“لا حوار بدون ديمقراطية، ولا ديمقراطية بدون حوار”
تنتشر في مدارس جنوب سويسرا طريقة مستوردة من ألمانيا تتيح للشبان الفرصة لكي يُصبحوا مواطنين فاعلين، حيث تروّج لها جمعية تسعى أيضًا إلى نسج علاقات في إيطاليا المجاورة. أما كلمة السر لديها فهي: الحوار.
“الديمقراطية لا تنزل من السماء، ولا حتى في سويسرا”: هذا المبدأ راسخ في ضمير القائمين على جمعية “الشباب يُناقشرابط خارجي“، التي تنشط في المناطق الجنوبية الناطقة بالإيطالية، والهادفة بشكل رئيسي إلى نشر ثقافة الحوار.
لا يتردد كينو سونْتسونيي، رئيس الجمعية في الإقرار بأنها غير موجودة، بل يذهب إلى أن هذه الثقافة “للأسف ليست منتشرة بالمرّة”، وهذا يؤثر على مدى جودة الديمقراطية، والحقيقة أن هناك قاعدتين لا تنفصلان: “لا حوار بدون ديمقراطية، ولا ديمقراطية بدون حوار”، ولهذا تعمل الجمعية في المقام الأول مع الشباب، لأنه يتوجّب تدريبهم على ممارسة حقوقهم السياسية.
أما احتمالية مشاركتهم فهي مؤكّدة، وأكبر دليل على ذلك المظاهرات المناهضة للمناخ وتلك المناهضة للعنصرية، التي جاءت عقب المظاهرات التي نظمتها حركة “حياة السود مهمة” في الولايات المتحدة.
الميادين للتظاهر وليست للتقرير
في المقابل، تشير الدراسات إلى أن الغالبية العظمى من الشباب لا يُشاركون في الحياة السياسية، لذا فإنه من الضروري، من وجهة نظر جمعية “الشباب يُناقش” تشجيعهم على القيام بذلك، وتزويدهم بالأدوات اللازمة.
في هذا الصدد، يقول سونْتسونيي: “يجب أن يدرك الشباب أن التظاهر لا يكفي ، لأن القرارات لا تُتخذ في الميادين، بل في البرلمانات وفي صناديق الاقتراع، ولكي يتمكنوا من تحقيق أهدافهم عليهم أن يشاكوا في التصويت والانتخابات”، ولكنهم لا يكونون في كثير من الأحيان مهيئين للعب دور المواطن الناشط.
هنا تحديدا يأتي دور النهج الذي تروّج له الجمعية، والذي تقترحه على المدارس المتوسطة والثانوية والمهنية كبرنامج اختياري، ويؤكّد سونْتسونيي أن “الحوار المستند إلى الحقائق، والواقعي والمحترِم للآخر، هو أحد العوامل الأساسية – وليس الوحيد – للتربية المدنية”.
استعلامٌ.. فاتخاذ موقف.. فتدليلٌ عليه
أن تكون واقعيا معناه أنك تحدّد إجابتك عن السؤال بنعم أو لا، وأن تملك الحجة للتدليل على موقفك الموافق أو المعارض، وأن تكون قادرا على الدفاع عن موقفك بأسلوب مقنع، وأن تجرؤ على مواجهة من يُعارضك، وكل ذلك مرهون باحترام آراء الآخرين.
عمليا، يتم إجراء الحوار على ثلاث مراحل، وفي أوقات محددة سلفًا، ولمدة 24 دقيقة، ويشرح سونْتسونيي قائلا: “الميزة الرائعة هي عدم وجود مُشرِف، ولا يوجد سوى مراقب للوقت معه جرس، وهكذا ، يتعلم المشاركون إدارة مناقشاتهم الخاصة”.
بطبيعة الحال ، يتطلب الحوار إعدادًا أوليًا، يتعلم المشاركون خلاله الاستعلام، والتمييز بين المعلومات الموثوقة والمغلوطة، وبما أن الحوار يجري من خلال تقمّص كل مشارك دورًا، عن طريق القرعة، فإن المحاور بالتالي لا يعبّر عن رأيه الشخصي، بل نيابة عن موقف موجود في المجتمع.
وهذا يعني أن تكون مستوعبا بشكل جيد للموضوع، ومُدعَّما بالحجج والبراهين، وأن تُجيد وضع نفسك في مكان مَن يُخالفك الرأي أو التفكير.
