انتخاب إينياتسيو كاسيس يُجسّد خيار “التماسك الوطني”
تباينت مواقف الصحف السويسرية الصادرة صباح الخميس 21 سبتمبر من انتخاب إينياتسيو كاسيس لعضوية الحكومة الفدرالية. ففي حين أعرب المحللون والمراقبون في الأنحاء المتحدثة بالإيطالية والألمانية من البلاد عن قدر كبير من الإبتهاج والحماس لعودة سياسي من المناطق المتحدثة بالإيطالية إلى الحكومة الفدرالية بعد 18 عاما من الغياب، لم تتمكن الصحف الصادرة بالفرنسية من إخفاء خيبة أملها في أعقاب انتخاب النائب عن الحزب الليبرالي الراديكالي الذي "خلا من عنصري المفاجأة والجرأة".
في “لو كوريي” (تصدر بالفرنسية في جنيف)، كتب محرر الإفتتاحية (مُشبّها ما حدث بعملية تجارية عادية): “انتهت التعبئة، وتم الطيّ! لم يتطلب الأمر سوى جولتين من التصويت كي يتمكن إينياتسيو كاسيس من الفوز”. أما في بقية الصحف الروماندية (التي تصدر بالفرنسية في غرب البلاد)، فقد وُصفت عملية انتخاب النائب الليبرالي الراديكالي عن كانتون تيتشينو بـ “الواضحة والخالية من الأخطاء”، وبأنها جاءت “بدون مفاجآت” أو بـ “الإختيار شبه الطبيعي”.
لقد أصبح كاسيس الوزير الفدرالي رقم 117 لأن “الوقت حان لالتحاق ليبرالي راديكالي وقادم من كانتون تيتشينو في نفس الوقت” بالتشكيلة الحكومية، حسب رأي “لو نوفيليست” (تصدر بالفرنسية في مدينة سيون)، وتضيف الجريدة الرئيسية في كانتون فالي بنبرة ساخرة: “لذلك فقد كان هو، لأنه لم يكن متاحا أن لا يكون إلا هو”.
مع ذلك، لا يُنقص كل ما سبق شيئا من شرعية العضو الجديد في الحكومة الفدرالية برأي أغلبية المعلقين. في هذا الصدد، تتكهن “لو نوفيليست” بأن “إينياتسيو كاسيس سيكون وزيرا فدراليا جيدا جدا، بل أعلى من المتوسط بقليل بكل تأكيد. وذلك، بفضل خبرته وقدرته على الإنتقال السلس ما بين اللغات والثقافات والأحزاب والملفات”.
“في نهاية المطاف، تكسب المؤسسة دائما”
الصحافة الناطقة بالفرنسية فسّرت أيضا أن هذا الإختيار البديهي جاء في إطار الحرص على الإنسجام والتماسك الوطني، حيث ذهبت صحيفة “لوجورنال دو جورا” (تصدر بالفرنسية في دوليمون) إلى أن “الجمعية البرلمانية (أي أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الذين انتخبوا الوزير الجديد) اختارت مُراعاة النظام المعمول بها”.
من جهتها، اعتبرت “لا تريبون دو جنيف” (تصدر بالفرنسية في مدينة جنيف) أن “إينياتسيو كاسيس يُمثل “مُنتجا سويسريا خالصا”، مع ملاحظة أن “المؤسسة هي التي تكسب (الرهان) في نهاية المطاف”. فهذا الرجل “يُجسّد الحل التوافقي، وهو من اليمين. كما أنه متعدّد اللغات، ويعتز بالمنظومة القائمة، كما يُعزز حضور الأقليات دون افتعال الكثير من الصخب”.
في نفس السياق، لفتت “لوتون” (تصدر بالفرنسية في لوزان) إلى أن “عملية الإنتخاب لعضوية الحكومة الفدرالية تمثلت في عرض خال من المفاجآت أدى إلى إيصال رجل توافقي إلى قمة السلطة في البلد. ليس لدى كاسيس (من المواصفات) ما يُلهب حماسة الحشود، لكنها ليست خصلة مطلوبة لكي يُصبح المرء وزيرا في الحكومة الفدرالية”.
“لم يكن بإمكان بيار مودي إلحاق الهزيمة بالدستور”
بعض الصحف أعربت عن خيبة أملها من هذا الإجماع المؤسساتي، وخاصة من طرف الذين كانوا يرغبون في فوز بيار مودي بالمقعد الحكومي الشاغر، حيث اعتبرت “لوتون” أن “هذا البحث الدائم عن التوازن حال دون تحقق أحلام (السياسي الشاب ووزير الأمن في الحكومة المحلية لكانتون جنيف – التحرير) الذي مثّل اكتشاف الشهور الأخيرة. فلم يكن بيار مودي قادرا على إلحاق الهزيمة بالدستور الذي كان يُعلن أن أوان وزير من كانتون تيتشينو قد حان، ولا على أن يحظى بالدعم من طرف برلمان لم يكن عُضوا فيه بالمرة”.
