توافُـقات أعسر في برلمان بتحالفات متغيّرة
في 18 أكتوبر 2015، فاز حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) في الإنتخابات الفدرالية بحصوله على 65 من أصل 200 مقعد في مجلس النواب أي بواقع 11 مقعدا زيادة عمّا كان له في المجلس التشريعي السابق، غير أنه فشل في تكرار هذا الفوز على مستوى مجلس الشيوخ، حيث بقيت حصته ثابتة، وهي 5 مقاعد من أصل 46 مقعدا.
وفي أعقاب الإنتخابات التي جرت يوم الاحد 22 نوفمبر 2015 في آخر كانتونين من الكانتونات التي لم تكن قد أجريت فيها انتخابات الجولة الثانية، كان الفوز حليف الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين) في المقام الأول، حيث أعيد وبجدارة انتخاب رئيس الحزب فيليب مولر في كانتون أرغاو، كما تمكن زميله رودي نوزر في كانتون زيورخ من الصمود في وجه الهجوم من جانب كل من الخضر وحزب الشعب، وبذلك أضاف الحزب الليبرالي الراديكالي إلى رصيده في مجلس الشيوخ مقعدين إضافيين، ليتعادل مع صاحب المرتبة الأول في الغرفة العليا من البرلمان وهو الحزب الديمقراطي المسيحي (وسط يمين).
في السياق، لفت دانييل بوخسلر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة زيورخ وفي مركز الديمقراطية في أراو، إلى أن الحزب الإشتراكي أيضا حقق نتيجة رائعة لم يسبق له أن أنجز مثيلا لها على مستوى مجلس الشيوخ.
يعمل دانييل بوخسلر أستاذا لمادة السياسة المقارنة في مركز الديمقراطية في أراورابط خارجي، وفي مركز الخبرة الوطني في مجال الأبحاث حول تحديات الديمقراطية في القرن 21 التابع لجامعة زيورخ.رابط خارجي
نشر في الآونة الأخيرة أحدث أبحاثه، الذي أعدّه بالتعاون مع كريمة بوصباح حول “قوة اليسار في الحكومات المحلية في الكانتونات بسويسرا، وهو يحمل العنوان التالي: “توافق تنافسي .. ماذا بعد السياسة التوافقية في سويسرا”.رابط خارجي
swissinfo.ch: ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه الإنتخابات؟
دانييل بوخسلر: لو قمنا بتحليل النتائج الإجمالية على مستوى الغرفتين، فسنجد بأنها تتبع نفس التوجه الذي ساد العقدين الأخيرين، فحزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) لا زال قويا في القدرة على تعبئة الناخبين المحافظين والقوميين والدّاعين إلى سويسرا منغلقة، وهو نفس السبب الذي يجعل الحزب معزولا وغير قادر على تشكيل أغلبية، ومن ثم ينصب من أجل كسب مقاعد وفقا لنظام الأغلبية، وبناء عليه، نجد بأن الحزب يُحرز تقدما على مستوى مجلس النواب (المنتخب بنظام التمثيل النسبي)، بينما يُعاني من قصور شديد على مستوى مجلس الشيوخ (المنتخب بنظام التمثيل الأغلبي).
swissinfo.ch: إذا، هذه المرة أيضا، لن يستطيع حزب الشعب أن يعوّل على غير جمهوره الإنتخابي؟
دانييل بوخسلر: نعم، خاصة إذا ما نظرنا إلى التعاطف المتبادل بين الناخبين في الأحزاب الأخرى، فمثلا، نلاحظ أن الكثير من ناخبي الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين) يفضلون الحزب الإشتراكي على حزب الشعب.
