“الدولة الإسلامية” في العراق.. صراع وُجود أم تنازع نُفوذ؟
في ضوء استبعاد إيران قائد فيلق القدس (الحرس الثوري) من العمل في العراق، بعد سلسلة إخفاقات كارثية انتهت بسيطرة الدولة الإسلامية على ثلث البلاد واتساع حكم الأكراد، أصبح كل شيء في العراق وحتى في سوريا يمشي على المكشوف، خصوصاً بعد أن تجاوزت "الدولة الإسلامية" (داعش سابقا) الخطوط الحُمر..
لقد أدى إقدامها على قطع رأس الصحفي الأمريكي جيمس فولي، إلى وضع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، في مأزق كبير بسبب تغاضيهم المستمر عن نمُو هذا التنظيم، الذي أصبحت معه الأمور خطيرة لا تقتصر على مجرد عمليات انتحارية وقطع رؤوس ونبش قبور وبيانات وصلوات وتكبير، بل تطورت لتصبح حملات مدروسة كبيرة جداً في مواقع التواصل الاجتماعي، تجمع المتطوعين والأنصار والمؤيدين من كل مكان وتجندهم لهدف يتلخص في عودة “الخلافة الإسلامية”.
فالصّراع الذي يجري في العراق منذ سقوط نظام الرئيس السابق صدّام حسين في أبريل 2003 وامتد في الفترة الأخيرة إلى سوريا ولبنان تحديداً، مع استثناء (بسيط) للأردن وفلسطين، يُريد أن يرسم من جديد خارطة جديدة، ليس للشرق الأوسط الذي قُـسِم وِفق اتفاقية سايكس – بيكو قبل مائة عام بل لعموم العالم الإسلامي، وهذه المرة على وقع ما تحقّقه دولة الخلافة الإسلامية الموعودة من انتصارات على مرأى ومسمع من القوى الغربية التي طالما حذرت من “الأصولية الإسلامية” و”التطرف الديني”..
نجاحات التنظيم
في بلاد الرافدين كانت البداية.. ومنها امتدت “الدولة الإسلامية في العراق”، لتشمل سوريا، ولتعلن في أبريل 2013 “اندماجها” مع جبهة النصرة، في أكبر خديعة وقعت فيها القاعدة وقيادتها المركزية حتى الآن، رغم ما مرت به من تجارب..
وفي العراق أيضاً، ستكون النهاية (المرتقبة) لهذا التنظيم الذي نجح مؤسِّسوه في تقديمه أول مرة، كبديل قوي لتنظيمات مسلّحة أخفقت في مقارعة الإحتلال الأمريكي والقوى المحلية التي ساندته أو استفادت منه لتحقيق مكاسبها الطائفية والعرقية الضيقة.
فالنجاحات التي يحصدها التنظيم ميدانياً، تجعله يطمح في تنفيذ مشروع قديم كان يُراود أحلام كل الذين كانوا يعتبرون أن سقوط الخلافة العثمانية (في عام 1923)، سقوط للإسلام، ومنهم بالطبع حزب الدعوة الإسلامية وعموم الإسلام السياسي الشيعي المهيْمن (في الظاهر) على مفاصل الحُكم في العراق الجديد، ومعهم بالطبع ممثلة الإسلام السياسي السُني، خصوصاً الإخوان المسلمين وواجهتهم المعروفة المتمثلة حالياً في العراق بـ “الحزب الإسلامي”،رابط خارجي وكلاهما يقف في الواقع على طرفيْ نقيض من داعش بفارق بسيط، وهو أن الاخوان والحزب الإسلامي، يتحالف في بعض المواقع مع تنظيم الدولة، عندما يتعلّق الأمر بكراهية الشيعة والحدّ من نفوذهم، والتعاون لإعادة ما يعتبرونه “الحُكم السني” في العراق، كما كان عليه الأمر منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة في عام 1921.
