“الحقيقة الكاملة حول الحرب في سوريا” .. وإسرائيل تريد إنهاء الأونروا من خلال البوابة السويسرية
اهتمت الصحف السويسرية لهذا الأسبوع من جديد بالوضع السوري. فركزّت صحيفة تاغيس أنتسايغير على اللاجئين السوريين الذين يعودون إلى سوريا من أجل تقضية عطلهم، ما يتعارض مع قوانين اللجوء في سويسرا، وما لذلك من عواقب. أما صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ فقط تناولت النزاع في سوريا من زاوية تحليلية وفنّدت بعض النظريات عن دوافع وأسباب الحرب هناك. في الأثناء أفردت صحيفة "لوتون" مقالا مطوّلا لمساعي إسرائيل لإنهاء الأنوروا من خلال البوابة السويسرية.
تطبيق قانون منع السفر إلى بلد الأصل
تستهل كورت بيلدا من صحيفة تاغيس أنتسايغير رأيها حول موضوع قضاء بعض اللاجئين السوريين لعطلهم في بلدهم الأصل بأنّه يقلل من تضامن الناس معهم، ولذلك تطالب بتشديد عقوبة خرق القانون في هذا الصدد، حيث ترى بأنّ فكرة اللجوء وتقديم الحماية والمساعدة للملاحقين مبنية على تضامن المجتمع المضيف مع هؤلاء، وإذا ما تمّ سوء استغال هذا التضامن فإنّ “لدينا مشكلة”، حيث يتساءل السويسريون بحسب قولها “لماذا قدم المرء حقّ اللجوء لهؤلاء” بينما نرى أنّهم يستطيعون زيارة بلادهم والعودة. “هذا التصرف يزيد الطين بلة، ويبرر لمن يعارضون تقديم حق اللجوء لأحد وخصوصاً لمن يأتي من بلاد مسلمة”.
مخالفة القانون بهذا الشكل يجب أن تؤدي إلى سحب حق اللجوء منهم، ولكن ذلك لا يؤثر على ما تقول الصحفية على اقاماتهم، ذلك في النظام الفدرالي، حيث تكون الكانتونات هي مسؤولة عنها. علماً أن البيلدا تركز في رأيها في هذه القضية على السوريين من أصول كردية، الذين يعودون إلى شمال شرق سوريا، حيث يسود، كما تقول، حكم يكاد يكون مستقل وتصفه بالديمقراطي، لذلك يجب، بحسب رأيها، ترحيل هؤلاء إلى بلادهم.
في نفس الوقت، تعود الصحفية وتأكد على أنّ الوضع في المناطق الكردية ربما لن يستمر على هذا النحو، حيث يعتمد على مئات الأمريكيين المتواجدين هناك، وعلى الغطاء الجوي الأمريكي للمنطقة. فلا ضمانة للاستقرار في المنطقة، فقد يؤدي رفع الولايات المتحدة يدها عن المنطقة إلى حرب وموجة هجرة جديدة. “لذلك فإن فكرة ترحيل السوريين غير واردة بعد، ولكن لابد من عقوبات أشد من سحب حق اللجوء منهم، الذي لا يكفي في نظر الرأي العام، وربما ترحيل إذا ما أمكن ذلك، وإلّا يجب تقليص المساعدات الاجتماعية والإنسانية وفرض عقوبات مالية كبيرة.” ومن خلال الاستشهاد بالليبيين الذين تخلوا عن حق اللجوء طواعية، كما تقول الصحفية، من أجل العودة إلى بلادهم بشكل قانوني، “هؤلاء فهموا بأنّ استغلال تضامن السويسريين معهم أمر غير أخلاقي”.
“والآن، الحقيقة الكاملة حول الحرب في سوريا”
أمّا صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ لليوم الجمعة 6 سبتمبررابط خارجي فهي تستهل الحديث عن الوضع في سوريا بعنوان رنان واستفزازي “والآن الحقيقة الكاملة حول الحرب في سوريا”، وبتأكيد كاتب المقالة دانيل شتاينفورت في المقدمة على أنّ الحرب في سوريا معقدة وأنّ الجماهير تبحث لهذا السبب بالضبط عن أجوبة بسيطة وتستمع لمن يأتي بشروح مفهوم، كقول: الحرب مخطط لها من أجل تغيير النظام المعارض للمخططات الأمريكية.
