مقتل خاشقجي .. التداعيات التي لم يحسب لها حساب
تصدّرت تداعيات اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في اسطنبول للأسبوع الثالث على التوالي تغطية الصحف السويسرية للشؤون العربية في مواكبة للمستجدات التي تتكشّف خيوطها كل يوم. وتوقفت تحليلات الصحف لهذا الأسبوع عند التداعيات الأقتصادية للجريمة، وأوضاع حقوق الإنسان في المملكة الوهابية، بالإضافة إلى مستنقع الفساد الإماراتي الذي يتورّط فيه كل مرة سياسي سويسري جديد.
“السعوديون غير قلقين حتى الآن”
صحيفة “لا ليبرتي” الصادرة بفريبورغ السويسرية يوم 23 أكتوبر 2018، نشرت تحليلا، وطلبت رأي خبراء حول تداعيات قرار ألمانيا بتعليق صادرات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية. المقال حمل عنوان “السعوديون ليسوا قلقين حتى الآن”.
وابتداء يذكّر المقال الذي كتبه لويس روسير بأن المبادرة التي اتخذتها برلين كرد على جريمة مقتل جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول ليست “خطوة تافهة أو بسيطة، لأن برلين تصدّر أسلحة إلى السعودية بقيمة 400 مليون يوريو، وتحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الثانية بعد الجزائر كوجهة لصادرات الأسلحة الألمانية”. فهل يجب على السعوديين خشية “انتقال عدوى القرار الألماني إلى بلدان أوروبية أخرى؟ هذا على الأقل ما تطالب به ألمانيا نظرائها الأوروبيين دفاعا عن حقوق الانسان وحماية للصحفيين؟
يورد المقال رأي خبيريْن سويسريْين الأوّل هو جوزيف دايير، أستاذ محاضر بمعهد الدراسات الدبلوماسية التابع لجامعة لوزان، والذي برأيه “الكثير من البلدان من دون شك سوف تتريث في اتخاذ خطوة كالخطوة التي اتخذتها برلين على الأقل إلى حين ظهور نتائج التحقيقات في مقتل خاشقجي”. وتفسير ذلك برأيه هو “الصفقات المربحة جدا التي أبرمتها بلدان أوروبية مع المملكة العربية السعودية، خاصة في مجال التسلّح”.
أما ريكاردو بوكّو، الخبير في شؤون المنطقة العربية والشرق الأوسط، والأستاذ المحاضر بمعهد الدراسات العليا الدولية في جنيف، فيرى أن “الموقف الذي اتخذته ميركل موقف شجاع، ولكن في العديد من البلدان الأوروبية الأخرى، ما أن يتم المساس بتجارة وصفقات الأسلحة يرتفع العويل، ويتم التلويح بمخاطر اللعب بفرص العمل”. ويضيف الخبير السويسري: “هذا الموضوع ليس جديدا على الساحة الأوروبية. فمنذ اندلاع الحرب في اليمن، طالب النواب الأوروبيون بفرض حصار على تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، لكن ظلت تلك المطالبات حبرا على ورق، لأنها لا تحمل طابعا إلزاميا”.
“الأذرع الطويلة” لمحمد بن سلمان
أعادت صحيفة “لوتون” الناطقة بالفرنسية مقالا نشرته صحيفة لوموند الفرنسية يسلّط الضوء على الدوائر والأوساط المحيطة بولي العهد السعودي محمّد بن سلمان الذي تتجه إليه اليوم، بحسب الصحيفة، ” كل الأنظار بوصفه- إلى ان يثبت العكس- “العقل المدبّر” لجريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي”.
وبحسب هذا المقال، تتشكّل الدوائر المحيطة بمحمد بن سلمان من مجموعتيْن من المستشارين: من جهة الرؤوس المفكّرة والخبراء الكبار، الذين تتمثّل مهمّتهم في التسويق لما يطلق عليه “رؤية 2030” أو المشروع الإصلاحي لوليّ العهد لدى الشركات الدولية الكبرى والمؤسسات المالية العالمية ووسائل الإعلام الأجنبية والدوائر السياسية المؤثرة. ومن جهة أخرى “أصحاب الاذرع الطويلة” من كبار ضباط أجهزة المخابرات، الذين أوكل لهم محمد بن سلطان سلطة مراقبة وسائل الإعلام ومحاصرة وتصفية المعارضين، ونجد على رأس هؤلاء سعود القحطاني، المتهم الرئيسي الأوّل الذي أشرف على اغتيال جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول، وتركي الشيخ، وزير الرياضة، وتركي الدخيل، مدير قناة العربية، ولا غرابة أن يكون هؤلاء الثلاثة الأوائل الذين توجه إليهم أصبع الإتهام في قضية خاشقجي.
