من أجل تطبيق المبادرة الشعبية الخاصة بالترحيل الآلي للمجرمين الأجانب بحذافيرها، التجأ حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) إلى إطلاق مُبادرة مُكرَّرة، لإعطاء المزيد من الزَخم إلى مبادرة كان الناخبون قد أقرّوها مُسبقاً، مُضيفاً بذلك أداة جديدة مُثيرة للجَدل إلى ترسانة آليات الديمقراطية المُباشرة في سويسرا.
تم نشر هذا المحتوى على
14دقائق
كريستيان رافلاوب
English
en
Hand-wringing over unorthodox use of political initiative
سواء كانت “وسيلة ضغط” أو “إنتهاكاً لحقوق الإنسان” أو “إلغاءً لمبدإ الفصل بين السلطات”، كما تصفها أطراف عديدة، أو “غير ضرورية” ببساطة كما تصفها الحكومة الفدرالية، فمن الواضح أن الإنتقادات الصادرة ضد مبادرة فَرض التنفيذ رابط خارجيالتي سيأتي بها حزب الشعب السويسريرابط خارجي إلى صناديق الإنتخاب، تنهال بشدة من كل حدْبٍ وصوب.
ومع مبادرته التي تحمل عنوان “من أجل فَرْض تنفيذ ترحيل المجرمين الأجانبرابط خارجي“، يرغب الحزب اليميني الوطني المحافِظ بالدفع باتجاه تطبيق “مبادرة ترحيل المجرمين الأجانب” السابقة بحذافيرها، بسبب ما يراه من عَدَم ترجمة البرلمان الفدرالي لهذه المبادرة في شهر مارس المنصرم، وفقا لرغبة مؤسسيها، من خلال إدراجه لِبندٍ لم تتضمنه المبادرة، يَنُص على “إمكانية التنازل عن الترحيل التلقائي للمجرمين الأجانب في حالات خاصة شديدة الصعوبة”.
وبسبب تلكُّـؤ السلطات الفدرالية في تطبيق المبادرة التي وافق عليها الناخبون في نوفمبر 2010، وحيث كانت مثل هذه التغييرات متوقعة، فقد “تساءلت قيادة الحزب في مطلع صيف عام 2012 عمّا ينبغي فعله، لو ثبت للحزب أن المادة الدستورية المُعتمدة لم تُنَفَّذ، أو أن تنفيذها لم يكن بالشكل المطلوب”، كما أوضح توني برونَّر، رئيس حزب الشعب السويسري.
المبادرة الشعبية
توفر هذه الآلية إمكانية اقتراح إجراء تعديل في الدستور الفدرالي أو إضافة مواد جديدة إليه. وتحتاج المبادرة الشعبية لكي تحظى بالقبول من الناحية القانونية إلى تقديم التوقيعات الصحيحة لمجموع 100,000 شخص يحق لهم الإنتخاب إلى المستشارية الفدرالية الحكومية في فترة زمنية لا تتجاوز 18 شهراً.
بعد ذلك، تُعرَض المبادرة على البرلمان الفدرالي الذي قد يُوافق عليها مباشرة أو يرفضها أو يقدم بديلاً عنها في صيغة مشروع مضاد أو منقح. وفي جميع الأحوال، تُطرح المبادرة أمام تصويت الناخبين في إستفتاء شعبي.
ولكي تنجح المبادرة، يجب أن تحصل على تأييد غالبية مُزدوجة (أي أغلبية الناخبين وأغلبية الكانتونات الستة والعشرين التي تتكون منها الكنفدرالية).
يتم ترسيخ المبادرات التي يعتمدها الناخبون في الدستور الفدرالي، ويقع على عاتق البرلمان الفدرالي في نهاية المطاف تنفيذها على المستوى التشريعي المعتمد.
ووفق برونَّر، كان إطلاق مبادرة شعبية جديدة لِفَرض تنفيذ مبادرة الترحيل الآلي للمجرمين الأجانب، إحدى الأدوات التي يمكن اللجوء إليها، وقال: “لقد أطلقنا عليها تسمية مبادرة فَرض التنفيذ”. وتطالب هذه المُبادرة بالتنفيذ المُباشر لمُبادرة تَرحيل الأجانب من خلال الدستور الفدرالي. ويعني ذلك من بين أمور أخرى، وجوب تثبيت قائمة الجرائم المؤدية إلى الترحيل القسري في نص الوثيقة الأساسية للدولة.
