الغرفة السفلى في البرلمان السويسري ترفض مبادرة “وقف تجارة الحرب”
رفضت غالبية مجلس النواب السويسري المبادرة الشعبية الداعية لوقف تجارة الحرب وتعزيز آليات الرقابة والشفافية في الاستثمارات في هذا القطاع وحثت الناخبين على رفض هذه المبادرة. من وجهة نظر البرلمان الفدرالي، فإن المصرف الوطني السويسري وصناديق التقاعد من حقها الاستمرار في الاستثمار في الشركات المنتجة للأسلحة والمعدات الحربية.
“القانون الحالي كافٍ لرقابة الاستثمارات في تجارة المعدات الحربية”: هذا هو رأي غالبية مجلس النوابرابط خارجي، الغرفة السفلى للبرلمان الفدرالي، الذي حث المواطنين على رفض المبادرة الشعبيةرابط خارجي الداعية إلى “فرض حظر على تمويل إنتاج المعدات الحربية”. كما رفض نواب البرلمان بأغلبية 105 صوت مقابل 87 تقديم مشروع قانون مضاد لتعزيز الحظر على التمويل غير المباشر للأسلحة المحظورة وزيادة الشفافية. ولم تكن أصوات الخضر والاشتراكيين والخضر الليبراليين والحزب الإنجيلي كافية لتغيير الموازين.
“الشركات الصغرى والمتوسطة التي توفر الوظائف لشريحة كبيرة في سويسرا ستتضرر من هذه المبادرة، حيث ستتأثر أيضًا الشركات المنتجة للأدوات الدقيقة والزجاج الموردة لشركات إنتاج الأسلحة”
مايا رينيكر، الحزب الليبرالي الراديكالي
المبادرة الشعبية رابط خارجيضد تجارة الحرب أطلقتها المجموعة من أجل سويسرا بدون جيش (GSsA) وتجمّع الشباب الخضر وهي تدعو إلى إضافة مادة جديدة في الدستور الفدرالي تنص على منع المصرف الوطني السويسري والمؤسسات المالية وصناديق التقاعد من تمويل إنتاج المعدات الحربية. وهذا يعني حظر منح ائتمان أو قرض أو تبرع أو شراء سندات مالية أو أسهم أو ما شابهها من الاستثمارات المرتبطة بالشركات المصنعة للأسلحة. يذكر أن 5% من إجمالي الأرباح السنوية للمصرف الوطني مصدرها الاستثمار في صناعة المعدات الحربية.
المال أم المبدأ؟
خلال النقاش، ارتفعت حدة الجدل بين معسكريْ اليسار واليمين في البرلمان. فالأول يتحدث عن القيم الأخلاقية والآخر عن أهمية سويسرا كمركز مالي. وقالت مايا رينيكر، من الحزب الليبرالي الراديكالي: “المصرف الوطني يخضع لقوانين استثمار صارمة للغاية ونرفض أيّ تدخل سياسي في شؤون البنك. بالإضافة إلى ذلك، ستتضرر الشركات الصغرى والمتوسطة التي تضمن الوظائف في سويسرا من هذه المبادرة، حيث ستتأثر أيضًا الشركات المنتجة للأدوات الدقيقة والزجاج الموردة لشركات إنتاج الأسلحة”.
وحذر سياسيون من أن صناديق التقاعد ستجد صعوبة في الاستثمار في مصادر آمنة ومتنوعة، مما قد يؤدي إلى انخفاض العوائد.
“هناك قطاعات أخرى صالحة للاستثمار مستقرة ومُربحة مثل تجارة الحرب”
ليونور بورشيه، حزب الخضر
في المقابل شدد برلمانيون من الجناح اليساري على التناقضات الكامنة في السياسات السويسرية، التي تعمل من جهة على تعزيز السلام العالمي، بينما تبيع الأسلحة وتمول مُنتجي المعدات الحربية. في السياق، أوضح بيير آلان فريديتز، من الحزب الاشتراكي أن “الأمر يتعلق قبل كل شيء بالمصداقية وصورة بلدنا. سويسرا تقدم المساعي الحميدة وتقوم بالتمثيل الدبلوماسي للدول في حالة الحرب وتستضيف المنظمات الدولية على أراضيها وتحتضن المؤتمرات ومحادثات السلام وكلها ميزات خاصة بسويسرا. يجب أن نتخذ هذه الخطوة من أجل جعل البلاد أكثر انسجاما مع قيمها”.
