“ما دام الناس يُقاومون، لن ينتصر الانقلاب في ميانمار”
تأمل المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة إلى ميانمار كريستين شرانر بورغنر أن تنجح المفاوضات في إعادة الجنرالات الانقلابيين في ميانمار إلى رشدهم. خلاف ذلك، تخاطر ميانمار بالوقوع في أزمة إنسانية وحرب أهلية.
تتابع كريستين شرانر بورغنر تنفيذ ولايتها كمبعوثة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ميانمار انطلاقا من برن. مهمة أصبحت ثقيلة ومكثفة منذ الانقلاب الذي نفذه الجنرال مين أونغ هلاينغ في أول فبراير الماضي. ويواجه المواطنون هناك، الذين يعارضون الانقلاب وحالة الطوارئ التي أعلنها المجلس العسكري، قمعًا وحشيًا بشكل متزايد. ففي كل يوم، تقتل قوات الأمن المتظاهرين ويتم اعتقال العشرات ليلاً دون توجيه تهم إليهم.
تحاول الدبلوماسية السويسرية السابقة العمل من أجل وقف تصعيد الأزمة، كما تطالب سويسرا والمجتمع الدولي بأسره، بما في ذلك الصين وروسيا. وهو هدف تسعى إليه أيضًا رابطة دول جنوب شرق آسيا، والتي تعدّ ميانمار عضوًا فيها.
تؤكّد كريستين شرانر بورغنر على أنها تعمل طوال تسع عشرة ساعة في اليوم. تستيقظ مبكرًا، حتى يكون لديها أكبر وقت ممكن للتحدث مع زملائها في مناطق متباعدة على وجه الكرة الارضية، وكذلك مع المتظاهرين والوزراء والسفراء والمنظمات غير الحكومية. وحتى وقت متأخر من الليل، كانت تشارك في إحاطات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، فضلاً عن مؤتمرات منقولة عبر الفيديو مع وزراء الخارجية.
وتشرح بورغنر كثافة الجهد الذي تقوم به: “منذ ستة أسابيع، لم أجد الوقت للخروج للقيام برياضة المشي سوى مرة واحدة، كان ذلك يوم الأحد الماضي”.
لفترة طويلة ، تجنبت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة الظهور في وسائل الإعلام. وقد تعرضت لانتقادات بسبب ذلك، وكذلك بسبب إدانتها الضعيفة للمجازر والتطهير العرقي ضد أقلية الروهينغا المسلمة التي بلغت ذروتها في نهاية عام 2016، وترد على ذلك بالقول: “لو فعلت ذلك، كنت سأكون صوتًا فقط. كانت وظيفتي مختلفة “. لتنفيذ ولايتها – لدعم التحول الديمقراطي في ميانمار – كان عليها أن تلتزم الصمت. كانت هذه هي الطريقة الوحيدة لتطوير العلاقات والحفاظ عليها مع الجيش ومع “الرابطة الوطنية للديمقراطية” التي ترأسها أونغ سان سو تشي ومع الأقليات العرقية في البلاد.
ولدت كريستين شرانر بورغنر في مايرينغن (كانتون برن) عام 1963 ونشأت في اليابان. انضمت إلى السلك الدبلوماسي لوزارة الخارجية السويسرية في عام 1991.
بعد عملها في المغرب، وفي برن ودبلن، أصبحت كريسيتين شرانر بورغنر نائبة لمدير إدارة القانون الدولي في الوزارة ورئيسة قسم حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. منذ عام 2009، شغلت خطة سفيرة في تايلاند، ومن عام 2015 انتقلت إلى ألمانيا.
ثلاث سنوات بعد ذلك، عيّنها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مبعوثة خاصة للأمم المتحدة إلى ميانمار. وهذا بعد أشهر قليلة من طرد الجيش البورمي لمئات الآلاف من أفراد أقلية الروهينجا المسلمة.