الإستفتاء الشعبي ليس بديلاً
“في شكله هذا، يمثل هذا الإجراء أداة جديدة لمحاولة إبطال قرار صادر عن البرلمان الفدرالي و/أو فَرض قرار آخر”، كما يقول مارك بوهلمانرابط خارجي، المُختص في العلوم السياسية الذي أضاف: “إلى حدِّ الآن، كان اللجوء إلى الإستفتاء الشعبي هو الحَلّ في مثل هذه الحالات. هذه المبادرة هي ‘مبادرة إستفتاء’ إذا صَحَّ التعبير”.
إذن، لِمَا لَمْ يلجأ حزب الشعب إلى هذه الأداة التي تُستَخدم لإبطال مشاريع القوانين الصادرة على البرلمان، والتي لا تحتاج سوى نصف عدد التوقيعات التي تتطلبها المبادرة الشعبية؟ “كنّا نخشى أن يتحتم علينا بالنتيجة، اللجوء إلى إجراء إستفتاء ضد قانون قد يكون أفضل من القديم بعض الشيء، ولكنه لا يُلبّي المادة الدستورية التي كان الشعب قد تبنّاها”، بحسب برونَّر. وكما أوضح، فإن مبادرة فَرْض التنفيذ لا تحمل في طياتها سوى هدف واحد يقتصر على “المساعدة في إنفاذ إرادة الشعب”.
“من المنظور الإستراتيجي للحزب، كانت مبادرة فَرْض التنفيذ خطوة ذكية نِسبياً. وقد أدَّت تقريباً إلى تنفيذ مبادرة ترحيل المجرمين الأجانب بالشكل الذي كان حزب الشعب يسعى إليه”، وفق تحليل بوهلمان.
على العكس من ذلك، يرى ماركوس شيفير،رابط خارجي أستاذ القانون الدستوري والإداري في جامعة بازل، في هذا الصنف من المبادرات الشعبية، مسألة حساسة وحرجة، ويقول: “إنها تُستَخدَم كوسيلة لصناعة الحملات الإنتخابية من خلال الإثارة المتعمّدة لمسألة إنتهاكات القانون الدولي وغيرها من الإنتهاكات الخطيرة، وهذا المزيج يبدو لي جديداً، وهو أمرٌ مؤسِف للغاية”، على حد قوله.
الإستفتاء الشعبي
يُتيح الإستفتاء الإختياري للشعب فرصة إقرار أو رَفْض أي قانون يُقِـرّه البرلمان الفدرالي أو يعمل على تعديله. ويتم إجراء الإستفتاء الإختياري في حال تجميع 50,000 توقيع لمواطنين يتمتعون بحق التصويت وإيداعها لدى المستشارية الفدرالية للحكومة في فترة زمنية لا تتعدى 100 يوم من تاريخ نَشر القانون المُراد معارضته.
وفي الإستفتاء الإجباري، ينبغي إستشارة الشعب عند إجراء البرلمان لأي تغييرات على الدستور الفدرالي. ولكي يدخُل هذا القانون المعدّل حيِّـز التنفيذ، يجب أن يحصل على الأغلبية المُـزدوجة، أي على أغلبية أصوات الناخبين وعلى تأييد أغلبية الكانتونات.
ومن وجهة نظره، تؤدّي مبادرة فَرض التنفيذ في بعض الحالات إلى “إنتهاك شديد لمبدإ التناسب (بين الجريمة والعقوبة) الذي يسود نظامنا القانوني برمّته والذي يتّسم بأهمية جوهرية”.
تقويض الفصل بين السلطات
أما فولف ليندَر، الأستاذ الفخري للعلوم السياسية في جامعة برن، فيُهاجم هذه المبادرة بضراوة أشد، ويرى فيها تهديداً لمبدإ الفصل بين السلطات. “تكمن المشكلة في تَعَرّض مبدإ الفصل بين السلطات، إلى التقويض عَبر مبادرة شعبية، من خلال إعطاء تعليمات وأوامر مُباشرة إلى البرلمان والحكومة والمحاكم. على مَنْ يضع القوانين أن لا يُنفذها بنفسه، ويجب أن تخضع الجهة التي تتولى تنفيذ هذه القوانين إلى رقابة مستقلة. هذا مبدأ أساسي”، كما يقول. من جهة أخرى، تكشف عمليات المقارنات الدولية أن “الدستور لا يقوم دون فصل للسلطات، وعندما يُفقَد الدستور يبرز خطر الوقوع في نظام استبدادي”.
