مؤسسة”إعادة التسلّح بالأخلاق” .. خيط ناظم في التاريخ السويسري
تحتفل "مؤسسة كو للمبادرات والإصلاح"، وتسمى سابقا "إعادة التسلّح بالأخلاق"، بمرور 70 عاما على تأسيسها في قرية سويسرية تطل على بحيرة جنيف. وفي هذا التقرير إطلالة على حركة دولية، إنجيلية ومعادية للشيوعية اقتصرت عضويتها على المحافظين السويسريين قبل الحرب الباردة وخلالها، لكنها انفتحت لاحقا على حساسيات أخرى.
كانت هذه الفكرة قد خطرت على بال قس إنجيلي أمريكي خلال النصف الأوّل من القرن العشرين، في عالم غربي يعيش على وقع الحروب والأزمات، وهي الفكرة التي اتخذت لاحقا شكل مؤسسة “إعادة التسلّح بالأخلاق”، والتي تُحيي يوم 1 يوليو 2016 مرور 70 عاما على نشأتها في منطقة تطلّ على مدينة مونترو السويسرية.
السويسريون الاوائل المنضوون في مؤسسة “إعادة التسلّح الأخلاقي”
من بين الثلاثين فرد الذين انضموا إلى مؤسسة “إعادة التسلّح بالأخلاق”، وفقا للمؤرخ هانس أولريخ، نجد هونري فالونتونرابط خارجي، رئيس مجموعة الليبراليين الراديكاليين في مجلس النواب، وهونري غيزونرابط خارجي، الذي سميّ قائد للجيش السويسري خلال الحرب العالمية الثانية، ورئيس اللجنة الدولية للصليب الاحمر آنذاك ماكس هوبر أو كذلك مؤسس ميغرو ، غوتليب دوتفيلّررابط خارجي “وقد اجتمعت هذه الشخصيات لأوّل مرة في انترلكن، تقريبا في ديسمبر 1938”.
وفي وقت لاحق، انضمّ أعضاء برابطة غوتهاردرابط خارجي إلى هذه المؤسسة مثل تيوفيل سباورّيرابط خارجي أو فليب موتّو، وبيليت غوزالرابط خارجي، المتعاون مع الحكومة الفدرالية، وعضو رابطة كانتون فو والمحاضر بمؤسسة “الجيش والتعبئة الروحيةرابط خارجي“، أهم اداة في خدمة سويسرا اثناء الحرب.
ويضيف هانس- أولريخ يوست: “يبدو أن غيزون طلب من أعضاء مؤسسة “إعادة التسلّح بالأخلاق” بأن تكون مؤسسة “الجيش والتعبئة الروحية، أداة دعاية في خدمة الجيش.
فليب موتّو، المعجب الكبير بغونزاغي دي رينولد، والذي أصبح لاحقا الركيزة المستقبلية ل”إعادة التسلّح بالأخلاق” في سويسرا، قام بالعديد من الزيارات لفرنك بوخمان، في نهاية الحرب العالمية الثانية. وخلال لقاء انعقد في أبريل 1946، قرّرا اشتراء فندق قديم في قرية كو، لكي يكون أحد المقرات الرئيسية لمؤسسة “إعادة التسلّح بالأخلاق”.
لكن هذا الرجل الذي يبدو مقتنعا بأفكاره حتى النخاع ما كان ليقف عند هذا الحد. ففي مواجهة الرذائل التي تنسب إلى الرأسمالية، والخطط الشيطانية التي تنسب إلى الملاحدة الشيوعيين، كان فرنك بوخمان يؤكّد على الحاجة الماسة إلى مؤسسة “إعادة التسلّح بالأخلاق”. وفي عام 1938، هذه التسمية عوّضت بشكل رسمي مجموعة أوكسفورد.
في كتاب خُصّص لتسليط الضوء على هذه المؤسسة، كتب، المؤرّخ الأمريكي دانيال ساك: “سعت مؤسسة “إعادة التسلّح بالأخلاق” إلى تغيير العالم عبر تغيير الطبيعة البشرية، بما في ذلك في المجاليْن السياسي والاقتصادي. وتحقيق ذلك ليس عن طريق الإقناع العقلي أو الحجج المنطقية، ولكن عبر عرض التجارب الشخصية.
