الصحف السويسرية: “التحوّل الديمقراطي هو المستهدف”
أوردت الصحف السويسرية الصادرة اليوم الخميس 19 مارس عدة تعليقات على الهجوم الدامي الذي كانت العاصمة التونسية مسرحا له، أجمع معظمها على أن الهدف منها يتمثل في "إفشال التجربة الديمقراطية التونسية". وبالنسبة للعديد من المعلقين، فإن هذا العمل الإجرامي قد يمهّد الطريق إلى عودة الإستبداد، ووضع حد نهائي للربيع العربي.
لقد كانت حصيلة الهجوم الذي نُفّذ يوم الأربعاء 18 مارس 2015 على متحف باردو في ضواحي العاصمة التونسية ثقيلة جدا: 23 قتيلا من بينهم 20 سائحا أجنبيا. في المقابل، تمكنت قوات الأمن من القضاء على إرهابيّيْن شاركا في العملية.
ويوم الخميس، صرح رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد أنه تم التعرّف على المهاجميْن، وأفاد بأنهما تونسيان “على الأرجح”، لكن البحث لا يزال مستمرا بخصوص اثنيْن أو ثلاثة أشخاص آخرين من المتواطئين معهما. مع ذلك لم تعلن أي جهة بعدُ مسؤوليتها على الهجوم، ولا تعلم السلطات التونسية حتى الآن من الذي يقف وراءه.
“ليس في الامر أيّ مفاجأة”
لا تبدو الصحافة السويسرية متفاجئة بما حصل. وفي الواقع، بما أن تونس هي البلد الذي أطلق شرارة الربيع العربي، وهي الوحيدة التي أنجحت انتقالها الديمقراطي، فهي ستكون بالضرورة مستهدفة من طرف الحركات الإرهابية.
صحيفة “لوتونرابط خارجي” الناطقة بالفرنسية والصادرة بلوزان اعتبرت الهجوم الذي استهدف متحف باردو الواقع في قلب العاصمة التونسية والمحاذي لمقر مجلس نواب الشعب “مُرعب وبشع”، لأنه أودى بحياة واحد وعشرين بريئا، وهو “هجوم لا يُحتمل” على حد وصفها، لما يحمله من رمزية ودلالات، وما سينجرّ عنه من عواقب. فأي هدف آخر بالنسبة لهؤلاء المسلحين، تتساءل افتتاحية هذه الصحيفة، يمكن أن يكون “أكثر رمزية ومغزى من متحف باردو الذي يزخر بكم هائل من الآثار والكنوز التي تدل على ثراء التاريخ الوطني لهذا البلد المتوسطي”.
وبخصوص الأبعاد الإقتصادية لهذا الحدث، أشارت لوتون إلى أن “أي خطة ستكون أكثر ضررا وشؤما من إفشال الجهود المبذولة لإنعاش الاقتصاد التونسي، بضرب ركيزته الأساسية المتمثّلة في القطاع السياحي، والذي يحاول النهوض من جديد بعد سنوات من الركود”. وما يزيد في رمزية ما حدث حسب اليومية هو أن “هذا الهجوم الإرهابي قد نفّذ في الوقت الذي كانت باخرة كبيرة ترسو بميناء حلق الوادي لإفراغ حمولتها من السياح الذين يعدون بالمئات، والذي بالنسبة إليهم يبقى متحف باردو، مقصدا رئيسيا خلال رحلتهم”.
في الوقت نفسه، لا يُمكن تجاهل الأبعاد السياسية لما حدث، إذ لفت كاتب الإفتتاحية إلى أن منفذي الهجوم يُريدون النيل من تجربة تونس التي نجحت في انتقالها الديمقراطي، والتي تميّزت عن بقية تجارب الثورات العربية “التي إمّا سقطت في براثن الفوضى او عادت إلى الإستبداد والدكتاتورية من جديد”.
سويسرا تُدين الهجوم الإرهابي بتونس
أدانت رئيسة سويسرا سيمونيتا سوماروغا الهجوم الإرهابي الذي كان متحفا بتونس مسرحا له يوم الأربعاء 18 مارس 2015. وقد أودى الهجوم بحياة 22 شخصا، أغلبيتهم العظمى من السياح.
وأعربت سيمونيتا سوماروغا بإسم الشعب السويسري عن تعاطفها البالغ مع الحكومة التونسية ومع عائلات الضحايا، مشددة على العلاقة الوطيدة التي تربط بين سويسرا والجمهورية التونسية.
وجاء في بيان صادر عن وزارة العدل التي تقودها سوماروغا أن “الشعب السويسري يقف “جنبا إلى جنب مع الشعب التونسي، ضحية هذا الهجوم الوحشي والعنيف”.
وعقب هذا الحادث، عدّلت وزارة الخارجية من توجيهاتها إلى المسافرين القاصدين إلى تونس، محذّرة من مخاطر وقوع هجمات ارهابية في دول شمال افريقيا، وداعية المسافرين إلى “توخّي المزيد من الحذر”.
صحيفة “24 ساعةرابط خارجي” الصادرة بلوزان، و”لا تريبون دي جنيفرابط خارجي” الصادرة بجنيف، وكلاهما ناطقتان بالفرنسية، توقّفتا في افتتاحيتهما المشتركة اليوم أيضا عند دلالات هذا الحادث الدموي، وأشارت كاتي ماشيرال، كاتبة الإفتتاحية إلى أن المهاجميْن “اختارا مكانا يقع في وسط العاصمة التونسية، ومتحفا هو منارة للتاريخ المشترك لعدة حضارات، ومعلما محاذيا لمقر مجلس نواب الشعب، المنتخب حديثا وبشكل ديمقراطي، ما يجسّد الخطوات التي قطعها هذا البلد على طريق الديمقراطية”.
