الملك الإسباني السابق قد يواجه مشكلات قانونية في سويسرا
لقد أدت الاتهامات بالفساد التي أثيرت حول الملك الإسباني السابق خوان كارلوس إلى فتح تحقيقات في سويسرا أيضاً. حيث أن هذه التحقيقات ستكون مفيدة لإسبانيا، بل أنها قد أفضت كذلك إلى إعادة فتح قضية ضد إحدى عشيقات خوان كارلون السابقات.
بحسب ما أثير، فإن الملك الإسباني السابق خوان كارلوس قد تلقى عام 2008 مائة مليون دولار من العاهل السعودي آنذاك الملك عبد الله بن عبد العزيز. وبحسب التقارير الإعلامية، فإن هناك شكوكا بأن هذه الهبة لم تكن سوى رشوى أو مقابل لبعض الأعمال المتعلقة ببناء القطار فائق السرعة بين المدينة المنورة ومكة المكرمة. ففي عام 2011 وقع الاختيار على شركة إسبانية كبرى لتنفيذ هذا المشروع، على الأرجح بوساطة من خوان كارلوس.
فضيحة خوان كارلوس
في بداية الأمر وصل مبلغ مائة مليون دولار لم تسدد عنها ضرائب إلى حساب ببنك “ميرابو” الخاص في مدينة جنيف، والذي يحمل اسم مؤسسة “لوكوم” ومقرها بنما. وبحسب محكمة جنيف فإن المستفيد الأول من تلك المؤسسة هو الملك خوان كارلوس.
بعد ذلك وتحديداً في عام 2012 أهدى خوان كارلوس على الأرجح جزءً من هذه الأموال ـ 65 مليون يورو ـ لعشيقته آنذاك كورينا لارسن. وقد تم تحويل المبلغ إلى حساب في فرع أحد البنوك بجزر الباهاماس، بينما يقع المقر الرئيسي لهذا البنك الخاص بمدينة جنيف.
وفقاً لتصريحات محكمة جنيفرابط خارجي، فإن المدعي العام وابن مدينة جنيف إيف برتوسا يجري تحقيقات منذ عام 2018 بسبب الاشتباه في غسيل أموال ضد كورينا لارسن وشريكين آخرين لها، وهما أحد مديري الأصول المالية ومحامٍ سويسري، واللذان يتوليان إدارة المؤسسة. كذلك يجري القضاء الإسباني تحقيقاً مماثلاً. إلا أن السيد برتوسا لم يشأ الإدلاء بأية تصريحات لـ swissinfo.ch حول التحقيقات.
وبالنسبة لجميع الأفراد السابق ذكرهم، فإنهم يظلون أبرياء حتى تثبت إدانتهم.
2003: إنشاء مؤسسة “زاغاتكا” في مدينة جنيف ومقرها إمارة ليختنشتاين، كما أنها تمتلك حساباً مصرفياً سويسرياً. ومالكها هو ألفارو دي أورليانس، أحد أبناء عمومة الملك غير المباشرين. أما المستفيد الثالث من هذا الإيداع بحسب جريدة “إل بايس” الإسبانية فهو خوان كارلوس الأول.
2003: بداية العلاقة العاطفية بين الملك وكورينا لارسن (آنذاك كانت تحمل اسم كورينا تسو ساين ـ فيتغنشتاين)
2008: إنشاء مؤسسسة “لوكوم” في مدينة جنيف ومقرها بنما وحساب مصرفي في بنك ميرابو بجنيف، والذي حُوِّلَ إليه مبلغ المائة مليون دولار أمريكي من المملكة العربية السعودية.
أكتوبر 2011: منح صفقة تنفيذ مشروع بناء القطار فائق السرعة بين المدينة المنورة ومكة المكرمة لائتلاف مُكَوَّن من إثنتي عشرة شركة إسبانية، والذي كان عقداً تاريخياً بقيمة 6737 مليون يورو. وقد تم افتتاح السكة الحديدية في سبتمبر من عام 2018.