حزب الدعوة الإسلامية رابط خارجيكان يبكي حَسرة في نشراته الداخلية على “سنوات سقوط” الخلافة العثمانية فيما كا يُعرف بـ “المرحلة الفكرية” (أو “مرحلة البناء”)، قُبيل تولي صدّام حسين مقاليد السلطة رسمياً في 17 يوليو 1979، وكان يعتبرها بقية الإسلام السياسي الذي يعني قدرته على الحكم و”قيادة البشرية المعذبة إلى شاطئ الأمان”، برغم كل الفساد الذي كان يعشعش في دولة الخلافة العثمانية وطريقة الحُكم التي تتعارض مع منهج الدعوة والذي كان يؤمن إلى حد كبير بالإمامة السياسية ونهج ولاية الفقيه وما كان يسمى أيضاً لدى منتقدي الدعوة” الاثنينية”، وهي المزاوجة بين سلطة الولي الفقيه وعموم المرجعية الدينية وسلطة الحزب نفسه!
ومن خلال متابعة نهج حزب الدعوة العام ونظريته في الحكم وقبوله المشاركة في تأسيس نظام المُحاصصة الطائفية والعرقية في العراق، وإسقاط نظام صدّام عبر التعاون مع الاحتلال الأنجلو – أمريكي (وهو تمش يتعارض مع فكر الدعوة ونظرية المرحلية والتدرّج نحو استلام الحُكم وبناء الدولة الإسلامية)، يمكن أن يستخلص المرء أن هذه” الإثنينية” تحولت إلى نوع من أنواع التقية السياسية وما يمكن أن يُسمّى بالنفاق السياسي، وهي تتشابه تماماً – حسب البعض – مع ما يؤمن به الإخوان المسلمون وعموم متبنّي الإسلام السياسي في المنطقة.
ويُمكن القول أن هذا التفسير الخاطئ للدّين والدعوة إليه بهدف استلام الحكم، قد يبرر أو يفسر ما يشهده العراق (وباقي أقاليم المنطقة)، من نزاع دموي تُستخدم فيه كل الأسلحة القذرة، ولو بلغ ما بلغ، فكيف هو الحال مع غير الإسلاميين؟
“بعث تشيِّـده الجماجم والدمُ..”
في المقابل، فإن قادة حزب البعث ومن تبقّى من زعماء النظام السابق وأجهزته السرية والعلنية، وقُدامى ضباط الجيش العراقي الذي أنشئ بعد مجِيء البَعثيين للسلطة في عام 1968، كانوا تبنَّوا من قبل نظرية: “بعثٌ تُشيده الجماجم والدمُ.. تتهدمُ الدنيا ولا يتهدّمُ”.
فهُم إذن لم يركنوا للتغيير الذي حصل، رغم إرادتهم في عام 2003، وراكمت في شعورهم أن حقهم في الحكم ضاع، سلسلة أخطاء العهد الجديد الذي جعلهم يعتقدون أن نفوذ السُنة انتهى إلى غير رجعة، وشاركهم في ذلك الرأي، حتى أولئك الذين كانوا مُهيَّئين للقبول بالأمر الواقع محمّلين (بينهم وبين أنفسهم) صدّام والحلقة الضيِّقة التي كان يحيط هو نفسه بها..
وليس سراً القول أن حزب البعث العراقي كان جعل من خيار محاربة إيران واعتبارها العدُو الأول للعرب والقومية العربية وحتى لفلسطين، بديلاً لشعار الحزب المركزي “فلسطين طريق الوحدة.. والوحدة طريق فلسطين”، وهو يرى أن الذين حكموا بديلاً عنه قدِموا من إيران أو تحالفوا معها، وعلى رأسهم “حزب الدعوة العميل”، كما كان البعث وإعلامه يسمّيه.