“حسم الامر في سوريا”، بحسب شتاينفورت، فالنظام يسيطر على البلاد بدعم من إيران وروسيا، حتى في إدلب، فما هي إلا مسألة وقت حتى تسقط المدينة بأكملها بأيدي قوات الجيش النظامي، وعلى ذلك فلا نجد إلا القليل من الأخبار عن سوريا في الصحافة الغربية، الجميع تعب من قصص المعاناة والظلم هناك، ويتساءل الصحفي، عمّن يريد سماع كل هذه القصص؟ من منّا لم يتعب من سوريا؟ أمّا شتاينفورت نفسه ومن خلال تحليله، لا يبدو أنه تعب من التحليل، ومحاولة تقديم الأجوبة.
يرى الصحفي أنّ الأزمة الإنسانية على أبواب أوروبا لم تنته بعد، ذلك أن القتال في إدلب لا يزال مستمراً، وقد سقط هناك ما لا يقل عن 500 قتيل بحسب المنظمات الإنسانية، وهُجّر ما يزيد عن 400 ألف من منازلهم. الحجة في استمرار الهجوم على المدينة بحسب شتاينفورت هو القضاء على الإرهابيين هناك، في حين يرى هو “أن الهجمات تستهدف المشافي والمدارس والمدنيين بشكل عام كنوع من العقاب الجماعي المعروف الذي يقوم به الأسد على كل من دعم المعارضة”، حتى في المناطق التي توقف فيها القصف، هي غير آمنة من العصابات والإجرام، فالسلام لا يعمّ هناك أيضاً. ويضيف الصحفي قائلاً: “ليس هناك مواطن واحد في مأمن من المضايقة والاضطهاد والتعذيب، حيث يظل الوضع السياسي متقلبًا بشكل خطير، ومن وجهة نظر عدد لا يحصى من الشباب الذين تعرضوا للإهانة من قبل النظام أو أولئك الذين فقدوا أحد أفراد أسرتهم في الحرب، يجب على من قام بذلك أن يدفع الثمن. ليس هكذا يزدهر السلام”.
في تحليله يتطرق شتاينفورت لشدّة تعقيد الحرب في سوريا ولمحاولة الكثير تبسيطه بتقديم أجوبة واضحة تعجب السامع أو بالتعليق على التغطية الإعلامية المضللة والتي تخفي الحقائق، ذلك من أجل الترويج لنظريته الخاصة، كما فعل الباحث في التاريخ السويسري دانيل غانسير، الذي يعرض خلفية الصراع في فيديو تحت عنوان “ماذا لو عرف الشعب الحقيقة”. يصف الصحفي غانسير “بنجم المشهد” الذي يتهم الإعلام بالتضليل، ليس فقط على حقائق الحرب في سوريا وإنما في نزاعات أخرى.
غانسير يدعي، كما ينقل عنه شتاينفورت، بأنّ أساس النزاع ليس الثورة، التي حملها المدنيون وإنما هي أزمة اقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، ليس فقط في سوريا وإنما أيضاً في ليبيا بعد سقوط القذافي وفي أوكرانيا في عام 2014 أيضاً، يرى الصحفي أنّ غانسير لا يريد الحديث عن انتفاضة شعبية وإنما عن “خطط لتغير النظام”، “كان لا بد من الإطاحة بالديكتاتور السوري لأنه لم يكن مؤيدًا للغرب أو لأنه كان يقف في طريق المصالح الاستراتيجية والاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية.” وبذلك ينفي الباحث في التاريخ رغبة السوريين الذين خرجوا للمطالبة بحقوقهم ويسمح لنفسه بالحكم على الوضع بشكل أبوي، ومثل هذه الشروح للوضع تلقى قبولاً بين الناس، بحسب الصحفي.
