“أحترم حقّ سويسرا في اتّخاذ القرار، لكنّ امتناعَها عن التصويت أحزنني كثيرًا”
أثار امتناع سويسرا مؤخراً عن التصويت على القرار الذي اقترحته روسيا بشأن وقف إطلاق النار في غزّة ردودَ أفعال بين الفلسطينيين والفلسطينيات المقيمين فيها. تشرح البعثة السويسرية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أبعاد هذا القرار.
لم يوافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الاثنين الماضي على قرار اقترحته روسيا يسعى إلى وقف إطلاق نار إنساني في غزة. وقد استبعدت المسودّة أي إشارة إلى حماس. وحصلت المبادرة التي تقودها روسيا على دعم خمس دول: الصين، والغابون، وموزمبيق، وروسيا، والإمارات العربية المتحدة. فيما عارضت أربع دول القرار وهي: فرنسا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. أمّا كلّ من ألبانيا والبرازيل والإكوادور وغانا ومالطا وسويسرا فقد امتنعت عن التصويت.
وأثار امتناع الدولة الواقعة في جبال الألب عن التصويت مشاعر مختلفة لدى إيمان الفلسطينية البالغة من العمر 36 عامًا، والتي تنحدر من غزة. بعد أن وجدت في سويسرا الملجأ الآمن، تقدّر إيمان (اسمها الكامل معروف لدى سويس إنفو (SWI swissinfo.ch)) الحريات التي تتمتّع بها، بما في ذلك المشاركة في المسيرات السلمية في جنيف التي تدافع عن القضية الفلسطينية. ومع ذلك، وإلى جانب شعورها هذا بالامتنان، فهناك داخلها حزن طويل الأمد. حيث تقول لـسويس إنفو: “أنا أحترم حقّ سويسرا في اتّخاذ القرار، لكنّ امتناعَها عن التصويت أحزنني كثيرًا”.
“نحن نتطلّع إلى السلام”
يتشابك تاريخ إيمان الشخصي مع التاريخ الأوسع للصراع. فهي تنحدر من حيّ الشجاعية، إحدى المناطق الأكثر اكتظاظًا بالسكان في قطاع غزّة، وقد عاشت الأحداث المؤلمة التي خلّفتها حرب غزة عام 2014رابط خارجي. في ذلك العام، أصيب ابنها بجروح، وعانت إيمان خلال فترة مؤلمة اعتقدت فيها أنّها فقدت ثلاثة من أطفالها، قبل أن تجتمع بهم لاحقًا بفضل تدخل الصليب الأحمر في الوقت المناسب.
بحلول عام 2015، كانت إيمان قد انتقلت مع عائلتها إلى سويسرا. وبينما تستذكر الماضي، تبرز إحدى الذكريات المؤلمة: “في طريقي إلى الأمان في سويسرا، كان عليّ أن أمشي فوق الجثث التي خلّفتها حربُ الشجاعية”.
تحيي الحرب الإسرائيلية الفلسطينية الدائرة حاليًا مخاوف إيمان. يرتجف صوتها فيما تروي: “لقد قُتل أطفال ابن عمي. أنا لا أعرف شيئًا عن عماتي وأعمامي. آخر ما أعرفه هو أن والدتي وإخوتي لجأوا إلى إحدى المدارس التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). ولكنّ مصيرهم غير معلوم.”
يؤثّر الصراع المستمر سلبًا على الصحة النفسية للشابة الفلسطينية. تشرح قائلة: “أخشى النوم والاستيقاظ على الأخبار المدمرة. الهروب جسديًا شيء؛ لكن إلى أين الهروب ذهنيّا عندما يستمرّ هذا العنف في وطنك؟”
ويعكس هذا الشعور صرخة الكثيرين: إنهاء الصراع. تقول إيمان: “نحن لا نطلب المساعدة أو الدعم. نحن نتوق إلى السلام”.