ومن هنا، كان لزاماً على البعث والمخلِصين لعقيدته في العداء المستمر لإيران، وأيضاً على الكثيرين ممّن وجد نفسه في خندق المواجهة للحفاظ على وجوده، خصوصاً أولئك الذين ساهموا بالقوّة والفعل في قتل الشيعة والأكراد وباقي المنتفعين من زوال النظام السابق، فكان القرار، العمل بكل الوسائل لإسقاط النظام الجديد.
لقد تغلغل البعث في السلطة الجديدة وعزز من مشاركته في العملية السياسية، رغم أنه يرفضها في العلن. وكان واضحاً تبادُل الأدوار بين مَن دخل العملية السياسية بذرائع ويافِطات شتى: الدفاع عن السُنة أو تمثيلهم أو لإيجاد تيار وطني يمثل العراقيين وغير ذلك.
وبرزت أسماء مثل صالح المطلك وظافر العاني وآخرون كانوا يرفعون شعار المقاومة ضد الإحتلال ونبذ المحاصصة، لكنهم لا يخْفون اليوم تمثيلهم لما يسمّونه (المكون السُني) ويطالبون بإقليم مستقل للسُنة، بعد أن كانوا يتّهمون خصومهم بالعمل على تقسيم العراق.
كما أن طارق الهاشمي، النائب الأول للرئيس العراقي (المتّهم من قِبل القضاء بجرائم قتل)، وهو نموذج عن الإسلام السياسي الإخواني، صار يتباهى بأنه يُدافع من قطر وتركيا عن (السُنة) مختزلاً العراق بصراع المقاولين السُنة والشيعة على كعكة الحٌكم… وبأي ثمن.
حيرة وارتباك
أما الشيعة، فإن الهدف صار عندهم (مانطِّيهه) ولو تحوّل العراق كله إلى جماجم ومقابر جماعية، وهم يتنازعون حول السلطة والوزارات السيادية ويقدّمون النموذج السيِّء للحكم.
ولكن، بعد تنازل نوري المالكي عمّا سماه حقه القانوني في تجديد رئاسة الوزراء لصالحه، كشفت مصادر في القيادة الإيرانية عن استبعاد قائد فيلق القدس قاسم سليماني من العمل على الملف العراقي، بعد الإخفاقات السياسية والأمنية على مدى ثمانِ سنوات من حُكم رئيس الوزراء نوري المالكي، الحليف الرئيسي لسليماني والمتّهم على نِطاق واسع بانتهاج سياسات طائفية في الحُكم لصالح الشيعة.
ونقلت المصادر أن اللواء حسين همداني، وهو أحد أبرز مساعدي سليماني في الملف السوري، استدعي من سوريا وعُيِّن مساعداً لأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الأميرال (الأهوازي علي شمخاني)، كمسؤول عن الملف العراقي، لإيجاد توازن ميداني على الأرض لصالح حلفاء إيران من خلال خبرته في القتال ضد المجاميع المسلحة في سوريا.
وأدّى التدخل الإيراني المُرتبك خلال الفترة التي سبقت إشراف شمخاني على هذ الملف في حكم العراق خلال السنوات الأخيرة، إلى احتجاجات من السياسيين الشيعة أنفسهم على طريقة إدارة العملية السياسية والتفرّد بالسلطة، الذي كان من أبرز ملامح ولايتيْ المالكي (2006-2014) وانفجرت الاحتجاجات على ما سمي حينها سياسات “التهميش”، سياسيا وتنمويا، التي تبنتها الحكومة العراقية ضد السُنة.
وفي الشهور الأخيرة تجلّى الفشل الإيراني في العراق، من خلال سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” بين عشِية وضُحاها على مناطق واسعة في شمال وغرب البلاد، بعد فرار الجيش العراقي.
وكان من مخرجات هيْمنة سليماني على مفاتيح الحُكم في العراق أن صار هذا البلد مهدّداً بأن يصبح دولة فاشِلة مع سقوط ثلث أراضيه في يد “الدولة الإسلامية” التي أصبحت محطّ أنظار العالم، باعتبارها الخطر الأمني الأبرز على المنطقة.
