“ترامب يُسلم سوريا للفوضى ولداعش.. ويترك الأكراد لمصيرهم”
استأثر القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس الأمريكي هذا الأسبوع بالإنسحاب الفوري لقوات بلاده من سوريا باهتمام الصحافة السويسريّة الصادرة نهاية هذا الأسبوع.
صحيفة “24 ساعة”، تصدر بالفرنسية في لوزان، 21 ديسمبر 2018
بعد إعلان الرئيس الأمريكي في تغريدة مصورة نشرها على حسابه على موقع تويتر يوم الأربعاء 19 ديسمبر الجاري أنه “آن الأوان للعودة” من سوريا، اعتبر ألان جوردان في التقرير رابط خارجيالذي نشرته الصحيفة أن “تراجع ترامب عن مواصلة البقاء في سوريا يعني ببساطة “التخلي عن الأكراد”.
وبعد أن استعرض الكاتب ردود الفعل في واشنطن من طرف نواب جمهوريين انتقدوا القرار الذي “اتخذ على الرغم من التحذيرات شبه المُجمع عليها” من طرف العسكريين، نقل على استغراب الخبير السياسي السويسري حسني عبيدي الذي ذكّر بأن “التواجد الأمريكي لم يكن يرمي إلى محاربة داعش فحسب. فقد كان أيضا وسيلة لممارسة التأثير على العملية الإنتقالية (في سوريا) طالما استمرت القوات الإيرانية في التواجد في سوريا”.
عبيدي لخّص الموقف بالإشارة إلى أنه “في نهاية المطاف، سيصبّ هذا (القرار الأمريكي) في صالح محور موسكو – أنقرة – طهران”، وهو ما يذهب إليه أيضا جوناس باريلّو – بليسنر، الخبير في “معهد هودسون”، وهي مجموعة تفكير في نيويوك، الذي اعتبر أن “هذا يجعل من روسيا القوة الأجنبية المستحوذة على مفاتيح السلطة السورية”.
ميدانيا، يُجمع الخبراء والمراقبون على أن الأكراد السوريين – الذين كانوا مدعومين حتى الآن من طرف واشنطن – سيكونون أكبر الخاسرين جرّاء هذا التغيير المفاجئ في موقف ترامب ونقلت الصحيفة على لسان رفيع إسماعيل، وهو تاجر كردي في مدينة القامشلي شمال شرق سوريا موقفه من الإنسحاب الأمريكي حيث رأى فيه “خيانة للمبادئ الإنسانية”. بدوره اعتبر حسني عبيدي أن هذا القرار يمثل “إهانة للأكراد”، وأضاف أن “أردوغان سيُفسّر الأمر على اعتبار أنه ضوء أخضر، وهو ما سيجعله أكثر هجومية من ذي قبل. إنه بالتأكيد مُنعرج في الأزمة السورية”.
أخيرا، اعتبر ألان جوردان أن هذا المعطى الجديد قد يصب في صالح آخر مقاتلي داعش المحاصرين في جيب صغير قرب الحدود العراقية. فقد أشار تقرير أمريكي صدر أخيرا أن أعدادهم تناهز 14 ألف في سوريا وأكثر من ذلك في العراق المجاور، وهو ما يعني أن “الفوضى التي ستنجم عن هجوم دموي من طرف الأتراك على الأكراد ستوفر لهم جرعة من الأوكسجين سيستفيدون منها لإعادة الإنتشار من جديد وشن حرب عصابات”.
صحيفة “لوتون”، تصدر بالفرنسية في لوزان، 21 ديسمبر 2018
“ترامب يُسلم سوريا للفوضى ولداعشرابط خارجي“: هكذا عنونت الصحيفة تغطيتها للتداعيات المرتقبة للقرار الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب بالإنسحاب الفوري لقواته من سوريا. وفي افتتاحيةرابط خارجي بقلم ستيفان بوسّار، أشار الصحفي إلى أن “قرار ترامب بسحب حوالي ألفيْ جندي أمريكي من سوريا متناغم مع رؤيته لدور الولايات المتحدة في العالم. كما تعكس توجها عميقا يُميّز السياسة الخارجية للولايات المتحدة. لقد تعب الأمريكيون من لعب دور شرطي العالم الذي مارسته بلادهم على مدى عقود من الزمن”.
