هل طُويت صفحة الصفقة النووية الإيرانية؟
صفقة إيران النووية مع القوى العالمية ما تزال قائِمة رغم تصاعد حدّة التوتر بين إيران والولايات المتحدة بحسب مارك فينو، الخبير في مجال نَزْع السلاح في مركز جنيف للسياسة الأمنية.
تصاعدت حِدّة التوترات بين واشنطن وطهران بعد قيام الولايات المتحدة بقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في بغداد في غارة جوية بطائرة بدون طيار فجر يوم الجمعة 3 يناير.
من جانبها، ردَّت طهران على الضربة يوم 8 يناير بإطلاق أكثر من عشرة صواريخ باليستية على قاعدتين أمريكيتين في العراق تستضيفان قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
شَهِد الصراع المُمتَد منذ زمن طويل بين طهران وواشنطن تصعيداً منذ انسحاب الأخيرة من جانب واحد من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) أو “الاتفاق النووي الإيراني” الذي تم التوصل إليه في يوليو 2015 بين إيران ومجموعة 5+1 وبِدَعم من سويسرا. وفي يوم 10 يناير الجاري، فَرَضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية جديدة على إيران، تبعها إعلان طهران الأحد تخليها عن جميع القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم، وهي الخطوة الأخيرة في تراجعها عن التزاماتها بموجب الاتفاق.
حول ذلك، تحدث الدبلوماسي الفرنسي السابق مارك فينو من مركز جنيف للسياسة الأمنيةرابط خارجي مع الصحفيين المُعتمدين لدى الأمم المتحدة بشأن مستقبل هذا الاتفاق في خضم التوترات القائمة بين واشنطن وطهران.
ما الذي يمكن أن يحدث في ظل هذه الأزمة؟
مارك فينو: نحن في دوامة من التصعيد والانتقام، لكن هذه ليست ظاهرة جديدة. مع ذلك، لا يرغب أحد بحدوث مواجهة شاملة، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي ترامب، لأنه يعلم أن هذا الأمر ليس في صالحه لأسباب انتخابية، لا سيما في حال حدوث خسائر في صفوف الجيش الأمريكي. كذلك لا تستطيع الحكومة الإيرانية تَحَمُّل ذلك، لافتقارها للموارد الاقتصادية أو العسكرية التي تؤهلها في الدخول لمواجهة واسعة النطاق.
لكن هذا التصعيد يمكن أن يخرج عن السيطرة. المخاطر كبيرة للغاية بسبب تَعَدُّد الجهات الفاعلة في المنطقة – مثل الوكلاء [عن الطرفين]، والجهات الفاعلة غير الحكومية والجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى التقنيات العسكرية غير الدقيقة تماماً، وغيرها من المصالح ذات الصلة، مثل طرق النفط والمضايق.
هل لا تزال الصفقة النووية سارية المفعول؟
مارك فينو: ربما تكون قد قرأتَ الكثير من المواضيع والآراء المُختلفة حول انسحاب إيران من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) وانهيار الصفقة النووية وعن إعادة إطلاق طهران لبرنامجها النووي. هذه الأخبار برمتها غير صحيحة. لقد كانت إيران دقيقة للغاية في الإعلان عن الخطوات التي ستتخذها في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية في مايو 2018، التي لم تنتهك خطة العمل الشاملة المشتركة فحسب، ولكن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أيضاً.
إيران انتظرت عاماً كاملاً قبل تراجعها عن التزاماتها بموجب الاتفاقية النووية – التي تستند بأكملها على مبدأ التعامل بالمثل، بمعنى أن تكون لأحد الأطراف الحرية في التصرف في حال عدم إيفاء الطرف الآخر بالتزامته. هذه هي روح الصفقة النووية. لقد كان لإيران كامل الحق في الرد على خَرق الاتفاق من جانب الولايات المتحدة، سيما بعد إعادة الأخيرة فرض عقوبات كبيرة من جانب واحد.
قال الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء 8 يناير إنه “لن يدخر جُهداً” في الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) أو “الاتفاق النووي الإيراني”. وقد عقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اجتماعاً طارئاً في بروكسل يوم الجمعة (10 يناير) لمناقشة سُبل إنقاذ الصفقة.
من جانبه، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يوم الأربعاء إن بريطانيا تعتقد أن الاتفاق النووي الإيراني يظل الوسيلة الأفضل لمنع إيران من تطوير سلاح نووي.
