الأونروا تستعيد ثقة برن بعد أن كانت مهددة بالإفلاس
بمناسبة زيارته الرسمية الأولى إلى برن، تحدَّث المفوض العام للأونروا عن حجم أزمتها المالية التي تهدد الخدمات الأساسية المُقدمة إلى ملايين اللاجئين الفلسطينيين. وتمَّ اللقاء بشكل جيّد بين فيليب لازاريني والعضو في الحكومة الفدرالية ووزير الخارجية إينياتسيو كاسّيس. وعادت الثقة بين الطرفين بعد الخلاف الذي حصل مع سلفه والذي تسبب بزعزعة الوكالة العام الماضي. مقابلة
قام السويسري فيليب لازاريني بزيارة مثمرة إلى العاصمة السويسرية يومي الأربعاء والخميس 18 و19 نوفمبر الجاري. وكان المندوب السابق في لجنة الصليب الأحمر الدولية، قد تولى منصب المفوض العام للوكالة الأممية منذ أبريل 2020 خلفاً للمفوض السابق بيير كراهينبول، الذي اضطر للاستقالة من منصبه في موفى عام 2019 بعد الاتهامات الموجهة له بسبب سوء إدارته. ويبدو أنَّ هذه الأزمة، والتساؤلات التي كان يطرحها إينياتسيو كاسّيس حول فائدة الأونروا، صارت من الماضي.
“نحن في وضع استثنائي وخطير”
فليب لازاريني، المفوض العام للأونروا
قررت الحكومة السويسرية مواصلةرابط خارجي دعمها للأونروا عامي 2021 و2022 بنفس المستوى الذي كانت تقدمهرابط خارجي في السنوات السابقة، أي 20 مليون فرنك سويسري سنوياً. وتضيف برن مبلغ مليون فرنك للمساهمة بالبرنامج الذي وُضِعَ لمواجهة جائحة كوفيد-19. كما ستدعم وزارة الخارجية الإصلاحات التي بدأتها المؤسسة والمؤتمر الدولي الذي تعتزم الأونروا عقده في الربيع القادم من أجل تأمين مستقبلها.
تأتي هذه الأنباء السارّة في الوقت الذي لا تزال فيه الوكالة الأممية المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط غير متأكدة من قدرتها على دفع رواتب نهاية هذا العام لموظفيها البالغ عددهم 30000 موظف. ما من شأنه تعريض المدارس والمراكز الصحية والخدمات الاجتماعية التي تقدمها الأونروا في المخيمات للخطر.
swissinfo.ch: لقد أشرت في العديد من المناسبات إلى الصعوبات المالية الهائلة التي تواجه الأونروا. هل الحالة مأساوية إلى الدرجة التي تُصورها؟
فيليب لازاريني: نحن في حالة استثنائية وخطيرة لم تشهد لها الوكالة مثيلاً منذ تأسيسها. إنها أشبه بحالة طائرة ستضطر قريباً إلى الهبوط الاضطراري لتجنب حادثة تحطم.
تتسبب أزمة السيولة هذه بتفاقم حالة القلق في منطقة يسودها التوتر أساساً، بما في ذلك آثار كوفيد-19، مما يزيد من يأس اللاجئين الفلسطينيين في مواجهة مستقبل يبدو لهم مسدود. وتأتي مشاكل الميزانية هذه في أحلك الظروف: ففي الوقت الذي نحتاج فيه لمواجهة الاحتياجات المتزايدة، نعاني من ضائقة مالية لم نشعر بمثلها من قبل.
أُحذّرُ منذ عدة شهور من أنَّ الوكالة لن تكون قادرة على الاستمرار في تقديم خدماتها. وها نحن قد وصلنا إلى هذه المرحلة. فمنذ 9 نوفمبر، لم يعد لدينا أموالاً في الصندوق لتغطية رواتب الموظفين لشهري نوفمبر وديسمبر.
