مُعارضة خاشقجي المُعتدلة جعلته “أكثر إثارة للإزعاج” للرياض
بعد انقضاء خمسة أيام على اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي إثر دخوله إلى مقر قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية ظهر يوم الثلاثاء 2 أكتوبر الجاري، بدأت وسائل الإعلام السويسرية في متابعة القضية من خلال نشر برقيات وكالات الأنباء الدولية ومتابعات من مراسليها في تركيا وواشنطن وعواصم أخرى. إثر ذلك، خصّص البعض منها افتتاحيات ومقالات رأي للمسألة، وأجرى البعض الآخر حوارات مع خبراء ومحللين لفهم أبعاد القضية واحتمالات تطوراتها المستقبلية.
صحيفة “لوتون”، تصدر بالفرنسية في لوزان، 8 أكتوبر 2018
“فضيحة دولية”
في مراسلة من إسطنبولرابط خارجي نُشرت تحت عنوان: “اشتباه في ارتكاب النظام السعودي لعملية اغتيال”، أوردت آن أندلاور أن “مصادر من الشرطة التركية صرحت أن العربية السعودية اغتالت الصحافي جمال خاشقجي في إسطنبول”، واعتبرت أنه في صورة تأكد فرضية اغتيال الإعلامي البارز، فإن ذلك سيضع العربية السعودية بوجه “فضيحة دولية” كما أنه ستُطلق أزمة في العلاقات المتوترة أصلا بين الرياض وأنقرة، وهما “قوتان سُنيّتان تسعيان للحصول على نفوذ إقليمي”.
في هذا الصدد، نقلت المراسلة عن كان كوتلو أتاش، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مرسين (جنوب تركيا) قوله: “في صورة ما إذا كانت هذه المزاعم صحيحة، فإنها ستُسفر عن رد فعل دبلوماسي صارم” من طرف أنقرة. كما اعتبر الباحث أن اختفاء جمال خاشقجي المثير للقلق، واحتمال اغتياله يُظهر المدى الذي يبدو النظام السعودي الذي يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان “مستعدا للذهاب إليه من أجل حماية سلطته”، وأضاف “يبدو أن الرياض انخرطت في عملية من المحتمل أن تتجاوزها”.
صحيفة “لوتون”، تصدر بالفرنسية في لوزان، 9 أكتوبر 2018
“وحشية غير مسبوقة”
تحت عنوان “عودة إلى الغرب (Retour au Far West)رابط خارجي المتوحش”، ربط لويس ليما بخيط أحمر بين القنصلية السعودية في إسطنبول ومقر البوليس الدولي (الإنتربول) في ليون وسط فرنسا ومدينة ساليسبوري البريطانية، رغم أنها ثلاثة مواقع منفصلة لا يُوجد ظاهريا أي رابط بينها. وقال: “بقدر ما تتجه الأمور لتأكيدها، فإن الأحداث التي دارت فيها (أي تغييب خاشقجي واختطاف رئيس الإنتربول الصيني الجنسية من طرف سلطات بلاده ومحاولة اغتيال جاسوس روسي وابنته من طرف مخابرات موسكو) لا تبدو فقط كمجرد نتاج لسيناريوهات سيئة جدا، بل ترسم أيضا ملامح عودة وحشية غير مسبوقة في مجال العلاقات الدولية”.
لويس ليما لفت إلى أن “جمال خاشقجي تحوّل – أكثر من مجرد صحافي عادي – إلى المُبلّغ الرئيسي عن الإنحراف السلطوي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان”، مضيفا أنه “إذا ما تأكدت التصريحات التركية فإنه قد يكون تعرض للإغتيال في مقرات القنصلية السعودية قبل أن يتم تقطيع جسده إربا إربا”. وبعد أن استعرض الحصيلة الثقيلة لكل من العربية السعودية والصين وروسيا في الفترة الأخيرة (حرب اليمن، اعتقال جميع المعارضين من طرف السلطة في الرياض، القمع المنهجي للسكان الأويغور في مقاطعة سينكيانغ من طرف بيكين، تقلص فضاءات الحرية في روسيا في الوقت التي تقوم قاذفات قنابلها بارتكاب مذابح في سوريا…)، برّر ليما التركيز على هذه الأحداث الأخيرة “لأنه تم تنفيذها على مرأى ومسمع من الجميع، دون أن تتسبب ولو في مجرد انزعاج ظاهري من طرف مرتكبيها”، مضيفا أن هذه الأعمال ليست سوى “تأكيد لا هوادة فيه للسلطة. فلا أهمية لصدقية تصريحات التكذيب والنفي، ولا أهمية للنتائج (المترتبة عن هذه الأعمال)، فالعالم مدعُوّ للتأقلم مع هذه الأساليب التي كانت ستبدو – قبل فترة وجيزة – وكأنها تنتمي إلى عصر آخر. وهي طريقة عمل مثيرة للمخاوف خصوصا وأن هذه الممارسات تعطي الإنطباع بأنها تشجّع بعضها البعض بما يُهدد بتحويل المقرات الدبلوماسية والمنظمات الدولية إلى غرب متوحش (Far West)”.