بَيد أن ليندَر يشير أيضاً إلى تعرُّض مبدإ الفصل بين السلطات إلى الإستنزاف [سوء الإستخدام] في مواقع أخرى، كما يحدث مثلاً عندما تتدخل المحكمة الفدرالية في قضايا القواعد الإنتخابية للكانتونات والبلديات.
ويرى كورت فلوري، البرلماني من الحزب الليبرالي الراديكالي وعضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، أن البرلمان يتعرض من خلال مبادرة فَرْض التنفيذ إلى الضغط وإلى تقويض الفصل بين السلطات على حدٍّ سواء. ويضيف أن “هذه المبادرة تُمَكِّن الشعب تقريباً مِنْ وضع القانون التشريعي عبر الدستور”. كما يؤكّد المحامي أنه “عندما يقوم الشعب بدوْر المُشَرِّع المباشر، سوف يفقد الدستور بالتأكيد المعنى الأصلي الذي وُضِعَ من أجله”.
الفَصْل بين السلطات
عندما تأسست سويسرا الحديثة في عام 1848، ثبَّت مؤسسو الدولة، ثلاثة مستويات للسلطة في الدستور الفدرالي هي: السلطة التشريعية (الجمعية العمومية الفدرالية، البرلمان) والسلطة التنفيذية (الحكومة الفدرالية والحكومات المحلية في الكانتونات) والسلطة القضائية (المحكمة الفدرالية؛ وهي عبارة عن محاكم متعددة اليوم).
وهذه السلطات الثلاث منفصلة عن بعضها البعض (وفقاً لمبدإ الفصل بين السلطات، تقاسم السلطة) لكي لا تستأثر هيئة منفردة للدولة بسلطات أكثر من اللازم.
برونَّر من جهته يستهجن المُبالغة الكبيرة في الحديث عن فصل السلطات ويقول: “ليس من حق المشرّع أيضاً انتزاع جميع الحقوق لنفسه”، ويضيف “أما بالنسبة للمحاكم، لقد سجلنا في سويسرا ميْلاً مُفاجئاً ومتزايداً لتجاوُز المحاكم لمثل هذه الإستفتاءات، بدعوى الإستناد إلى القانون الدولي أو المعاهدات الدولية”. ومن أجل سيادة القانون السويسري على القانون الأجنبي، أطلق حزب الشعب اليميني مبادرة جديدة في شهر مارس 2015 تحمل عنوان “القوانين السويسرية بدل القُضاة الأجانب”.
هامش للمناورة
ويهدف حزب الشعب اليميني من خلال مبادرته الجديدة، إلى ضمان التطبيق الحَرفي لمبادرة الترحيل الآلي للمجرمين الأجانب. ولكن فلوري يعترض قائلاً: “إن تنظيم مثل هذه الأحكام التفصيلية بشكل ذاتي، ليس من روح الدستور”.
وباعتباره السلطة التشريعية، يقع على عاتق البرلمان الفدرالي واجب صياغة المبادرة الشعبية المعتمدة من قِبل الناخبين إلى قانون يُرَسَّخ في الدستور. لكن فلوري يرى أن هامش المناورة لدى البرلمان سوف يكون مقيَّداً بشدّة. في حين يعلِّق برونَّر مُعترضاً: “البرلمان لَمْ يؤدِّ مهمّته”.
ولم يتوجّب على البرلمان الفدرالي الإضطلاع بمهمة تنفيذ المبادرات بشكل متزايد، إلّا في الأعوام الأخيرة. ومنذ تكريس المبادرة الشعبية كأداة سياسية في الدستور الفدرالي عند تأسيس الدولة السويسرية الحديثة في عام 1848، تم قبول 22 منها رابط خارجي. وفي حين لم يَزدْ عدد المبادرات التي أقرّها الناخبون في الأعوام بين 1893 و1949 عن 7 فقط، تم تبني ما لا يقلّ عن 15 مبادرة منذ عام 1982.
ومنذ عام 2008، كانت المبادرات تُقبَل على أساس سنوي تقريباً. وللمرّة الأولى، أقِرِّت مبادرتان شعبيتان في عام 2014.
في الأثناء، يقول ليندر: “يجب أن يقتصر القانون الدستوري على المعايير التنظيمية الأساسية والمهام الحكومية، حينئذٍ سوف يكون للبرلمان مجال كافٍ للمناورة”.
