أصحاب المطاعم يشنّون هجوما على محلاّت الوجبات السريعة
تُعاني المطاعم السويسرية منذ سنوات بشكلٍ متزايد من منافسة محلاّت الوجبات السريعة، الأمر الذي أثار حفيظة الفدرالية الوطنية لأصحاب المطاعم والفنادق السويسرية "غاسترو سويس Gastrosuisse"، الذي سعى من خلال مبادرة شعبية أطلقها قبل فترة وسيتم التصويت عليها يوم 28 سبتمبر 2014، أن يضع حدّا لنجاح المنافس الجديد الذي ينعم بانخِفاض لا بأس به في معدّل الضريبة على القيمة المضافة.
منذ عام 2010، تمر المطاعم السويسرية بفترات عصيبة، إذ على الرغم مما تشهده البلاد من تحسّن للوضع الإقتصادي ومن زيادة مُطردة في عدد السكان، إلا أن ما يجنيه القطاع من عائدات ظل في تراجع مُستمِر، حيث انخفض من 26 مليار إلى 23 مليار فرنك. وفي هذا السياق، كانت المطاعم الكائنة في الضواحي الأكثر تأثّرا، حيث تقلصت أعدادها من سنة إلى أخرى. ومع أن أعداد المطاعم في المراكز الحضرية استمرت في التزايد، إلا أنها ليست بمنأى عن هذه المعاناة. فالإرتفاع المسجل في أعدادها، أدى إلى تجاوز العرض للطلب، مما جعل العديد منها غيْر قادِر على تغطية النفقات.
مبادرة الفدرالية الوطنية لأصحاب المطاعم والفنادق السويسرية
عنوان المبادرة: “أنقذوا المطاعم من جور ضريبة القيمة المضافة”، وقد تم التوقيع عليها من طرف أكثر من 118 ألف مواطن، وأُودعت لدى المستشارية الفدرالية في برن يوم 21 سبتمبر 2013 من قبل الفدرالية الوطنية لأصحاب المطاعم والفنادق السويسريةرابط خارجي“غاسترو سويس Gastrosuisse”.
تقتصر المبادرة على مَطلَب وحيد لا ثاني له، يتلخص في تطبيق نفس معدل الضريبة على القيمة المضافة المفروضة على المواد الغذائية بشكل عام، على المطاعم، أسْوة بمحلات بيع الوجبات السريعة ومحلات بيع التجزئة.
هذا الإجراء المطلوب لا ينطبق على المشروبات الكحولية ومنتجات التبغ التي تُباع في المطاعم.
دعت الحكومة الفدرالية وأغلبية أعضاء البرلمان الناخبين إلى رفض المبادرة، التي لم يؤيِّدها خلال مناقشتها في غرفتي البرلمان سوى حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) وعدد من النواب المنتمين إلى أحزاب الوسط..
وجدير بالذكر، أن ثمّة أسباب عديدة للأزمة. فمن جهة، تُسدّد المطاعم فاتورة الضعف الذي يُعاني مه قِطاع السياحة السويسريةرابط خارجي…… فمنذ عام 2008، انخفضت نسبة الليالي المقضاة في الفنادق السويسرية بأكثر من 7٪، وهذا في الأساس راجع إلى غلاء سِعر الفرنك، وقد أضحى العديد من السويسريين يستسهلون عبور الحدود لتناول وجبة الغداء أو العشاء في البلدان المجاورة، للدّور الذي يلعبه سِعر صرف الفرنك مقارنة باليورو في تدني الأسعار. إضافة إلى ذلك، لم تكن الإجراءات الجديدة المتعلقة بخفض نسبة تركيز الكحول في الدّم المسموح بها للسائقين إلى 0,5 في الألف وتوسيع مجال حظر التدخين في الأماكن العامة، بالتأكيد في صالح المطاعم.