إغراء التسلّط
هذا النداء وجد له صدى في جميع أنحاء أوروبا وفي جميع بقاع العالم، وانضمّ إلى هذه المؤسسة في الحين قرابة ثلاثين شخصية منحدرة من أحزاب يمينية سويسرية.
وتعكس المواقف السياسية للأعضاء السويسريين في هذه المنظمة النقاشات الداخلية التي كانت تشق صفوف الأحزاب اليمينية السويسرية. وأوضح أوليفيي نويلي، مؤرّخ أحزاب اليمين بدقة السياق المضطرب لتلك المرحلة: “خلال الثلاثينات من القرن الماضي، كانت هناك أزمة مطبقة، اقتصاديا وسياسيا وفكريا في نفس الوقت. فصعود الأنظمة الفاشية والشيوعية كان يثير مخاوف الكثيرين. أضف إلى ذلك، كانت هناك أقلية من الحزب الليبرالي الراديكالي (حزب أغلبي في حكومة التوافق السويسرية) تثير شكوكا حول الديمقراطية البرلمانية، متسائلة في نفس الوقت إن لم يكن الوقت قد حان لإدخال إصلاحات على النظام الرأسمالي. وهو ما رأى فيه البعض محاولة لفرض نظام تسلّطي في سويسرا”.
وخلال النصف الثاني من الثلاثينات، حقق هذا الخيار بعض النجاح في سويسرا. وقد تزعّمه غونزاغي دي راينولد، والذي كان لا يخفي اعجابه ومشاركته لأفكار البرتغالي أنطونيو سولازار، مؤسس “الوضع الجديد” في عام 1933. نظام تسلّطي، ومحافظ، وكاثوليكي، وشعبوي تم إسقاطه في عام 1974. وبحسب المؤرّخ اليساري هانس- أولريخ يوست “كان سالازار نموذجا يصلح لكي تستلهم منه فاشية سويسرية ناعمة”، ووجدت أفكاره التأييد حتى من بين صفوف المحافظين البروتستانتيين.
كان الأمر يتعلّق بالنسبة لشريحة من السويسريين بالدفاع عن سيادة سويسرا في مواجهة ألمانيا النازية، مع الإعتقاد في نفس الوقت بأن الأنظمة التسلّطية التي كانت قائمة آنذاك في أوروبا، تؤسس لنظام أوروبي جديد، وليس لفترة من الخراب والمجازر.
هذه الرؤية تشترك فيها العديد من الجمعيات والأحزاب اليمينية، ومن مجموعات التفكير، لكن هانس – أولريخ يوست يسجّل “غياب دراسات تاريخية تسلّط الضوء على الروابط والعلاقات التي كانت بين الأحزاب والجمعيات اليمينية في الأربعينات والخمسينات”.
وهذا ما دفع زميله أوليفيي مويلي إلى الردّ بالقول: “هذه الجمعيات أطلقت العنان لمخيّلة بعض المؤرخين من اليسار المتطرّف حتى رأوا في هيئات مثل “مؤسسة كو للمبادرات والإصلاح” أو “جمعية مونت – بيليرين”، مؤامرات عالمية لتعزيز سلطة المال”. وهؤلاء المفكّرين سيلعبون دورا محوريا في تعزيز الإقتصاد النيوليبراليرابط خارجي.
المزيد
من “إعادة التسلّح بالأخلاق” إلى مؤسسة “المبادرات والإصلاح”
جمعية “مونت- بيليرين” التي تأسست عام واحد فقط بعد إنشاء مؤسسة “إعادة التسلّح بالأخلاق” بكو، كانت جارة للأولى جغرافيا. ولكن هانس- أولريخ يوست، يرى نوعا آخر أيضا من القرابة، ف “جمعية مونت- بيليرين” تدافع عن نفس القيم التي تدافع عنها مؤسسة “إعادة التسلّح بالأخلاق”، ولكن من دون سند ديني. فقد أنشأت هذه الجمعية على يد الإقتصادي فريديريخ فون حايك (مطلق فكرة النيوليبرالية)، وزميله فيلهالم روبكي الذي نشر في عام 1942 في صحيفة “نيو تسوخر تسايتونغ” نداءً أخلاقيا من أجل تجديد سويسرا اعتمادا على الفرد والحرية الإقتصادية، ودولة متطوّرة لا تنشغل كثيرا بالسياسة الإجتماعية”.