صحيفة “تريبون دو جنيف”، تصدر بالفرنسية في جنيف، 12 أكتوبر 2018
“أمر غير مُحتمل بالنسبة للرياض”
في حواررابط خارجي أجرته مع الخبير حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والبحوث حول الوطن العربي والمتوسط التابع لجامعة جنيف، سألته كاتي ماشيريل هل أزعج خاشقجي السلطة إلى حد دفعها للقضاء عليه؟ فأجاب: “بطبيعة الحال، يجب أن يظل المرء حذرا بشأن ما حدث في إسطنبول يوم 2 أكتوبر. لكن جمال خاشقجي الذي اختار المنفى بعد عمليات التطهير في خريف 2017 في العربية السعودية أصبح صوتا ناقدا للنظام السعودي، وصوتا مسموعا بشكل كبير في الخارج وليس في أي مكان.. بل في واشنطن، لدى الحليف المفضل للرياض. لقد كان ينشر بانتظام مقالات رأي في “واشنطن بوست”، كما يُدعى للمشاركة في ندوات وازداد الترحيب به من طرف وسائل الإعلام الأمريكية. أي أنه أصبح صوتا مُعارضا في قلب شبكات التأثير الأمريكية، وهذا أمر غير مُحتمل بالنسبة للملكية السعودية”.
هنا تساءلت الصحفية “لكن خاشقجي لم يكن مُعارضا تقليديا، فقد اتسم انتقاده للسلطة السعودية بالإعتدال..” فرد حسني عبيدي قائلا: “ولعل هذا هو ما يجعله أكثر إثارة للإزعاج. ففي فترة معيّنة، كان جمال خاشقجي في قلب دهاليز السلطة في الرياض، بما أنه كان مستشارا لتركي الفيصل، الرئيس السابق للإستخبارات السعودية، والذي استمر في العمل كمستشار لديه عندما كان هذا الأخير سفيرا في لندن. لكن خاشقجي، وهو رجل حر، كان يُوجّه في الأشهر الأخيرة انتقادات حادة لاستبداد محمد بن سلمان ولتبعات عزل قطر أو للحرب في اليمن”.
إذا ما تم القبول بفرضية إقدام أعوان سعوديين على التدخل في إسطنبول، هل يُمكن اعتبار ذلك رسالة موجهة إلى السلطة التركية عدوة الرياض؟ في رده على السؤال، اعتبر مدير مركز الدراسات والبحوث حول الوطن العربي والمتوسط أنه “في صورة ما إذا حصل تدخل فعلا، فإن الرسالة السعودية قد تكون أن أي معارض للسلطة السعودية ليس آمنا في تركيا لكن لا بد من عدم إغفال أن لدى الرياض – على أي حال – بعض الممارسة فيما يتعلق بالقيام بعمليات فوق أراض أجنبية من أجل إعادة أصوات مُعارضة بالقوة إلى الرياض مثلا، حتى حينما يتعلق الأمر بأعضاء من العائلة المالكة. فقد تم اختطاف أمير سعودي منتقد تجاه النظام الملكي في جنيف سنة 2003 ما بين فندق في جنيف ومنزله الخاص الكائن في ضاحية كولونج – بيلريف (Collonge – Bellerive).
أخيرا، طرحت كاتي ماشيريل السؤال التالي على محاورها: “من خلال إصلاحاته، أعطى ولي العهد عن نفسه صورة تحديثيّ، لكن قمع المعارضين لا زال على أشده. فممّ يخاف؟”، فأجاب حسني عبيدي: “هنا تكمُن كل المفارقة في العربية السعودية. لقد رحبت المجموعة الدولية بتشبيب السلطة السعودية وبالإصلاحات. في الوقت نفسه، رافق محمد بن سلمان صعوده القوي بتشدد تُجاه كل الذين يُمكن لهم اعتراض سبيله. هؤلاء يمثلون طيفا واسعا يشمل مدافعين عن حقوق الإنسان وناشطات نسوية ولكن أيضا علماء ينظرون بتوجّس شديد إلى منعرج التحديث. هذا القمع يُترجم سرعة انفعال الأمير ولي العهد. فهو يُواجه داخل آل سعود أنفسهم، أي العائلة المالكة السعودية، أصواتا تُعارض صعوده”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.