“لم التعاطف عندما يكون لديك رؤية ثابتة عن العالم؟”
شتاينفورت يتساءل: “في كل حرب، أليس للأمر صلة بشكل من الأشكال بالنفط والغاز؟”، ويستذكر كلّ ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية منذ الأزل في منطقة الشرق الأوسط، كإسقاط رئيس الوزراء الإيراني المنتخب سنة 1953 وكذلك حرب العراق. ثم يعرض نظرية خط الغاز لغانسير، التي تعيد بداية الحرب في سوريا إلى إعاقة النظام السوري لمشروع خط غاز لشركة قطر للغاز، كان من المخطط أن يمر من السعودية إلى الأردن ومن هناك إلى سوريا ومن ثم تركيا ليصل بالنتيجة إلى أوروبا، وذلك لحماية مصالح حلفائه الروس والإيرانيين، ما أزعج الولايات المتحدة التي كان لديها مصلحة في النجاح في تمرير المشروع وذلك بهدف اضعاف الأخيرتين. غانسير يشدد على الحذر من التضليل الإعلام على الحقائق.
شتاينفورت يردّ: أجل، كان هناك مشروع خط غاز، ولكن ليس الجانب السوري من وقف في طريق إنجازه وإنّما المملكة العربية السعودية، التي لا تزال في منافسة مع قطر. ثمّ يتطرّق إلى شخصية أخرى تحاول تفسير الحرب في سوريا على أنّ أساسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ميخائيل لودير الذي لقيت نظريته قبولاً كبيراً في الشرق الأوسط، بحسب شتاينفورت، الذي يتهم لودير بتجاهل الموقف المتردد لسياسة الرئيس الأمريكي السابق أوباما، الذي رفض التدخل في الصراع السوري حتى بعد تجاوز الأسد للخط الأحمر الذي وصعه أوباما والمتعلق باستخدام الغازات السامة في النزاع.
في نهاية الطاف، لا يقدم شتاينفورت بالفعل جواباً وإنما يزيد الأسئلة، ولا يفي بما يعد به عنوان مقالته “والآن، الحقيقة الكاملة حول الحرب في سوريا”، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الهدف من هذا العنوان ربما هو الاستفزاز فقط أو شد الانتباه للمقالة. ولكنه يقرر بأنّه “يجب على الجمهور أن يسأل نفسه ما إذا كانت هناك حقيقة على الإطلاق، أم اننا بكل بساطة أمام مجموعة من الحقائق البديلة، النابعة من المصالح”، كما يرى بأنّ هذا النوع من النظريات يتزايد في مثل هذا الطقس الضبابي، الذي يساهم في ازدهار أعمال المؤلفين والمحاضرين، ويبقى من غير الواضح إن كان اهتمامهم نابعاً من قلقهم على الناس في سوريا، أم من اقتراب نهاية الحقبة الأمريكية، والأمر ليس سيان. يختتم شتاينفورت مقالته بجملة ربما أراد منها حثّ القارئ على التفكير، حيث يعوزها الوضوح، وهي: “لم التعاطف عندما يكون لديك رؤية ثابتة عن العالم؟”.
اسرائيل تريد إنهاء وجود الأونروا من خلال البوابة السويسرية
كان جدول أعمال وزير الخارجية الإسرائيلي الذي كان في زيارة إلى سويسرا الأسبوع الماضي متنوعا، حيث شمل عمل الدولة العبرية على إنهاء المتابعات القضائية ضد بعض المسؤولين الإسرائيليين، وكذلك تصفية وجود وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)، التي توفّر الحماية والمساعدة لحوالي خمسة ملايين لاجئ في الأراضي المحتلة وفي الأردن وسوريا ولبنان. ويرأس هذه الوكالة بيير كراهينبول، السويسري الأصل. وقد خصصت صحيفة “لوتون” الناطقة بالفرنسية في عددها ليوم الجمعة 6 سبتمبر حيزا هاما من صفحة الشؤون الدولية لهذا الموضوع.
الصحيفة توقّفت عند التباين الكبير في التصريحات السويسرية والإسرائيلية حول نتائج اللقاء بين وزيري خارجية البلديْن بمناسبة احياء الذكرى السبعين للعلاقات الثنائية بين البلديْن والذي بدأ مع اعتراف سويسرا بدولة إسرائيل: بالنسبة لسويسرا: المناسبة كانت فرصة للتأكيد على متانة العلاقة بين الطرفيْن، والتعاون الوثيق بينهما في المجال العلمي والتكنولوجي والابتكار. أما بالنسبة للجانب الإسرائيلي، ونقلا عن نفس الصحيفة: الزيارة أدّت إلى وضع حد لتهديدات الملاحقة القضائية التي كانت تهدد المسؤولين الاسرائيليين والضباط العسكريين الذين يزورون سويسرا، وأيضا وفّرت فرصة للعمل مع سويسرا من اجل الوصول إلى إنهاء وجود وكالة الأونروا، واستبدالها في مرحلة لاحقة بآلية جديدة تابعة للأمم المتحدة وتكون متعاونة مع السلطات الفلسطينية.
