المحتجزون السويسريون في سوريا والعراق: هل يُعتبر القتال من أجل الدولة الإسلامية جريمة؟
سألني ابني، وهو أمريكي نشأ في سويسرا، وقد أصبح الآن مواطناً مزدوج الجنسية، عمن يكون. وعندما رفضت الإجابة لأنه سؤال معقد للغاية، قاطعني قائلاً إنه يسأل عن جنسيته فقط. "هل أنا أمريكي أم سويسري؟" أراد أن يعرف. أراد المراهق الفضولي تعريفاً واضحاً لهويته العامة، وهو أمر من السهل الإجابة عنه من الناحية القانونية ولكن ليس من السهل الإجابة عنه من الناحية الذاتية المتعلقة بما ينتاب المرء من مشاعر وأحاسيس.
إن الإجابة على هذا السؤال أمر معقّد بالنسبة للحكومات أيضاً. يقول أرسطو: “طبيعة المواطنة … هي في الغالب مسألة متنازع عليها: من المؤكد أنه لا يوجد إجماع عام على تعريف واحد”. ولعل الأزمة الحالية حول المعتقلين من مقاتلي وأتباع الدولة الإسلامية (ISIS)، توضّح إلى أي مدى يمكن أن يكون مفهوم المواطنة معقداً و “وموضع خلاف “.
فالحكومة السويسرية الآن بصدد مناقشة ما يترتب عليها فعله مع المواطنين السويسريين ومزدوجي الجنسية المعتقلين الذين انضموا إلى الدولة الإسلامية في العراق أو سوريا. هل يجب على الحكومة تنظيم عودتهم؟ أم يجب محاكمتهم في مكان احتجازهم؟ وعن هذين الخيارين، تطرح وزيرة العدل في سويسرا، كارين كيلر-سوتر السؤال التالي: ” هل يجب علينا أن نعرّض مواطنينا للخطر مقابل استعادة أشخاص غادروا بمحض إرادتهم للقتال في سوريا والعراق؟”.
“طالما لم يتم إلغاء جنسية هذا الشخص، فإنه من الواجب أن يُمنح كمواطن سويسري محتجز شكلاً من أشكال من الحماية”
أما الخيار الثالث فهو إلغاء جوازات سفرهم إذا كانوا مزدوجي الجنسية، إذ لا يمكن جعلهم قانونياً عديمي الجنسية.
وبحسب القانون السويسري فإنه يمكن إلغاء جوازات سفر المواطنين مزدوجي الجنسية إذا كانت أفعالهم تتعارض مع مصالح سويسرا أو مع سمعتها. وهذا الإجراء ينطبق على من تمت إدانته لارتكابه جريمة خطيرة متعلّقة بأنشطة إرهابية أو بتهمة التطرف العنيف مثل الإبادة الجماعية أو جرائم ضد الإنسانية. وحتى هذه اللحظة، لم يحدث شيء من هذا القبيل.
آراء متباينة
هذه المعضلة ليست فقط مشكلة سويسرية. فالقوات السورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد، تدعي بأنها احتجزت أكثر من 900 مقاتل أجنبي في سوريا. فهل ما يزال لهؤلاء المحتجزين حقوق كمواطنين؟ وهل ما تزال لدى البلدان التي يحملون جوازات سفرها، التزامات تجاههم؟ ولطالما أن المعتقلين لم يتخلوا رسميّاً عن جنسيتهم وما يترتّب على هذه الجنسية من حقوق، فإن أفعالهم يمكن تصنيفها كخيانة أو كحد أدنى من انتهاك مصالح البلد الذي يحملون جنسيته. وبحسب مقالة نُشِرت في صحيفة “تريبون دي جنيف”، فإن جهاز المخابرات السويسرية يقول إن هناك ما يقرب من 20 جهادياً سويسرياً ومزدوج الجنسية حالياً في منطقة الصراع السورية – العراقية.
وفي برن، تتباين الآراء حول ما يجب فعله مع هؤلاء المعتقلين. فمن جهة، هناك من يؤيد مبدأ نزع الجنسية عنهم، ومن جهة أخرى هناك من يؤيد مبدأ محاكمتهم حيث تم احتجازهم. ويحتج كارلو سوماروغا، وهو عضو في لجنة الأمن السياسي قائلاً:” أن الاعتقاد بأن السويسري الذي يتم إلغاء جواز سفره لن يلجأ إلى العودة بطريقة غير شرعية ليس إلا وهماً. إن أفضل حل من أجل أمن البلاد هو إعادتهم إلى وطنهم، ومحاكمتهم، ثم جعلهم يقضون مدة عقوبتهم هنا. هذه هي أفضل طريقة للسيطرة عليهم”. وهل سويسرا أصلاً في حالة حرب مع الدولة الإسلامية؟
‘قنبلة موقوتة’
وكما هو الحال في برن حيث تتباين الآراء بهذا الشأن، كذلك هو الحال في الدول الأخرى حيث لا إجماع حول ما يجب فعله مع جهادييها. وعلى هذا الصعيد، قامت بريطانيا بإلغاء جنسية مراهقة أصبحت “عروس داعش” لمدة أربع سنوات. وبموجب القانون البريطاني، يمكن إلغاء الجنسية المعطاة لشخص ما، إذا كان ذلك ” مؤاتياً للصالح العام” ولا يجعل منه شخصاً عديم الجنسية.