المزيد
المزيد
ما هي “المبادرة الشعبية” أو “مبادرة المواطنين”؟
تم نشر هذا المحتوى على
تمنح سويسرا مواطنيها الفرصة للعب دور مباشر في صنع القرار السياسي. وعلى الرغم من أن ممارسة ما يُعرف بـ “الديمقراطية المباشرة” ليست خاصية تنفرد بها سويسرا، إلا أنها على الأرجح أكثر تطوراً هنا من أي بلد آخر في العالم. عموما، يمكن للمواطنين السويسريين إما اقتراح تشريعات جديدة بمبادرة منهم، أو العمل على إلغاء تشريع ما…
ويؤكّد فلوري أن مبادرة فَرْضْ التنفيذ في هذه الحالة بالذات، ستكون قابلة للتطبيق مباشرة، مما لن يعطي البرلمان الفدرالي أي مجال للمناورة عند التنفيذ. “تنص ديباجة مبادرة فَرْضْ التنفيذ بوضوح أنها قابلة للتطبيق بشكل مباشر، ولا تحتاج إلى أي تشريع إضافي للتنفيذ”، كما يقول.
لكن أستاذ العلوم السياسية بوهلمان يجيب: “لا يوجد هناك أبداً قرار مقدَّس”. ويضيف :”كانت لي مخاوف مماثلة في البداية. كنت أظن أن في هذا إلغاء لفكرة الديمقراطية المباشرة”. وهو يرى أنَّ مبادرة فرض التنفيذ من منظور واقعي وموضوعي “ليست سوى ركلة من الأسفل، سوف تؤدي مُجدداً – في حالة قبولها – إلى نقاش في البرلمان مع هامش مُعيّن للمناورة”.
أما رئيس حزب الشعب السويسري فيعلِّق: “من المُحزن في الواقع أن نجد أنفسنا مضطرّين إلى استخدام هذه الأداة”. وهو يأمل أن لا يتحتّم على حزبه اللجوء إلى مبادرة أخرى لِفَرضْ التنفيذ مُجدداً. “ولكني لا أستطيع استبعاد ذلك”. ومن المتوقع أن يتوجّه الناخبون للإقتراع على هذه المبادرة في عام 2016.
قراءة معمّقة
المزيد
آفاق سويسرية
صحيفة سويسرية تكشف تفاصيل رحلة هروب الأسد إلى موسكو
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.
اقرأ أكثر
المزيد
المبادرات المناهضة للهجرة.. تقليد قديم في سويسرا
تم نشر هذا المحتوى على
تعود أولى المحاولات الهادفة للحد من ارتفاع عدد العمال الأجانب إلى فترة الطفرة الإقتصادية التي تلت الحرب العالمية الثانية، عندما كانت سويسرا تواجه أكبر موجة هجرة في تاريخها. فقد جلب النمو السريع للإقتصاد الوطني، وبالأخص في القطاع الصناعي مئات الآلاف من العمال من جنوب أوروبا، قدموا أساسا من إيطاليا وإسبانيا. في بادئ الأمر، حاولت الحكومة الفدرالية كبح جماح عملية التوظيف المكثفة…
عدد المبادرات الشعبية في سويسرا يحطّم الرقم القياسي في عام 2011
تم نشر هذا المحتوى على
تعتبر المبادرة الشعبية من ركائز النظام السياسي في سويسرا. وهي الطريقة التي تسمح لأي مواطن باقتراح قوانين جديدة، ولو أنها تُستخدم في الواقع كوسيلة من طرف الأحزاب السياسية وجماعات الضغط المدافعة عن مصالحها. ومن أجل استكمال شروط بلوغ مبادرة شعبية مرحلة التصويت على المستوى الفدرالي، يجب على مناصريها جمع 100 ألف توقيع لمواطنين يتمتعون بحق التصويت…
حزب الشعب يُقنع غالبية الناخبين بالمخاوف من الهجرة
تم نشر هذا المحتوى على
انتزعت مبادرة حزب الشعب (يمين شعبوي) الداعية إلى تحديد سقف لعدد المهاجرين الوافدين من الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، الأغلبية المزدوجة، بحيث حظيت بموافقة غالبية الكانتونات، وتأييد أغلبية أصوات الناخبين.