وفي نفس اليوم، دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أوروبا والصين وروسيا إلى “الابتعاد عن بقايا الصفقة النووية الإيرانية”، التي وصفها بـ “الحمقاء”.
وقالت وزارة الخارجية الروسية في وقت سابق يوم الاثنين (6 يناير) إنها لا ترى وجود أي تهديد بانتشار الأسلحة النووية بعد قرار إيران عدم الالتزام بالقيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم، وأضافت الوزارة أن روسيا لا تزال ملتزمة تماما باتفاق إيران النووى.
كانت الخطوات الخَمس التي اتخذتها إيران منذ عام 2018 معروفة جيداً، وتم الإعلان عنها بوضوح للضَغط على الدول الموقعة الأخرى، بغية الضغط على الولايات المتحدة لرَفع العقوبات. وتمثلت هذه الخطوات بقيام إيران بعد عام من الانسحاب بزيادة مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى ما يتجاوز الـ 300 كغم (التي حددتها خطة العمل المشتركة)، وتخصيب اليورانيوم إلى معدلات أكثر نقاءً تتجاوز نسبة 3,67% التي حددها الاتفاق النووي، وتفعيل أجهزة الطَرد المركزي المتطورة لأغراض البحث والبدء بِضَخ الغاز في أجهزة طرد مركزي بمنشأة “فوردو”. وعقب مقتل سليماني، أعلنت طهران تخليها عن أي قيود بخصوص أجهزة الطَرد المركزي وزيادة عددها إلى أكثر من الأجهزة الـ 5000 المحددة في خطة العمل الشاملة المُشتركة.
لقد كانت هذه الخطوات بنوداً أساسية في الاتفاق النووي لتقييد قدرة إيران على إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب اللازم لصناعة السلاح النووي، بيد أنها وصلت نهايتها في وقت أبكر مما كان متوقعاً بفضل السيد ترامب.
لكن جميع البنود الأخرى للصفقة ما زالت سليمة. لذا فإن من الخطأ القول إن خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) قد ماتت. فإيران لم تنسحب منها، وجميع الأحكام الأخرى التي لا حدود زمنية لها، مثل حظر تصنيع الأسلحة النووية أو نظام التفتيش غير المسبوق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تظل سارية المفعول.
ما هو النفوذ الذي تمنحه خطة العمل المشتركة الشاملة لإيران؟
مارك فينو: هذا سيف ذو حَدّين. طهران تستخدم الخطة كوسيلة ضغط للرَد على العقوبات، لكنها تُعلِن في نفس الوقت عَدَم سعيها لامتلاك أسلحة نووية – لأن هذا خط أحمر. إذ سيكون اليوم الذي تُعلِن فيه طهران عن رغبتها بذلك، هو اليوم الذي تُبَرَّر فيه جميع تصرفات المُتشددين في الولايات المتحدة تجاه طهران.
من الواضح أن دُعاة الحرب في الولايات المتحدة يحلمون باليوم الذي تُعلِن فيه إيران عن امتلاكها لأسلحة نووية، حيث ستكون هذه الذريعة المثالية لشن الحرب عليها، تماماً كما حدث عند غزو العراق باستخدام ذريعة أسلحة الدمار الشامل – التي لم تكن موجودة أصلاً. لذا فإن طهران حريصة جداً بهذا الصدد.
لكن نبوءة تحقيق الذات التي يحلم بها البعض يمكن أن تتحقق في حال قيام الولايات المتحدة بشن هجوم عسكري كبير ضد إيران. ففي مثل هذه الحالة يمكن لطهران أن تقول “نحن نتعرض للهجوم؛ وليس من خيار أمامنا سوى الحصول على أسلحة نووية”. لقد حدث هذا بالضبط مع كوريا الشمالية. لذا، فإن الاستراتيجية الأمريكية المتمثلة بـ “أقصى قدر من الضغط” قد تنتهي إلى نتائج عكسية وتؤدي إلى انتشار الاسلحة النووية. لا يريد أحد الوصول إلى هذا الموقف، لهذا السبب تحرص إيران على عدم تصعيد الأمور. لكنها قد لا تتوفر على خيار آخر في حال مواجهتها لهجوم عسكري واسع النطاق.
المزيد
كيف يتعامل “ساعي البريد” السويسري مع الولايات المتحدة وإيران؟
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.