إبريل 2012: فضيحة بوتسوانا. نُقِلَ الملك بعد تعرضه لكسر في الحوض إلى وطنه بالطائرة. وقد أعلن أن الملك كان في رحلة صيد، بينما كانت البلاد تعيش تحت وطئة أزمة اقتصادية طاحنة. وقد تناقل العالم الصورة التي يقف فيها الملك لالتقاط صورة مع فيل ميت؛ كما افتضحت علاقته بكورينا.
2012: إغلاق حساب مؤسسة “لوكوم” في بنك ميرابو. ومن ثمَّ تم تحويل مبلغ 65 مليون يورو على حساب خاص بكورينا لارسن في فرع تابع لأحد بنوك جنيف بجزر الباهاماس. وطبقاً لتصريحاتها فإن هذه كانت “هبة” من الملك.
2013: إنتقال الأميرة كريستينا، الإبنة الصغرى للملك خوان كارلوس، للعيش في مدينة جنيف.
2 يونيو 2014: إعلان تنحي الملك عن العرش لصالح ابنه فيليب، وهو ما دخل حيز التنفيذ في 19 يونيو. بهذا أصبح خوان كارلوس الأول “ملكاً سابقاً”.
12 يونيو 2014: المحكمة العليا تدين إيناكي أوردانغارين صهر الملك، وزوج ابنته كريستينا في “قضية مؤسسة نوس” وتحكم عليه بالسجن لمدة تقارب ستة أعوام بسبب التهرب الضريبي وغسيل الأموال وتزوير أوراق رسمية.
2018: الصحافة الإسبانية تكشف النقاب عن تسجيلات سرية تقول فيها كورينا لارسن أن الملك قد أخفى أموالاً في سويسرا. وقد سجل الحديث سراً في لندن عام 2015 بواسطة ضابط الشرطة المتقاعد خوسيه مانويل فيلاريجو، والموجود حالياً في الحبس الاحتياطي بسبب صفقات مشبوهة. ووفقاً لما صرحت به صحيفة “أوكدياريو” الإسبانية فإن هذه الأشرطة موجودة منذ عام 2020 بحوزة المدعي العام وابن مدينة جنيف إيف برتوسا.
سبتمبر 2018: قاضي المحكمة الوطنية العليارابط خارجي في إسبانيا يوقف التحقيقات ضد كورينا لارسن بسبب عدم توفر الأدلة الدامغة.
أكتوبر 2018: برتوسا يلتقي بزملائه من المُدَّعين العامين الإسبان في مدريد.
مارس 2020: الملك فيليب السادس يتنازل عن حقه في ميراث والده وينزع عنه مخصصاته كملك سابق، بعدما أعلن عن أن الملك فيليب نفسه هو المستفيد الثاني من أموال مؤسسة “لوكوم”.
يونيو 2020: النيابة العامة التابعة للمحكمة العليا بإسبانيا تتولى التحقيقات بدلاً من النيابة العامة المسئولة عن مكافحة الفساد في القضية المعروفة إعلامياً باسم “قضية قطار الصحراء”. وبذلك أصبح الملك لا يمكن إدانته إلا من قِبل المحكمة العليا فقط.
يوليو 2020: إسبانيا تحصل على الجزء الأول من المساعدة القضائية التي كانت قد طلبتها من سويسرا.
27 يوليو 2020: المحكمة الوطنية العليا بإسبانيا تعيد فتح التحقيقات ضد كورينا لارسن مرة أخرى وتدعوها للإدلاء بأقوالها في 8 سبتمبر، بحسب ما نشرته الصحافة.
30 يوليو 2020: وفقاً لصحيفة “إل كونفيدينسيال” الإسبانية، فإن الملك ومستشاروه قاموا بتقييم إقرار ضريبي طوعي لتنظيم الأموال التي لم تسدد عنها الضرائب، أي كنوع من الإبلاغ عن النفس، وذلك للحيلولة دون التعرض للملاحقة القضائية بسبب التهرب الضريبي.