كما صوت السويسريون هذا الأحد بأغلبية مريحة ضد مبادرة "تمويل الإجهاض مسألة خاصة"، ولصالح مبادرة "تمويل وتهيئة البنى التحتية للسكك الحديدية".
أُعلن عن النتائج النهائية في الكانتونات السويسرية الستة والعشرين بخصوص مبادرة "أوقفوا الهجرة المكثفة"، التي حظيت بموافقة 17 كانتونا مقابل على رفض 9 كانتونات. أما على مستوى أصوات الناخبين، فقد حصلت على تأييد أغلبية ضئيلة جدا بلغت 50,34%. ويحتسب الفارق بين معسكري المؤيدين والمعارضين بـ 19526 صوتا فقط.
ونجد في معسكر الرافضين جميع الكانتونات الروماندية (المتحدثة بالفرنسية)، فضلا عن الكانتونات المتحدثة بالألمانية تسوغ، وبازل-المدينة، وزيورخ.
وجدير بالذكر أن نسبة المشاركة في اقتراعات هذا الأحد مرتفعة بشكل ملفت بحيث ناهزت 56%، وهي أعلى نسبة مشاركة منذ خمسة أعوام، والأعلى أيضا منذ التصويت على منح النساء حق التصويت على المستوى الفدرالي عام 1971.
وتدعو مبادرة "أوقفوا الهجرة المُكثفة" إلى تحديد سقف لعدد المُهاجرين الجُدد، واعتماد نظام حصص سنوية. ويطالب نص المبادرة بأن تكون الحصص مرهونة بمصالح سويسرا الإقتصادية، وأن تشمل العمال الحدوديين. كما يأمل حزب الشعب أن تُـمنح الأفضلية للمقيمين في سويسرا لدى التشغيل.
استيــاء
وفقا لإحصائيات الكنفدرالية، يتوافد على سويسرا سنويا ما يناهز 80000 أجنبي، يقدم ثلاثة أرباعهم من بلدان الإتحاد الأوروبي. ويعتبر اتفاق حرية تنقل الأشخاص الذي أبرمته برن مع بروكسل عام 2002، عاملا هاما سهّل هذا التدفق الذي أدى إلى تجاوز ساكنة سويسرا حاجز 8 ملايين نسمة قبل بضعة أشهر.
وقد أثار هذا التطور بعض الاستياء لدى فئة من المجتمع، إذ تدين بعض الأطراف ما تعتبره انعكاسات سلبية لهذا النمو الديمغرافي، والذي يؤدي حسبها إلى ارتفاع الضغط على البنية التحتية في مجال النقل والإسكان، لاسيما الزيادات التي سُجلت على مستوى الإيجار.
مع ذلك، غالبا ما تتصدر قائمة الإنتقادات ظاهرةُ الإغراق في الأجور، إذ يتردد في أحيان كثيرة أن أرباب العمل يستغلون توافد هذه العمالة الأجنبية – سواء تعلق الأمر بأشخاص أتوا للإستقرار في الكنفدرالية أو بعُمال بعثتهم شركاتهم الأوروبية للعمل في سويسرا – لخفض الأجور.
ولمحاربة هذه الظاهرة، اعتمدت السلطات "تدابير مُصاحبة " لاتفاق حرية تنقل الأشخاص، لضمان توافق شروط الأجور مع المعايير الجاري بها العمل في مختلف قطاعات التشغيل في سويسرا. لكن هذه الإجراءات لا تحول دون ارتكاب مخالفات تسجلها السلطات بشكل منتظم.
وأخيرا، يعتقد بعض السويسريين أن الأجانب يمارسون ضغطا كبيرا على نظام الرعاية الإجتماعية في بلادهم، وخاصة فيما يتعلق بالتأمين على البطالة والضمان الإجتماعي.
ويمكن لمس هذا الشعور بالإستياء بصورة أوضح في بعض المناطق الحدودية التي تشهد يوميا تدفق الآلاف من عمال الحدود، حتى أن بعض الأحزاب السياسية في كانتوني تيتشينو (الجنوبي المتحدث بالإيطالية) وجنيف (غرب سويسرا المتحدث بالفرنسية)، حققت مؤخرا نجاحات انتخابية من خلال "العزف" على هذا الوتر الحساس.