في 1 يناير 2022، ينتظر ان تتولى هذه الدبلوماسية المتمرسة رئاسة أمانة الدولة للهجرة في برن، العاصمة الفدرالية.
بعد حدوث الانقلاب في ميانمار، أصبح منهج الحذر الذي التزمت به المبعوثة الدولية غير مناسب وغير مبرر. وترى كريستين شرانر بورغنر أن من مسؤوليتها إبلاغ الجمهور بالحرب المفتوحة التي يشنها الجيش ضد الشعب البورمي. وقالت المبعوثة الخاصة: “إنها مسألة حياة أو موت”.
swissinfo.ch: قبل مقابلتنا مباشرة (22 مارس 2021)، عقدتِ مؤتمرا بالفيديو لمدة ثلاث ساعات مع شخصيات رئيسية من الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية من جميع أنحاء ميانمار. ماذا أبلغوكِ؟
كريستين شرانر بورغنر: كان الجميع محبطين للغاية. لقد قرأوا وسمعوا ما يكفي من البيانات والخطب من مسؤولي الحكومة والأمم المتحدة. إنهم يريدون تدخلاً عسكريًا دوليًا لمنع الجيش البورمي من ارتكاب المزيد من الجرائم ضد الإنسانية.
مهمتي “الناكرة للجميل” هو أن أشرح لهم أن هذا النوع من التدخل الذي يريدون لن يكون. إن صدور قرار من الأمم المتحدة على أساس المسؤولية عن الحماية يتطلب قرارًا مسبقا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. مثل هذا القرار من غير الممكن صدوره بسبب الفيتو من الصين وروسيا. كان رد فعل المحاورين على هذا الموضوع كالتالي: “فلنترك دولة واحدة فقط ترسل جيشها”.
لكن لا يوجد الآن، على الأقل، أي بلد يوافق على الوضع الحالي في ميانمار. وانتقادات أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) آخذة في الازدياد. قبل أيام قليلة، أعلنت إندونيسيا رغبتها في تنظيم قمة رابطة أمم جنوب شرق آسيا بشأن ميانمار بالتعاون مع الأمم المتحدة. آمل أن يدرك الجيش بشكل متزايد أنه معزول تمامًا.
لكن هل ما زال الجنرالات العسكريون يُعيرون اهتماما لهذه التحركات؟ خلال اتصالكِ الأخير بالجيش، أخبرك نائب القائد العام أن القوات المسلحة البورمية كانت تستعد لفترة من العزلة، كما في أيام الديكتاتورية التي استمرت لنصف قرن.
في الواقع ، يعتقد الجيش أن العودة إلى حقبة ما قبل 2011 أمر ممكن. لكن بالنسبة لي، هذا وهم. نحن نعيش في عام 2021، ولن يسلّم السكان بذلك. لا يمكن ببساطة التراجع عن عشر سنوات من التحول الديمقراطي. لا يعرف الكثير من الشباب الموجودين الآن في الشوارع سوى الحرية. بالنسبة لشخص يبلغ عشرين أو خمسة وعشرين عامًا من العمر، من الطبيعي تمامًا أن يكون قادرًا على التحدث بحرية وأن ينتقد وسائل الإعلام الحكومية والجيش. على الرغم من النكسات التي تعرضتُ لها في السنوات الأخيرة، كنت دائمًا مُندهشةً من مدى قدرة الشعب البورمي على التعبير بصراحة عن انتقاداته. استخف الجيش تمامًا بهذا الأمر. وهذه المرة، ليس الرهبان وحدهم هم الذين نزلوا إلى الشوارع، كما حدث في مظاهرات عام 1988. فالمقاومة تتخطى كل الطبقات وكل فئات السكان وكل الأديان. ومعظم الجماعات المسلحة من الأقليات العرقية تدعمهم. هذا أمر مهم، لكن الصراع قد يتصاعد ليتحوّل إلى حرب أهلية.