3 أغسطس 2020: الملك السابق يغادر إسبانيا. وقد صرح عبر محاميه أنه لا يزال في خدمة القضاء الإسباني.
كان خوان كارلوس حتى يونيو 2014 ملكاً على إسبانيا. وقد تنحى بعد عدة فضائح، وسلم الحكم لابنه فيليب. ووفقاً للدستور الإسباني، فإن “شخص الملك لا يمكن المساس به، ولا يمكن مقاضاته”رابط خارجي. ويعني هذا: أن الملك الحالي يتمتع بحصانة، أي أنه “لا يمكن المساس به”.
“يفسر مبدأ ‘الحصانة’ على أنه حظر تام لرفع أية قضايا جنائية، أو مدنية أو إدارية أو حتى قضايا خاصة بقانون العمل ضد ذاك الملك [المعتلي للعرش]”، بحسب قول ميجيل بريسنو لينيرارابط خارجي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة أوفيدو. إلا أن المحكمة الدستورية قد خطت منذ عام 2019 خطوة أخرى، ورأت أن يُستثنى الملك كذلك من “شتى أنواع الرقابة”رابط خارجي أو النقد اللاذع من قِبل أية مؤسسة أخرى مثل البرلمان. “وطبقاً لمثل هذا المعنى الواسع ـ وفي رأيِّ غير المبرر ـ فإنه يحظر مسائلة الملك عن أي تصرف سلكه، سواء على المستوى الرسمي أو الشخصي”، على حد قول بريسنو لينيرا.
وكذلك يصرح المحامي إغناسي غواردانز، الأستاذ المتقاعد للقانون الدولي الخاص في إسبانيا والنائب السابق في البرلمان الإسباني والأوروبي، قائلاً: “إن الرأيّ السائد بين الحقوقيين في إسبانيا هو أن خوان كارلوس لا يمكن ملاحقته قضائياً عن الجرائم التي ارتكبها قبل 2014، بل عن تلك التي اقترفها بعد تنحيه”.
والآن يدور جدل كبير في إسبانيا حول المعنى القانوني لهذه الحصانة ومدى مشروعيتها. فبعض الحقوقيين والحقوقيات يرون أنه لابد من التفرقة بين التصرفات التي يقوم بها الفرد بصفته الرسمية، وتلك التي يقوم بها في حياته الخاصة. فكيف سيكون الوضع إذا ما قام الملك بقتل زوجته (على سبيل المثال)؟
في سياق متصل، وطبقاً لبعض البيانات الصحفية، رابط خارجيفإن النيابة العامة التابعة للمحكمة العليا تجري تحقيقات بشأن جرائم اقترفت بعد يونيو 2014.
“فالتهرب الضريبي وغسيل الأموال تعد جرائم لا يمكن اقترافها خلال مدة قصيرة، مثلما هي الحال في جرائم إشعال الحريق أو القتل، بل إنها تستمر وقتاً طويلاً”، على حد قول غواردانز. فقد تكون الجريمة قد بدأت قبل عام 2014، إلا أنها لا تزال مستمرة حتى بعد التنحي. “وللتوضيح: إذا ما كان لديك أموالٌ، لم تسدد عنها الضرائب قبل عام 2014، ولم تقم بالسداد حتى يوم التنحي، فإن الجريمة تبدأ في اليوم الذي تخسر فيه حصانتك”.