فرصة لسويسرا
لكن الصورة لا تبدو قاتمة للجميع، إذ يصر أنصار حرية تنقل الأشخاص على أن اليد العاملة الأجنبية
ورقة رابحة وثمينة بالنسبة للإقتصاد السويسري، فمن دونها، قد تفتقر العديد من القطاعات، مثل الفندقة والمطاعم، للعمالة الضرورية. كما يعتقدون أن توافد الأجانب يتيح تعويض النقص في "الأدمغة"، بما أن سويسرا لا تُكوّن ما يكفي من المهندسين أو الممرضات لتغطية جميع احتياجاتها.
وعلى مستوى التأمينات الاجتماعية أيضا، يعتبر الأنصار أن تدفق الأجانب عنصرا مفيدا للبلاد، لأن العمال الشباب يساهمون في نظام التأمينات الإجتماعية السويسري، ويسدون بذلك الثغرة الناجمة عن آثار شيخوخة السكان.
باختصار، يرى مؤيدو حرية تنقل الأشخاص أن هذا الإتفاق هو الصيغة التي أثبتت جدارتها وضمنت الإزدهار الإقتصادي لسويسرا.
ماذا عن رد فعل بروكسل؟
ومن بين كبريات الأحزاب في سويسرا، يُعتبر حزب الشعب الجهة الوحيدة التي تدعم علنا مبادرة "أوقفوا الهجرة المكثفة"، بينما تدعو باقي أحزاب اليمين واليسار، إلى جانب أهم المنظمات الإقتصادية والنقابات، إلى رفض المبادرة.
ولكن، ماذا سيكون رد فعل الإتحاد الأوروبي إن وافق الناخبون على مبادرة حزب الشعب؟ خطاب بروكسل اتسم دائما بالوضوح: أي تشكيك في حرية تنقل الأشخاص سيطعن في صحة مجمل الحزمة الأولى من الإتفاقيات القطاعية السبع المبرمة بين سويسرا والإتحاد الأوروبي.
غير أن الآراء تختلف أيضا بهذا الشأن. أنصار المبادرة يعتقدون أنه بمقدور بروكسل إبداء قدر من التفهم، بما أنه من مصلحتها أيضا الحفاظ على علاقات اقتصادية جيدة مع سويسرا، وأن بعض الدول الأعضاء في الإتحاد – الممكلة المتحدة تحديدا – يواجهون أيضا مشكلة تدفق أعداد هائلة من العمال الأجانب. في المقابل، يرى المعارضون أنه لن يمكن الإفلات من رد فعل قاس، بما أن حرية تنقل الأِشخاص تعتبر واحدة من ركائز الإتحاد الأوروبي.
تمويل الإجهاض
يوم الأحد 9 فبراير 2014، صوت الناخبون أيضا بنسبة 70% ضد المبادرة الشعبية: "تمويل الإجهاض مسألة خاصة". وطالبت هذه المبادرة التي أطلقتها لجنة مشتركة من عدة أحزاب، تتشكّل أساسا من مسيحيين محافظين، بأن تتوقف الرعاية الصحية الأساسية (الإجبارية) عن تحمل تكاليف إيقاف الحمل الإرادي.
واقترحت المبادرة أن يظل الإجهاض مُمكنا من الناحية القانونية، لكن أن تقع تكلفة العملية على عاتق المرأة نفسها. ودعا أصحاب المبادرة إلى إدراج مادة جديدة في الدستور الفدرالي هذا نصها: "باستثناء حالات نادرة تخص الأم، لا تدخل عمليات إسقاط الحمل أو إزالة الجنين ضمن غطاء التأمين الصحي الإجباري".
وعلى غرار كل تغيير دستوري، تطلّب إقرار هذه المبادرة الحصول على مُوافقة أغلبية الأصوات على مستوى الناخبين وعلى الأغلبية على مستوى الكانتونات.
وقبل التصويت، لم يحظ كان هذا الإقتراح بالقبول داخل البرلمان الفدرالي إلاّ من طرف بعض نواب الحزب الديمقراطي المسيحي، وأغلبية صغيرة من الديمقراطيين (وسط)، ومن قبل الحزب الإنجيلي. وبالتالي، فإن فرص نجاح المبادرة كانت ضئيلة للغاية.
ويذكر أنه منذ عام 2002، تقرّر في سويسرا أن تُغطى تكلفة عمليات الإجهاض من قبل التأمين الصحي الإجباري، وتم اعتماد هذه السياسة كجزء من تصويت شعبي أضفى القانونية على عمليات الإجهاض التي تتم في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. واليوم، يقول المعارضون إن الأشخاص الذين ينبذون الإجهاض لأسباب أخلاقية لا يجب أن يُجبروا على تمويل هذه العمليات من خلال أقساط التأمين الصّحي التي يسدّدونها شهريا.
