مِنبَر في جنيف لمُساعدة لاجئي المناخ حول العالم
احتل لاجئو المناخ عناوين وسائل الإعلام الدولية، وتَرَدَّد صَدى حكاياتهم بِشكل موازٍ لحكايات اللاجئين المُتأثرين بالنزاعات المسلحة. لكن الموضوع مُعقد للغاية كما يقول الخبراء. وفي هذا المجال، يُعَد مِنبر النزوح الناجم عن الكوارث، الذي يتخذ من جنيف مقراً له أحد المنظمات العاملة في هذه القضية وهي واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الإنسانية في هذا القرن.
بِحَسَب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخرابط خارجي (IPCC) ومقرها جنيف، تُشير التقديرات إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر المُقتَرِن بعالم أكثر دفئاً بمقدار درجتين مائويتين، يُمكن أن يؤدي إلى إغراق مواطن 280 مليون شخص بحلول نهاية هذا القرن.
في الوقت الراهن، تتأثر العديد من البلدان والمناطق بالكوارث عاماً بعد آخر. وفي عام 2018 وحده، أُجبِر 17,2 مليون شخصرابط خارجي على الفرار من أماكن إقامتهم بسبب الكوارث التي حدثت في 148 دولة وإقليم، كما نزح 764 شخص في الصومال وأفغانستان والعديد من الدول الأخرى بسبب تفاقم الجفافرابط خارجي في هذه المناطق.
“لدينا فهم عام جيد لِحَجم المشكلة من حيث عدد الأشخاص الذين يُجبرون على ترك منازلهم بسبب حدوث كوارث مفاجئة. لكننا لا نعرف عدد الذين يَعبرون الحدود فعلياً من بين هؤلاء”، كما يوضح والتر كالين، ممثل رئاسة منبر النزوح الناجم عن الكوارثرابط خارجي (Platform on Disaster Displacement) في جنيف. ويهدف هذا المنبر إلى مُتابعة العمل الذي بدأته مبادرة نانسنرابط خارجي [غير المُلزِمة لحماية الأشخاص النازحين عبر الحدود في سياق الكوارث وتغير المناخ].
وقد استهدفت هذه المبادرة الحكومية الدولية التي أطلقتها كل من سويسرا والنرويج في أكتوبر من عام 2012، إلى تزويد الدول بمجموعة شاملة من التوصيات لتوجيه الاستجابات لبعض التحديات العاجلة والمُعقّدة التي يثيرها النزوح في سياق التغيرات المناخية والأخطار البيئية الأخرى.
اللاجئون لاسباب تتعلق بالمناخ، أو ما يُسمّى بـ “لاجئي المناخ” – كما في حالة إيوان تيتيوتا من أرخبيل كيريباتي المُطل على المحيط الهادئ، والذي أصَدَرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مؤخراً قراراً بشأن قضيته (انظر الحاشية أدناه) – احتلوا عناوين وسائل الإعلام الدولية، وتَرَدَّد صدى حكاياتهم بشكل موازٍ لحكايات اللاجئين الفارين من الصراعات.
لكن موضوع هؤلاء اللاجئين يَتَّسم بالتعقيد الشديد كما يرى الخبراء. فالاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، التي تم التوقيع عليها في عام 1951، لا تُعرّف المَناخ كسببٍ لفرار الاشخاص من أوطانهم وطَلَبهم اللجوء في بلد آخر. وفي مُعظم الأحيان تكون الهجرة الناجمة عن تغير المناخ داخلية، وليست قسرية بالضرورة، كما ان عَزل العوامل البيئية أو المناخية مسألة صعبة.
“إن التشرد (النزوح) الناجم عن الكوارث هو مُشكلة شاملة في الواقع”، كما يوضح كالين. “الأمر يتعلق بتغير المناخ، والكوارث، والهجرة، والعمل الإنساني والمساعدات الإنمائية … وفي مُعظم الحالات يعود النزوح إلى أسباب مُتعددة”.
جهات فاعلة متعددة
تم إطلاق منبر النزوح الناجم عن الكوارثرابط خارجي في مايو 2016. وهو ليس سوى واحدة من المبادرات الدولية التي تحاول مساعدة الفئات السكانية الأكثر ضعفاً. ويَهدف المشروع الذي تقوده 19 دولة من بينها سويسرا إلى “العمل على توفير حماية أفضل للنازحين عَبْر الحدود في سياق الكوارث والآثار الضارة لتغير المناخ”.