المزيد
خمسون نسخة من الديمقراطية: هل يُمكن قياس سلطة الشعب؟
وغالبًا ما تكون موضوعات النقاش التي تختارها الجمعية عبارة عن مسائل – مطروحة ضمن مبادرات شعبية أو استفتاءات – معروضة على التصويت الشعبي على المستوى الفدرالي، وبذلك نكون قد وفرنا للشباب شبه دورات قصيرة تعدّهم ليصبحوا رموزا للديمقراطية السويسرية المباشرة.
المنافسة كحافز
انطلق المشروع في الأنحاء السويسرية الناطقة بالإيطالية في العام الدراسي 2008-2009، ورغبة في نشر الفكرة وسط الأجيال الناشئة، تطلّب أن تقوم جمعية “الشباب يُناقش” بتدريب المعلمين على الطريقة الجديدة، ثم تترك لهم، بطبيعة الحال، مسألة التقرير بشأن إعطائه للتلاميذ.
وفي كل عام، تنظّم الجمعية مسابقتين على مستوى الكانتون، واحدة لطلاب المدارس الثانوية والأخرى لطلاب المدارس الإعدادية، وقد بلغ عدد المشاركين فيها قرابة 700 طالب، ويتضمّن البرنامج تنظيم جولتين تاليتين في 29 مارس و 19 أبريل 2021.
الأنظار متجهة شمالًا وجنوبًا
من خلال نشاطها على المستوى الإقليمي، سعت الجمعية، ولا زالت، إلى إقامة علاقات تواصل وتعاون على الصعيدين الوطني والخارجي، ويعلّل سونْتسونيي ذلك بقوله: “من الطبيعي أن يكون بين مروّجي الحوار تبادل للآراء ، وتقارب مع المحيطين بهم”.
وأضاف: “أول ما ننظر نحو الشمال، لأن منبعنا هناك”، باعتبار أن الجمعية تبنت نموذج مسابقات “حوار شباب ألمانيارابط خارجي” ، الذي تم تصديره إلى العديد من البلدان، وهو يتناسب مع نظام الديمقراطية المباشرة السويسري، وكذلك تتواصل الجمعية مع جمعيات مماثلة في مناطق لغوية أخرى في شمال سويسرا، وعلى رأسها “حوارات في سويسرارابط خارجي“.
من جانب آخر ، تُوجه الجمعية “أنظارها باهتمام شديد نحو الجنوب، أي إيطاليا ، لأسباب ثقافية ولغوية، حيث توجد هنالك نماذج أخرى مختلفة عن نموذجنا، ولكنها مثيرة جدًا للاهتمام”، على حدّ قول سونْتسونيي، الذي حضر هناك العديد من الدورات ولديه اتصالات منتظمة مع عدة جمعيات.
وبالفعل، أدت اتصالات الجمعية مع إيطاليا، إلى مشاركة طلاب من مدارس كانتون تيتشينو في مسابقة “اطرح أفكاركرابط خارجي” في المعرض الدولي الذي أقيم سنة 2015 في ميلانو، كما أعرب بعض المدرّسين من إيطاليا عن اهتمامهم بتجربة الجمعية السويسرية وعن اعتزامهم الاستفادة منها عندهم، وفق قول سونْتسونيي.
ليس الشباب فقط
في هذا السياق، سيحضر اثنان من أساتذة البلد الجار إلى تيتشينو، وهما مسؤولا “المجلس الوطني الإيطالي للحواررابط خارجي“، لعقد مؤتمر للمعلمين حول موضوع “الحوار كأداة تربوية تعليمية”، ويشار إلى أن جمعية “الشباب يُناقش” وسّعت في عام 2020 أنشطتها وأطلقت في شهر سبتمبر الماضي برنامج مؤتمرات عامة – سيستمر في عام 2021 – يركز على الديمقراطية، ويشارك فيه محاضرون من مختلف الجامعات السويسرية.
في الأثناء، تستعد جمعية “الشباب يُناقش” لإطلاق مبادرة جديدة يصفها كينو سونْتسونيي قائلا: “نريد تنظيم حوارات بين الأجيال، تقوم على أساس اختيار موضوع مطروح للاستفتاء، وإجراء حوار حوله، وفقا لطريقتنا، بين سياسيين أعمارهم فوق 35 عامًا وعدد من الشباب”. وهو يعتقد أن الكثير من جهابذة السياسة بحاجة لأن يتعلّموا من الشباب كيف يتحاورون بمنطق واحترام.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.