معسكر اليسار أشار أيضا إلى أن المركز المالي السويسري يُعتبر من أكبر المراكز في العالم ولديه فرصة ليكون مثالا يحتذى به. وأشارت ليونور بورشيه، عضوة حزب الخضر إلى أن “مؤشرات سوق الأسهم عديدة والكثير منها غير مرتبط بتجارة الحرب على الإطلاق. هناك قطاعات استثمارية أخرى مستقرة ومربحة مثل تجارة الحرب”.
حدود القانون الحالي
يحظر القانون السويسري التمويل المباشر لمواد الحرب المحظورة: الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية والألغام والقنابل العنقودية. كما يحظر التمويل غير المباشر، ولكن فقط إذا كان الغرض هو التحايل على الحظر المفروض على التمويل المباشر. في المقابل، أصرّ العديد من البرلمانيين اليساريين على أن هذا التشريع غير كاف، مستشهدين بأرقام أوردتها منظمة “باكس”رابط خارجي الهولندية غير الحكومية في سياق مشروعها “لا تستثمر في القنبلة” والتي تكشف أن مصرفيْ “كريدي سويس” و”يو بي اس” والمصرف الوطني السويسري استثمروا ما يقرب من 9 مليارات دولار بين عامي 2017 و 2019 في الشركات المُصنعة للأسلحة النووية، بما في ذلك بوينغ وإيرباص وهاني ويل ولوكهيد مارتن.
“لدى البنوك قواعد فعالة لضمان الامتثال للتشريعات القائمة”
غي بارمولان، وزير الاقتصاد السويسري
في رد فعله على المبادرة، نوه وزير الاقتصاد غي بارمولان إلى أنها لا تميّز بين المعدات الحربية المحظورة وغير المحظورة. وأشار إلى أن القانون السويسري يحظر تمويل أسلحة معينة، في حين أن المبادرة تريد توسيع النطاق ليشمل جميع أنواع المعدات الحربية.
وأوضح بارمولان أن “تصريحات “لا تستثمر في القنبلة”رابط خارجي لا تعني أن القانون الحالي لا يعمل لأنها تتجاهل حقيقة أن بعض المُجمّعات مثل إيرباص أو بوينغ تصنع أيضًا منتجات مدنية”. وفي معرض الرد على المعلومات التي كشفت عنها منظمة “باكس” غير الحكومية، أفاد الوزير أن أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية أجرت في عام 2018 تقييما لاستثمارات الشركات المذكورة في تقرير المنظمة “خلُص إلى أن أن البنوك لديها قواعد فعالة لضمان الامتثال للتشريعات المعمول بها”، على حد قوله.
في نهاية المطاف، أقنعت حجج الحكومة الفدرالية غالبية أعضاء مجلس النواب الذين أحجموا عن المطالبة باقتراح مشروع قانون مضاد لتعزيز القانون الحالي. ويتعيّن الآن على الغرفة العليا في البرلمان (مجلس الشيوخ) أن تدلي برأيها، لكن الكلمة الأخيرة ستبقى في النهاية للناخبين السويسريين.
في عام 2019، صدّرت الشركات السويسرية معدات حربية بزيادة بلغت 43٪ من العام السابق في 71 دولة وبلغ إجمالي قيمتها 728 مليون فرنك.
وفقًا لأمانة الدولة للشؤون الاقتصادية، فإن هذه الزيادة ترجع في المقام الأول إلى الصفقات الكبيرة مع ثلاثة بلدان: صفقة المركبات المدرعة للدنمارك (150 مليون فرنك) ورومانيا (111 مليون فرنك) وبيع أنظمة دفاع جوي إلى بنغلاديش (55 مليون فرنك). يذكر أن صادرات الأسلحة تشكل 0.23٪ فقط من إجمالي الصادرات السويسرية.
تنتقد منظمة العفو الدوليةرابط خارجي توريد سويسرا للأسلحة إلى بلدان تُوجد في مناطق نزاع أو التي تنتهك حقوق الإنسان بشكل منهجي وخطير. وتشمل هذه بنغلاديش وباكستان والإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى. وفي عام 2019، نجحت مبادرة شعبية تدعو إلى فرض حظر على تصدير الأسلحة السويسرية إلى دول تشهد حروبا أهلية في جمع العدد الكافي من التوقيعات ولم يُحدد بعد موعد عرضها على تصويت الناخبين.
(نقلته إلى العربية وعالجته: مي المهدي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.