نفس الموقف أعربت عنه صحيفتا “لوجورنال دو جورا” و”لاتريبون دو جنيف” اللتان اعتبرتا أن الرجل القوي في حكومة كانتون جنيف كان – من بين المرشحين الثلاثة، وعلى الرغم من صغر سنّه – الشخص “الأفضل تهيئة لشغل المنصب”.
في مقابل ذلك، جاء تقييم الصحافة الروماندية قاسيا لأداء إيزابيل موري، حيث انتقدت صحيفة “24 ساعة” (تصدر بالفرنسية في لوزان) ابنة كانتون فُو معتبرة أنها “لم تعرف بتاتا كيف تخوض هذه المعركة”. كما تعرضت العديد من الصحف إلى التضارب الذي أحاط بالرسالة التي وجّهتها خلال الحملة بتأكيدها على أنها امرأة تخوض مجال السياسة، وشددت (الصحف) على أنها “انغلقت في المسألة النسوية في حين أنها كانت تصرح بأنها تريد تجنبها”.
“رغبة في ترسيخ وجود اليمين المتشدد”
على صعيد آخر، رأت الصحافة الناطقة بالفرنسية في انتخاب إينياتسيو كاسيس “إرادة ترسيخ للمواقع السياسية من طرف اليمين المتشدد”، كما ورد في افتتاحية “لو كوريي”، التي أعربت عن توجسها حيث أشارت إلى أنه “لا يُؤمّل أي شيء” من هذا “الناشط في لوبي الصحة” (في إشارة لعضويته في مجلس إدارة شركة للتأمينات الصحية) بخصوص “الفضيحة الكبرى المتمثلة في الإرتفاع المنتظم لعلاوات التأمين الصحي” في سويسرا.
في نفس الإتجاه، أوضحت “لوتون” أن “الجمعية الفدرالية كانت ترغب في تسجيل نقطة تحول إثر مُغادرة ديدييه بوركهالتر (وزير الخارجية المستقيل) الذي كان يُعتبر في الكثير من الأحيان يساريا أكثر من اللزوم ضمن حزبه”. أما “لو نوفيليست” فذكّرت بأن اليمين “يحوز على الأغلبية في البرلمان”، لذلك فهو الذي “يسنّ القوانين كالملوك تماما”.
الصحف الناطقة بالألمانية والإيطالية: “خيار صحيح”
في جنوب البلاد وفي إيطاليا المجاورة، اتسمت التعاليق بقدر كبير من الحماس. فقد رأت صحيفة “كوريري ديل تيتشينو” (تصدر بالإيطالية في مدينة بيلينزونا) في انتخاب إينيتسيو كاسيس “فرصة لسويسرا”، فيما ذهبت صحيفة “كوريري ديلا سيرا” الإيطالية أن انتخابه يثمثل “عودة الأمور إلى طبيعتها بعد زلزال عام 2007” الذي شهد إبعاد كريستوف بلوخر من الحكومة الفدرالية من طرف البرلمان في الوقت الذي نجحت التشكيلة السياسية التي ينتمي إليها (أي حزب الشعب السويسري، يمين محافظ) في تعزيز رصيدها في مجلس النواب (الغرفة السفلى للبرلمان) بسبعة مقاعد إضافية.
أما في الأنحاء المتحدثة بالألمانية، فقد أبدت الصحف نفس القدر من الحماسة تقريبا. ففي نسختها الإلكترونية، عنونت صحيفة “بليك” الشعبية الواسعة الإنتشار (تصدر في زيورخ): “تتشكل الحكومة الفدرالية حاليا من أربعة من الناطقين بالألمانية وااثنين من المتحدثين بالفرنسية وواحد من كانتون تيتشينو – هذا ممتاز”. في الأثناء، امتدحت صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” ما أسمته “الإختيار المُوفّق” للجمعية الفدرالية التي “أقامت الدليل على تحملها للمسؤولية السياسية”.
في افتتاحية مشتركة، لفتت صحيفتا تاغس أنتسايغر (تصدر في زيورخ) و”دير بوند” (تصدر في برن) إلى أنه “من الضروري أن تُقيم الدليل أمّة تشكلت بإرادتها من حين لآخر على أن احترام الأقليات ليست مجرد عبارة مُفرغة من المعاني”، فيما شددت صحيفتا “لوتسرنر تسايتونغ” (تصدر في لوتسرن) و”سانت غالر تاغبلات” (تصدر في سانت غالن) على أنه “كان خيارا صحيحا، بل كان في الواقع الخيار الجيّد الوحيد”.
(نقله إلى العريبة وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.