رغم إقرارها بأن مسار الإنسحاب من المنطقة بدأ فعلا مع الرئيس السابق باراك أوباما في عام 2011 من العراق ثم من افغانستان، إلا أن الصحيفة اعتبرت أيضا أن “الطريقة والتوقيت المُختاريْن يطرحان أسئلة خطيرة ويثُيران مشاعر الصدمة في واشنطن ولدى حلفاء أمريكا على حد السواء”.
ستيفان بوسّار، لفت إلى “مسألة أخرى – تتسم بطابع نفسي أكبر – قد تثير المزيد من المخاوف”، فالرئيس الأمريكي، المتبدّل والمتغيّر، والمُمسك بالشيفرات النووية، لا يُلقي بالا للنتائج المترتبة على قراراته على المدى الطويل. فقد اتخذ قراره بمفرده، وعلى خلاف رأي جميع مستشاريه. لقد كان الهدف من قوة الحد الأدنى – ولكن الناجعة – التي كانت الولايات المتحدة تبقي عليها في سوريا متمثلا في الحفاظ على رافعة في أفق تسوية سياسية للنزاع ومن أجل احتواء الروس والإيرانيين”، لكن “ترامب يُلقى بكل شيء عرض البحر، ما يؤدي إلى مزيد تقويض نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”.
“الإنسحاب سيزيد من خطر اندلاع حرب إقليمية”
في حوار خاصرابط خارجي أجرته مع أندرو فيبر Andrew Weber، وجّه المسؤول السابق في البنتاغون الذي عمل مستشارا رئيسيا لدى ثلاثة من وزراء الدفاع الأمريكيين (روبرت غيتس وتشوك هاجيل وليون بانيتا) فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل، انتقادات شديدة لقرار الإنسحاب الذي اتخذه دونالد ترامب.
فيبر قال: “من الناحية القانونية، وبوصفه القائد الأعلى للجيوش، هذا من حقه تماما، لكن تصرفه خطير. ترامب يتحرك مثلما قد يلعب طفل بجنود من رصاص، لكننا لسنا بصدد لُعبة. إن النتائج المترتبة عن قراره ستكون مهمة. سنخسر بلا ريب “الزخم” بوجه تنظيم “الدولة الإسلامية”.. سنضحي بحلفائنا العرب والأكراد وسنترك المجال واسعا لإيران. وهذا متناقض تماما مع سياسة الإدارة المتبعة حتى الآن لمنع إيران من لعب دور مُضر في المنطقة”.
هل سيُغير الانسحاب الأمريكي من سوريا المعطيات القائمة في المنطقة؟ يجيب أندرو فيبر أن “الإسرائيليين قلقون جدا لرؤية الإيرانيين وحلفائهم وهم يتمركزون مستقبلا بشكل أكبر في سوريا. كما أنهم منشغلون بتراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك، يُقوّض قرار دونالد ترامب (ثقة) شركائنا في التحالف. إذا لا يُوجد شك في أن الإنسحاب سيُحدث فراغا ستستغله القوات التركية بالتأكيد. إنه سيُرفّع من خطر نشوب حرب إقليمية. لهذا السبب، فإن قرار ترامب خاطئ وغير مُرحّب به”.
المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية شدد أيضا على أنه “من وجهة نظر أمنية، فإن الإنسحاب الآن ليس في صالح الولايات المتحدة ولا في صالح أوروبا. فهو يُنذر بزيادة مخاطر ارتكاب هجمات من طرف الجهاديين في أوروبا. لقد اتخذ دونالد ترامب قرارا سياسيا لا يأخذ الأمن بعين الإعتبار، لكن الانسحاب من العالم وتشييد قلعة اسمها أمريكا من صميم أيديولوجية الرئيس الأمريكي، ولكن لا يُمكن ضمان أمن العالم في القرن الحادي والعشرين بهذه الطريقة، فالإنعزالية ليست خيارا”، حسب رأي أندرو فيبر.
صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ”، تصدر بالألمانية في زيورخ، 21 ديسمبر 2018
في زاويتها الخاصة بالآراء، اهتمت الصحيفة بالقرار الأمريكي بالانسحاب من سوريارابط خارجي. تحت عنوان “لا، المهمة في سوريا لم تنته بعدُ” يكتب الصحفي دانيل شتاينفورت رأيه فيما يتعلّق بهذا القرار.
يعرض شتاينفورت في البداية مواقف ترامب الداعمة والمشجّعة للأكراد بشكل عام، ويذكّر بما قاله عنهم في بعض مؤتمراته الصحفيّة وفي حملاته الانتخابيّة، على سبيل المثال قوله بأنّه “من المعجبين بهم” أو بأنّهم “شعب عظيم” و”مقاتلون عظماء”. ويفسر الصحفي هذه المواقف الإيجابيّة بمعرفة ترامب منذ البداية بأنّه بحاجة للأكراد على الأرض إذا ما أراد هزيمة “تنظيم الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق وهو أحد الوعود التي أطلقها الرئيس الأمريكي أثناء حملاته الإنتخابية آنذاك.
يرى الصحفي بأنّه من الواضح منذ 19 ديسمبر الجاري أنّ ترامب “كغيره من الرّؤساء والسّياسيين من قبله” سيتخلّى عن مساعدة ودعم الأكراد وسيتركهم لمصيرهم، وهذا واضح في قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا. وهكذا لم يعد بإمكان الأكراد الإعتماد على الدعم الأمريكي في حربهم ضدّ تنظيم الدولة، أمّا ترامب فيرى، كما صرّح في تغريدة له يوم الأربعاء الماضي بأنّه “بما أنّ التنظيم قد هُزم فليس هناك داع لبقاء أمريكا في سوريا”.
حسب شتاينفورت، فإن ترامب يرى بأنّ المهمّة قد انتهت في سوريا، لكن الصحفي يرى أنّ ما سينتج عن هذا القرار الأمريكيّ واضح للجميع: هي معركة طويلة بين الأكراد وحلفائهم وبين تركيا وحلفائها من الإسلاميين، حيث “لم يعد هناك جنود من الحلف الأطلسي يقفون بين أردوغان وبين رغبته في التّوسع في المنطقة”. في هذا الصدد، يتكهن شتاينفورت بحصول “حمّام من الدم هناك وموجة نزوح جديدة”. كما سيجبر أيّ هجوم من هذا النوع الأكرادَ على الإستسلام في حربهم ضدّ تنظيم الدولة، “الذي لم يُهزم بعد، كما يدّعي ترامب، فما زال منهم الآلاف في سهل الفرات حسب البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية”، حيث يُنتظر أن يبدأ التنظيم – بمجرّد تحرك الأكراد باتجاه الشمال – في استعادة قواه وبناء شبكة جديدة له.
شتاينفورت تساءل أيضا عن سبب مُخاطرة ترامب بالتخلي عن حملة مكافحة الإرهاب وترك الأكراد يُواجهون مصيرهم بمفردهم ومن ثمّ فسح المجال لإيران أيضاً لتفعل ما تشاء في المنطقة، وإخلاء الساحة لروسيا وللنّظام السّوري، وذهب إلى أنه ليس هناك إلّا تفسير واحد يرتبط بوعوده الإنتخابيّة، ذلك أن ترامب “يُريد إظهار نفسه كداع للسّلام وأنّه يعمل على إخراج أمريكا من مناطق النّزاع، ومن أجل تحقيق ذلك فإنّه جاهز لفعل كلّ شيء”.
صحيفة “تاغس أنتسايغر”، تصدر بالألمانية في زيورخ، 21 ديسمبر 2018
بدورها خصّصت هذه الصحيفة صفحة كاملة لتحليل مفصّل عن وضع الأكرادرابط خارجي في المنطقة بعد قرار الولايات المتّحدة المفاجئ بسحب قواتها من شمال سوريا. تحت عنوان “الأكراد فجأة لوحدهم”، استعرض الصّحفيان موريتس باومشتيغير وكريستيان شلوتسير بعض الحقائق والنتائج المحتملة لهذا الإنسحاب الأمريكي.