وعلى إثر ذلك أيضا، وسّع الأكراد من نفوذهم في مناطق جديدة وباتت المساعدات العسكرية والإنسانية الدولية تتوجّه مباشرة إلى أربيل دون المرور ببغداد.
وقالت المصادر نفسها إن الرئيس الإيراني حسن روحاني تمكّن من سحب أكثر الملفات الإقليمية حيوية في سوريا والعراق ولبنان واليمن والبحرين والقطيف وباقي المنطقة، لتُصبح كلها في قبضة شمخاني.
وأكّدت المصادر أن سليماني سيخلف قائد الحرس الثوري الحالي اللواء محمد علي جعفري، والذي سجلت رؤيته للواقع العراقي إخفاقاً بسبب صراعات حلفائه الشيعة الداخلية حول السلطة والنفوذ، ما عاد يتدخّل في ملفات سوريا ولبنان والعراق، لكنه بقي مسؤولاً فقط عن ملف ما يسمّى “المواجهة مع إسرائيل”.
أمريكا تسعى لتشكيل ائتلاف دولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية
واشنطن (رويترز) – قال مسؤولون بالإدارة الأمريكية يوم الأربعاء 27 أغسطس 2014 إن الولايات المتحدة تكثف مساعيها لبناء حملة دولية ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا بما في ذلك تجنيد شركاء لاحتمال القيام بعمل عسكري مشترك.
وأضاف المسؤولون الأمريكيون أن بريطانيا واستراليا مرشحتان محتملتان. وكانت ألمانيا قالت يوم الأربعاء إنها تجري محادثات مع الولايات المتحدة وشركاء دوليين اخرين بشأن عمل عسكري محتمل ضد تنظيم الدولة الإسلامية لكنها أوضحت أنها لن تشارك.
وقالت جين ساكي المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية للصحفيين “نعمل مع شركائنا ونسأل كيف سيكون بمقدورهم المساهمة. ثمة عدة وسائل للمساهمة: انسانية وعسكرية ومخابراتية ودبلوماسية.”
ولم يتضح عدد الدول التي ستنضم للحملة فبعض الحلفاء الموثوق بهم مثل بريطانيا لديهم ذكريات مريرة عن انضمامهم للتحالف الذي قادته الولايات المتحدة لغزو العراق عام 2003 والذي ضم قوات من 38 دولة. وكانت فرنسا قد رفضت المشاركة في الغزو.
وتبين لاحقا كذب الادعاءات بوجود أسلحة دمار شامل لدى العراق وهي الادعاءات التي حفزت التحالف على التحرك.
وقال المسؤولون إن الولايات المتحدة قد تتحرك بمفردها اذا دعت الضرورة ضد المتشددين الذين استولوا على ثلث الأراضي في كل من العراق وسوريا واعلنوا عن حرب مفتوحة ضد الغرب ويرغبون في اقامة مركز للجهادية في قلب العالم العربي.
واجتمع مسؤولون كبار بالبيت الأبيض هذا الأسبوع لبحث استراتيجية لتوسيع الهجوم على تنظيم الدولة الإسلامية بما في ذلك امكانية شن ضربات جوية على معقل المتشددين في سوريا وهو تصعيد من المؤكد ان يكون اكثر خطورة من الحملة الأمريكية الحالية في العراق.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 أغسطس 2014)
داعش “البعثية”
في سياق متصل، هناك الكثير من القصص التي تم تداولها عن داعش.. لعل أبرزها قصة تنظيم يثير الرّعب في نفوس مُناوِئيه ويخلط الأوراق على الذين يحاولون تحليل كيف بدأ؟ وكيف نشأ؟ ومَن هي الجهات التي تقف خلف تأسيسه..؟
فتنظيم داعش بخُلاصة مستعجلة ما عاد يضم الدولة الإسلامية في العراق وجبهة النصرة، كما أُعلن في وقت سابق من العام المنقضي، لأنه ومنذ أن تبرّأ منه أيمن الظواهري، زعيم القاعدة، الذي اكتشف بعد فوات الأوان أنه بلع الطّعم وروّج في مرات سابقة للدولة الإسلامية على أنها ذراع من أذرعة القاعدة في العراق، وفهم (الظواهري) بعد فترة أنها لا تنتمي أصلاً للقاعدة ولم تكن كذلك، حتى عندما كانت تتعاون مع تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بقيادة أبو مصعب الزرقاوي.