“عصابة بلطجية”
فمن هم هؤلاء “البلاطجة الثلاثة” على حد عبارة القتيل جمال خاشقجي، نقلا عن الصحيفة الفرنسية؟
المزيد
الحكومة السويسرية تُعيد الَنَظر في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية
سعود القحطاني: هو أداة التنفيذ للمهام القذرة لوليّ نعمته ابن سلمان، ويوجد على رأس جيش من القراصنة الذين تتلخص مهمّتهم في مضايقة السعوديين وفي مهاجمة أي شخص تسوّل له نفسه التعبير عن رأي حرّ أو معارضة السياسات العامة للمملكة الوهابية. ويشرف القحطاني، الذي هو صحفي سابق، تحوّل إلى ضابط كبير بالمخابرات السعودية، على مجموعة واتساب، متشكلة من مئات المتخصصين في الإعلام، وهو ما يسمح له بإملاء الصيغة التي يراها لأخبار المملكة والمنطقة من حولها. وكانت آخر حملة لهذه المجموعة استهدافها لكل من يعبّر عن تعاطف مع قطر بعد الحصار الذي فرضته عليها السعودية ومصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة. واليوم تتوجه الأنظار إلى سعود القحطاني، الذي يبدو أن محمد بن سلمان وأبيه سيضحون به ككبش فداء من اجل الخروج من ورطة مقتل خاشقجي.
تركي الشيخ: أحد الضباط المخلصين أيضا لولي العهد السعودي، وهو الذي يتولى حقيبة وزير الرياضة بحكومة المملكة منذ سنة تقريبا كانت كافية ليلفت الأنظار إليه بمهاجمته لإتحاد كرة القدم الأوروبية ، ومهاجمته لقطر والتشكيك في قدرتها على تنظيم كأس العالم في عام 2022، وأيضا استخدام إمكانات المملكة في محاصرة قطر واستثماراتها في مجال الإعلام الرياضي.
لكن هذا الأخير، وفق نفس المقال، لا يتورّع عن استخدام الوسائل الغليظة عند الضرورة، كما حدث مع رجال الأعمال الذين اتهمتهم دوائر ولي العهد بالفساد لمساومتهم لاحقا على اشتراء حريتهم وإطلاق سراحهم مقابل التنازل على الجزء الأكبر من ثروتهم كما حدث مع الوليد بن طلال.
تركي الدخيل: الذي يظهر في هيئة مثقف. وقبل أن يلتحق بقناة العربية الدعائية لصالح العائلة المالكة في المملكة العربية السعودية، كان يشرف على برنامج “إضاءات”، كان يقدم فيه حوارات مع مثقفين وإصلاحيين، وإسلاميين، مستفيدا في تلك المرحلة من أجواء انفتاح في أواخر عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز. ومن الأصوات التي كانت حاضرة بإستمرار في ذلك البرنامج، الدكتور سلمان العودة، الذي كان يقدم بوصفه أحد وجوه الاعتدال. لكن الآن، انتهى زمن الحوار، وأصبح الدخيل جندي في خدمة محمد بن سلمان. وحوّل الدخيل قناة العربية إلى قلعة لمحاربة قطر ونفوذها، وأصبح من كان يعد معتدلا مستهدفا من الدخيل ومجموعته على غرار سلمان العودة الذي يرقد الآن في السجن” برفقة الكثير من المدافعين عن حقوق الانسان.