والهدف من نداءاتي هو الحفاظ على جميع الأنشطة والفرق اللازمة لتسيير عمل المدارس التي تضم أكثر من نصف مليون طالب وطالبة، ومراكزنا الصحية في خضم وباء كوفيد-19، وتأمين أدنى الخدمات الاجتماعية لمواجهة براثن الفقر المدقع الذي تشهده المنطقة. وإذا لم تصلني أية معلومات من الجهات المانحة قبل نهاية هذا الشهر، سيتعيّن عليَّ اتخاذ قرارات من شأنها أن تؤثر على خدماتنا. مما سيخلق، بالتأكيد، حالة من الهلع لدى اللاجئين اليائسين أصلاً.
swissinfo.ch: هل استجابت سويسرا لتطلعاتكم؟
فيليب لازاريني: نعم وبشكل كبير. لقد سارت محادثاتنا على ما يرام، بما في ذلك على صعيد الميزانية. برن تدعم برنامجنا الإصلاحي الذي سيحتل موقع الصدارة في استراتيجية الأونروا للسنوات القادمة. كما أنني تمكنت من مقابلة مجموعة من البرلمانيين المعنيين بعملنا وبالوضع في الشرق الأوسط.
المزيد
“العمل الذي تقوم به الأونروا يشكّل حجر عثرة أمام تحقيق السلام “
swissinfo.ch: هل انتهت الأزمة المتعلقة بالمفوض العام السابق؟
فيليب لازاريني: في رأيي الشخصي، لقد طويت الصفحة. هذه هي المعلومة التي تصلني من المانحين والدول الأعضاء. وقد تمَّ استبدال فريق العمل الذي كان موجوداً العام الماضي. ووُضِعَت العديد من الإصلاحات من أجل إدارة أكثر كفاءة وشفافية وعلى استعداد للإصغاء للفِرَق العاملة. أنا ملتزم بشكل كامل في متابعة وترسيخ هذه التغييرات. وتُشير الأصداء التي أتلقاها من شركائنا إلى أنَّنا في طريقنا لاستعادة الثقة بالكامل.
swissinfo.ch: كيف ترى المستقبل؟
فيليب لازاريني: إنَّ طريقة التمويل الحالية غير قابلة للاستمرار. عاماً بعد عام، تتسع الفجوة بين تكلفة الخدمات التي نقدمها والموارد المالية المُتوفرة. والدعم السياسي الذي نحصل عليه لا يُترجم بشكل جيد على الصعيد المالي.
ولهذا السبب سوف ندعو إلى إقامة مؤتمر دولي في الربيع القادم. سنُقدِّم خلاله استراتيجيتنا للسنوات القادمة بهدف تأمين مساهمات الدول الأعضاء وبشكل خاص من أجل تعزيز الالتزامات على مدى عدة سنوات لتكون لدينا قدرة أكبر لمعرفة إمكانياتنا من أجل تنظيم نشاطاتنا.
لا تُغطي حصص الدول الأعضاء سوى احتياجات الهيكل الإداري للمنظمة، أي رواتب 150 منصب من أصل 30000 موظف في الوكالة الأممية.
تُقدَّر الميزانية العامة المُقررة لعام 2020 بأكثر من 800 مليون دولار، يضاف إليها ثلاثة برامج استجابة للطوارئ يبلغ مجموعها حوالي 500 مليون دولار. وقد تمَّ تمويل حوالي نصف هاتين الميزانيتينرابط خارجي حتى هذه اللحظة.
تقوم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط (UNRWAرابط خارجي)، التي أنشأتها الأمم المتحدة في عام 1949، بعد الحرب العربية ـ الاسرائيلية الأولى، بمساعدة 5,8 مليون لاجئ فلسطيني حالياً في كل من لبنان وسوريا والأردن والأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية.