لذلك يظل الأمر غير محسومٍ، ما إذا كانت النيابة العامة التابعة للمحكمة الإسبانية العليا ستقوم برفع قضية ضد خوان كارلوس أمام المحكمة العليا بسويسرا ـ حيث لا يمكن مقاضاة الملك السابق سوى هناك ـ أم لا. ووفقاً لتصريحات الصحافة الإسبانية، فإن النيابة العامة ستقرر هذا الأمر نهاية أغسطس أو مطلع سبتمبر. بعد ذلك يتوجب على المحكمة العليا بسويسرا، أن تقرر بدورها ما إذا كانت ستسمح برفع هذه الدعوى أم لا.
“وفقاً لمباديء القانون الدولي فإن الحصانة التي يمنحها الدستور الخاص بإحدى الدول، تسري كذلك في الخارج. فلابد لسويسرا إذن من أن تحترم ما ينص عليه الدستور الإسباني فيما يتعلق بحصانة الملك”، على حد رأيّ غواردانز.
على الجانب الآخر وطبقاً لرأيّ فرانك ماير رابط خارجيأستاذ القانون بجامعة زيورخ، فإن قانون الحصانة الإسبانية ليس له أثر مباشر في سويسرا. إلا أن خوان كارلوس قد يتمتع بـ “حصانة وظيفية”، طالما كان ملكاً. “حيث أن هذه الحصانة ترتبط بسلوكه الذي يصب في مصلحة دولتة بصفته يشغل منصباً بها، أما إذا ما كان يتصرف بصفته الشخصية، فإن هذه الحصانة لا تسري”. لكن هذا الأمر لا يزال غير واضح. فلابد أولاً من استجلاء الجرائم والوقت الذي ارتكبت فيه. وأيضاً: “إن مثل هذه الحصانة لا تنطبق من الأساس على أعمال غسيل الأموال اللاحقة”.
في سويسرا تجري التحقيقات وفقاً لمحكمة جنيف بشأن ما يمكن تصنيفه على أنه غسيل أموال محتمل. وبحسب التقرير الإعلامي، فإن التحقيقات التي أجرتها السلطات القضائية بمدينة جنيف كانت موجهة ضد ثلاثة أشخاص من محيط خوان كارلوس، والذين يشتبه في أنه استخدمهم كواجهة له.
أما إسبانيا فإنها تحقق ـ على حد التقارير الصحفية ـ في جرائم غسيل أموال وتهرب ضريبي. “في هذا النوع من الجرائم تظهر عادةً جرائم أخرى، مثل تزوير وثائق وتهريب أموال نقدية”، كما يصرح غواردانز. “حيث يُحظَر قانوناً أن ينقل أحدهم أموالاً في حوزته داخل جوربه أو حقيبته من جنيف إلى بلد آخر”. إلا أن خوان كارلوس وأحد مديريه الماليين قاما بنقل أموالٍ نقدية داخل حقائب. وهو مال لم تسدد عنه الضرائب على الأرجح.
“في 19 فبراير 2020 وصل إلى وزارة العدل الفدرالية طلب للمساعدة القانونية بهذا الشأن”، كما تؤكد سونيا مارغيليست من وزارة العدل الفدرالية السويسرية. “وقد سلم هذا الطلب في التاسع من مارس 2020 للنيابة العامة بكانتون جنيف لتنفيذه”.
ولم ترغب النيابة العامة بمدينة جنيف في الإدلاء بأية معلومات لـ swissinfo.ch. إلا أنه وفقاً للصحافة الإسبانية، فقد أرسلت سويسرا في الأول من يوليو 2020 جزءً من الوثائق المطلوبة. فبحسب صحيفة “إل بايس”رابط خارجي الإسبانية، فإن هذه الوثائق السويسرية تفيد أن 65 مليون دولار أميركي قد حُوِّلَت من الحساب المصرفي السويسري للمؤسسة ببنما إلى حساب خاص بكورينا لارسن.
وبفضل طلب المساعدة الرسمية الذي قدمته النيابة العامة بجنيف للسطات الإسبانية، فإن الكثير من التفاصيل قد اتضحت، حتى أن إسبانيا قد أعادت فتح القضية المرفوعة ضد كورينا لارسن والتي كانت قد علقت مبدئياً بسبب عدم توفر الأدلة.
إذن، فقد كانت الوثائق المقدمة من سويسرا مفيدةً بالنسبة لإسبانيا إلى حدٍ كبير: “إن المستندات القضائية التي أتت من سويسرا ستصبح جزءً من القضية داخل إسبانيا”، كما يقول غواردانز. “فكل ما يحمل توقيع المدعي العام برتوسا، يعتبر مؤكداً مائة بالمائة. وكل معلومات خاصة بالحسابات المصرفية، وجميع ما أدلي به من أقوال وتصريحات وغيرها سوف تدرج بصورة مباشرة إلى القضية”. أي: أن المستندات القادمة من سويسرا ستصبح أدلة.
كذلك فقد قدمت جنيف طلباً للسلطات الإسبانية للحصول على مساعدة قضائية. فطبقاً للجريدة الإسبانية الإلكترونية “بوبليكو”رابط خارجي، فإن هناك ما يشبه “الحلف” بين سويسرا وإسبانيا: فقد اتفقت النيابات العامة لكلتا البلدتين على اقتسام التحقيقات.
وفقاً لذلك فإن النيابة العامة في إسبانيا ستحقق في الجرائم التي ارتكبها خوان كارلوس الأول ورجال الأعمال الذين قد تكون لهم علاقة بتلك الرشاوى التي قدمتها المملكة العربية السعودية، بينما ستتولى النيابة العامة بجنيف التحقيق ضد الأطراف الأخرى ـ أي لارسن وكذلك مدير الأصول المالية ومحامي خوان كارلوس بمدينة جنيف. وقريباً ستقوم السلطات الإسبانية كذلك بالاستماع إلى أقوال كورينا لارسن. وقد تكون النتائج ذات أهيمة بالنسبة لسويسرا أيضاً.
” قد يكون في الإمكان إجراء التقاضي غيابياً، حتى الوصول إلى الإدانة، وهذا بشرط المحافظة على الحد الأدنى من ضمانات دولة القانون”، كما يقول ماير. “إذن فسويسرا لديها إمكانية التقدم بطلب لتسليم خوان كارلوس ـ وهو ما قد لا يحالفه أي توفيق، ذلك لإن أغلب الدول لا تسلم عادةً مواطنيها ـ أو إجراء محاكمة غيابية”. فإذا ما تعاون الأسبان، فقد يسافر المدعي العام برتوسا إلى إسبانيا للاستماع إلى أقوال خوان كارلوس هناك، أو أن يستمع إلى شهادته عبر رابطٍ للفيديو، وهذا بحسب أقوال الأستاذ الجامعي فرانك ماير. في الأثناء، غادر الملك السابق إسبانيا، إلا أنه لا يزال في خدمة قضاء بلاده، وفقاً لتصريحاته شخصياً.
ونظرياً يمكن لسويسرا إستصدار طلباً دولياً بملاحقة خوان كارلوس؛ ومن ثمَّ يمكن أن يُلقى القبض عليه بمجرد أن تطأ قدمه بلداً آخر. إلا أنه ليس من المتوقع أن تقوم سويسرا بذلك، على حد رأيّ ماير. “فسويسرا تتصرف عادةً بحرص أكبر”.
إذن فمن الناحية النظرية البحتة، يمكن أن تصدر سويسرا حكماً غيابياً بالغرامة المالية ضد خوان كارلوس بسبب غسيل الأموال، ويمكنها كذلك تنفيذ الحكم بدون مساعدة من إسبانيا، لإن الأموال كانت مودعة في حسابات مصرفية مغلقة داخل سويسرا. أما البديل ـ مثلاً في حال صدور حكماً بالسجن ـ فيمكن لسويسرا أن تتقدم بطلبٍ إلى إسبانيا لمساعدتها في تنفيذ الحكم. “لكنه يظل الأمر غير مؤكد، ما إذا كانت إسبانيا ستنفذ مثل هذا الحكم”، بحسب ما يراه ماير. “فمع وجود التهمة المحددة، يظل هناك عامل آخر في مقابلها وهو العفو”.