فساد إماراتي يورّط ساسيين سويسريين
نشر الصحفي فاتي منصور مقالا بصحيفة “لوتون” الناطقة بالفرنسية يوم 25 أكتوبر الجاري، مقالا حول التحقيق القضائي الذي تجريه النيابة العامة في جنيف بشأن رحلة غيوم بارازون ، مستشار إداري بحكومة جنيف، إلى أبو ظبي، رحلة مدفوعة الثمن من طرف أحد الأصدقاء يحمل الجنسية الإسبانية وهو من أصول لبنانية، تبيّن في النهاية أن هذا الصديق الذي يعيش متنقلا بين سويسرا والإمارات العربية المتحدة كان يعمل لصالح مجموعة تجارية يوجد مقرّها في دبي ناشطة في مجال الإستثمار والإستشارات التجارية ، لكن الأخطر من ذلك أنه على علاقة مصاهرة مع عبد الرحمان العسير، وسيط مثير للجدل على علاقة بتجارة الأسلحة.
ويبدأ الصحفي تحليله بملاحظة لا تخلو من تهكّم: ” لن يشعر بيار موديه (عضو حكومة جنيف مورّط هو الآخر في قضية فساد على علاقة بالإمارات العربية المتحدة) هذه الأيام بالوحدة، فقد سرق منه الأضواء هذه الأيام غيوم بارزون لمشاركته هو الآخر في رحلة “محرجة” إلى أبو ظبي. وقد تزامنت هذه الرحلة كذلك، مثله مثل بيار موديه، مع سباقات الجائزة الكبرى”. ورغم أن هذا المستشار الإداري، والذي هو نائب برلماني كذلك، يؤكد على الطابع الخاص لهذه الرحلة، لكن صور نشرتها وسائل الإعلام لهذا السياسي السويسري وهو يصافح مسؤولين إماراتيين كبار دفعت القضاء في جنيف للتحقيق إن كانت الرحلة تشكل انتهاكا للقانون بوصفها قبول ل”ميزة من دون حق”.
رحلة خاصة لكنها “بكفالة مفسدين”
وعد هذا النائب البرلماني السويسري وفق ما نقله المقال عنه “إستعداده الكامل للتعاون مع القضاء من أجل تسليط الضوء عما حدث بالضبط، وأنه على استعداد لتوفير كل الأدلة التي تثبت أن هذه الرحلة كانت فعلا رحلة خاصة، وأن كل ما صرّح به كان صحيحا”، غير أن هذا المعني بالأمر رفض الإجابة عن أسئلة الصحفيين، ولاذ بالصمت ما ضاعف الشكوك بأنه يخفي شيئا ما.
وبحسب هذا الصحفي، كلما تقدّم البحث في هذه القضية كلما تجلّت حقائق مثيرة. فالصديق الذي تكفّل بتكاليف الرحلة ليس سوى زوج إبنة عبد الرحمان العسير، أحد الأثرياء الكبار لديه إقامة في منتجع غيشتاد السويسري. وعبد الرحمان العسير يعرف بكونه من يقف وراء صفقات أسلحة كبيرة جدا لصالح باكستان والمملكة العربية السعودية، وكان في مركز قضية الفساد الكبرى التي هزّت فرنسا قبل ست سنوات، والمعروفة ب”فضيحة كراتشي”. والتي لها علاقة بقضية رشاوي من أجل تمويل الحملة الرئاسية لصالح السياسي الفرنسي إدوارد بالادير. هذه المعطيات لوحدها كافية لكي تثير شكوك القضاء في جنيف، والذي عليه أن يثبت الآن إن كانت رحلة بارازون قد موّلت فعلا من طرف صديقه المحامي الإسباني من أصول لبنانية، أو أن المموّل الحقيقة هي مجموعة عبد الرحمان العسير المتهمة في أكثر من فضيحة فساد ورشاوى.
“إردوغان يتّهم الرّياض بالقتل”
خصّصت صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ ليوم الأربعاء 24 أكتوبر، جزءاً من صفحتها الأولى للحديث عن قضيّة جمال خاشقجي التي شغلت العالم منذ الثّاني من أكتوبر الجاري، وما جاء في خطاب الرئيس التّركيّ طيب رجب إردوغان، الذي طالب فيه أمام حزبه في البرلمان يوم الثّلاثاء 23 أكتوبر بتحقيق مستقل حول مقتل الصّحفيّ جمال خاشقجي وتسليم فريق اغتياله، بحسب الصّحيفة التي تضيف بأنّ إردوغان لم يأت بجديد حول القضيّة في خطابه هذا، إلّا أنّه وعد الجميع بتقديم الحقيقة واضحة حول القضيّة.