ثمّة عامل آخر، شكّل منذ زمن مَصدرا للقلق بالنسبة لأصحاب المطاعم، ألا وهو التغيير الذي طرأ على عادات الأكل عند السكان. فعلى مدى العشرين سنة الأخيرة، وخصوصا في وقت الغداء، تتزايد أعداد الناس الذين لا يجدون الوقت الكافي لتناول وجباتهم في المطاعم الخارجية أو حتى الداخلية، ويفضِّلون تناول وجبة سريعة على الواقف أو في المكاتب، ممّا عزّز دور محلات الوجبات السريعة وزاد من انتشارها وأكسبها قُدرة أكبر على منافسة المطاعم التقليدية.
الجميع على قَـدَم المساواة
قبل بِضع سنوات، قرّرت الفدرالية الوطنية لأصحاب المطاعم والفنادق السويسرية “غاسترو سويس Gastrosuisseرابط خارجي“، اعتماد سياسة الهجوم بدلا من الدّفاع، فقدّمت في عام 2011 إلى المستشارية الفدرالية مبادرة بعنوان “أنقذوا المطاعم من جور ضريبة القيمة المضافةرابط خارجي“، التي تطالب بالمساواة الضريبية بين المطاعم التقليدية ومطاعم الوجبات السريعة. ووفقا للواقع الحالي، تخضع المأكولات والمشروبات في المطاعم الرسمية لضريبة قيمة مضافة قدرها 8٪، في مقابل 2,5٪ فقط لدى مطاعم الوجبات السريعة.
“تعود هذه المفارقة إلى عام 1995، عندما تم اعتماد ضريبة القيمة المضافة وتقرّر من وقتها تطبيق قيمتين مختلفتيْن ما بين بيع المواد الغذائية من قِبَل تجّار التجزئة وبيعها ضمْن خدمات المطاعم، حينذاك لم تكن خدمة الوجبات السريعة قد انتشرت بعدُ، أما اليوم، فهناك تزايد في أعداد المحلاّت التجارية التي تبيع المأكولات الجاهزة والمُعدّة للإستهلاك المباشِر، والتي كثيرا ما تكون ساخنة، وهي بذلك تستفيد من الإنخفاض في معدل الضريبة على القيمة المضافة”، وِفق قول كلاوس كونزلي، الذي استمر رئيسا لـ “غاسترو سويس Gastrosuisse” حتى شهر يوليو 2014.
وفي السياق، تقول الفدرالية الوطنية لأصحاب المطاعم والفنادق السويسرية، إنه “من غير المعقول أن يتكبّد السندويتش أو القهوة ضريبة أكبر فيما لو بيعت ضمن خدمات المطعم، عمّا لو بيعت من قبل محلات الوجبات السريعة”، ولذلك تسعى الفدرالية من خلال المبادرة المطروحة على التصويت أن تُطبَّق على المطاعم ذات القِيم الضريبة المُقرّرة على بائعي المأكولات الآخرين.
الضريبة على القيمة المُضافة في سويسرا
تعتبر سويسرا من بين الدول الأوروبية التي تفرض أدنى ضريبة على القيمة المضافة.
حاليا، تخضع معظم المنتجات في سويسرا لضريبة على القيمة المضافة قدرها 8٪، بينما يختص قطاع الضيافة، الذي يمر منذ سنوات بأزمة صعبة، بقيمة مخفضة قدرها 3,8٪.
تخضع العديد من المنتجات المعتبرة من الضروريات أو التي تكتسي أهمية اجتماعية وثقافية خاصة (كالأطعمة التي تباع بالتجزئة والأدوية والبذور والكُتب والصحف) لضريبة قيمة مضافة قدرها 2,5٪.
هناك أيضا العديد من الخدمات الإجتماعية والصحية والثقافية والتعليمية والرياضية المُعفاة تماما من الضريبة على القيمة المُضافة.
تعتبر الضريبة على القيمة المُضافة المصدر الرئيسي لمداخيل الحكومة الفدرالية. ففي عام 2012، وفّــرت لميزانية الدولة نحو 22,3 مليار فرنك، أي أكثر من ثلث الإيرادات الضريبية.