وطبقاً لتقييم ماير، فإن المدعي العام برتوسا يرغب بالأساس في حماية المركز المالي لسويسرا. “إنه يهتم في المقام الأول بالتحويلات المالية عبر الحسابات المصرفية السويسرية”. ولكي يصل إلى حكم بالإدانة بسبب غسيل الأموال، فإنه يتوجب عليه إثبات وقوع الجريمة الأسبق (أي تلقي الرشوى) ـ والتي يحتمل وقوعها في المملكة العربية السعودية. “وقد يكون بالنسبة له من الصعوبة بمكان التحصل على مثل هذا الدليل بدون مساعدة من إسبانيا والمملكة العربية السعودية”. فطبقاً لما يراه ماير، فإن الكثير من التطورات تتوقف على الأسلوب الذي ستنتهجه كل من إسبانيا وسويسرا، وما إذا كانتا ترغبان في تحقيق نفس الأهداف، وإذا ما كانتا ستتعاونان من خلال المساعدات القانونية المتبادلة.
إن سمعة الملك السابق لم تكن أبداً بمثل هذا السوء الذي هي عليه الآن، كما يرى بريسنو لينيرا. ولا يبدو أنه في إمكانه إستعادتها مرة أخرى، بل على العكس: “ذلك لإنه حتى وإن لم يمثل أمام المحكمة، أو إذا ما مثل أمام المحكمة وتمت تبرئته، فإن الوقائع ثقيلة الوطيء ومن الوضوح بمكان، بحيث يبدو أن خوان كارلوس دي بوربون قد دمر بالفعل القليل مما تبقى له من سمعته”، على حد قول بريسنو لينيرا.
“فإذا ما أخذنا في الاعتبار أن صهره [إيناكي أوردانغارين] قد حكم عليه، وأن إحدى بناته [الأميرة كريستينا] كادت أن تدان هي الأخرى بسبب جنح مالية، فإنه لا يمكن تصور أن مثل هذه الأحداث لا تمس النظام الملكي كمؤسسة”، على حد قوله.
كما يصرح غواردانز قائلاً: “إن النظام الملكي في خطر، لم يشهده أبداً منذ عام 1975، إلا أنه لن يزول”. فهو لن يسقط، لكنه سوف يضعف بشدة ويخسر شرعيته. “فالكثير يتوقف على ما سيفعله الملك الحالي فيليب”، بحسب رأي غواردانز.
ووفقاً لما نشرته صحيفة “ذا تيليغراف” البريطانية، فإن فيليب السادس هو المستفيد الثاني من تلك المؤسسة البنمية، والتي حصلت عام 2008 على المائة مليون دولار من المملكة العربية السعودية. ولقد تنازل الملك عن حقه في هذا الميراث، وحرم والده من المخصصات الرسمية السنوية، والتي كان يحصل عليها بوصفه ملكاً سابقاً.
“أما نيته في التنازل عن حقه في هذا الميراث، وهو ما لن يدخل حيز التنفيذ قانوناً إلا بعد وفاة الملك السابق، فلم يعلن عنه سوى بعد مرور عام”، كما يقول بريسنو لينيرا. وطبقاً لـ بيان صحفي رابط خارجيصادر عن القصر الملكي الإسباني، فإن الملك فيليب كان يعلم منذ 2019 بأن والده قد جعله وريثاً لهذه الأموال. “وقد اكتنفت الشكوك هذا البيان الصحفي، حيث تزامن مع نشر بعض الأخبار في الصحافة الأجنبية ومع إعلان حالة الطواريء في إسبانيا بسبب جائحة وباء كوفيد ـ 19″، مثلما يؤكد بريسنو لينيرا. “إنني لا أعلم، ما إذا كان النظام الملكي في خطر، أم لا. لإن حزبيّ الأغلبية يؤيدان الملك فيليب، وهو تأييد لا يبدو ذا أثرٍ واضحٍ في المجتمع”، كما يلخص بريسنو لينيرا.