داعش أو ما أصبحت تعرّف نفسها بدولة الخلافة الإسلامية، هي حسب مصادر عدة ومعلومات متوفرة لدى مراقبين في المنطقة مخلوق مسخ لحزب البعث (أو لبعض أجنحته التي لا زالت ناشطة)، وهذا بغضّ النظر عن الجهات الإستخبارية التي تستفيد من هذه النوعية من التشكيلات وتقوم باختراقها وتوجيهها لتحقيق أهداف معيّنة، ثم تقوم بالتخلص منها لاحقا وكأنك “يا بوزيد ما غَـزيت”.
تم الإعلان عن «الدولة الإسلامية في العراق» في أكتوبر 2006، ثم تحوّل التنظيم في 9 أبريل 2013 إلى مشروع يضم العراق والشام، تحت مسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وأخيراً أصبح مشروع خلافة إسلامية وصار إسمها «الدولة الإسلامية» في 29 يونيو 2014، وهذه مفتوحة على الأرض.
وتذهب نفس المصادر إلى أن “داعش” أو “دولة الخلافة الإسلامية” أو “الدولة الإسلامية في العراق”، ليست سوى تشكيلة من إنتاج حزب البعث ورجال المخابرات وضبّاط الحرس الجمهوري وفِـدائِيّي صدّام الذين قاموا بُعيْد الاحتلال الأنغلو – أمريكي للعراق، بمقاومة النظام الجديد الذي قام على أنقاض نظام قاده حزب البعث العراقي منذ عام 1968 وسيطر عليه صدّام بشكل عملي ونهائي منذ عام 1979 إلى حين سقوطه المدوّي في 9 أبريل 2003.
قد تبدو هذه الرواية ضربا من الخيال أو من التنجيم، وقد يعسُر تصور عد ارتباط مثل هذه الجماعة بدول كبرى أو حتى إقليمية في المنطقة، لكن يؤكد كثيرون أن داعش لم تؤسّسها المملكة العربية السعودية ولا إيران ولا حتى نظام بشار الأسد في سوريا، بل يبدو أنها تأسّست لكي تنتقِم من كل الذين ساهموا أو شاركوا في إسقاط نظام صدّام في العراق، وهي إذن تعتبر الشيعة والأكراد وكل الذين حضروا مؤتمر لندن في منتصف ديسمبر 2002 قبل الضربة الكبرى وقبلوا بنظام المحاصصة الطائفية والعِرقية الذي وضع أسُسه السفير الأمريكي من أصل أفغاني “زلماي خليل زادة”.
وفي السياق، يبدو أن داعش تعتبر المملكة العربية السعودية والكويت ومن بعدهما الإمارات (وطبعاً إيران) هدفها التالي للإنتقام منها، لأنها شاركت هي الأخرى وإن بدرجات متفاوتة في “الجريمة”، أي إسقاط نظام صدام.
