مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السويد تُـعيد فلسطين إلى الساحة الدولية

يوم 3 أكتوبر 2014، أعلن ستيفان لوفين، رئيس الوزراء السويدي الجديد وزعيم الحزب الإشتراكي الديمقراطي الفائز بالإنتخابات العامة عن اعتزام حكومته منح الإعتراف الرسمي إلى دولة فلسطين. Keystone

يُؤذن إعلان حكومة السويد نِيّـتها الاعتراف بدولة فلسطين، بمرحلة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يبدو أنه قد غادر غرفة المفاوضات السياسية والمواجهات العسكرية، لِـيحِط على ساحة الشرعية الدولية من جديد.

في السياق، لم يكن تصويت غالبية أعضاء البرلمان البريطاني (غير المُلزم) على مذكّرة تدعو حكومتهم للإعتراف بفلسطين إلى جانب إسرائيل، والذي جاء بعد أيام من إعلان ستيفان لوفين، رئيس الوزراء السويدي الجديد وزعيم الحزب الإشتراكي الديمقراطي، سِوى مُؤشِّـر آخر على هذا التوجّه الذي راح يتبلْـور مع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، ووصول المفاوضات السياسية بين الطرفيْن إلى طريق مسدود.

ويقول علي الجرباوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيترابط خارجي في حديث إلى swissinfo.ch “لقد حرّك رئيس الوزراء السويديرابط خارجي حجرا في المياه الرّاكدة وكسر حاجز الرفض”، في إشارة إلى موقف الدول الأوروبية الرئيسية الرافض الإعتراف رسميا بدولة فلسطين.

وقال الجرباوي، وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق في الحكومة الفلسطينية: “هذه خطوة مهمّة نحو إنهاء دول الاتحاد الأوروبي رفضها الإعتراف رسميا بفلسطين، وهو كذلك ردّ فعل على تعنُّت إسرائيل المتواصل وتنكّرها لحل الدولتيْن”.

ويرى الجرباوي وغيره من السياسيين والخبراء الفلسطينيين، أن الخطوتيْن السويدية والبريطانية ستقودان دُولا أخرى في العالم الغربي باتِّجاه تغيير موقفها إزاء الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين.

وقال أمين عام حزب الشعب الفلسطينيرابط خارجي (الشيوعي سابقا) بسّام الصالحي في تصرحيات خاصة لـ swissinfo.ch “هذا مؤشّر على أن الاتجاه الدولي جاهِـز لخطواتٍ أوسَع مع الجانب الفلسطيني، على طريق تطبيق القرارات الشرعية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي”.

ويرى الصالحي أن الخطوة السويدية “تسمح بتصعيد الحملة الدولية لمُقاطعة إسرائيل والتعاون مع مُختلف المؤسسات الدولية والإنسانية، والتنسيق مع الأحزاب الدولية، لاسيما الأوروبية، للضَّغط على حكوماتها لاتِّخاذ مواقف أكثر حزْما تُجاه إسرائيل”.

ويضيف أن الوقت قد حان أيضا لقيام السلطة الفلسطينية بالانضِمام إلى المعاهدات والاتفاقات الدوليةرابط خارجي، التي من شأنها أن تفتح المجال أمام مُحاكمة إسرائيل دوليا.

وغداة الإعلان السويدي، سارع رجال دين مسيحيون بتوجيه نداء إلى أوروبا، للاعتراف بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وبعث ميشال صباح، بطريرك اللاتين السابق في القدس، وعطا الله حنا، رئيس أساقفة القدس للرّوم الأرثوذكس، والأسقف منيب يونان، رئيس الكنيسة اللوثرية في فلسطين والأردن، ما أسموه “نداءً عاجلا من القدس إلى العالم أجمع وإلى أوروبا خصوصا من أجل العدالة والسلام”.

وقال البيان الذي نشرته وسائل الإعلام المحلية “إن الاعتراف بفلسطين وترسيم حدود إسرائيل، يشكل المرحلة الأولى للتوصّل إلى هذا الهدف”. وأضاف “لقد مللنا من الدّعوات إلى استئناف المفاوضات، بينما لا نستطيع التوجّه إلى كنائسنا بسبب سلطة أجنبية وتعرّض شعبنا لإذلال متواصِل من احتلال غيْر مرغوب فيه”.

محطات بارزة على طريق الإعتراف بدولة فلسطين

في عام 1988، أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، عن قيام دولة فلسطين على الأرض، التي احتلّتها إسرائيل عام 1967 (وهي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة).

شكّـل هذا الإعلان من أجل السلام، بقبول ما نسبته 22% من أرض فلسطين، تنازلا تاريخيا قدّمه الفلسطينيون.

منذ بدء عملية السلام في أوسلو في عام 1993، عمدت الأسْرة الدولية على التأكيد أن الحلّ الوحيد للصِّراع في الشرق الأوسط، يكمُـن في حل الدولتيْن، وهو الحلّ الذي يقتضي بالضرورة، إقامة دولة فلسطينية مستقلّة ذات سيادة وقابلة للحياة بجوار إسرائيل.

في عام 2009، تعهدت الأسْرة الدولية بدعم خطّة الحكومة الفلسطينية لبناء مؤسسات الدولة، والتي استكملت في سبتمبر 2011.

أقرّت الأسْرة الدولية، أن الفلسطينيين جاهزون لإقامة دولتهم المستقلة، كما أقرت المؤسسات الدولية أن العائِق الوحيد أمام الدولة الفلسطينية، يتمثل في “استمرار الإحتلال” الإسرائيلي.

