مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحرب في أوكرانيا: الدبلوماسية “الموازية” تنشط في جنيف

منحوتة ترمز للسلام بجوار جسر في جنيف
في جنيف، أجرى مركز الحوار الإنساني ومركز جنيف للسياسة الأمنية بعيدا عن الأضواء محادثات استكشافية مع الشركاء الروس والأوكرانيين. © Keystone / Salvatore Di Nolfi

تنشط منظمتان تتخذان من جنيف مقرا لهما منذ أشهر  من أجل تمهيد الطريق لمفاوضات جديدة بين روسيا وأوكرانيا. ويعمل عدد من الخبراء في العلاقات الدولية وآلية الوساطة خارج القنوات الرسمية وبأقصى درجات السرية في اتصال منتظم مع كييف وموسكو.

لا يزال الوصول إلى السلام في أوكرانيا بعيد المنال، بل ربما يكون بعيدًا جدًا. لكن هذا لم يمنع منظمتين غير ربحيتين في جنيف من التفكير في سبل الوصول إليه والبداية بالاستعداد له، ونعني بذلك مركز الحوار الإنساني، ومركز جنيف للسياسات الأمنية. وتُجري الهيئتان – اللتان تتلقيان تمويلًا من الحكومة السويسرية. – حاليًا محادثات استكشافية مع الشركاء الروس والأوكرانيين.

الهدف بسيط وواضح: الحفاظ على مسار الحوار غير المباشر -في الوقت الحالي – بين الاطراف المتحاربة.

“هذا ما يُسمى في التجارة بـ “القناة الخلفية”، يوضّح توماس غريمينغر، مدير مركز جنيف للسياسات الأمنية، ويضيف: “إنها منصة للحوار غير الرسمي تكون سرية بدرجة كافية حتى تتمكن أطراف النزاع من التحدث مع بعضها البعض. لقد التقينا بالفعل ثلاث مرات وجهًا لوجه، وكذلك نظمنا لقاءات عن بُعد، كجزء من هذه المبادرة”.

تجسير حدود الدبلوماسية الرسمية

توفر هذه الدبلوماسية التي يُطلق عليها في بعض الأحيان “الموازية”، وفي أحيان أخرى “الخاصة” والتي تعتمدها هيئات ومنظمات غير حكومية، مجالًا للتقدم حيث تعجز الدبلوماسية الرسمية على تحقيق اختراق. ويشرح دافيد هارلاند، مدير مركز الحوار الانساني، أن “العديد من الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال الحرب الباردة، كالحل الممتاز لفنلندا [في أن تكون مُحايدة رسميًا]، أو تطوير مفاهيم” الانفراج “والحد من التسلح – كل هذا العمل الدبلوماسي قام به موظفون سامون ينتمون إلى الاطراف المتنازعة”.

“لأسباب مختلفة، لم يعد هذا النوع من الدبلوماسية ممكنا اليوم”، يضيف هارلاند، “لذا يجب أن يتم العمل الأساسي للتوصل إلى حلول من هذا القبيل من وراء الكواليس، ثم عرض النتائج على الأطراف والوسطاء الرسميين، إن وُجدوا”.

المزيد

الجلوس مع “الخبراء”

لا يُدلي المركزان الموجودان في جنيف بأيّ معلومات حول أسماء أو حتى وظائف جهات الاتصال الروسية والأوكرانية، وكل ما يكشفه توماس غريمينغر، مدير مركز جنيف للسياسات الأمنية لا يزيد عن أنهم “خبراء رفيعو المستوى لديهم اتصال بالدوائر الرئاسية على الجانبيْن”.

ووفقا لتحقيق أجرته قناة الإذاعة والتلفزيون العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية RTS، فإن هؤلاء “الخبراء”في أغلب الاحوال يكونون مسؤولين سابقين، مدنيين أو عسكريين، ومع ذلك، من المؤكّد أن المنظمتيْن تلتقيان مع شخصيات كبيرة لا تزال في مناصبها، حيث تستضيف جنيف باستمرار وفودا روسية وأوكرانية، لاسيما خلال اجتماعات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.

عبء المحادثات

تكتنف السرية محتوى المحادثات غير الرسمية المكتومة، لكن هارلاند يشير إلى أنها تركز على قضايا محددة للغاية في الوقت الحالي. ويشرح قائلا: “في مارس من العام الماضي، اقترحنا على كلا الجانبين اتفاقية محتملة بشأن الصادرات الزراعية، ثم على الأمين العام للأمم المتحدة، بهدف خفض أسعار المواد الغذائية التي يدفعها ملايين الأشخاص حول العالم الذين يعتمدون على الحبوب القادمة من روسيا وأوكرانيا.. لذا فهذه مسألة محددة يمكن أن يتفق عليها الطرفان، لتجنب اعتبارهما مسؤوليْن عن الجوع في العالم”.

في السياق نفسه، يسلّط توماس غريمينغر الضوء على جوانب أخرى أكثر عمومية: “هذا الحوار غير الرسمي هو منصة مفيدة للحديث معًا ومناقشة وجهات النظر الرسمية لكل طرف. كما أنها تمكننا من تحديد التدابير المناسبة والضرورية لبناء الثقة، ومن هناك تميّز الأفكار  التي قد يكون من الممكن طرحها خلال المفاوضات”.

تخضع روسيا وقادتها المنتخبون حاليا للعقوبات. بالنسبة لبعض المحللين الغربيين والاوكرانيين، فإن التحدث إلى ممثلين أو أعضاء من الكرملين هو بمثابة إضفاء الشرعية على الغزو الروسي لأوكرانيا. بمعنى آخر، هل من المناسب حقا التحدّث مع الشركاء الروس في هذا الوقت؟

يرد مدير مركز جنيف للسياسات الأمنية على هذه المخاوف قائلا: “يجب أن نضع في اعتبارنا دائمًا أننا نتحدث عن حرب عدوانية من جانب روسيا ضد أوكرانيا”. لكن من المفترض أن تتحدث الدبلوماسية مع جميع الأطراف المستعدة للتحادث. وللوصول إلى نهاية تفاوضية لهذا الصراع، ليس لدينا خيار سوى الانخراط مع كلا الجانبين”.

ولا يختلف كثيرا ردّ هارلاند الذي يقول: “كل المفاوضات هي البحث عن أهون الشرّين، والأمر متروك لأطراف النزاع لتحديد أين تكمن هذه النقطة”.

المزيد
رجلان يتحدثان في مؤتمر صحفي أمام أعلام سويسرا وأوكرانيا

المزيد

عام على اندلاع حرب أوكرانيا: كيف غيّرت هذه الحرب سويسرا

تم نشر هذا المحتوى على بعد هجوم روسيا على أوكرانيا، تُواجه سويسرا متطلبات غير مسبوقة. فما هي التغيّرات التي طرأت على سويسرا خلال هذا العام؟

طالع المزيدعام على اندلاع حرب أوكرانيا: كيف غيّرت هذه الحرب سويسرا

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية