ضرائب الشركات وصعوبة العثور عن حل وسط
امتثالا للمعايير الدولية الجديدة وتجنبا للعقوبات، يتوجّب على سويسرا، بحلول نهاية العام، إلغاء الامتيازات المالية الممنوحة للشركات الأجنبية، وبعد فشل مشروع التعديل القانوني الذي عرض للاستفتاء الشعبي في العام الماضي، يحاول البرلمان منذ يوم الخميس صياغة مشروع جديد يمكن أن يجتاز صناديق الاقتراع.
بالنسبة لسويسرا، الوقت يضغط، لاسيما بعد أن أدرجها الاتحاد الأوروبي في ديسمبر الماضي على “القائمة الرمادية”، التي تضم أكثر من عشرين سلطة قضائية تعهدت بالامتثال للمعايير الدولية الجديدة بشأن الضرائب المفروضة على الشركات بحلول نهاية عام 2018، ولكنها لم تقم بعد بالتدابير اللازمة. وتقضي المعايير التي وضعتها المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي والتنمية بوجوب إلغاء الممارسات الضريبية “الضارة” وبتبادل المعلومات حول أنشطة وأرباح الشركات عبر الوطنية.
أنظمة ضريبية تفضيلية
توجد في سويسرا حولي 24 ألف شركة تنعم بأوضاع ضرائبية مميزة، وهي في الأساس شركات دولية وأخرى مشترَكة، وشركات خارجية، في معظم الحالات لا تمارس أي إنتاج أو نشاط تجاري على الساحة السويسرية، وهي تمثل 7٪ فقط من مجموع الشركات الموجودة في سويسرا، لكنها توفّر حوالي نصف ما تجنيه السلطة الفدرالية من الضرائب المفروضة على أرباح الشركات، حيث تطبّق الحكومة الفدرالية عليها نسبة ضريبة 7,8٪ من الأرباح،
أما على مستوى الكانتونات فتوفر هذه الشركات، الدولية والمشترَكة والخارجية، حوالي 21٪ من الواردات الضريبية للشركات ككل، وتتمتع هذه الشركات بمعدلات ضريبية متدنية للغاية لدرجة أن منها المعفى كلية من الضرائب.
ويمكن القول بأن معدل العبء الضريبي الإجمالي (فيدراليا وكانتونيا وبلديا) الذي يتكبده هذا النوع من الشركات يتراوح ما بين 7,8٪ و12٪، بينما تتكبد الشركات الأخرى العاملة في سويسرا عبئا ضريبيا يتراوح ما بين 12٪ و 24٪.
ولكي تدخل سويسرا بيت الطاعة الأوروبية، عليها أن تلغي كافة الامتيازات الضريبية الممنوحة للشركات الأجنبية، خاصة تلك التي تطبقها الكانتونات لاجتذاب الشركات العابرة للقارات والمشترَكة والخارجية، باعتبار أن أرباح هذا النوع من الشركات – التي تعمل في الخارج ولديها مقر ضريبي أو إداري في سويسرا – هي في الغالب معفاة من الضرائب الكانتونية أو تخضع لمعدلات ضريبية أقل بكثير من الشركات العاملة فعليًا على الساحة السويسرية، وهذا من شأنه، من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، أن يشوه مبدأ المنافسة الضريبية الدولية وينتهك اتفاقية التجارة الحرة المبرَمة في عام 1972 بين برن وبروكسل.
ويشار إلى أن الحكومة السويسرية، في عام 2014 ، بعد سنوات من المقاومة لضغوط الاتحاد الأوروبي، أخذت على عاتقها مسؤولية الالتزام بالمعايير الجديدة، وفي العام التالي، وقعت اتفاقية متعددة الأطراف خاصة بالتبادل التلقائي للمعلومات الضريبية، وتهدف إلى إخضاع الشركات عبر الوطنية للسلطات الضريبية في البلدان التي تتحقق فيها أرباحها فعليا.