سبب امتناع سويسرا عن التصويت
وسط هذه الروايات الشخصية التي تدمي القلب، يحاول الموقف الرسمي السويسري تسليط الضوء على تعقيدات الوضع. حيث توضّح البعثة السويسرية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرار الامتناع عن التصويت، بالقول في وثيقة نُشرت يوم 16 أكتوبر، إنّ “سويسرا تشاطر الشعور بالإلحاح والقلق الكبير وبالتالي الحاجة إلى أن يتصرف المجلس بشكل موحد في مواجهة الوضع في الشرق الأوسط. وكما ذكّرَنا الأمين العام، فإن وقف التصعيد وحماية المدنيين والإفراج عن جميع الرهائن وتوصيل المساعدات الإنسانية هي أمور ذات أولوية”.
وكان الإغفال الصارخ للقانون الإنساني الدولي في القرار نقطة خلاف حاسمة. ويتجلى التزام سويسرا بهذه المبادئ في تأكيدها: “بالنسبة لسويسرا، فإن إغفال الإشارة الواضحة إلى القانون الإنساني الدولي في قرار للمجلس، عندما يشكل الوضع صراعا مسلحا، هو ببساطة أمر غير مقبول”.
سويسرا تقول نعم للهدنة الإنسانية. الولايات المتّحدة تستخدم حقّ الفيتو
خلال اجتماع لمجلس الأمن يوم الأربعاء الماضي، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد مشروع قرار صاغته البرازيل يدعو إلى هدنة إنسانية في غزة للسماح بوصول كامل وآمن ودون عوائق لوكالات الأمم المتحدة وشركائها، مما حال دون تبنّيه.
ولو تم تبني القرار لكان قد أدان جميع أعمال العنف والأعمال العدائية ضد المدنيين وجميع أعمال الإرهاب. كما كان نصّه قد دعا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن وحماية الطواقم الطبية والإنسانية والمستشفيات والمرافق الطبية، بما يتماشى مع القانون الإنساني الدولي.
وقد حظي المشروع بتأييد 12 عضوا في المجلس. وصوّتت سويسرا هذه المرّة لصالح النصّرابط خارجي. حيث أكّدت باسكال كريستين بايريسويل، الممثّلة الدائمة لسويسرا لدى الأمم المتحدة، على توافق مشروع القرار مع أولويات الدولة الواقعة في جبال الألب من أجل إطلاق سراح الرهائن الفوري والوصول السريع للمساعدات الإنسانية. وأعربت عن أسفها لعدم تمكن المجلس من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن مشروع القرار.
وجاء التصويت بعد يوم واحد من الانفجار المدمّر الذي وقع في المستشفى الأهلي العربي في قطاع غزة والذي أدى إلى مقتل مئات الفلسطينيين بشكل مأساوي، وفق ما ذكرته وزارة الصحة في غزّة. وردًّا على ذلك، أدانت وزارة الخارجية السويسرية هذا العمل، مؤكدة على أهمية حماية المدنيين والمستشفيات بموجب القانون الإنساني الدولي. وبينما يعزو المسؤولون الفلسطينيون هذا الحادث الخطير إلى غارة جوية إسرائيلية، ويصفونه بأنه “مذبحة”، تتّهم إسرائيل حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، في إشارة إلى فشل إطلاق صاروخ من جانبهم. لكن الحركة المسلحة تدحض هذه الادّعاءات.
وقد أخضعت إسرائيل قطاعَ غزة لحصار مطلق، منفّذةً ضدّه أعنف غاراتها الجوية. وأفادت وكالة أنباء رويترز أنه في أعقاب الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي أسفر عن مقتل 1300 شخص واحتجاز حوالي 200 رهينة، تعهدت إسرائيل بالقضاء على حماس. وأدت الحرب إلى مقتل ما لا يقل عن 3000 فلسطيني حتى الآن.
ترجمة: أمل المكّي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.