تضم جنيف عدداً آخر من المنظمات الناشطة بشكل كبير في هذا المجال، مثل المنظمة الدوليّة للهجرة (IOM)، التي أنشأت بوابة للهجرة البيئيةرابط خارجي، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئينرابط خارجي (UNHCR). وفي أعقاب محادثات المناخ في باريس في عام 2015، أنشأت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بدورها (UNFCC) فرقة عمل خاصة معنية بالنزوحرابط خارجي.
في الوقت ذاته، يُعَد مركز رَصد النزوح الداخلىرابط خارجي(IDMC) هيئة دولية رائدة ترصد النزوح الداخلي المرتبط بالنزاعات والكوارث في جميع أنحاء العالم.
وبالمقارنة مع عام 2012 عندما تم إطلاق مبادرة نانسن، هناك اليوم أهتمام أكبر وإدراك أوسع بشأن مسألة النزوح الناجم عن الكوارث، باعتباره تحدياً هائلاً في مجال الحماية في أوساط المجتمع الدولي وفقاً لـ كالين، الذي يشير بهذا الصدد إلى إدراج موضوع النزوح الناجم عن الكوارث في إطار سينداي للحد من مخاطر الكوارثرابط خارجي وفي أهداف الميثاق العالمي بشأن الهجرةرابط خارجي.
لكن التركيز المتزايد وتَعَدُّد المبادرات والجهات الفاعلة لم يؤدِ حقاً إلى أي تضاعف أو تنافس [بالنسبة للجهود]، كما يقول إيتيَن بيغي، الأستاذ بجامعة نوشاتيل والخبير في سياسة الهجرة.رابط خارجي
“الأشخاص المشاركون في المبادرات المُختلفة يعرفون بعضهم البعض ويتبادلون المعلومات. نحن نأمل أن يكون هناك المَزيد من الوضوح حول مَنْ يفعل ماذا على المدى الطويل. مع ذلك، فإن الزيادة في عدد الأطراف الفاعلة مسألة إيجابية”.
كالين يتفق مع هذا الرأي: “الوَضع ليس مثالياً. أنت تعرف مدى صعوبة التغلب على عقلية التقوقع، وربط صوامع المعلوات مع بعضها البعض. لكننا وعلى مستوى مَجَرَّد جداً، نسير وفق الصحيح في اعتقادي. التحدي الكبير هو ترجمة كل هذا العمل المُجرد إلى واقع ملموس”.
على عكس منظمة الهجرة الدولية (IOM) أو مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR)، فإن مِنبر النزوح الناجم عن الكوارث ليس منظمة تشغيلية، بل انه يركز على المساندة السياسية، كما يوضح كالين.
وتشمل الاستراتيجة الحالية للمِنبر أيضاً مساعدة الدول على تبادل أفضل المُمارسات للتعامل بشكل أفضل مع الأشخاص النازحين عبر الحدود بسبب الكوارث، وتعزيز القدرات الوطنية والإقليمية. وعلى سبيل المثال، قام المنبر بتقديم برامج إقليمية في أمريكا الوسطى والجنوبية وفيجي، كما أنه يعمل مع الهيئة الحكومية للتنمية (IGAD)، وهي منظمة شبه إقليمية مقرها دولة جيبوتي تضم ثمانية بلدان في شرق إفريقيا.
“قد يبدو الوضع كما لو أن شيئاً لم يُنتج، لكننا بحاجة إلى مثل هذه المؤسسة لإتاحة الحوار بين الشركاء”.
السياسة السويسرية
تشعر سويسرا بالقلق إزاء قضية الاشخاص المُشردين بسبب الكوارث الطبيعية وتغير المناخ. وبعد مساعدتها الفعالة في إطلاق مبادرة نانسن، تظل الكنفدرالية عضواً ناشطاً في المجموعة التوجيهية للمنبر. ومنذ إطلاقه في عام 2016، تبرعت سويسرا سنوياً بمبلغ 1,1 مليون فرنك للمنظمة التي تشغل ستة موظفين.
في نفس المجال، تمول وزارة الخارجية السويسرية أيضاً شراكة المعرفة العالمية بشأن الهجرة والتنميةرابط خارجي (KNOMAD) التي يقع مقرها في واشنطن، كما أن لديها شراكة استراتيجية مع الهيئة الحكومية للتنمية (IGAD) تهدف إلى تحسين إدارة المهاجرين واللاجئين المتأثرين بالكوارث الطبيعية وتغير المناخ في القرن الأفريقي.
ووفقاً لـ بيغي، تشارك سويسرا بشكل كبير مع العديد من المنظمات في هذا الميدان، بما في ذلك المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
مع ذلك، انتقد الخبير في سياسة الهجرة مصادقة سويسرا من جهة على الميثاق العالمي بشأن اللاجئينرابط خارجي، وعدم إعتمادها للميثاق العالمي بشأن الهجرة من جهة أخرى، سيما وأنها ساهمت في صياغة هذا الميثاق الذي يركز على النزوح الناجم عن الكوارث.