swissinfo.ch: بموجب التصويت الذي جرى يوم 22 نوفمبر في كانتوني زيورخ وأرغاو، حصد الحزب الليبرالي الراديكالي آخر مقعديْن شاغريْن في مجلس الشيوخ، ليرتفع رصيده من 11 إلى 13 مقعدا وليعتلي مرتبة الصدارة بالتعادل مع الحزب الديمقراطي المسيحي، فهل يمكن اعتبار الحزب الليبرالي الراديكالي الرابح الأكبر في انتخابات مجلس الشيوخ؟
دانييل بوخسلر: لاشك بأن الحزب الليبرالي الراديكالي قد فاز، وأعتقد بأن الفائز الحقيقي هو الحزب الإشتراكي [كسب مقعدا زيادة على 11 مقعد كان يشغلها في البرلمان السابق]، حيث لم يسبق له تحقيق مثل هذا المستوى في مجلس الشيوخ، ومن المدهش أيضا أنه تمكن من إنجاح ممثليه في كانتونات وجوده فيها ضعيف، مثل كانتون أرغاو على سبيل المثال، حيث يمثل تيار اليسار حوالي 20٪ مقابل حوالي 40% لحزب الشعب، أو في كانتونات أخرى تغلب عليها البورجوازية (أي تيارات اليمين) بقوة، مثل سانت غالن وزيورخ وبرن، فضلا عن أنه تمكن في جميع أنحاء البلاد من الحفاظ على مقاعده وتعزيزها بمقعد جديد.
تلك هي النتيجة الطبيعية لانعزال حزب الشعب ودخوله في منافسة مع الأحزاب البورجوازية الأخرى، وعندما تنقسم الكتلة البورجوازية، أو لا تتمكن من الإتفاق على مرشح واحد أو على لائحة مرشحين (مشتركة)، فإنها تخسر لصالح اليسار، وهو ما نلاحظه أيضا في انتخابات حكومات الكانتونات.
swissinfo.ch: بعد عقود من الخسارة المستمرة، تمكن الحزب الليبرالي الراديكالي من عكس اتجاه المنحنى، كيف تفسرون ذلك؟
دانييل بوخسلر: ملاحظة هذا الأمر كانت في الربيع الفائت وفي بعض الكانتونات، باعتبار أن ولادة بعض الأحزاب البرجوازية (اليمينية) الصغيرة، كالحزب البورجوازي الديمقراطي وحزب الخضر الليبراليين، حصلت قبل نحو ثماني سنوات، وكانت قد استنزفت جزءا من ناخبي الحزب الليبرالي الراديكالي، لكنها ولحداثتها لم تستطع المحافظة على بريقها، فعاد بعض من صوتوا لها في الإنتخابات السابقة إلى ماضيهم. ثم هناك عامل آخر، وهو الوضع الإقتصادي وكذلك الأزمة التي سببها الفرنك السويسري القوي.
swissinfo.ch: بشكل رئيسي، كانت الأحزاب المناصرة للبيئة هي الخاسر في الإنتخابات، فهل حدث ذلك بسبب الوضع الإقتصادي، أم أن ذلك يُعزى إلى أن جميع الأحزاب تقريبا قد أدمجت قضية البيئة ضمن برامجها السياسية؟
دانييل بوخسلر: قبل أربع سنوات، وعلى الرغم من تأسيس حزب الخضر الليبراليين، إلا أن كارثة فوكوشيما ساعدت الخضر في الحفاظ، إلى حد ما، على مستواهم. أما في هذه المرة، فليست هناك حوادث مشابهة، ولا أعتقد بوجود مواطنين مناصرين للبيئة بالعدد الكافي للإستمرار طويلا في دعم كلا الحزبين.
swissinfo.ch: في المحصّلة، نجد أن أحزاب اليمين هم غالبية في مجلس النواب، وليسوا كذلك في مجلس الشيوخ، ولذلك يعتقد كثير من المراقبين بأن الدورة التشريعية الحالية (2015 – 2019) ستحفل بأكبر عدد من حالات الإنسداد، فهل تتفق مع هذه الرؤية؟
دانييل بوخسلر: جزئيا. هذه الرؤية ستكون صحيحة لو كنا أمام كتلتين متخالفتين، إحداهما يمين تسيطر على مجلس النواب، والأخرى تتألف من بورجوازيين (يمين) معتدلين ويسار وتسيطر على مجلس الشيوخ.