قراءة أخرى لما حدث
لكن كل هذه الابعاد الرمزية لا تكفي لفهم ما حدث، إذ تضيف كاتبة الإفتتاحية: “هناك أسباب أخرى يمكن أن تساعدنا على فهم ما حدث: رغم مرور أربع سنوات منذ الثورة، لايزال البلد منقسما بين شمال تتجمّع لديه السلطة الإدارية ويكدّس الثروات، وجنوب يعاني من البطالة ومن غياب اللامركزية، حيث لايزال يخضع إلى إدارة موروثة عن الفترة الإستعمارية”. وفي خضم هذا الإنقسام “نمت خلايا السلفية الجهادية النشطة جدا على الحدود الجنوبية مع الجزائر ومع ليبيا”، تضيف كاتي ماشيرال.
من جهتها، اختارت صحيفة “لا ليبرتيرابط خارجي” الصادرة بفريبورغ التطرّق إلى الهجوم الذي استهدف العاصمة التونسية من زاوية أخرى وأجرت حوارا مع قادر عبدالرّحيم، وهو باحث مشارك بمعهد العلاقات الدولية والإستراتيجية، ومتخصص في قضايا المغرب العربي والإسلام السياسي.
الباحث أشار إلى أن “تونس أصبحت تدرك أنها هدف للأعمال الإرهابية خاصة بعد المواجهات التي حدثت في مرتفعات الشعانبي، والتي قُتل فيها 15 جنديا تونسيا في شهر يوليو 2014″، وبعد أن ذكّر أيضا بـ “التحوّل الذي حصل في التعاطي مع هذه الظاهرة في السنوات الأولى للثورة، ثم بعد انتهاء المسار الإنتقالي، ووصول الحكومة الإئتلافية الحالية”، نبّه عبد الرحيم إلى أن “اوروبا لم تبذل جهودا حقيقية لمساعدة تونس في محاربة الإرهاب”. وقال محذّرا: “على أوروبا أن تعي أنها في حاجة إلى هذا البلد الذي نجح في تحقيق انتقاله إلى الديمقراطية، لأنه إذا سقطت تونس في فوضى الإرهاب، فإن آثار ذلك سوف تصل إلى أوروبا”.
المزيد
ربـيـعٌ يُزهر في تونـس
صحيفتا “تاغس أنتسايغررابط خارجي” و”بوندرابط خارجي” الناطقتيْن بالألمانية ذهبتا إلى أن الظروف القائمة حاليا في تونس تشجّع على هذه العمليات الإرهابية، ذلك أن “هذه الدولة الصغيرة الواقعة في شمال افريقيا هي وجهة سياحية تقليدية، ومتحف باردو ومقر مجلس نواب الشعب يوجدان في قلب العاصمة، والحراسة من قبل الشرطة في كثير من الأحيان غير موثوق بها، وتتخللها أخطاء”.
نهاية الربيع التونسي؟
يبقى السؤال: ما هي العواقب المحتملة لهذا الهجوم على الديمقراطية التونسية الهشة والناشئة؟ في معرض الجواب، غابت عن العديد من كتاب افتتاحيات الصحف لهجة التفاؤل، بل لم تتردد صحف مثل “تاغس انتسايغر” أو “بوند” في الإشارة صراحة إلى “نهاية الربيع” التونسي.
وبالنسبة لهاتيْن الصحيفتيْن، يمكن لهذا البلد أن يكون مختلفا، ولكن الإرهاب غالبا ما تكون له نفس النتائج، حيث “تجد الحكومات الجديدة (دائما) في ذلك مبررا للعودة إلى الحكم الإستبدادي – الكل من أجل مكافحة الإرهاب. مصر في عهد السيسي، تلميذ مبارك، هو أفضل مثال على ذلك. وتونس، التي، تحكم كديمقراطية غير مكتملة، يمكن أيضا أن تسلك نفس الإتجاه”.
كذلك ترسم صحيفتا “أرغاور تسايتونغرابط خارجي“، و”لوتسرنر تسايتونغرابط خارجي” صورة قاتمة عن الوضع هناك. إذ ترى الصحيفتان أن “هذا الهجوم الإرهابي المروّع الذي ضرب قلب مدينة تونس يُهدد بإغراق آخر معقل للأمل في العاصفة المدمّرة التي تجتاح العالم العربي. فالجهاديون التابعون لمنظمة “الدولة الإسلامية” في ليبيا هم على أبواب تونس، والآلاف من الشباب انضموا طوعيا إلى هذه الإيديولوجيا المتطرفة، بينما تتفاقم البطالة والبؤس والفقر في المناطق الداخلية”.
ومن المهمّ، وفقا لهاتيْن الصحيفتيْن، “أن لا تفقد الحكومة التونسية رباطة الجأش رغم هذه الحادثة الدموية، وأن تتصرّف بشكل مسؤول. خلاف ذلك، سوف ينتهي الربيع العربي في تونس”.
في نهاية المطاف، كانت صحيفة “لوتون” الوحيدة التي بدت أقلّ تشاؤما من نظيراتها، حيث اعتبرت أن “تونس تترنّح، لكنها لن تسقط”، على حد التعبير الذي ورد في افتتاحيتها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.