في المقابل، يُمكن القول أن مَن أسّس داعش عبر اختراقها ومعظم التنظيمات التي أطلقت تحت شعار “مقاومة الإحتلال”، عرف من أين تؤكل الكتف، وقام بإيجاد خلطة عجيبة تجمع “شرعيين” من يافعين وفتيان سعوديين، وبعض رجال الدّين ممّن يفتقر لأي أهلية علنية، سوى أنه يحمل حقداً على الشيعة والنظام الجديد في العراق، ولعل الكثير من هؤلاء من العراقيين، كان أعد لهذا اليوم ربما بالصّدفة، فهم خرّيجو مدرسة صدّام وتفرّعاتها المخابراتية والحزبية.
تحرك دولي وإقليمي؟
كان المخطط – حسب بعض المصادر العليمة – أن تحصل هذه الجماعة على دعم من السعوديين ومن معظم الذين تربَّوا في مدرسة محمد ابن عبد الوهاب وعموم السلفية، التي أنتجها فكر ابن تيمية، ورفعوا شعار قتال الرافضة والعلويين على خُطى الفتاوى المعروفة في تكفير الآخر، لكنهم يبدو أنهم كانوا يرمون فقط إلى الحصول على “شرعية” جهادية تتيح لهم خلافة تنظيم الزرقاوي (أي القاعدة) وقد حصل لهم ذلك فعلا، وحققوا ما أرادوا وتبنَّوا الدعوة إلى دولة الخلافة الإسلامية، بفكر التِقاطي جُمع من هنا وهناك، ما يبرِّر لهم سعْيهم إقامة “الدولة الإسلامية” على الأرض.
غير أن المخطط (المفترض) انطلى فقط على السذج ومراهقي العلوم الدِّينية، أما المتعمِّقون في هذا المجال فقد اكتشفوا بيسر أن داعش لا تمتّ بصلة لمدرسة محمد بن عبد الوهاب أو ابن تيمية ولا تمثل أي فرع من فروع السلفية الجهادية، لكنهم آثروا الصمت ما دامت تُحارب “الرّافضة” والآخرين الذين يصمهم أولئك بالكفر، على الرغم من أن “الدولة الإسلامية” تظهِر اعتناقها ذات المدّعيات العقدية وتبشيرها بنفس التعاليم الدّينية التي صاغها محمد بن عبد الوهاب، وتزيد على ذلك أنها تحمل في طيّاتها الوعْد المؤجّل منذ قرن ونيف، أي إقامة دولة الخلافة، وصنع ما أخفق في صنعه مشايخ الوهابية و”الإخوان” و”حركة جهيمان” و”مشايخ الصحوة” و”قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” وغيرها من المحاولات الفردية والجماعية التي شهدتها المنطقة طيلة المرحلة السابقة.
في المقابل، يبدو أن الدول الكبرى وباقي أجهزة الاستخبارات الدولية تعرف جيداً كيف نشأت داعش، كما أنها قادرة بلا ريب على رصد نشاطها المُذهل في العالم الإفتراضي الذي تحصل بواسطته على أعداد متزايدة من المتطوِّعين، والذي أسقطت دعايتها فيه كلا من الموصل وتكريت وغيرها من مناطق استراتيجية هامة في العراق عن طريق استخدام أسلوب: “اضرب الجبان ضربة يطير من فزعها قلب الشجاع”، وعبر نشر أفلام فيديو مُمنهجة عن القتل وقطع الرؤوس بوحشية، وتغلغلها في وسائل الإعلام، حتى الغربية منها، عبْر شبكة من النشطاء يُغذون المواقع والعديد من وسائل الإعلام بالصور والمعلومات مباشرة “من الميدان”.
أخيرا، يبدو أنه لن يتيسر القضاء على داعش (التي تطمع في الحصول في مرحلة ما على بعض الدعم من قوى متنفذة دوليا وإقليميا لأسباب مختلفة)، ما لم يتحرّك الجميع على هذا الأساس ولن ينجحوا دون تنسيق دولي وإقليمي شامل، ودون الإقرار بأن معظم الجهات المتورِّطة في دعمها بحجّة “الدفاع عن حقوق السُنة في العراق” تتحمل قدرا لا بأس به من المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.