في تلك الأثناء، توقَّـفت المفاوضات الإسرائيلية والفلسطينية بسبب مواصلة إسرائيل سياسة البناء الإستيطاني في الأراضي المحتلة.

في 29 نوفمبر 2011، منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة فلسطين صِفة “دولة مُراقب غيْر عُضو في الأمم المتحدة”، في خُطوة تُعَـدُّ انتِصارا دبلوماسيا ومكْـسَبا قانونيا للفلسطينيين.

صوّتت 138 دولة لصالح مشروع القرار، الذي منح دولة فلسطين هذِه الصفة، في حين عارضته تِسع (9) دول، وامتنعت عن التصويت 41 دولة.

ومؤخرا، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن دولة فلسطين ستتقدّم بطلب إلى مجلس الأمن الدولي، يدعو إلى تحديد سقْفٍ زمني لإنهاء الإحتلال وإقامة الدولة بقرارٍ أمَمي على كافة أراضي الضفة والقدس وغزة، التي احتُـلَّـت في يونيو 1967، وهو توجّه رفضته الإدارة الأمريكية.

في المقابل، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستستخدِم حق النّقض “الفيتو” في مجلس الأمن ضد مشروع القرار الفلسطيني المرتقب. 

الخطوة السويدية والتطلع لبريطانيا

يبدو أن ثمّة أكثر من عامل وراء إعلان رئيس وزراء السويد، عزم حكومته الإعتراف رسميا بدولة فلسطين إلى جانب إسرائيل. ويرى عبد الهادي العجلة، الباحث في جامعة غوتنبرغ السويديةرابط خارجي أن “أسبابا داخلية وخارجية لعِبت دورا في دفْع الحزب الإشتراكي هناك لاتِّخاذ القرار بالإعتراف الرسمي”.

وقال العجلة في تصريحات إلى swissinfo.ch “جاء الإعلان، نتيجة دوافع داخلية وخارجية، إذ يحتاج الحزب الإشتراكي لتمتين مكانته بين المُهاجرين العرب، لاسميا الفلسطينين الذين باتوا يشكِّلون قوّة، وذلك ربما بعد عاصِفة الإنتقادات التي واجهها موقِفه بحقّ إسرائيل بالدّفاع عن نفسها في الحرب الأخيرة على غزة”.

وأضاف “أما السبب، والذي أعتبره مُهِما ولكنه غير ظاهر للجميع، فهو محاولة السويد التدخّل بقوة في الساحة الدبلوماسية من خلال فلسطين، خلافا للحكومة السابقة التي وضعت ثقلها في أزمة أوكرانيا، دون أن نُغفل الدور السلمي الذي تقوم به السويد ودول الشمال بشكل عام”.

ويرى العجلة أن “هذة الخطوة ستُشجِّع بعض الدول الأخرى على القيام بالمثل، ومن الممكن أن تدعم محاولات فلسطين في الأعوام القادمة، للحصول على دولة كاملة واعتراف شامل بأحقيتها في أراضي عام 1967”.

في الأثناء، لا يعتقد العجلة أن دولا كبرى، مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ستحذو حَذو السويد، لكنه لا يستعبد قيام النرويج بذلك. ويقول “ينتظر مُعظم الأوروبيين القرار السويدى الرسمي وردّة فعل إسرائيل عليه”.

قرار يعكس التوجّه العام

أما في الخطوة الرّمزية البريطانية، فإنها وبلا شك تُدغْـدغ العواطف الفلسطينية. فهي الدولة صاحبة وعْـد بِلفُـوررابط خارجي الشهير (عام 1917) بمنح اليهود دولة في فلسطين إلى جانب “دولة عربية”. وقد سارع وزير الخارجية الفلسطيني إلى الترحيب بقرار النواب البريطانيين.

وفي تصريحات لافتة، أكد ماثيو غولد، السفير البريطاني في إسرائيلرابط خارجي، أن قرار البرلمان البريطاني بالإعتراف بدولة فلسطين “يحمل دلالة قوية على الإتِّجاه الذي يسير عليه الشعب البريطاني، وبأنه يجب عدم التقليل من دلالات هذا الإعتراف”.

جاء هذا التعقيب في لقاء مع إذاعة الجيش الإسرائيلي ونقلته وسائل إعلام فلسطينيةرابط خارجي محلية أكّد فيه أنه “بالرغم من عدم مفعول هذا القرار الصادر عن البرلمان على موقف الحكومة البريطانية، فإنه يعكِس التوجّه العام للشّعب البريطاني نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وهذا نتيجة للتطوّرات التي عصفت بالمِنطقة، خاصة العدوان الأخير على قطاع غزة”.

بدورها، رحبت حنان عشراويرابط خارجي، مسؤولة الإعلام في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بمبادرة البرلمانيين البريطانيين، مُطالِـبة حكومتهم الإعتراف بدولة فلسطين، وقالت: “نأمل أن يعكِس هذا التصويت الرّمزي موقِف الرأي العام، الذي يدعم حقنا بإقامة دولتنا وأن يؤثر على صُنع القرار السياسي، بحيث تتحمّل الحكومة مسؤولياتها السياسية والقانونية”، مشددة على أن منظمة التحرير ما زالت تدعو جميع دول العالم التي لم تعترف بفلسطين بعدُ، بضرورة الإعتراف بها، باعتباره الْـتزاماً حقيقياً بتحقيق العدالة ومُـتطلّبات السلام. 

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية