“ستدرك بروكسل أن سويسرا لم تتنكّر لأي التزام”
لم تتمكن برن وبروكسل من التوصل إلى صيغة اتفاق إطاري، وقد طرحت الحكومة الفدرالية نتائج المفاوضات للتشاور، ويقوم بول فيدمِر، عميد الدبلوماسية السويسرية، بتقييم الوضع.
اليوم، أعلنت الحكومة الفدرالية أنها أصدرت تعليماتها إلى وزارة خارجيتها للتشاور مع الأطراف المعنية في سويسرا حول نتائج المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، وبناء على ما ستتمخض عنه تلك المشاورات، ستبُتّ الحكومة بشأن التوقيع على الاتفاقية المؤسساتية مع بروكسل.
وجدير بالذكر أن المفاوضات مع بروكسل بشأن الاتفاق المؤسساتي قد أحرزت تقدما، إلا أنها لم تتمكن من التغلّب على كافة نقاط الخلاف، حسبما ذكر وزير الخارجية إنياتزو كاسيس في مؤتمر صحفي، ومن شأن هذه المشاورات الواسعة أن تُفيد الحكومة في معرفة المساحة المتاحة لها للمناورة، وفق قول رئيس الدبلوماسية السويسرية.
ومن جانبه، أكّد وزير المالية أولي ماورر على ضرورة أخذ الحيطة بحيث لا تجد الأطراف نفسها أمام طريق مسدود، كما أكد على أهمية هذا الملف بالنسبة لسويسرا.
وفي نفس الوقت، أبلغ الرئيس السويسري، آلان بيرسيه، شخصياً رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، بعد ظهر اليوم، بالموقف الذي اتخذته الحكومة السويسرية.
swissinfo.ch: هذا التحرّك من قبل الحكومة السويسرية، ماذا يعني ؟
بول فيدمر: يوضح مدى انسداد الأفق الذي وصل إليه الوضع، نحن حاليا نسير في طريق مسدود، والتأكيد الوحيد هو أن الاتفاق الإطاري بين سويسرا والاتحاد الأوروبي يحتاج إلى مزيد من الوقت، وأفضل شيء هو أن نأخذ نفسًا عميقًا وأن نعيد تقييم كل شيء.
swissinfo.ch: على كل حال، أليس هذا ما الذي تفعله الحكومة من خلال طرح الموضوع للمشاورة؟
بول فيدمر: ربما. ولكنها من حيث المبدأ، تعرف ما الذي تفكر به “الدوائر المهتمة”.
swissinfo.ch: لكن، الإعلان عن النتائج الأولية التي تم التوصل إليها أمر غير اعتيادي، فهل هو دليل على ذكاء استثنائي أم على فقدان الحيلة؟
بول فيدمر: بالأحرى، هو تعبير عن الحرج، ففي الأشهر الأخيرة، ذكرت العديد من الأطراف السياسية الوطنية الفاعلة أنه لا حاجة إلى الاستعجال في انجاز الاتفاقية الإطارية، وعلى العكس، مارست بروكسل ضغطا من أجل التوصل إلى نتيجة سريعة، وهكذا وجدت الحكومة السويسرية نفسها بين المطرقة والسندان.
swissinfo.ch: لكن، أمت كان بمقدور الحكومة الفدرالية أن تقول ببساطة: هذه خطوتنا التالية في هذه المفاوضات، وهي مستمرة على كل حال؟
بول فيدمر: نعم. للخروج من المأزق، الحل الوحيد المتبقي هو إدخال الملف في دوامة جديدة طالما أن الحكومة الفدرالية لا يمكنها القبول بمسودة المشروع بسبب المعارضة الداخلية، كما لا يمكنها رفضها بسهولة من دون أن تثير حفيظة بروكسل، ولذلك فهي تراهن على عامل الوقت.
swissinfo.ch: إذًا، عليها الآن أن تتلقى ردّ فعل بروكسل. فهل سيزداد الضغط؟
بول فيدمر: من المتوقع أن تزيد بروكسل في وضع العراقيل كالتهديد بعدم تمديد الاعتراف بالبورصات السويسرية، غير أنّي لا أريد أن أرسم صورة قاتمة، ويمكن لبروكسل، بهدوء وبرودة أعصاب، أن تدرك بأن سويسرا لا تتنكّر لأي التزام، لكنها ببساطة تحتاج إلى مزيد من الوقت قبل أن تتعهّد بالتزامات جديدة.
swissinfo.ch: بناء على خبرتك الدبلوماسية العريقة، ماذا تتوقع؟
بول فيدمر: لا شيء سيحدث هذا العام. وفي العام القادم؟ أيضا لا أعتقد. نحن بحاجة في علاقاتنا إلى مزيد من الضمانات القانونية، ونحتاج أيضًا إلى مزيد من الوقت، وهو بين أيدينا، ولسنا بحاجة لأن نضغط على أنفسنا.
وهناك قضايا، مثل الاعتماد المرن للقوانين الأوروبية، وعمل هيئة التحكيم، والقوانين المتعلقة بالمواطنة الأوروبية، والحق في حماية الأجور، لا تزال لم تتوضح بشكل كاف، ولابد من إعادة النظر في جميع هذه القضايا بالكامل، والخلاف بين بروكسل وبرن في الوقت الحاضر كبير جدا بالنسبة لحل سريع.
swissinfo.ch: لو أن الحكومة الفدرالية تتحمل الآن المسؤولية عن هذه القضايا، فهل تعتبر متجاوزة لصلاحياتها؟
بول فيدمر: لا، ليس بإمكانها المضي قدمًا بدون إجراء تلك المشاورات، فلقد أظهرت المناقشات الداخلية اختلافات كبيرة، ومطالب النقابات بشأن حماية الأجور واضحة، وتحفظات الكانتونات معروفة – ولا يوجد اتفاق داخل دوائر الاقتصاد، ومع وجود مثل هذه الاختلافات لا يمكن التفاوض، حتى وأن كانت الحكومة لا تستطيع قول ذلك مباشرة.
المزيد
المفاوضات حول الإتفاق المؤسساتي بين برن وبروكسل تدخل مرحلة حاسمة
المشروع المطروح للتشاور
الاتفاق المؤسسي، الذي تريده بروكسل أساسا لضمان توافق أفضل بين القانونين السويسري والأوروبي، لن يشمل مجموع ما يقرب من 120 اتفاقية ثنائية بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا، ويعطي سويسرا الحق في عدم تطبيقه سوى على الاتفاقيات المستقبلية بشأن الوصول إلى الأسواق وعلى خمسة نصوص راهنة: حرية حركة الأشخاص، والاعتراف المتبادل بتقييم المطابقة، والمنتجات الزراعية، والنقل الجوي، والنقل البري.
سيكون لدى سويسرا الوقت الكافي لاعتماد أي تعديل في القانون الأوروبي، مع إمكانية إجراء استفتاء، وفكرة الاعتماد التلقائي مستبدة تماما، وفي المقابل، يريد الاتحاد الأوروبي من سويسرا أن تتنازل بشأن الإجراءات المتعلقة بحرية حركة الأشخاص، وأن تلتزم بشأن حماية الأجور بالقانون الأوروبي (لائحة العمالة المعارة) في غضون ثلاث سنوات من بدء نفاذ الاتفاق المؤسسي.
ينص مشروع الاتفاق على ضمان الإجراءات التالية لا غير: إبلاغ مسبق قبل أربعة أيام للعمال المعارين (بدلاً من ثمانية أيام حاليا)، والضمان المالي يُطالب به فقط أرباب العمل الذين سبق وأن أساءوا، والالزام بالوثائق خاص بالأشخاص الذين يعملون لحسابهم الخاص.
لا يتطرق مشروع الاتفاق إلى اللائحة الأوروبية للمواطنة (اللائحة المتعلقة بحرية حركة مواطني الاتحاد الأوروبي)، في حين يقضي النّص بإلزام سويسرا بضمان حقوق المعونة الاجتماعية، وتوفير حماية أكبر ضد الطرد، ومنح الحق في الإقامة الدائمة لمدة 5 سنوات.
لا ترى برن بأن ثمة تعديل ملزم بشأن حرية حركة الأشخاص، بينما لدى بروكسل رأي آخر، وهو أن المشروع لا يذكر أيضا لائحة الاتحاد الأوروبي بشأن تنسيق خدمات الضمان الاجتماعي التي يجري تعديلها حاليا، فإذا كانت سويسرا ملتزمة بها، فعليها أن تدفع استحقاقات البطالة للعمال العابرين للحدود الناشطين على أراضيها.
في حالة حصول خلاف بشأن اعتماد قانون ما، فيتم اللجوء إلى آلية جديدة خاصة بتسوية النزاعات، إذ يمكن لأي من الطرفين إحالة القضية إلى اللجنة المشتركة الخاصة بإدارة الاتفاقات، وإذا لم تتمكن هذه اللجنة من إيجاد حل في غضون ثلاثة أشهر، فبوسع أي من الطرفين رفع القضية إلى هيئة تحكيم مشتركة، قراراتها مستقلة وملزمة لكلا الطرفين، وإذا حدث أن أحد الأطراف لم يمتثل، فيحق للطرف الآخر أن يتخذ قرارا بشأن تعويض متناسب.
نجحت سويسرا في الحصول على اعتراف بالاستثناءات الحالية بشأن النقل البري، كحظر السياقة ليلا، وأن لا يتجاوز الحد الأقصى 40 طنًا، كما تم حل مسألة المساعدات الحكومية التي حظرتها بروكسل، واستُثني النقل الجوي، حيث لم يحتوي الاتفاق المؤسسي سوى على مبادئ عامة لا أكثر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.