الاحتجاجات مستمرة منذ ما يقرب من شهرين. ما حجم المصاعب التي يُواجهها السكان؟
سنصل قريبا إلى مرحلة الأزمة الإنسانية. لم يعد بإمكان معظم الناس سحب الأموال من البنوك، ووجود المواد الغذائية أصبح نادرا. لقد انهارت الرعاية الصحية في البلاد تمامًا. هذا دون الحديث عن الوضع الصعب الذي خلقه انتشار وباء كوفيد-19.
كان في ميانمار حتى فيما قبل الإنقلاب، ما يقدر بنحو 300000 شخص نزحوا داخليًا بسبب النزاعات مع الأقليات العرقية. في العامين الماضيين فقط، نزح 60 ألف شخص إضافي نتيجة الحرب ضد جيش الأراكان في ولاية راخين.
في الأيام الأخيرة، أفيد أيضًا أن المزيد من الناس يفرون من رانغون لأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان في أحيائهم، التي تتعرض للترهيب من قبل قوات الأمن.
يسعى العديد من البورميين الآن إلى اللجوء إلى الجماعات العرقية المسلحة في الريف أو الفرار إلى تايلاند. على الحدود، حيث يعيش بالفعل آلاف اللاجئين البورميين، يجري إنشاء مراكز استقبال. ومع ذلك، يحاول معظم اللاجئين تجنّب هذه المراكز والذهاب إلى دولة مجاورة لأن الخوف من السلطات منتشر على نطاق واسع.
قلتِ في مقابلة أجريت معكِ مؤخرًا إنكِ تتلقين حوالي 2000 رسالة يوميًا من شعب ميانمار. ما مضمون هذه الرسائل؟
غالبًا ما يرسلون مقاطع فيديو تصوّر الاحتجاجات. في بعض الأحيان بعض هذه المواد تكاد تجعلني أصاب بالدوار. على سبيل المثال، تظهر متطوعين يتم جرهم من سيارة إسعاف من قبل الشرطة بضربهم حتى الموت. لقد رأيت أيضًا مقاطع فيديو تظهر إطلاق الشرطة النار على متظاهرين غير مسلحين في الرأس. تلقيت مؤخرًا رسالة من امرأة مجهولة الهوية تمامًا تقول إنها مستعدة للموت من أجل الحرية. الشيء الرئيسي بالنسبة لها هو أن أطفالها يجب ألا يعيشوا في ديكتاتورية مرة أخرى.
في نهاية الأسبوع الماضي، أطلقت قوات الأمن النار على عشرات الأشخاص خلال احتجاجات في هلانغ ثاريار، إحدى ضواحي رانغون. منذ ذلك الحين، نزل عدد أقل بكثير من الناس إلى الشوارع. هل المقاومة بصدد التصدّع؟
لا، فقط تكتيكات المتظاهرين تغيّرت. حتى الآن لم يخشوا المواجهة مع قوات الأمن. الآن يختارون بشكل انتقائي المواقع التي لا تتواجد فيها الشرطة والجيش بعد ويختفون مرة أخرى بمجرد ظهورها..
أصبح المتظاهرون أكثر حذرا، لكنهم ما زالوا مصممين للغاية. هذا يشجعني. لأنه ما دام الناس يقاومون، فلن ينتصر الانقلاب في ميانمار. لذا فإن وجود المزيد من الضحايا، بالطبع، أمر مأساوي للغاية. أحيانًا أشعر باليأس من عدم قدرتنا على فعل المزيد.