قدّم الرئيس التّركيّ إردوغان تفاصيل الحادثة، منذ دخول خاشقجي إلى القنصليّة السّعوديّة للحصول على وثائق رسميّة تتعلّق بالأحوال المدنيّة إلى آخر ما نقلت وسائل الإعلام في هذا الصّدد.
تلك التّفاصيل شملت أوقات وتواريخ دخول الفريق الذي نفذ العمليّة، والمكان المحتمل لدفن الجثّة، وهو غابة بلغرادا بحسب ما نقلت الصّحيفة عن الرئيس التّركيّ. وأضافت أن أحد هؤلاء دخل السّفارة بعد خاشقجي وتنكّر بزيّه وخرج بعد ذلك للتّمويه على بقاء خاشقجي في الدّاخل. وبناء على ذلك لا شكّ بأنّ الأمرّ مدبّر ليكون اغتيال للخاشقجي، لا كما تدّعي المملكة بأنّه مجرد تحقيق وأنّ موت خاشقجي كان خطأ او ما شابه ذلك، وأنّ ولي العهد محمد بن سلمان لم يكن على علم بها. وهكذا يكون إردوغان قد قدّم سيناريو مغاير للسيناريو الرّسميّ السّعوديّ. ولكن ما قاله لم يضف شيئاً على ما جاء في الصحف إلى تلك اللّحظة، بحسب ما ذكرته الصّحيفة.
مع ذلك طالب إردوغان بتوضيح لا يترك مجالاً للتأويل في هذه القضيّة. وطرح بعض الأسئلة التي ينبغي على الرّياض الإجابة عليها: لماذا كان يجب الانتظار أسبوعين بعد الحادثة من أجل السّماح بدخول المفتّشين إلى القنصلية؟ من هم المتعاونون من تركيا نفسها الذين تتحدّث عنهم السّعوديّة؟ أين هي الجثّة؟ ومن قام بإعطاء الأمر باغتيال خاشقجي؟ وأوضحت الصّحيفة على لسان كاتب المقالة فولكير بابست، بأنّه على الرغم من أنّ إردوغان لم يذكر أيّ اسم بالتّحديد إلّا أنّه كان من الواضح أنّه يلمّح إلى وليّ العهد محمد بن سليمان، كمصدر لأمر القتل هذا، وذلك من خلال ذكره لثقته بالملك وعدم ذكر ثقة مماثلة بوليّ العهد.
كما طالب إردوغان بتسليم المسؤولين عن عملية القتل إلى تركيا، حيث أنّ الجريمة حدثت في تركيا فلا بدّ من أن يجري التّحقيق في تركيا أيضاً، وبغضّ النّظر عن الحصانة الدّبلوماسيّة. منوّهاً إلى أنّ اتفاقيّة فيينا لحصانة الدبلوماسيين ربما تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر في بنودها.
“وتستمرّ اللّعبة”
ما قدّمه إردغان في خطابه يوم الثّلاثاء كان عبارة عن تأكيد للتّسريبات والإشاعات التي انطلقت من قبل، وكذلك المطالبة المباشرة من الرّياض بالقيام بتقديم أدلّة ومعلومات شفّافة عن القضيّة. ومن غير مباشرة، وجّه بعض الاتّهامات المشفّرة لوليّ العهد السّعودي. ويرى كاتب المقالة أن لا مصلحة لتركيا في تأزيم المسألة، فهي تلتزم باستراتيجيتها السّابقة التي ما تزال ناجحة إلى الآن. فمن خلال التّفاصيل والموقف الحالي نجحت أنقرة بجلب انتباه العالم للقضيّة، وممارسة الضّغط على المملكة السّعوديّة، وفي نفس الوقت البقاء في حوار متواصل مع جميع الأطراف. وذلك للوصول إلى الحقيقة الكاملة، أنقرة كانت قد هدّدت بامتلاكها لأدلّة على الحادثة وبتقديمها للعلن، ولكنها لم تفعل شيء من هذا القبيل بعد، بحسب ما جاء في الصّحيفة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.