مناهضة الشيوعية
يشير هانس – أولريخ يوست إلى أنه “بعد الحرب، كان هذا اليمين السويسري سيصبح مؤيدا وداعما ل”مؤسسة كو للمبادرات والإصلاح”، هذه الشبكة التي كان لها نوع من التأثير عبر هذه الجمعيات والاحزاب على مستو ى التوجهات السياسية والجيش من خلال التأثير في نخبتهما”.
يذهب مسؤول سابق في هذه المؤسسة بسويسرا في هذا الإتجاه. حيث يروي جون – بيار ميان، في حوار أدلى به إلى وكالة الأنباء البروتسنتية في عام 2010 قائلا: “ذهبت إلى كو لأوّل مرّة عندما كان عمري يتراوح بين 18 و20 عاما في بداية الستينات. والرسالة في تلك المرحلة، كما فهمت، كانت تتمثّل بالاساس في تعبئة القيم المسيحية من اجل مناهضة الشيوعية. وقد بذلت جهود كبيرة ومساع لدى نخب دول العالم الثالث من اجل الإبتعاد عن الشيوعية في فترة ما بعد الإستقلال. هذا التمشّي لم يلق الإستحسان لديّ”.
بداية جديدة مع كورنيليو سوماروغا
السبب الذي دفع جون- بيار مايون للإنضمام في نهاية المطاف إلى مؤسسة كو مع بداية الألفية الثانية هو المنعرج الذي اتخذته هذه الأخيرة على يد كورنيليو سوماروغارابط خارجي بعد توليه مقاليد المقرّ السويسري لمؤسسة “إعادة التسلّح بالأخلاق”، وهذه الاخيرة قد فقدت الكثير من إشعاعها في السبعينات من القرن الماضي.
هذه الشخصية التي تتمتّع بالكثير من المصداقية في سويسرا، وكذلك لدى المنظمات الدولية التي يوجد مقرّها في جنيف، نجحت في إضفاء صبغة انسانية على عمل هذه الهيئة تماما كما سبق أن فعلت عندما تولّت رئاسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الفترة التي امتدت من 1987 إلى 1999.
وتحت قيادته، تخلّت هذه المنظّمة عن تسميتها السابقة “إعادة التسلّح بالأخلاق” التي باتت مرهقة ومعيقة لعملها لتأخذ تسمية ثانية هي “مؤسسة كو للمبادرات والإصلاح”. وبذلك تم الإحتفاظ بالروح الاولى التي عليها تأسست هذه الأخيرة على يد فرانك بوخمان، بعد أن تخلّت عن الكثير من الابعاد الإيديولوجية.
جنيف الدولية
يشدّد أورس زيسفيلر، عضو مجلس الإدارة بمؤسسة كو للمبادرات والإصلاح، (وهو في نفس الوقت رئيس مجلس الجمهور بشبكة swissinfo.ch) على الحقائق التالية:
“منذ تولى رئاسة هذه المؤسسة كورنيليو سوماروغا، تغيّرت الإدارة بشكل جذري. ولكن حتى في الماضي، قامت المنظّمة بجهود معتبرة في مجال الوساطات (بين الفرنسيين والألمان، خدمة للوحدة الأوروبية). كذلك شهدت كو، المقرّ الرئيسي لهذه الهيئة، تنظيم العديد من اللقاءات على علاقة بموضوع التحرّر من الإستعمار كما هو الحال في الجزائر آنذاك”.
وأشار الدبلوماسي السويسري السابق على سبيل المثال كيف أنه التقى في كو، بشكل سرّي الدالاي لاما، خلال الفترة التي كانت فيها برن تحاول لعب دور الوسيط بين الصين والتبت. وأضاف أن هذه الهيئة تظل وإلى اليوم واحدة من الفضاءات لعقد لقاءات ولتنشيط وساطات في خدمة جنيف الدولية والدبلوماسية السويسرية.
ومن المفيد الإشارة أيضا أن هذه الطريقة مؤسسة على مبدأ أن بإمكان الشخص التغيّر من نفسه عبر الإطلاع على تجارب الآخرين، وتغيير مجموعته السكانية بهذه الطريقة أيضا. واما بالنسبة لبربارا هينترمان، الأمينة العامة لمؤسسة كو للمبادرات والإصلاحرابط خارجي: التأثير المرغوب في احداثه هو اكثر تواضعا: “لن نغيّر العالم، بل نحن نسعى لتطويره بخطى بطيئة”.
(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.