يبدو أن المجلس العسكري على استعداد لفعل أي شيء للبقاء في السلطة. حتى لو تم التوصل إلى حلول وسط، فإن الحركة المؤيدة للديمقراطية لم تعد مستعدة للعودة ببساطة إلى معادلة ما قبل الانقلاب، عندما تقاسمت الحكومة المدنية السلطة مع الجيش. كيف تخططين لإجراء وساطتكِ؟
بالنسبة لي، ليس هناك حل وسط بشأن من يجسّد الحكومة الشرعية. إن النواب المنتخبين الذين ألقي القبض عليهم، أو من هم مختبئون أو فارون في تايلاند هم الذين يجسّدون الحكم الشرعي. ومع ذلك، لدي أفكار حول كيفية إعادة الجيش إلى رشده. الشيء المهم هنا – كما هو الحال في أي مكان آخر في آسيا – هو أنه يُمكن للجميع حفظ ماء الوجه. لكن لإجراء هذه الوساطات، يجب أن أكون قادرة على التحدث شخصيًا مع المسؤولين.
لديكِ موظفان يوجدان في ميانمار، لكنكِ تبحثين منذ أسابيع عن فرصة لزيارة البلاد الآسيوية شخصيًا. لماذا لا تستطيعين فعل ذلك؟
تخشى بعض الأصوات المنتقدة داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أن يمنح وجودي شرعية إضافية للنظام العسكري. لكنني متأكدة من أنها مجرد مسألة اتصال. في حين أنه من الواضح منذ البداية أنني ذاهبة إلى هناك للتعبير عن استيائي من الوضع الحالي ولإيجاد حلول، إلا أن ذلك لا يساعد في إضفاء الشرعية على المجلس العسكري.
لولا الوباء، فربما كنت هناك الآن.
لماذا وجودكِ على عيْن المكان مهم جدا؟
لا يمكن مناقشة بعض الأشياء عن طريق دردشة الفيديو. عندما أتحدث إلى الجيش عبر الهاتف، يتم تسجيل المحادثات دائمًا. هذا يعني أن هناك خطرًا من قطع المكالمات ثم إعادة وضعها في سياق مختلف. ومع ذلك، في المحادثات وجهًا لوجه، هناك دائمًا أوقات يمكنك فيها الهمس بأشياء سرية للغاية لشخص ما، استعدادًا للمفاوضات، أو بعد ذلك بوقت قصير.
وما شكل الحل الذي يمكن أن يحفظ للجنرالات ماء الوجه؟
لا أريد أن أقول الكثير. عليك التحدث إلى الأشخاص المناسبين. الجيش سيستمر في الوجود. السؤال هو من سيقوده. حتى داخل الجيش، هناك من يدرك بشكل متزايد أن الوضع سيصبح يائسًا بالنسبة لهم إذا استمروا على هذا النحو.
لقد زرتِ ميانمار عشرات المرات على مدار السنوات الثلاث الماضية، والتقيت بكل من أونغ سان سو تشي، التي تربطك بها صداقة طويلة الأمد، والمسؤولين العسكريين. هل فاجأكِ هذا الانقلاب؟
لقد حذرت مرارًا وتكرارًا من احتمال حدوث انقلاب – حتى داخل مجلس الأمن الدولي. اعتقد معظم الناس أنني أبالغ. لم يكن من العدل أن ينتقد المجتمع الدولي شخصياً أونغ سان سو تشي على الفظائع التي ارتكبها الجيش. كان وضعها صعبا. كيف يمكنك أن تحكم في حين أن الجيش لا يزال لديه حق النقض ويمكنه تقريبًا منع أي قرار؟ في وقت من الأوقات، أدارت أونغ سان سو تشي ظهرها للجميع وكانت ملتزمة بالنهوض بالبلد الذي ضحت كثيرًا من أجله، على الرغم من المعارضة.
هل تعرفين كيف حالها الآن؟
لا ، لم أتواصل معها منذ الانقلاب. لكننا على اتصال بمحاميها الذي أخبرنا أنها تبدو بصحة جيدة وحازمة في موقفها للغاية.
المزيد
السيدة السويسرية المكلفة بإحلال السلام في ميانمار
(نقله إلى العربية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.