد قامت مجموعة من الباحثين الصينيين بتشخيص ومتابعة حالة ما يقرب من 2500 شخص كانوا قد أصيبوا بكوفيد-19 خلال فصل الربيع المنصرم، وذلك بعد ستة أشهر من خضوعهم للعلاج في المستشفى وتعافيهم. ووجد الباحثون أن ثلاثة أرباع هؤلاء الأشخاص (76%) مازالوا يعانون من أحد أعراض المرض على الأقل، وأن ما يقرب من الثلثين منهم (63%) ما زالوا يعانون من أعراض أخرى كالتعب والوهن في العضلات. كما أظهرت الدراسة أيضاً أن أعراضاً أخرى كاضطرابات النوم ونوبات القلق والاكتئاب وانخفاض قدرة الرئة (نقص الوظائف) هي من الأعراض الشائعة. كما أن هناك، 13% يعانون من قصور في وظائف الكلى.
لم يطلق مصطلح “كوفيد طويل الأمد” من قبل الأطباء، كما هو الأمر عادة في مجال الصحة، بل قام المرضى أنفسهم بصياغة هذا المصطلح لوصف التأثيرات اللاحقة طويلة الأمد لعدوى كورونا. وحتى اليوم، لا يزال العديد من الأطباء والمسؤولين المعنيين في الشأن الصحي غير مدركين لأبعاد هذا المرض الجديد.
البريطانيون في المقدمة
يعتبر ما يحدث في بريطانيا العظمى استثنائياً؛ فقد قامت السلطات الصحية البريطانية بتشخيص المرض ووضعت إرشادات علاجية مناسبة. كما افتتح البريطانيون أول عيادة خاصة لمرضى كوفيد طويل الأمد في شهر مايو الماضي. أما في الولايات المتحدة، فيفترض عالم المناعة الشهير أنطوني فوسي، الذي قدم توصياته بهذا الشأن للرئيس ترامب، أن ما بين 25% إلى 35% من مرضى كوفيد، سيعانون من أعراض طويلة الأمد.
وفي سويسرا، لا توجد أرقام رسمية لأولئك الذين يعانون من مرض كوفيد طويل الأمد. ويفتقر المصابون بشكل خاص إلى المعلومات الرسمية من قبل السلطات وكذلك إلى خدمات العلاج النوعي وبرامج إعادة التأهيل.
ومع ذلك، فإن التأثيرات اللاحقة طويلة المدى لـكوفيد-19 هي موضوع بحث لثلاثة مشاريع قيد الدراسة، تم إطلاقها في أغسطس الماضي كجزء من برنامج البحث الوطني “كوفيد -19”. وتستند هذه المشاريع على التكهنات القائمة على الذكاء الاصطناعي والتأثيرات العصبية النفسية للمرض. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن هناك دراسات أخرى تجري في المستشفيات السويسرية، مثل المستشفيات الجامعية في برن وزيورخ.
إنهاك شديد
بعد أسابيع قليلة من اشتباه إصابتها بالمرض، تعرضت شانتال برايت لموقف أثار قلقها؛ فبينما كانت تسلك بدراجتها طريقاً يصعد صعوداً طفيفاً وهي في طريقها إلى المكتب لأخذ بعض الأغراض للعمل من المنزل، شعرت بالتعب ووجدت نفسها مضطرة للتوقف جانباً بمحاذاة الرصيف لاستعادة أنفاسها. وتتذكر برايت قائلة: “لقد كنت منهكة تماماً، وكانت دقات قلبي سريعة جداً وكنت أجد صعوبة شديدة في التنفس”.
لم تثبت إصابة برايت بكوفيد-19 لأن الاختبار لم يكن متوفراً في شهر مارس للأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة بشكل عام. ومع ذلك، فقد أخذ طبيب العائلة ما كانت تعانيه من أعراض على محمل الجد وقام بإرسالها إلى أخصائي للرئة. بعد فحصها وتشخيص حالتها، أشار هذا الأخصائي بأن رئتيها أشبه برئتي “امرأة مسنة وذات وزن زائد” لم تمارس أية رياضة من قبل. بعد ذلك توجهت إلى طبيب القلب الذي أكد لها بأنها مصابة بالتهاب في عضلة القلب.
تعيش برايت في حالة من الخوف والقلق؛ فهي ليست على يقين بأن رئتيها ستتعافيان وبأن أداء قلبها سيتحسن. كما أنها تعرب عن خشيتها من عدم تمكنها من ممارسة رياضة الجري من جديد، ومن اضطرارها إلى العيش حياة امرأة لا تتمتع بأية لياقة بدنية.
وبصفتها صحفية سابقة، بحثت برايت عن معلومات لتقييم وضعها وتشخيص حالتها، ولكنها لم تعثر على ضالتها. فقامت بتأسيس مجموعة للمساعدة الذاتية على العلاج أسمتها “كوفيد طويل الأمد – سويسرا” Long Covid Switzerland. هذه المجموعة اتخذت موقع فيسبوكرابط خارجي منصة لها، وتساعدها في ذلك فلورنس إيسلر، الأم البالغة من العمر 43 عاماً، والتي تعاني من تأثيرات حادة من مرض كوفيد طويل الأمد. كما أطلقتا معاً أيضاً الموقع الإلكتروني longcovidch.infoرابط خارجي.