تطوير السكك الحديدية
أخيرا، وافق الناخبون على مشروع "تمويل وتهيئة البنى التحتية للسكك الحديدية" بنسبة 62% مثلما توقع معهد gfs.bern في بداية ظهيرة الأحد. ويهدف المشروع إلى إنشاء صندوق بقيمة 6,4 مليار فرنك تخصص لصيانة وتطوير شبكة السكة الحديدية. ومن بين كبريات الأحزاب، حزب الشعب هو الوحيد الذي يعارض المشروع.
بشكل عملي، نصّ المشروع على النّهوض بالبنية التحتية للسِّكك الحديدية من خلال تأسيس صندوق دعم مالي جديد وإرساء برنامج تطوير استراتيجي، ومن المفروض أن يتِم استخدام الصندوق في تمويل خدمات تشغيل البِنية التحتية القائمة وصِيانتها وتوسيع انتشارها، وأن يستمِر قائما من غيْر تقيّد بفترة زمنية محدّدة، بعكْس صندوق مشاريع البنية التحتية للنقل العام، الذي قُصِد منه تمويل المشاريع الإستثنائية الكبرى مثل "شبكة حديد 2000" والخط الحديدي الجديد العابِر لجبال الألب، الذي ستنتهي صلاحيته عمّا قريب.
في الأثناء، ستكون مصادر تمويل الصندوق الجديد (حوالي 4 مليارات من الفرنكات) هي ذاتها مصادر تمويل صندوق مشاريع البنية التحتية للنقل العام، وهي عبارة عن أموال فدرالية خالية من الإلتزامات، متمثلة في الضريبة على النقل الثقيل والرسوم المتأتية من الزيوت المعدنية (تنتهي في نهاية عام 2030) والضريبة على القيمة المضافة.
كما يتيح المشروع إمكانية الاستفادة من مصادر تمويل إضافية لتأمين نحو مليار فرنك أخرى، عن طريق الحدّ من تخفيضات الضرائب الفدرالية على تكاليف النقل وبفضل مساهمات جديدة من الكانتونات (مقابل حصولها على مزيد من الإمتيازات) ، وزيادة ضريبة القيمة المضافة بـواحد في الألف بين عاميْ 2018 و2030، ورفع قيمة التذاكر والإشتراكات.
تصويت ضد ارتداء الحجاب في سانت غالن
في بلدية أوهيربروغ Au-Heerbrugg بكانتون سانت غالن، صوت الناخبون يوم الأحد 9 فبراير 2014 بـ 990 صوتا مقابل 506، لفائدة استفتاء طرحه حزب الشعب (يمين شعبوي) يدعو إلى منع فتاتين صوماليتين من ارتداء الحجاب إن أرادتا استئناف دراستهما في المدرسة الإبتدائية للبلدة. وبلغت نسبة المشاركة في التصويت 37,4%.
وكانت التلميذتان (10 و12 سنة) قد أمرتا من قبل مدير المدرسة الإبتداية بالعودة إلى منزلهما بسبب ارتدائهما للحجاب. لكن اللجنة المدرسية قررت بعد ذلك عودة التلميذتين للفصل.
لكن القرار لم يرق لفرع حزب الشعب في البلدة الذي سارع إلى طرح استفتاء. وفي تصريح لوكالة الأنباء السويسرية، قال فالتر بورتمان، رئيس اللجنة المدرسية: "سيتم إبلاغ الأسرة المعنية الأسبوع القادم".
ولازال يمكن الطعن في منع ارتدائهما للحجاب، وفي هذه الحالة، سيتم إرجاء تطبيق الحظر إلى حين إتمام الإجراءات القضائية.
ورغم موافقة السكان يوم الأحد على بادرة حزب الشعب، فإن الوضع يظل مُبهما. ويذكر أن المحكمة الفدرالية كانت قد ألغت في شهر يوليو 2013 قرارا لبلدية بورغلن في تورغاو،التي منعت، استنادا إلى قرار إداري، طالبتيْـن مسلمتيْـن من مقدونيا، تبلُـغان من العمر حاليا 17 سنة، من ارتداء الحجاب في المدرسة الثانوية. ويحظر نفس القرار ارتداء اللِّـباس القصير أو الطرابيش أو النظارات الشمسية.
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.