ومن المبالغة أن نقول بأن اليمين كتلة واحدة، فهناك العديد من القضايا التي يختلفون حولها، كالمسألة المتعلّقة بالسياسة الأوروبية، التي ستكون إحدى الملفات الهامّة جدا في السنوات المقبلة والتي يقف الحزب الليبرالي الراديكالي وحزب الشعب منها على طرفي نقيض، وفي الوقت الحالي، هناك العديد من القضايا التي يصوت فيها الحزب الديمقراطي المسيحي (وسط يمين) باتجاه اليمين وليس اليسار.
ومن ناحية أخرى، فإن جميع المسائل التي تقرّرت في مجلس النواب وفقا لمحور اليسار واليمين، كان الحزب الليبرالي الراديكالي هو من يُرجّح كفة الميزان، بينما سيكون أعضاء الحزب الديمقراطي المسيحي، الأكثر توجّها نحو اليمين، هم من يلعب هذا الدور داخل أروقة مجلس الشيوخ.swissinfo.ch: لكن هناك قضايا ستبقى عالقة بين الغرفتين، أليس كذلك؟
دانييل بوخسلر: نعم، ومن أهمها القضية المتعلقة بإصلاح نظام التقاعد الذي وافق عليه مجلس الشيوخ، لكن من غير المرجح أن يجيزه مجلس النواب وفق تشكيلته الجديدة، وهناك أيضا ما يتعلّق بالسياسة البيئية، وخاصة قضية الطاقة، والتي من المحتمل أن يُعاد التفاوض حولها. فعلى سبيل المثال، لن تكون هناك أغلبية في مجلس النواب مؤيّدة للتخلي عن الطاقة النووية، وسيتعذّر أكثر تأليف أغلبية بشأن السياسة الأوروبية والهجرة.
swissinfo.ch: لكن لابد من إيجاد حلول على أية حال، فهل تعتقد بأن بإمكان حزب الشعب تقديم تنازلات؟
دانييل بوخسلر: بصراحة لا أعرف، وهذا فعلا سؤال جيد، وهناك من يرى بأن انتخاب ممثل آخر عن حزب الشعب في الحكومة سيجعل الحزب إلى حد ما أكثر جنوحا للتوافق، بينما لو رجعنا بالذاكرة إلى الدورة التشريعية 2003-2007 حين كان لدى حزب الشعب ممثليْن ضمن الحكومة، أحدهما كريستوف بلوخر زعيم الجناح المتشدد، لبدا لنا واضحا بأنه لم يطرأ حينها أي تغيير على سلوك الحزب، كما لم تخل تلك الفترة من إطلاق الحزب لمبادرات واستفتاءات شعبية جد استقطابية.
swissinfo.ch: ذكرتم في مقال نشرته مؤخرا الصحيفتين اليوميتين بوند وتاغس أنتسايغر بأن التوافق قد أصبح جزءا من الماضي وأن سياسة التسويات وايجاد الحلول التوافقية أصبحت أكثر ندرة، أليس هذا بالمؤسف؟
دانييل بوخسلر: مكمن الخطورة في صعوبة تحقيق إصلاحات رئيسية، وأخشى أن مثل هذه الإصلاحات، كتلك الخاصة بالسياسة الأوروبية على سبيل المثال، أن تُملى علينا من الخارج، لأننا عجزنا عن إيجاد حلول لها. لكن هذا الوضع السياسي هو، من ناحية أخرى، أكثر ديمقراطية، وواقع الأحزاب الحالي هو أقرب وأصدق في تمثيل الناخبين، كما أن التوافقات التي حصلت خلال الفترة من عام 1980 إلى عام 1990 كثيرا ما كانت محكومة بإملاءات الكتلة البرجوازية، غير أن هذه العصبة لم تعد قائمة، والواقع أن الكتلة البرجوازية قد انقسمت، مما أدى إلى قيام تحالفات مرنة، وأتاح للأحزاب السياسية المتواجدة على قطبي الطيف السياسي أن يكون لها تأثير أكبر، يصب في بعض القضايا في مصلحة اليسار، الذي كان في الماضي مهمشا بعض الشيء، ويصب في قضايا أخرى، مثل الزراعة والجيش، في مصلحة حزب الشعب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.