خسائر ضريبية مفرطة
الحكومة السويسرية، اعتبرت أن “غاسترو سويس Gastrosuisse” ذهبت بعيدا جدا بطلبها، ولئن كان المنطق المعقول بالنسبة للمبادرة أن يتم خفض معدل الضريبة على القيمة المضافةرابط خارجي المفروضة على المطاعم، إلا أن هذا الخيار سيُكبّد الخزينة الفدرالية خسائر مالية تتراوح ما بين 700 و 750 مليون فرنك سنويا، كما أن تعويضها من بعض القطاعات الأخرى لن يخلو من انعكاسات إضافية على المستوى الإجتماعي. أما الحلّ الآخر، فيتمثل في الترفيع في معدل الضريبة على القيمة المضافة المفروضة على المواد الغذائية الأخرى، بما فيها المنتجات التي تباع بالتجزئة. لكنّ، هذه المنتجات هي في الحقيقة من الضروريات، ولذلك تتمتع بتخفيض ضريبي، ومن شأن هذا أن يجعل تطبيق الزيادة أمرا غير مبرر.
وجهة النظر هذه، هي موقف برلماني مشترك، توافقت عليه آراء معارضي المبادرة، من ممثلي تيار اليسار ومعظم ممثلي الوسط. وتقول بريسكا بيير هايمو، النائبة عن الحزب الاشتراكيرابط خارجي: “نحن نتفهم المطالبة بإلغاء المفارقة بين محلات الوجبات السريعة والمطاعم، لكن من حيث الواقع الإجتماعي، لا يمكننا اعتبار التجارة بالمواد الغذائية في نفس المستوى مع البيع بالتجزئة، الذي يُقصد منه سد الحاجة الأساسية للسكان، والذي لا يمكن مقارنته بتناول وجبة غذائية مرفّهة في مطعم يُكلّف العميل تسديد مصاريف أخرى غير الطعام، كالخدمة والمكان والأجواء”،
ومن جانبه، أعرب رودي نوزر، النائب الليبرالي الراديكالي، عن رأيه قائلا: “إذا كان الظرف الحالي الذي يمر به قطاع المطاعم صعبا، فمن المؤكد أن الضريبة على القيمة المضافة ليست هي السبب، وإنما التغيّر في نمط الحياة وفي السلوك الإنساني، إذ أضحى الكثير من الناس يفضلون تناول الطعام على الواقف وتقليل وقت استراحة الغداء، ومن ثمّ، لا نجد أي مسوّغ لتفضيل المطاعم، في وقت تطالب فيه قطاعات كثيرة أخرى بالتخفيض الضريبي”.
الصراع من أجل البقاء
داخل البرلمان، ينحصر الدفاع عن مبادرة أرباب المطاعم تقريبا في نواب حزب الشعب السويسريرابط خارجي (يمين شعبوي) ومنهم سيلفيا فلوكيغر باني، التي أشارت إلى أن “قطاع المطاعم هو أحد أهم القطاعات الإقتصادية، حيث يستوعب هو وقطاع الفنادق أكثر من 210 آلاف وظيفة، أي أكثر من 5٪ من مجموع القوى العاملة، وهو يُصارع منذ سنوات من أجل البقاء على قيد الحياة. فعلى الأقل، لهذا السبب بالذات، ينبغي دعم المبادرة والوقوف معها، لاسيما وأنها لا تريد تحصيل امتيازات، وإنما القضاء على حالة قائمة من عدم المساواة في المعاملة بين المطاعم ومحلات الوجبات السريعة”.
“في السنوات الأخيرة، أنفقنا أموالا طائلة على حملات التوعية للسكان، من أجل الترويج لنظام غذائي صحي ومتوازن، وهذا في الأساس منوط بالمطاعم قبل غيرها، ثم إنها توفّر وقت الظهيرة بالذات، بيئة من الاسترخاء والإستراحة من ضغط العمل. وفي المقابل، نجد أن النظام الحالي للضريبة على القيمة المضافة يُشجّع على تناول وجبة سريعة وغير متوازنة، يتم اقتناؤها من متجر أو من أحد محلات إعداد الوجبات السريعة”، مثلما تقول النائبة عن حزب الشعب اليميني.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.