“لقد ألحق هذا الموقف ضرراً بسويسرا، حيث لم يكن موقفها مفهوماً تماماً من قبل مجموعة كاملة من الشركاء”، كما قال بيغي، الذي أضاف: “لقد أطلِق [الميثاق] بشكل سيء للغاية وهذا أمر مؤسف. لكنني أعتقد أن تصحيح الأمور لا يزال ممكناً”.
قضية ايوان تيتيوتا
في 21 يناير من العام الحالي، أصدرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قراراً غير ملزم يخص إيوان تيتيوتارابط خارجي من جمهورية كيريباتي المطلة على المحيط الهادئ، الذي كان قد رَفَع دعوى ضد نيوزيلندا في عام 2016 بعد أن رَفَضت السلطات هناك طلبه باللجوء إليها “لأسباب مناخية”.
كان تيتيوتا قد هاجر إلى نيوزيلندا في عام 2007. وبعد إنتهاء صلاحية تأشيرته، تقدم بطلب للحصول على صفة اللاجئ فيها في 2010. وقد ادعى تيتيوتا حينها أن آثار التغير المناخي وارتفاع مستوى مياه البحر أجبرته على الهجرة من جزيرة تاراوا في جمهورية كيريباتي إلى نيوزيلندا. بيد أنه رُحِّلَ إلى كيريباتي في سبتمبر 2015 بحجّة أنّ حياته لم تكن في خطر.
وقد أيدت اللجنة قرار نيوزيلندا بترحيل تيتيوتا، قائلة أن حياته لن تكون معرضة إلى خطر مباشر في حالة إعادته، لكنها اقرت بأن التدهور البيئي وتغير المناخ هما من أكثر الأخطار التي تهدد الحق في الحياة.
وكما قالت اللجنة: “من دون بذل جهود وطنية ودولية قوية، فإن آثار تغير المناخ في الدول المُستقبلة قد تُعَرِّض حقوق الأشخاص للإنتهاك”. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تفعيل إلتزام الدول المُرسِلة بِعَدم ممارسة الإعادة القسرية التي تمنع أي دولة من إعادة طالبي اللجوء إلى بلد قد يتعرضون فيه للخطر.
عواقب قرار الامم المتحدة
يركز القرار الصادر عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في 21 يناير المنقضي (انظر الحاشية أعلاه) على قضية طلب اللجوء التي تقدم بها أيوان تيتيوتا، الذي بات منزله – في أرخبيل كيريباتي في المحيط الهادئ – مُهَدَّداً جرّاء ارتفاع مستوى مياه البحر.
قرار لجنة الأمم المتحدة كان تاريخياً وفقاً لكالين، لكن تأثيره الفوري كان “محدوداً جداً”. “إنه لا يستحدث إجراءً لتحديد وَضع اللاجئين، وهو لا يعني أن لدينا الآن العديد من الأشخاص الذين يستوفون الشروط – الصارمة إلى حدٍ ما – التي حددتها اللجنة”.
أما بيغي فيقول: “لا أعتقد أنه سيكون لدينا المزيد من لاجئي المناخ بعد هذا القرار. إنه قرار رمزي. إنه يُظهِر مستوى الوعي، ويشير إلى وجود خطر النزوح في بعض المناطق، وبان عدم إمكانية الإعادة القسرية لهؤلاء الأشخاص بات مصدراً للقلق في بعض البلدان”.
كانت الحكومة السويسريةرابط خارجي قد أعلنت في الماضي إن قانون اللجوء والقبول المؤقت الحالي سوف يغطي طالبي اللجوء النازحين لأسباب بيئية. حول ذلك، تقول أنيا كلوغ، مديرة مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في سويسرا وليختنشتاين: “لا أتوقع أن تكون هناك طلبات لجوء إلى سويسرا مستندة كلياً على تغير المناخ، لكن هناك امتيازات في المناطق التي يشكل تغير المناخ فيها عاملاً مؤثراً”.
أما كيت شويتزرابط خارجي، الباحثة في شؤون منطقة المحيط الهادئ لدى منظمة العفو الدولية فتقول: “القرار يشكل سابقة عالمية … الرسالة واضحة: لا ينبغي أن تكون دول جزر المحيط الهادئ مغمورة بالمياه قبل أن يجري تطبيق التزامات حقوق الإنسان التي تتصل بحماية الحقّ بالحياة.”
المزيد
لماذا نحتاج إلى الميثاق العالمي بشأن الهجرة؟
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.