احتدام المنافسة الدولية
على المستوى الدولي، قد تكون سويسرا قامت بواجبها وبجد، إلا أن شيئا لم يتغير على المستوى الداخلي، فالشركات الدولية وما شاكلها، التي استهدفها الاتحاد الأوروبي، ما زالت تستفيد من الأنظمة الضريبية المتميزة، باعتبار أن الشعب السويسري رفض في فبراير من العام الماضي مشروع الإصلاح الضريبي الثالثرابط خارجي المتعلق بالشركات، والذي يقضي بوضع نهاية للأنظمة المثيرة للجدل، ويتيح مجالا لامتيازات من نوع آخر من شأنها أن تحافظ على القدرة الإغرائية الضرائبية، ومن ذلك السماح بتخفيض الضريبة لغاية 90 ٪ على عائدات براءات الاختراع والحقوق المماثلة، والسماح للشركات بخصم ما يصل إلى 150٪ من تكاليف البحث والتطوير من صافي الإيرادات، أضف إلى ذلك، أن الحكومة الفدرالية كانت على استعداد للمساهمة بمبلغ قدره 1,3 مليار فرنك سويسري سنوياً من أجل مساعدة الكانتونات على تخفيض معدلات الضرائب المفروضة على الشركات ككل.
كل هذه الحوافز والمنح، اعتبرها اليسار نوعا من الإفراط يصب في مصلحة الشركات، فتحدى الاستفتاء ونجح في اقناع نحو 60٪ من الناخبين الذين صوّتوا ضد مشروع الإصلاح المدعوم من الأغلبية البرلمانية الممثلة باليمين والوسط السياسيين.
وحاليا، يعكف البرلمان الفدرالي، منذ يوم الخميس 7 يونيو 2018، على مناقشة حزمة إصلاحات جديدة قدمها وزير المالية أولي ماورر تحت اسم “المشروع الضريبي 17رابط خارجي“، بينما بدأ الوقت يضيق أمام كلا غرفتي البرلمان، لأنه من دون تعديل التشريعات الوطنية، يُرجّح أن تجد سويسرا نفسها في العام المقبل على القائمة السوداءرابط خارجي للاتحاد الأوروبي، إلى جانب سبع ولايات قضائية أخرى تعتبر غير متعاونة، منها جزر ساموا وناميبيا وبالاو وترينيداد وتوباغو، فضلا عن أن المنافسة الضريبية الدولية تحتدم، ولئن كانت سويسرا لا تزال ضمن أكثر الأسواق جاذبية، إلا أن العديد من الدول الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة، أعلنت عن تخفيضها لمعدلات الضريبة الخاصة بالشركات.
تعويض التكلفة الاجتماعية
لكي تحافظ سويسرا على قدرتها التنافسية، فإن الطرح الجديد هو أيضا يوفر العديد من امتيازات تقليل العبء الضريبي على الشركات، منها تخفيضات ضرائبية على صناديق براءات الاختراع تصل إلى نسبة 90٪، وخصم يصل إلى 50٪ من تكاليف البحث والتطوير، غير أن هذه التسهيلات ستعوضها جزئياً الشركات نفسها ومساهميها، بشكل رئيسي عن طريق فرض ضريبة على 70٪ من الأرباح، وبالفعل فقد قررت معظم الكانتونات، أو أنها تنوي، القيام بتخفيض عام في معدلات ضريبة الأرباح لجميع الشركات.
لذلك، فإن المشروع الضريبي 17، هو أيضا، سيؤثر على الخزانة العامة، لأنه سيؤدي إلى نقص الإيرادات من ضرائب أرباح الشركات بنحو ملياري فرنك سويسري في السنة، ويُخشى أن يكون ذلك على حساب دافعي الضرائب الآخرين، وخاصة الطبقة الوسطى، أو أنه قد ينطوي على خفض الخدمات المقدمة من الدولة. ومن أجل إرضاء اليسار وتفاديا لاستفتاء آخر، فقد ضمّنت الدولة المشروع إجراء اجتماعيا، يتمثل في دعم البدلات العائلية والتعليمية بمساهمة إضافية قيمتها 400 مليون فرنك في السنة.
لكن هذا لا يكفي، ليس فقط في أعين اليسار، ففي منتصف مايو أقرت لجنة الاقتصاد والضرائب في مجلس الكانتونات بالإجماع اقتراح مزيد من التعويضات الاجتماعية لصالح التأمين الاجتماعي الأساسي الإجباري (الشيخوخة والعجز والوفاة)، بحيث يجري تعويض هذا الأخير بفرنك إضافي مقابل كل فرنك يُفقد بسبب المشروع الضريبي 17، وذلك من خلال رفع ضريبة القيمة المضافة وضريبة الراتب، وزيادة المساهمة الفدرالية.
الظاهر تقريبا، أن هذا الحل التوفيقي يحظى بدعم جميع الأحزاب الوطنية الرئيسية، باستثناء حزب الشعب (يمين شعبوي)، والآن يبقى السؤال ما إذا سيكون بإمكان هذا التوافق اجتياز عقبة البرلمان، أم أننا سنكون مرة أخرى أمام صناديق الاقتراع.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.