أما غواردانز فإنه يرى أنه من المفاجيء وغير المصدق، ألا يحظى الملك السابق بتأييد سوى من جانب “بارتيدو بوبولار” (حزب الشعب اليميني) وحزب “فوكس” (أي الصوت: يمين متطرف) وكذلك من جانب رئيس الحكومة السابق فيليب غونزالز (الإشتراكي).
خوان كارلوس وسويسرا ـ علاقة قديمة ومتينة
بعد إعلان الجمهورية الثانية عام 1931 انتقلت العائلة الملكية الإسبانية إلى المنفى. وما بين عامي 1941 و1946 عاشت في سويسرا.
حينما انتقل والدا خوان كارلوس إلى مدينة إستوريل بالبرتغال، التحق ذاك الطفل بمدرسة فيل سان ـ جين الداخلية، وهي مدرسة تابعة لطائفة الماريانيين بمدينة فريبورغ، والتي كان من بين تلامذتها الأديب الفرنسي أنطوان دي سان ـ إكسوبريه.
في تلك الأيام عقد خوان كارلوس صداقة مع الأمير كريم أغا خان، والذي أصبح بعد ذلك رئيساً للطائفة الإسماعيلية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كريستينا ابنة خوان كارلوس تعمل منذ منذ انتقالها إلى جنيف عام 2013 في مؤسسة أغاخان.
المزيد
خوان كارلوس وسويسرا.. قصة طويلة
لقد عاشت جدة خوان كارلوس لأبيه، الملكة فيكتوريا أوجينيه دي باتنبرغ، لأكثر من عقدين في مدينة لوزان، في البداية في فندق رويال سافوا ومن ثمَّ في فيلا فيي ـ فونتان بشارع أفينيو دي ليليزيه، حيث كان شارلي شابلن ضيفاً معتاداً. وفي فندق روايل سافوا جرى الاحتفال عام 1961 بخطبة خوان كارلوس على الأميرة صوفيا ابنة ملك اليونان آنذاك.
كثيراً ما كان خوان كارلوس يزور جدته في سويسرا. حيث توفيت عام 1969، ودفنت في كنيسة قلب المسيح. وفي عام 1985 نقلت رفاتها إلى كنيسة الملوك في دير الإسكوريال بمدريد، حيث يرقد زوجها ألفونسو الثالث عشر وثلاثة من أبنائها.
وفي عام 2010 لعب خوان كارلوس دوراً مفصلياً في تحرير الأسرى السويسريين في ليبيا، حيث أجرى مفاوضات مباشرة مع القائد الليبي السابق معمر القذافي، والذي كان يعرفه شخصياً. وقد أعربت سويسرا علانيةً عن امتنانها لخوان كارلوس لقيامه بدور الوساطة ورحبت به في زيارة رسمية عام 2011 لتكريمه. وكانت أول زيارة رسمية قام بها خوان كارلوس لسويسرا في عام 1979، بعد وفاة الجنرال فرانكو بأربعة سنوات.
ختاماً، تجدر الإشارة إلى ما أزاحت عنه صحيفة “إلموندو” الإسبانية الستار عام 2013، وهو ميراث خوان كارلوس وأخواته عن أبيهم دون خوان المتوفى عام 1993، وهو ميراث يقدر بالملايين، إذ كان الجزء الأكبر من التركة يتكون من ثلاثة حسابات مصرفية ببنوك تتخذ من سويسرا مقراً لها، أحدها في جنيف واثنين في لوزان. ويبدو أن خوان كارلوس لم يسدد أية ضرائب في إسبانيا عن هذه التركة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.