قامت الوكالة بافتتاح 711 مدرسة وتستقبل فيها اليوم أكثر من نصف مليون طفل. كما أنها تُدير 144 مركزاً صحياً يتردد عليها 3,6 مليون لاجئ فلسطيني. وتتكفل الأونروا أيضاً بدعم حوالي 270000 لاجئ من خلال تقديم المواد الغذائية لهم أو المساعدات النقدية المُحدَّدة الهدف.
ويُعتبر فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا منذ مارس 2020، أحد أهم الشخصيات السويسرية في الأمم المتحدة.
وأنتظر هنا أيضاً، أن تقوم الدول الصديقة مثل سويسرا بمساعدتنا للحصول على دعم الدول الأعضاء لتتمكن الأونروا من استعادة أهداف واستراتيجية مهمتها.
وفي الواقع، الوكالة مُفوَّضة لتقديم خدمات شبه حكومية: من تعليم ورعاية وخدمات اجتماعية لسكان يبلغ عددهم 5,8 مليون نسمة. ولكن ليست لدينا أية موارد كالتي تحصل عليها الحكومات، سواء كانت ضرائب أو قروض. نحن نعتمد على المساعدات الطوعية التي وصلت اليوم إلى مستوى منخفض للغاية، مماثلة لعام 2012، علماً بأنَّ المنطقة مرَّت منذ ذلك الحين بأزمات عديدة أدَّت إلى زيادة كبيرة في الاحتياجات.
swissinfo.ch: في عام 2018، انسحبت واشنطن وأوقفت مساهمتها التي كانت تصل إلى 360 مليون دولار. هل لديكم مؤشرات حول موقف الإدارة الأمريكية القادمة تجاه الأونروا؟
فيليب لازاريني: كانت الولايات المتحدة شريكاً مهماً للوكالة خلال العقود الأخيرة. وأتمنى أن تعود هذه الشراكة مع وصول الإدارة الجديدة إلى الحكم. في السنوات الأخيرة، حافظنا على اتصالاتنا بأعضاء من الكونغرس، ومجلس الشيوخ والإدارة العاملة على المستوى الميداني. والمعلومات التي تصلنا اليوم تشير إلى أن هناك رغبة في استئناف هذه الشراكة. والمهم الآن هو معرفة متى سيتم ذلك وبأية نسبة.
swissinfo.ch: لقد فقدت القضية الفلسطينية مركزيتها التي كانت تتمتع بها في السابق. حكومات الخليج، وحتى حكومات دول عربية أخرى تتقارب مع إسرائيل. فهل أثَّرت هذه التطورات فعلياً على الأونروا؟
فيليب لازاريني: لقد زرت مؤخراً دول الخليج، بهدف تقييم تأثير هذه التطورات السياسية الجديدة على وجه الخصوص. في كل مرة، كان المسؤولون الذين تحاورت معهم يؤكدون لي أنهم سيحافظون على التزامهم في السنوات القادمة. ولكن، بالنسبة للميزانية العامة لعام 2020، لم يتجسد هذا التعهد حتى هذه اللحظة. ويحدوني الأمل في أن يتحقق ذلك قبل نهاية العام، كما أتمنى أن يتحقق ذلك على المدى المتوسط وخلال مؤتمرنا الدولي في الربيع المقبل.
تقتصر مساعداتنا على المستوى الاجتماعي والإنساني. ولكنها تتم في سياق مُسيَّس إلى حدٍ كبير. أنا على قناعة بأنَّه ليس من مصلحة أحد في هذه المنطقة أن يرى عودةً لحالة عدم الاستقرار في المخيمات الفلسطينية، سواء في لبنان أم في غزة أم في القدس أو في الضفة الغربية. ولو بدت الأونروا غير قادرة على تأدية دورها بسبب نقص الموارد، فلن يكون من شأن ذلك سوى تأجيج الشعور لدى اللاجئين الفلسطينيين بأنَّ المجتمع الدولي قد تخلى عنهم. وفي مثل هذه المنطقة المضطربة، يتعين علينا تجنب هذا اليأس الإضافي بأي ثمن.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
اكتب تعليقا