إذن مقابل التحفظات السويسرية، والتطرّق بحذر لزيارة المسؤول الإسرائيلي، توسعت وسائل الأعلام الإسرائيلية في تعداد نتائج هذه الزيارة: وتوقفت صحيفة “لوتون” السويسرية عند ثلاث نقاط مهمة:
1- النقطة الأولى في هذه العلاقة الشائكة بين سويسرا التي تريد أن تبقى “محايدة” والدولة العبرية، هو مخاطر الاعتقال والمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب التي تهدد كل مسؤول إسرائيلي مدني أو عسكري تطأ قدمه الأراضي السويسرية. وذكرت الصحيفة السويسرية ما تداولته وسائل الأعلام الإسرائيلية مؤخرا من أن سويسرا اتصلت بيهود أولمرت الذي كان ينوي زيارة الكنفدرالية وحذّرته من إمكانية تعرّضه للمساءلة أمام القضاء السويسري بسبب مسؤوليته على الجرائم التي ارتكبت في قطاع غزة عامي 2008 و2009، والتي ذهب ضحيتها 1400 فلسطيني. وهذا ما أدى في النهاية بيهود أولمرت إلى إلغاء زيارته إلى الكنفدرالية. لكن وزارة الخارجية السويسرية كذبت أن تكون اتصلت بمسؤولين إسرائيليين حاليا أو في الماضي لتحذيرهم من زيارة سويسرا. وبحسب ما رشح عن اللقاء الوزاري، فإن إسرائيل تريد من سويسرا بهذا الغرض، تعديل قوانينها، أو على الأقل عدم تنفيذها.
2- النقطة الثانية، والاهم في الاجندة الإسرائيلية السويسرية، ودائما وفق ما رشح في الإعلام السويسري والإسرائيلي، هو إعلان الوزير الإسرائيلي توصّل الطرفيْن إلى اتفاق مع نظيره السويسري “للعمل معا” من أجل إيجاد آلية دولية بديلة عن الأونروا، كبعث مكتب تابع للأمم المتحدة للاعتناء باللاجئين الفلسطينيين. ولم يجد المسؤول الإسرائيلي أي صعوبة أو حرج في التأكيد على تشابه الموقفيْن السويسري والإسرائيلي حول هذه النقطة. وهذا يذكّر بما سبق أن صرّح به وزير الخارجية السويسري العام الماضي بعد جولة في المنطقة حيث نقل عنه قوله “إن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى باتت تمثل جزء من المشكلة، وليس جزءً من الحل” في الشرق الأوسط”، والذي أضاف “بمواصلة دعمنا للاونروا، نحن نطيل أمد الصراع، وهذا منطق غير مجدي”.
صحيفة “لوتون” السويسرية قالت “الوزير الإسرائيلي استند إلى ما سبق أن قاله الوزير السويسري، وعيّنه حليفا له في تفجير “الاونروا” من الداخل. ومنذ عيّن الوزير الإسرئيلي، جعل من أولوياته اختفاء هذه المنظمة التي تقدم خدماتها للاجئين الفلسطينيين”. وتذكّر الصحيفة بأن الولايات المتحدة قد أوقفت كل دعمها المالي للسلطة الفلسطينينة وللأونروا، وبالتالي وجهت ضربة كبيرة لحق العودة الذي يتمسك به الفلسطينيون. كما أن تفجّر فضيحة “الفساد وسوء التصرّف” التي توجّه فيها الاتهامات إلى رئيس الأونروا السويسري بيير كريهنبول، دفع سويسرا هي الأخرى إلى تجميد دعمها المالي للمنظمة في انتظار إجراء تحقيق كامل وشفاف.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.