وتهدف المجموعة إلى تقديم الدعم الأولي للمصابين وزيادة الوعي العام حول هذه الحالة السريرية الجديدة، وتطالب بالإقرار بكوفيد طويل الأمد كمرض، وتحسين طرق التشخيص والعلاج والوقاية، بالإضافة إلى توفير ساعات للاستشارة والدعم للأشخاص الذين يعانون من تدهور صحي على المدى الطويل، حتى ولو كانت أثناء ذلك نتيجة فحوصهم لكوفيد-19 سلبية.
وتضم المجموعة على فيسبوك ما يقرب من 350 عضواً، تتراوح أعمارهم بين 17 و58 عاماً، وينضم إليهم أعضاء جدد كل يوم. واستناداً إلى تقديرات واردة من إنجلترا، لا يزال 10 % من الأشخاص الذين أصيبوا بكوفيد-19غير متعافين تماماً رغم مرور عدة أشهر على إصابتهم. وتفترض برايت أن حوالي 50000 شخص في سويسرا يعانون من أعراض متنوعة وبدرجات مختلفة منذ الموجة الأولى للوباء التي حلت في مارس. ووفقا لبرايت، لا يبدو أن هناك فرقاً سواء كان الشخص المصاب قد تم إمداده بالهواء خلال غيبوبة اصطناعية وفي قسم العناية المركزة أو كان يعاني من أعراض خفيفة.
كما تنتقد كل من برايت وإيسلر وزملائهما النشطاء الذين تتزايد أعدادهم، الوضع في سويسرا التي لديها واحد من أغلى الأنظمة الصحية في العالم، حيث لا تزال المعلومات والعلاجات المناسبة لمرضى كوفيد طويل الأمد غير متوفرة، بالرغم من مرور ما يقرب من عام منذ انتشار الوباء. تقول برايت: “على الصفحة الرئيسية للمكتب الفدرالي للصحة العامة، لا يزال المصابون يبحثون عبثاً عن معلومات عن كوفيد- طويل الأمد”.
ويعلق متحدث باسم المكتب الفدرالي للصحة العامة لـswissinfo.ch في رد على هذه الانتقادات، بأن فريق العمل العلمي التابع للحكومة الفدرالية قد أصدر ملخصاً للسياسة المتبعةرابط خارجي حول التأثيرات المحتملة على المدى الطويل لعدوى كورونا، وأن هناك دراسات مختلفة بهذا الشأن قيد البحث .
ضغوط من شركات التأمين الصحي
وبدلاً من حصول مرضى الكوفيد طويل الأمد على التعويضات الصحية اللازمة والإقرار بتأثيراته السلبية على الصحة، فإنهم يواجهون ضغوطاً من قِبَل شركات التأمين الصحي، تهدف إلى عدم تغطية النفقات الصحية المتعلّقة بهذا المرض. تقول برايت: “تبذل شركات التأمين الصحي جهوداً لاستبعاد كوفيد طويل الأمد من لائحة الأمراض التي يغطيها التأمين الصحي التكميلي”. وتعليل ذلك هو أن النطاق الحالي للعلاجات، مثل العلاج الطبيعي، ليس مخصصاً للحالات طويلة الأمد.
كما يؤثر نقص الدعم وانعدام الأمن والعزلة تأثيراً سلبياً على الصحة النفسية للمرضى؛ فبالإضافة إلى الأعراض الجسدية مثل الإرهاق والألم غير المبرر وضيق التنفس وعدم تحمل الإجهاد، تعتبر المشكلات النفسية مثل الاكتئاب والقلق ومشاكل النوم من التداعيات المعتادة أيضاً (انظر الإطار في النهاية لمزيد من المعلومات).
التعب الشديد
السعال المستمر
الوهن العضلي
حمى منخفضة الدرجة
عدم القدرة على التركيز
اضطرابات في الذاكرة
تبدلات في المزاج، يرافقها الاكتئاب أو مشاكل في الصحة النفسية في بعض الحالات
مشاكل في النوم
الصداع
آلام مفصلية
شعور بوخز الإبر في الطرفين العلوين والسفليين
الإسهال والتقيؤ
فقدان حاستي الشم والتذوق
آلام في الحلق وصعوبة في البلع
بداية أعراض لداء السكري وارتفاع في ضغط الدم
طفح جلدي
ضيق في التنفس
ألم في الصدر
خفقان في القلب
تساقط الشعر
تساقط الأسنان
المصدر: موسوعة ويكيبيديارابط خارجي
تأييد الإغلاق
ولا تخفي برايت التي تعتبر واحدة من مؤيدي الإغلاق المتشدد، انتقادها للحكومة السويسرية. تقول برايت: “خلال الموجة الثانية، أظهرت الاستطلاعات أن غالبية السكان يؤيدون إجراءات أكثر صرامة. إذا ولم يأخذ المجلس الفدرالي نتيجة هذه الاستطلاعات بعين الاعتبار، فهذا يعني أنه لا يحترم الديموقراطية”. الجدير بالذكر أن استطلاعاً للرأي أجرته هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (SRG – SSR) في أوائل نوفمبر 2020، أظهر أن 54% من المشتركين في الاستطلاع يؤيدون الإغلاق على المدى القصير.
وتحذر برايت من أنه من خلال إبقاء المتاجر ومنتجعات التزلج والمدارس مفتوحة، فإن الحكومة تعرض الناس لأخطار كبيرة. فقد تتسبب إصابتهم بالمرض إلى تعرّضهم لفقدان وظائفهم أو إلى البطالة لعدة أشهر أو ربما إلى مشاكل صحية دائمة. وتقول: “من الواجب أن نتلافى حدوث هذا الأمر في بلد غني مثل سويسرا”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
اكتب تعليقا