أما فيما يتعلّق بالولايات المتحدة، فيقول محام متخصص في شؤون الهجرة لصحيفة نيويورك تايمز إن هناك ظروفاً تستطيع فيها حكومة الولايات المتحدة إلغاء الجنسية، كالإدانة بالخيانة العظمى مثلاً. لكنه أضاف أن الانتماء إلى جماعة إرهابية أو تقديم المساعدة لها لا يُعتبر سببا كافياً لفقدان الجنسية.
وتحتجز الولايات المتحدة العديد من الجهاديين. ويقول الرئيس ترامب في تغريدة له على تويتر: “إن الولايات المتحدة تطلب من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وحلفاء أوروبيين آخرين أن يقوموا باستعادة أكثر من 800 من مقاتلي داعش اعتقلوا في سوريا، وتم تقديمهم للمحاكمة. الخلافة على وشك السقوط. البديل عن استعادتهم ليس جيداً، لأننا سنضطر عندئذٍ إلى إطلاق سراحهم”.
وبما أنه قد تمّت السيطرة على آخر معقل لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وبدأت القوات الأمريكية بالانسحاب، فسوف يتعين على الدول الأوروبية أن تقرر ما ستفعله مع مواطنيها الذين انضموا إلى الدولة الإسلامية. كثير من هذه الدول تتردد في عودة مواطنيها خشية أن يكونوا تهديداً للأمن المحلي، كما تقول كيلر سوتر. لكن وزارة الداخلية الألمانية أوضحت أن المواطنين الألمان لهم الحق “من حيث المبدأ” في العودة. ومما يزيد الوضع تعقيداً، ما صرّح به مسؤول كردي حيث قال إن المعتقلين “قنبلة موقوتة” يمكن أن تنفجر عندما تنسحب القوات الأمريكية، لأن فرص الهروب ستكون كبيرة جدّاً.
عقد سياسي
هل للمحتجزين أي حقوق ترتكز على أساس جوازات سفرهم وجنسياتهم؟ الجنسية هي هوية عامة تعطي حاملها الحق بحماية الدولة التي ينتمي إليها. ولأنني مواطن في بلد ما – بالقرابة أو بالإقامة – يمكن لدولة هذا البلد أن تفرض عليّ واجبات معيّنة مثل احترام القوانين أو دفع الضرائب، كما يمكنني أن أطالب بدوري الدولة بالقيام بواجباتها تجاهي، كحمايتها لي. هذا هو العقد السياسي بين المواطنين وحكومتهم.
وبالنسبة لأولئك السويسريين الذين تم اعتقالهم في سوريا أو العراق، ألا يحق لهم أن يعوّلوا على الحكومة السويسريّة في تقديم شكل من أشكال الحماية لهم؟ إن كونهم قد غادروا البلاد للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية لا يلغي تلقائياً جنسيتهم، أقله في الوقت الحالي.
وتبين حجة وزيرة العدل أن الخوف من عائد “يعرّض” سويسرا للخطر، أقوى من حق الشخص في محاكمة عادلة في سويسرا. وتصرح قائلة: “بالنسبة لي، فإن الأولوية تبقى أمن السكان السويسريين وقوات الأمن السويسرية”.
ولكن ماذا عن حقوق المُحتجز؟ هل خسر جميع حقوقه بالانضمام إلى الدولة الإسلامية؟ وطالما لم يتم إلغاء جنسية هذا الشخص، فإنه من الواجب أن يُمنح كمواطن سويسري محتجز شكلاً من أشكال من الحماية.
تتعرض سياسات العالم باستمرار للتحدي بسبب قضايا السيادة والهوية. كان سؤال ابني سؤالاً وجيهاً، خاصة في عالم تتزايد فيه التدفقات البشرية عبر الحدود وداخلها. لقد أضحت الهويات الشخصية المتعددة والمواطنة المتعددة جزءاً من العالم الحديث. أكثر من واحد من كل خمسة مواطنين سويسريين يحمل جنسية مزدوجة.
إن التصريحات الرجعية لانعدام الأمن القومي، كتلك التي تنادي بضرورة إقامة جدران حدودية أو بمحاكمة السويسريين في سوريا أو العراق، تقلل من شأن احترام حقوق الإنسان ومن دور سويسرا في حماية كل مواطن. للمواطنين السويسريين الحق في الحماية من قبل حكومتهم. ومن حق المحتجزين أن تتم استعادتهم إلى سويسرا.
المزيد
وزيرة العدل السويسرية ترغب في محاكمة الجهاديين خارج بلادها
خبير أمريكي ـ سويسري في العلوم السياسية. سبق له أن شغل منصب نائب مدير المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف.
تقوم swissinfo.ch بنشر آراء حول مواضيع مختلفة، سواء حول قضايا سويسرية أو مواضيع لها تأثير على سويسرا. يرمي اختيار المقالات إلى تقديم آراء متنوعة بهدف إثراء النقاش حول القضايا المطروحة. تعبّر الأفكار الواردة في هذه المقالات عن آراء مؤلفيها فقط ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر swissinfo.ch.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.