قرار ترامب كان مفاجئاً للكثير من السّياسيين ومخيّب للأمل للحلفاء هناك، هذا ما يراه الصّحفيان، اللذان يربطان في بداية مقالتهما بين قرار ترامب وهجوم محتمل لتركيا على المناطق الكرديّة، كما يعرضان بعض الحقائق على الأرض، ومنها بداية عمليات حفر الخنادق والتّجهيز لمثل هذا الهجوم. أمّا سياسيّاً فقد ردّ قادة الحكم الذاتي في تلك المنطقة على هذا القرار بإعلان جاء فيه أنّ “مثل هذا القرار له تأثير سلبي على المعركة ضدّ الإرهاب”. أمّا على الجانب الآخر من الحدود فقد تمّ استخدام الخبر في بعض وسائل الإعلام للاحتفال بدبلوماسيّة أردوغان، حيث فُسّر القرار على أنّ الرئيس التركي استطاع دفع ترامب إلى سحب قواته، والتّخلي عن قوات سوريا الديمقراطيّة هناك والتي تعتبرها تركيا تابعة لحزب العمال الكردستاني الذي بحسب الحكومة التركية يخوض منذ 35 عاماً حرباً دامية ضد قوات الجيش.
الصحفيان يذكّران بتهديدات أردوغان الأسبوع الماضي بالقيام بعملية عسكرية في شمال سوريا، واحتمال أن تكون أنقرة على علم مسبق بالإنسحاب الأمريكي من هناك، وهذا ما يؤكّده قيام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بالتنبؤ بالانسحاب قبل أسبوع من إعلانه. وتأكيد أردوغان للخبر يوم السبت 15 ديسمبر، وقوله “حصلت على جواب إيجابي من ترامب” و “نستطيع مباشرة عملياتنا في على الأراضي السّوريّة من دون إصابة أيّ جنديّ أمريكيّ”، إلى ذلك فقد تمّ يوم الأربعاء 19 ديسمبر الإعلان عن رغبة أمريكا في بيع صواريخ باتريوت الدفاعيّة لتركيا بقيمة 3.5 مليار دولار. وبذلك يرى الصّحفيان أنّ ترامب أراد بجرّة قلم، على ما يبدو، تحسن علاقاته المضطربة جدّاً مع تركيا، أحد أعضاء حلف الناتو.
وبجرّة القلم نفسها، يقول الصحفيّان، أو بالأحرى بتغريدة واحدة على تويتر وضع ترامب نهاية لمشروع الأكراد السّياسي في شمال سوريا، والذي تمّ بنائه على حدّ تعبيرهما على أساس فدرالي وتمّ تطبيق قوانين وقواعد ثابتة في جميع المناطق التّابعة له، وتحت حماية قوات سوريا الديمقراطية. وعلى أساس أفكار وتعاليم المعتقل في تركيا ومؤسس حزب العمال الكردي عبد الله أوجلان. في منطقة الحكم الذاتي يعيش ما يقارب 4.5 مليون نسمة، وفيه تقوم النّساء ليس فقط بمحاربة تنظيم الدولة مع الرجال بل وبشغل المناصب في الدائرات والإدارات الحكوميّة والمناصب السياسية، بحسب الصحفيين.
كما جاء في الصحيفة أنّ القوات الكردية على الأرض لن تستطيع التّصدي لأيّ هجوم محتمل من الجانب التركي على الرغم من المعدات الحربية التي تركتها لها القوات الأمريكية. وذلك على غرار ما جرى حديثاً في آخر هجوم تركيّ في يناير 2018 على المنطقة حيث لم تستطيع القوات الكرديّة الصمود في وجه ذلك الهجوم، وبحسب تقارير قام الجيش التركي بترحيل آلاف الأكراد وبتوطين عائلات عربيّة هناك. ويرى كاتبا المقالة أنّ أي هجوم محتمل على شمال سوريا قد يؤدي بالضرورة إلى ترحيل مئات آلاف الأكراد، وستكون الوجهة الوحيدة باتجاه الجنوب، أي إلى مناطق سيطرة النظام حيث أنّ خيار الفرار باتجاه الشمال (أي نحو تركيا) غير وارد، والأكراد في الشرق في العراق ما زالوا يغلقون الحدود بإحكام. لذلك “لم يبقى للأكراد – من أجل تجنب أيّ هجوم من تركيا – إلّا محاولة الوصول إلى اتّفاق مع النّظام السّوري”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.